file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(32) ذكر أصول الإيمان الكلية

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ)
للشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصرالسّعدي
الدَّرس الثَّاني والثَّلاثون

***    ***    ***    ***

 

– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهمَّ اغفرْ لشيخِنا وللحاضرينَ والمستمعينَ.

قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ: "فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلَّامِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ" قالَ رحمَهُ اللهُ:

ذكرُ أصولِ الإيمانِ الكلِّيَّةِ.

قد ذكرَ اللهُ الإيمانَ ذكرًا عامًّا مطلقًا في مثلِ قولِهِ: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ [الحديد:7]، وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ [الحديد:19]، إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ، وذكرَهُ مقيَّدًا بما يجبُ الإيمانُ بهِ.

وأجمعُ الآياتِ المقيَّدةِ هيَ الآيةُ العظيمةُ الَّتي فرضَ اللهُ فيها على النَّاسِ الإيمانَ بجميعِ أصولِهِ الكلِّيَّةِ، وهيَ قولُهُ تعالى: قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ [البقرة:136]

– الشيخ : هذه الآيةُ تضمَّنَت الأصولَ -أصول الإيمان-: الإيمانُ بالله، وكتبه، ورسله. ويدخلُ في الإيمان بالكتب والرُّسل: الإيمانُ بالملائكةِ وباليوم الآخرِ؛ لأنَّ ذلكَ إنَّما حصلَ العلمُ به من طريق الرُّسل والكتب، إذًا فاشتملَت الآيةُ على أصولِ الإيمانِ كلِّها، منها ما هو نصٌّ، ومنها ما هو بدلالةِ التَّضمُّنِ.

 

– القارئ : وقد أخبرَ أنَّ الرَّسولَ والمؤمنينَ قامُوا بهذهِ الأصولِ في قولِهِ: آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ وَقَالُواْ سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ [البقرة:285].

فعلى كلِّ مؤمنٍ أنْ يؤمنَ باللهِ، ويَدْخُلُ في الإيمانِ باللهِ الإيمانُ بكلِّ ما وصفَ بهِ نفسَهُ، أو وصفَهُ بهِ رسولُهُ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- مِن صفاتِ الكمالِ ونفي أضدادِها.

– الشيخ : يعني يدخلُ في الإيمان بالله أنواعُ التَّوحيد الثَّلاث: الإيمانُ بإلاهيَّته وأنَّه الإلهُ الحقُّ الَّذي لا يستحقُّ العبادةَ غيرُه، هذا أوَّلُ ما يدخلُ في الإيمان، يدخلُ فيه الإيمانُ بربوبيَّته أنَّه ربُّ كلِّ شيءٍ ومليكه، وأنَّه خالقُ كلِّ شيءٍ، ويدخل فيه الإيمانُ به الإيمانُ بما أخبرَ به أو أخبرَ به رسولُه من الأسماء والصِّفات، فيدخلُ في الإيمان بالله أنواعُ التَّوحيد الثَّلاثة.

 

– القارئ : وأركانُ ذلكَ ثلاثةٌ: الإيمانُ بالأسماءِ كالعزيزِ الحكيمِ العليمِ الرَّحيمِ … إلى آخرِها.

والإيمانُ بالصِّفاتِ: كالإيمانِ بكمالِ عزَّةِ اللهِ وقدرتِهِ وعلمِهِ وحكمتِهِ ورحمتِهِ.

والإيمانُ بأحكامِ الصِّفاتِ ومتعلَّقاتِها: كالإيمانِ بأنَّهُ يعلمُ كلَّ شيءٍ، ويقدرُ على كلِّ شيءٍ، ورحمتُهُ وسعَتْ كلَّ شيءٍ … إلى آخرِها.

فهذا الإيمانُ باللهِ المتعلِّقُ بالعلمِ والاعتقادِ، ثمَّ يتبعُ هذا الإيمانُ باللهِ المتعلِّقُ بالحبِّ والإرادةِ، وهوَ التَّألُّهُ للهِ والقيامُ بعبوديَّتِهِ، امتثالاً لأمرِهِ، واجتنابًا لنهيِهِ.

ولهذا كانَ القيامُ بالدِّينِ كلِّهِ تصديقًا واعتقادًا وانقيادًا داخلاً بالإيمانِ باللهِ.

وبهذا يُعرَفُ أنَّ إطلاقَ الإيمانِ في كثيرٍ مِن الآياتِ القرآنيَّةِ يشملُ هذا كلَّهُ، لأنَّهُ رتَّبَ على المطلقِ مِن الأمرِ والمدحِ والثَّوابِ ما رتَّبَهُ على المقيَّدِ.

– الشيخ : يعني ليس الإيمانُ بالله مجرَّدَ الإيمانِ بوجود الله، الكافرُ الَّذي يقرُّ بوجود اللهِ ولم ينقدْ لحكمه ولم يقرَّ بإلهيَّته لا ينفعُه هذا الإيمانُ، مثلَما أنَّ المشركين كانوا يقرُّون بأنَّ اللهَ خالقُهم وخالقُ السَّموات والأرض ولم ينفعهم حينَ لم يخصُّوه بالعبادة ويقرُّوا بتفرُّده بالإلهيَّة حتَّى قالوا: أَجَعَلَ الْآَلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا[ص:5].

 

– القارئ : فجميعُ الأوصافِ الجميلةِ داخلةٌ في الإيمانِ، وكذلكَ الإيمانُ التَّامُّ ينفي الأخلاقَ الرَّذيلةَ كما قالَ تعالى: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ * أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقّاً لَّهُمْ دَرَجَاتٌ عِندَ رَبِّهِمْ وَمَغْفِرَةٌ وَرِزْقٌ كَرِيمٌ [الأنفال:2-4].

فوصفَهم بالإيمانِ القلبيِّ وأعمالِ القلوبِ مِن التَّوكُّلِ والزِّيادةِ في الإيمانِ، وبأعمالِ الجوارحِ مِن إقامِ الصَّلاةِ، وإيتاءِ الزَّكاةِ بالقيامِ بحقِّهِ وحقِّ خلقِهِ، وأخبرَ أنَّ هؤلاءِ هم الَّذينَ حقَّقُوا الإيمانَ، وانَّ لهم مِن اللهِ المغفرةَ الكاملةَ والثَّوابَ التَّامَّ.

وقالَ تعالى: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ إلى أن قال: أُوْلَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [المؤمنون:1-11].

فأخبرَ عنهم بالفلاحِ، وبشَّرَهم بالمنازلِ العاليةِ، كما وصفَهم بالإيمانِ الكاملِ الَّذي أثَّرَ في قلوبِهم الخضوعَ والخشوعَ في أشرفِ العباداتِ، وحفظَ ألسنتَهم وفروجَهم وجوارحَهم

– الشيخ : اللهُ أكبرُ، كلُّ هذه ثمراتُ الإيمانِ بالله، الخشوعُ في الصَّلاة وتركُ اللَّغو وأداءُ الحقوق وحفظُ الجوارح من معاصي الله، هذه كلُّها من مقتضيات الإيمان، وما يُؤتَى العبدُ إلَّا من ضعفِ إيمانِه (لا يزني الزَّاني حينَ يزني وهوَ مؤمِنٌ) فالَّذي يزني ما زنى إلَّا لنقصٍ في إيمانه، لو تحقَّقَ في قلبه الإيمانُ ما أقدمَ على الفاحشة من الزِّنى والسَّرقة وشرب الخمر وغير ذلك، لا إله إلَّا الله، ولهذا قال أهلُ السُّنَّة: إنَّ الإيمانَ يزيد بالطَّاعة وينقص بالمعصيةِ، وهو في الحقيقة ينقصُ بالمعصية بل ولا تحصلُ المعصيةُ إلَّا لنقصٍ في إيمانه قبلَ ذلك، فالمعصيةُ يسبقُها نقصٌ ويتبعها نقصٌ، فمُنشِئُ المعصيةِ نقصُ الإيمان، ومن آثار المعصيةِ نقصُ الإيمان أيضًا.

 

– القارئ : فأخبرَ عنهم بالفلاحِ، وبشَّرَهم بالمنازلِ العاليةِ، كما وصفَهم بالإيمانِ الكاملِ الَّذي أثَّرَ في قلوبِهم الخضوعَ والخشوعَ في أشرفِ العباداتِ، وحفظَ ألسنتَهم وفروجَهم وجوارحَهم، وبإقامِ الصَّلاةِ وإيتاءِ الزَّكاةِ، ومراعاتِهم للأماناتِ الشَّاملةِ لحقوقِ اللهِ وحقوقِ خلقِهِ، وأنَّهم مراعونَ لها، قائمونَ بها، وبالعهودِ الَّتي بينَهم وبينَ اللهِ، والَّتي بينَهم وبينَ خلقِهِ.

وقد ذكرَ ما يشبهُ ذلكَ في سورةِ المعارجِ، وكذلكَ ذكرَ اللهُ خصالَ الإيمانِ في قولِهِ: وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ [البقرة:177] الآياتَ، فحيثُ أطلقَ اللهُ الإيمانَ، أو أثنى على المؤمنينَ مطلقًا دخلَتْ فيهِ جميعُ هذهِ الأمورِ.

وقد يخصُّ بعضَها بالذِّكرِ ولكنَّها متلازمةٌ لا يتمُّ بعضُها إلَّا ببعضٍ.

ومِن الإيمانِ بالملائكةِ: الإيمانُ بأنَّهم قد جمعُوا خصالَ الكمالِ ونزَّهَهم اللهُ في أصلِ خلقتِهم مِن جميعِ المخالفاتِ، فهم عبادٌ مكرَمونَ عندَ ربِّهم لا يعصونَ اللهَ ما أمرَهم، ويفعلونَ ما يُؤمَرونَ، يُسبِّحونَ اللَّيلَ والنَّهارَ لا يفترونَ، وقد جعلَ اللهُ لكثيرٍ منهم وظائفَهم التَّدبيرَ لحوادثِ العالمِ، وأقسمَ بهم في عدَّةِ آياتٍ، فهم المدبِّراتُ أمرًا والمقسِّماتُ والملقياتُ للأنبياءِ والرُّسلِ ذكرًا عُذرًا أو نُذرًا، وهم الحفظةُ على بني آدمَ يحفظونَهم بأمرِ اللهِ مِن المكارهِ، ويحفظونَ عليهم أعمالَهم خيرَها وشرَّها، وقد وُصِفُوا في الكتابِ والسُّنَّةِ بصفاتٍ جليلةٍ، يتعيَّنُ على العبدِ الإيمانُ بكلِّ ما أخبرَ بهِ اللهُ ورسولُهُ

– الشيخ : فالإيمانُ بالملائكة إجمالًا هذا فرضُ عينٍ، أمَّا الإيمانُ بتفاصيلِ ما أخبرَ به اللهُ ورسولُه عنهم فهذا تبع العلم، فمن علمَ شيئًا من ذلك وجبَ الإيمانُ به، أمَّا الإيمانُ بالملائكة إجمالًا فهذا فرضُ عينٍ، أمَّا أن يعرفَ أصنافَ الملائكةِ وما وُكِّلُوا به وتفاصيل ذلك هذا حسبَ العلم، من علمَ شيئًا وصلَ إليه شيءٌ من علم التَّفصيلِ وجبَ عليه الإيمانُ به.

– القارئ : وقد وُصِفُوا في الكتابِ والسُّنَّةِ بصفاتٍ جليلةٍ، يتعيَّنُ على العبدِ الإيمانُ بكلِّ ما أخبرَ بهِ اللهُ ورسولُهُ عنهم وعن غيرِهم.

ومِن الإيمانِ بالرُّسلِ

– الشيخ : إلى آخرِه

 

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة