بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ)
للشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصرالسّعدي
الدَّرس الثَّلاثون
*** *** *** ***
– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ ناصرٍ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ: "فَتحُ الرَّحيمِ الـمَلِكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ الـمُستنَبَطةِ مِن القرآنِ":
القولُ في عُلُوِّ البَاري، ومباينتِهِ لخلقِه، واستوائِه على عرشِهِ
– الشيخ : "علُّوِّهُ" ظاهرٌ، معناه: أنه فوقَ جميعِ مخلوقاتِه، وهذا ثابتٌ بالعقل والشرع. "واستوائِه على عرشِه" ثابتٌ بالكتاب والسنة، في مواضعَ من القرآن. "ومباينتِه لخلقه" هذه تأكيد أنه، يعني أنه تعالى ليس حالًّا، بل هو بائنٌ، ليس حالًّا، الـمُباينة معناها: عدمُ المداخلة، فهو مباينٌ لخلقِه غير مُداخِلٍ للخلقِ، وهذا لازمُ علوِّه، عُلوهُ على جميعِ المخلوقاتِ يَستلزم مباينتَه؛ لأنه لو كانَ حالًّا في شيءٍ من المخلوقات لم يكن مُباينًا، لم يكن عَاليًا.
– القارئ : هذا الأصلُ العظيمُ لمْ يَزَلِ الصحابةُ والتابعونَ لهمْ بإحسانٍ يعترفونَ ويعلمونَ علمًا لا يرتابونَ فيهِ بـِما دلَّ عليهِ الكتابُ والسُّنَّةُ مِن علوِّ اللهِ تعالى، وأنَّه فوقَ عبادِه، وأنَّه على العرشِ استَوى، وأنَّ لَه جميعَ معاني العلوِّ: عُلُوِّ الذاتِ، وعُلُوِّ القَدْرِ وعظمةِ الصفاتِ، وعُلُوِّ القَهْرِ لجميعِ الكائناتِ، حَتَّى نبغَتِ الجهميةُ ومَن تبعَهم فأنكروا المعنى الأول، لا ببرهانٍ عقليٍّ، فإنَّ العقلَ دلَّ على عُلُوِّ اللهِ تعالى على خلقِه بذاتِه دلالةً فطريةً واضحةً، ولا ببرهانٍ نقليٍّ، فإنَّ جميعَ النصوصِ تُنَافِي قولَهم وتبطلَهُ وتثبَتْ لَه تعالى كمالَ العُلُوِّ مِنْ كلِّ وجهٍ.
في القرآنِ "العلي" في مواضعَ كثيرةٍ وفيهِ "الأعلى"، وذلكَ يدلُّ على أنَّ علوَّهُ مِن لوازمِ ذاتِهِ وأنَّ جميعَ معانيهِ ثابتةٌ للهِ تعالى.
وفيهِ الإخبارُ عَن فوقيتِهِ للمخلوقاتِ كقوله: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ [النحل:50]
والإخبارُ بعروجِ الأشياءِ إليهِ وصعودِها وبنزولِها منه، كقولِه: تَعْرُجُ الْمَلَائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ [المعارج:4]، إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ [فاطر:10]، وكقولِهِ: حم * تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ في عِدَّةِ مواضعَ [الزمر:1، غافر:2، الجاثية:2، الأحقاف:2] فيدلُّ ذلكَ على عُلُوِّهِ، وعلى أنَّ القرآنَ كلامُ اللهِ غيرُ مخلوقٍ.
وكذلكَ قصةُ موسى وفرعون إذْ قالَ فرعون: وَقَالَ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ ابْنِ لِي صَرْحًا لَعَلِّي أَبْلُغُ الْأَسْبَابَ * أَسْبَابَ السَّمَاوَاتِ فَأَطَّلِعَ إِلَى إِلَهِ مُوسَى [غافر:37،36] وهذا ظاهرٌ غايةَ الظهورِ أنَّ فِرعونَ قَد أنكرً ما قالًه موسى -صلى الله عليه وسلم- مِن علوِّ اللهِ على خلقِهِ، فقالَ هذهِ المقالةَ مُوهماً ومُلَبِّسًا على قومِهِ، ولذلكَ كانَ السَّلَفُ يُسمُّونَ الجهميةَ الفرعونيَّة لاعتقادِهم نفيَ العلوِ، كما اعتقدَهُ وأنكرَهُ فرعونَ.
ومِنْ ذلكَ: اسمُهُ الظاهرُ حيثُ فسَّرَهُ -صلى الله عليه وسلم- أنَّهُ الذي ليسَ فوقَهُ شيءٌ.
ومِن ذلكَ: اختصاصَهُ لبعضِ مخلوقاتِهِ بقربِهِ وعِنديتِهِ، كقولِهِ عَن الملائكةِ: إِنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ [الأعراف:106] وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لَا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ [الأنبياء:19]
وأما استواؤُه على العرشِ
– الشيخ : إلى هنا بس [يكفي]
– القارئ : نعم، سطرين وينتهي
– الشيخ : نعم، قُلها
– القارئ : قال: وأما استواؤُهُ على العرشِ فقَدْ ذكرَهُ اللهُ في سبعةِ مواضعَ مِن القرآنِ، مثلَ قولِهِ: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] فالاستواءُ معلومٌ والكيفُ مجهولٌ، كما يُقالُ مثلَ ذلكَ في بقيةِ صفاتِ الباري، فإنَّ الكلامَ فيها مثلَ الكلامِ في الذَّاتِ، فكمَا أنَّ للهِ ذاتًا لا تُشبهُها الذواتُ، فلَهُ تعالى صفاتٌ لا تشبهُها الصفاتُ.
فصفةُ العلوِّ للهِ تعالى ثابتةٌ بالسَّمعِ والعَقلِ كمَا تقدَّمَ، وصفةُ الاستواءِ ثبتَت في الكتابِ وتواترَتْ بها السُّنَّةُ. انتهتِ المسألةُ.
– الشيخ : باركَ الله بك