الرئيسية/شروحات الكتب/فتح الرحيم الملك العلام/علم العقائد/(31) القول في نزول الرب إلى السماء الدنيا وإتيانه ومجيئه يوم القيامة

(31) القول في نزول الرب إلى السماء الدنيا وإتيانه ومجيئه يوم القيامة

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ)
للشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصرالسّعدي
الدَّرس الحادي والثَّلاثون

***    ***    ***    ***

 

– القارئ : أحسنَ اللهُ إليكَ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهمَّ اغفرْ لشيخِنا وللحاضرينَ والمستمعينَ. قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ ناصرٍ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى وأسكنَهُ فسيحَ جنانِهِ- في كتابِهِ: "فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المستنَبَطةِ مِن القرآنِ" قالَ رحمَهُ اللهُ:

القولُ في نزولِ الرَّبِّ إلى السَّماءِ الدُّنيا وإتيانِهِ ومجيئِهِ يومَ القيامةِ

– الشيخ : الشيخُ في هذه الفقرةِ يريدُ أن يبيِّنَ أنَّ اللهَ يفعلُ ما يشاءُ أفعالًا تقومُ به، وهي كلُّ أمرٍ يقوم به بمشيئته، وتُسمَّى عند أهلِ الشَّأن الأفعال الاختياريَّة؛ لأنَّها بمشيئته، وهو تعالى أخبرَ عن نفسِه أنَّه فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ [البروج:16] وأنَّه يفعل ما يشاءُ، هذا على سبيل العمومِ، وعلى سبيل الخصوصِ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ [الرعد:26] يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ … وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ … وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا [الشورى:49-50] هذه أفعالٌ خاصَّةٌ، وعلى هذا فهو تعالى ينزلُ إذا شاءَ إلى السَّماءِ الدُّنيا كما أخبرَ صلَّى الله عليه وسلَّم، واستوى على العرش حينَ شاءَ بعدَ خلقِ السَّموات والأرضِ، ويجيءُ يومَ القيامةِ كيفَ شاءَ، بمشيئتِه كما أخبرَ سبحانه وتعالى، وهكذا الأفعالُ من المحبَّة والغضبِ، يغضبُ إذا شاءَ على مَن شاءَ، ويحبُّ من شاءَ، ويتوبُ على من شاءَ وهو التَّوَّابُ.

 

– القارئ : وذلكَ أنَّ اللهَ تعالى فعّالٌ لما يريدُ، وقد تواترَتْ السُّنَّةُ بنزولِ الرَّبِّ إلى السَّماءِ الدُّنيا. والكتابُ قد دلَّ على كمالِ قدرتِهِ، وأنَّهُ الفعَّالُ لما يريدُ، وأنَّهُ ليسَ لهُ مثيلٌ ولا شبيهٌ

– الشيخ : يعني: نزولُه أو مجيئُه أو استواؤُه لا يماثله شيءٌ من نظير ذلك في المخلوقين، فليسَ نزوله كنزولهم، ولا استواؤُه على العرش كاستواءِ المخلوق على ظهورِ الفلكِ والأنعامِ، ولا يقالُ: "إنَّه ينزلُ بلا كذا وبلا كذا"، ينزلُ كيفَ شاء، ومن بديعِ كلماتِ السَّلف: يقول: "إذا قالَ لكَ الجهميُّ: "أنا أكفرُ بربٍّ يزولُ عن مكانِهِ"، فقلْ: "أنا أؤمنُ بربٍّ يفعلُ ما يشاءُ"، جوابٌ وردٌّ مختصَرٌ مفحِمٌ.

 

– القارئ : فإذا أخبرَ المعصومُ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- بنزولِهِ إلى السَّماءِ الدُّنيا، فما عذرُ المؤمِنِ إذا لم يعتقدْ ما أخبرَ بهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، وأنَّهُ ليسَ كمثلِهِ شيءٌ فهوَ ينزلُ كيفَ يشاءُ معَ كمالِ علوِّهِ، فإنَّ علوَّهُ مِن صفاتِهِ الذَّاتيَّةِ، ونزولَهُ وإتيانَهُ مِن أفعالِهِ الاختياريَّةِ التَّابعةِ لقدرتِهِ ومشيئتِهِ.

– الشيخ : يعني: علوُّهُ لا ينفكُّ عنه، فلا يكون في السَّفل، لا يُوصَفُ بالسَّفل، بل العلوُّ من الصِّفات الذَّاتيَّة، على المسلمِ أن يؤمنَ ويسلمَ ويقول: "ينزلُ كيفَ شاءَ"، ولا تطرحْ الأسئلةَ: "كيفَ يكون كذا؟ وكيفَ ينزلُ واللَّيل والنَّهار كيت وكيت؟" ينزلُ كيفَ شاءَ، ونزولُه ليس كنزولِنا، فلا يلزمُ من نزولِه ما يلزمُ في حقِّ المخلوقِ.

الصَّحابةُ -رضيَ اللهُ عنهم- لما أخبرَهم الرَّسولُ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- لما كان إيمانهم قائمًا على الانقيادِ والتَّسليم والرِّضى واليقين لم يوردوا عليه شيئًا من التَّساؤلات الفضوليَّة الَّتي تُنبي عن إمَّا عن كفرٍ، أو قلقٍ في الإيمانِ وعدمِ استقرارِ الإيمانِ.

 

– القارئ : وقالَ تعالى: وَجَاء رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً [الفجر:22]، وقالَ تعالى: هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَن تَأْتِيهُمُ الْمَلآئِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ أَوْ يَأْتِيَ بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ [الأنعام:158] الآيةَ.

وهذا صريحٌ لا يقبلُ التَّأويلَ بوجهٍ، ومَن تأوَّلَ هذا فكلُّ صفاتِهِ بل وأسمائِهِ الحسنى يتطرَّقُ إليها هذا التَّأويلُ، بل التَّحريفُ الباطلُ المنافي للكتابِ والسُّنَّةِ.

ثمَّ قالَ رحمَهُ اللهُ

– الشيخ : التَّأويلُ يُسمُّونَه التَّأويل له عدَّةُ معانٍ ومنها التَّفسيرُ، التَّفسيرُ الصَّحيح اسمُه تأويلٌ، ومن أنواعِ التَّأويلِ ما يَؤولُ إلى التَّحريفِ، فصرفُ الكلامِ عن ظاهرِه والمعنى الرَّاجحِ فيه إلى غيرِه يسمِّيه الأصوليُّونَ تأويلٌ، فإنْ كانَ مبنيًّا على دليلٍ فهو حقٌّ، وإن كانَ مبنيًّا على شبهاتٍ وظنونٍ فذلكَ هو التَّحريفُ، وجميعُ تأويلِ النُّفاةِ أو المعطِّلة، جميعُ تأويلاتهم لنصوصِ الصِّفات هو من قبيل التَّحريفِ، فيجمعون بهذا بين التَّحريفِ والتَّعطيل، الجهميَّة والمعتزلة ومن وافقَهم يجمعون بين التَّعطيل -وهو نفي ما أثبتَه اللهُ ورسولُه- والتَّحريف وهو صرفُ النُّصوص عن ظاهرِها إلى معانٍ أخرى بغيرِ حجَّةٍ.

 

– القارئ : القولُ في رؤيةِ المؤمنينَ ربَّهم في الآخرةِ.

على هذا جميعُ الصَّحابةِ والتَّابعينَ لهم بإحسانٍ وأئمةُ الدِّينِ والهدى، وبهِ أخبرَ اللهُ في كتابِهِ في عدَّةِ آياتٍ منها قولُهُ تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ [القيامة:22،23] أي: حسنةٌ نيِّرةٌ مِن السُّرورِ والنَّعيمِ، تنظرُ إلى وجهِ الملكِ الأعلى.

وقالَ تعالى: كَلَّا إِنَّهُمْ عَن رَّبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ [المطففين:15] وهذا مِن أدلِّ الأدلَّةِ على أنَّ المؤمنينَ غيرُ محجوبينَ عن ربِّهم؛ لأنَّ اللهَ توعَّدَ المجرمينَ بألمِ الحجابِ، فيستحيلُ أنْ يُحجَبَ المؤمنينَ عنهُ ويكونوا كأعدائِهِ.

وفي عمومِ قولِهِ تعالى: عَلَى الْأَرَائِكِ يَنظُرُونَ [المطففين:23] ما يدلُّ على رؤيةِ الباري، فهم ينظرونَ إلى ما أعطاهم مولاهم مِن النَّعيمِ الَّذي أعظمُهُ وأجلُّهُ رؤيةُ ربِّهم، والتَّمتُّعُ بخطابِهِ ولقائِهِ.

وقالَ تعالى: للَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26] يعني: للَّذينَ أحسنُوا في عبادةِ الخالقِ، بأنْ عبدُوهُ كأنَّهم يرونَهُ، فإنْ لم يصلوا إلى ذلكَ استحضرُوا رؤيةَ اللهِ تعالى، وأحسنُوا إلى عبادِ اللهِ بجميعِ وجوهِ البرِّ والإحسانِ القوليِّ والفعليِّ والماليِّ. فهؤلاءِ لهم الحُسنى وهيَ الجنَّةُ بما احتوَتْ عليهِ مِن النَّعيمِ المقيمِ، وفنونِ السُّرورِ، ولهم أيضًا زيادةٌ على ذلكَ وهوَ رؤيةُ اللهِ والتَّمتُّعُ بمشاهدتِهِ، وقربِهِ ورضوانِهِ والحظوةِ عندَهُ، بذلكَ فسَّرَها النَّبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-، وكذلكَ قولُهُ تعالى: لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا [ق:35] جمعَتْ كلَّ النَّعيمِ، وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:35]، وهوَ النَّظرُ إلى وجهِ اللهِ الكريمِ، والتَّمتُّعِ بلقائِهِ وقربِهِ.

كذلكَ ما في القرآنِ مِن التَّعميمِ لجميعِ أصنافِ النَّعيمِ، فإنَّ أعظمَ ما يدخلُ فيهِ رؤيةُ وجهِهِ الَّذي هوَ أعلى مِن كلِّ نعيمٍ، كقولِهِ تعالى: وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ [الزخرف:71] فكلُّ ما تعلَّقَتْ بهِ الأماني والشَّهواتُ والإراداتُ، فهوَ في الجنَّةِ حاصلٌ لأهلِها، وجميعُ ما تَلَذُّهُ الأعينُ مِن جميعِ المناظرِ العجيبةِ الـمُسِرَّةِ، فإنَّهُ فيها على أكملِ ما يكونُ.

وقولُهُ: تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلَامٌ [الأحزاب:44] فهذا إخبارٌ عن تحيَّةِ الكريمِ لهم، وأنَّهُ سلَّمَهم مِن جميعِ الآفاتِ، وسلَّمَ لهم جميعَ اللَّذَّاتِ والمُشتهياتِ، وإخبارٌ عن رؤيتِهِ وقربِهِ ورضوانِهِ؛ لأنَّ اللِّقاءَ تحصلُ بهِ هذهِ الأمورُ.

ثمَّ ذكرَ رحمَهُ اللهُ تعالى: ذكرَ أصولَ الإيمانِ الكلِّيَّةِ

– الشيخ : إلى هنا.

 

 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة