بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ)
للشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصرالسّعدي
الدَّرس السَّابع والعشرون
*** *** *** ***
– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهمَّ اغفرْ لشيخِنا وللحاضرينَ والمستمعينَ. قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السِّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ: "فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المستنَبَطةِ مِن القرآنِ"
قالَ رحمَهُ اللهُ: الأوَّلُ الآخرُ، الظَّاهرُ الباطنُ
– الشيخ : هذه أربعةُ أسماءٍ للهِ تعالى جاءتْ في آيةٍ واحدةٍ، وفسَّرَها النبيُّ في دعائِه فقالَ: (اللَّهمَّ أنتَ الأوَّلُ فليسَ قبلَكَ شيءٌ) اللهُ تعالى وجودُه ليس له بدايةٌ، وجودُه واجبٌ، لا يقبلُ الحدوثَ ولا العدمَ، لذلك فهو الأوَّلُ السَّابقُ لكلِّ شيءٍ، وليسَ قبلَه شيءٌ. والآخرُ: هو الدَّائمُ، إذاً فهذانِ الاسمانِ يدلَّان على دوامه أزلاً وأبداً.
والظاهرُ فسَّرَه النبيُّ بقوله: (وأنتَ الظَّاهرُ فليسَ فوقَكَ شيءٌ) فهو من أدلَّة العلوِّ -علوِّ الله […..]
والرابعُ (وأنتَ الباطنُ فليسَ دونَكَ شيءٌ) فهو سبحانه وتعالى لا يحولُ بينه وبينَ خلقِه شيءٌ، فبصرُه نافذٌ في خلقه، وسمعُه واسعٌ لجميع الأصواتِ، وقدرتُه شاملةٌ كاملةٌ، على كلِّ شيءٍ قديرٌ.
– القارئ : قد فسَّرَها صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ بتفسيرٍ جامعٍ واضحٍ، حيثُ قالَ في دعاءِ الاستفتاحِ: (أنتَ الأوَّلُ فليسَ قبلَكَ شيءٌ، وأنتَ الآخرُ فليسَ بعدَكَ شيءٌ، وأنتَ الظَّاهرُ فليسَ فوقَكَ شيءٌ، وأنتَ الباطنُ فليسَ دونَكَ شيءٌ) فبيَّنَ معنى كلِّ اسمٍ ونفى ما يناقضُهُ، وهذا أعلى درجاتِ البيانِ. وهنا نكتفي بهذا التَّفسيرِ والبيانِ الَّذي لا يُحتاجُ إلى غيرِهِ.
ثمَّ قالَ رحمَهُ اللهُ تعالى: "الواسعُ"
– الشيخ : إِنَّ اللَّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:115] وجاءتْ تفسيره من رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً [غافر:7] فالواسعُ في جميع صفاتِه، وقدرتُه واسعةٌ، ورحمتُه واسعةٌ، وعلمُه واسعٌ.
– القارئ : الواسعُ.
أي: واسعُ الصِّفاتِ والنُّعوتِ ومتعلَّقاتِها، بحيثُ لا يُحصي أحدٌ ثناءً عليهِ، بل هوَ كما أثنى على نفسِهِ، واسعُ العظمةِ والسُّلطانِ والملكِ، فجميعُ العوالمِ العلويَّةِ والسُّفليَّةِ الظَّاهرةُ والباطنةُ كلُّها للهِ.
قالَ تعالى: وَلِلّهِ الْمَشْرِقُ وَالْمَغْرِبُ فَأَيْنَمَا تُوَلُّواْ فَثَمَّ وَجْهُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ وَاسِعٌ عَلِيمٌ [البقرة:115] وواسعُ العلمِ والحكمةِ، وعامُّ القدرةِ، ونافذُ المشيئةِ، وواسعُ الفضلِ والإحسانِ والرَّحمةِ، رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَّحْمَةً وَعِلْماً [غافر:7]
ومِن لطائفِ التَّعبُّدِ للهِ باسمِهِ الواسعِ، أنَّ العبدَ متى علمَ أنَّ اللهَ واسعُ الفضلِ والعطاءِ وأنَّ فضَلَهُ غيرُ محدودٍ بطريقٍ معيَّنٍ، بل ولا بطرقٍ معيَّنةٍ، بل أسبابُ فضلِهِ وأبوابُ إحسانِهِ لا نهايةَ لها أنَّهُ لا يُعلِّقُ قلبَهُ بالأسبابِ، بل يعلِّقُهُ بمسبِّبِها، ولا يتشوَّشُ إذا انسدَّ عنهُ بابٌ منها، فإنَّهُ يعلمُ أنَّ اللهَ واسعٌ عليمٌ، وأنَّ طرقَ فضلِهِ لا تُعَدُّ ولا تُحصَى، وأنَّهُ إذا انغلقَ منها شيءٌ انفتحَ غيرُهُ ممَّا قد يكونُ خيرًا وأحسنَ للعبدِ عاقبةً.
قالَ تعالى مشيرًا إلى هذهِ الحالِ الَّتي كثيرٌ مِن النَّاسِ لا يُوفَّقونَ لها، وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ [النساء:130] لـمَّا كانَتْ هذهِ الحالُ وهيَ حالُ الفراقِ يغلبُ على كثيرٍ مِن الزَّوجاتِ الحزنُ، ويكونُ أكبرَ داعٍ لهذا الحزنِ ما تتوهَّمُهُ مِن انقطاعِ رزقِها مِن هذهِ الجهةِ الَّتي تجري عليها، فوعدَ اللهُ الجميعَ وبشَّرَهم بفتحِ أبوابِ الخيرِ لهم، وأنَّهُ سيعطيهم مِن واسعِ فضلِهِ.
وكم مِن عبدٍ بهذهِ المثابةِ له سببٌ وجهةٌ مِن الجهاتِ الَّتي يجري عليهِ الرِّزقُ، فانغلقَتْ ففتحَ اللهُ لهُ بابًا -أو أبوابًا- مِن الرِّزقِ والخيرِ. وبهذا يُعْرَفُ اللهُ ويُعْلَمُ أنَّ الأمورَ كلَّها منهُ، وأنَّهُ مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ [فاطر:2]
ومِن سعتِهِ وفضلِهِ: مضاعفةُ الأعمالِ والطَّاعاتِ، الواحدُ بعشرٍ إلى سبعمائةٍ إلى أضعافٍ كثيرةٍ بغيرِ عَدٍّ ولا حسابٍ.
ومِن سعتِهِ: ما احتوَتْ عليهِ دارُ النَّعيمِ مِن الخيراتِ، والمسرَّاتِ والأفراحِ واللَّذَّاتِ المتتابعاتِ، ممَّا لا عينٌ رأتْ، ولا أذنٌ سمعَتْ، ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ. فخيرُ الدُّنيا والآخرةِ وألطافُهما مِن فضلِهِ وسعتِهِ، وجميعُ الأسبابِ والطُّرقِ المفضيةِ إلى الرَّاحاتِ والخيراتِ كلُّها مِن فضلِهِ وسعتِهِ.
ثمَّ قالَ رحمَهُ اللهُ تعالى: النُّورُ الهادي الرَّشيدُ
– الشيخ : إلى هنا يا أخي