file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(34) الإيمان باليوم الاخر

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ)
للشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصرالسّعدي
الدَّرس الرَّابع والثَّلاثون

***    ***    ***    ***

 

– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهمَّ اغفرْ لشيخِنا وللحاضرينَ والمستمعينَ. قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ: "فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلَّامِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ"

قالَ -رحمَهُ اللهُ وغفرَ لهُ-: الإيمانُ باليومِ الآخرِ

– الشيخ : هذا هو الأصلُ الخامسُ من أصولِ الإيمانِ كما جاءَ في الآياتِ والأحاديث، الإيمانُ باللهِ وملائكتِه وكتبِه ورسلِه واليومِ الآخرِ، في بعضِ الرِّوايات -روايات الحديث-: (والبعثِ بعدَ الموتِ) وهو هو، البعثُ بعدَ الموتِ هو يكونُ في اليومِ الآخر، اللهُ أكبرُ، اليومُ الآخرُ، واللهُ يقرنُ بينَ الإيمانِ بالله وباليوم الآخرِ، يقرنُ بينَهما، (مَن كانَ يؤمنُ باللهِ واليومِ الآخرِ فليقلْ خيرًا أو ليصمتْ)، وَ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ [التوبة:99]، وقالَ المنافقون، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آَمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ [البقرة:8].

 

– القارئ : الإيمانُ باليومِ الآخرِ.

ومِن تمامِ الإيمانِ باللهِ

– الشيخ : واليومُ الآخر آخرٌ ما بعدَه ليالٍ وأيَّام، خلاص، يومٌ لا نهايةَ له، اليومُ الآخرُ هو يومٌ لا نهايةَ له، يبدأُ بالنَّفخِ في الصُّورِ وصعقِ من في السَّموات والأرض، ثمَّ قيام النَّاس من القبور ثمَّ الحشر والحساب والجزاء وفي ذلك اليوم يتفرَّقون، بعدَ الحشرِ والجمعِ يتفرَّقون، وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ [الروم:14] يذهبُ فريقٌ وفريقٌ، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ [الروم:15-16] ثمَّ ماذا بعدَ هذا؟ ما بعدَه شيءٌ، ما بعدَه إلَّا الأبد، فأهلُ الجنَّة في نعيمٍ مقيمٍ، وأهلُ النَّارِ في عذابٍ مقيمٍ، في عذابٍ مقيمٍ.

 

– القارئ : ومِن تمامِ الإيمانِ باللهِ ورسلِهِ وكتبِهِ: الإيمانُ باليومِ الآخرِ، وهوَ كلُّ ما جاءَ بهِ الكتابُ والسُّنَّةُ ممَّا يكونُ بعدَ الموتِ مِن أحوالِ الموتِ والبرزخِ والقبرِ، والقيامةِ والجنَّةِ والنَّارِ، ومُتعلَّقاتِ ذلكَ كلِّهِ داخلٌ بالإيمانِ باليومِ الآخرِ.

وقد تواترَتْ عن النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- الأحاديثُ المتنوِّعةُ

– الشيخ : اليومُ الآخرُ كما قلنا إنَّ بداية فعلًا أو بالفعل هو النَّفخُ في الصُّور وما بعدَه ولكن يلتحقُ بذلك ما يكون بعدَ الموتِ فإنَّه بعدَ الموتِ ينتقلُ الإنسانُ إلى دار الجزاءِ، دارُ الجزاءِ تبدأُ بالموت؛ لأنَّ الإنسانَ ينتقل من هذه الدُّنيا إلى دار البرزخِ الَّذي هو بينَ الدُّنيا والآخرة، وهو يحصل للإنسان قدرٌ من الجزاء، لكنَّ الجزاءَ على وجه التَّمام والتَّوفية تكون يومَ القيامةِ بعدَ البعثِ والنُّشورِ، ولكن في الحقيقة أنَّه بالموت يفارقُ الإنسانُ الحياةَ وينتقلُ إلى دارٍ أخرى، دارِ البرزخِ وهي من دارِ الجزاءِ.

 

– القارئ : والبرزخِ والقبرِ، والقيامةِ والجنَّةِ والنَّارِ، ومُتعلَّقاتِ ذلكَ كلِّهِ داخلٌ بالإيمانِ باليومِ الآخرِ.

وقد تواترَتْ عن النَّبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- الأحاديثُ المتنوِّعةُ في فتنةِ القبرِ، وعذابِهِ ونعيمِهِ، وأنَّ الميِّتَ تُعادُ إليهِ روحُهُ في قبرِهِ فيُسأَلُ عن ربِّهِ ودينِهِ ونبيِّهِ

– الشيخ : يا اللهُ، يا اللهُ، لا حولَ ولا قوَّةَ إلَّا بالله.

– القارئ : فيُثبِّتُ اللهُ الَّذينَ آمنُوا بالقولِ الثَّابتِ، فيقولُ المؤمِنُ: اللهُ ربِّي، ومحمَّدٌ نبيِّي، والإسلامُ ديني، فيُفسَحُ لهُ في قبرِهِ ويُنوَّرُ لهُ فيهِ، ويُنَعَّمُ فيهِ إلى يومِ القيامةِ كما وُصِفَ ذلكَ وفُصِّلَ في السُّنَّةِ.

وأمَّا الكافرُ والمنافِقُ فيضلُّهُ اللهُ عن الصَّوابِ لظلمِهِ وكفرِهِ، فيضيِّقُ عليهِ قبرَهُ، ولا يزالُ يُعذَّبُ إلى أنْ تقومَ السَّاعةُ.

ومِن المذنبِينَ مَن يُعذَّبُ في القبرِ مدَّةً بقدرِ ذنوبِهِ، ثمَّ يُرفَعُ عنهُ العذابُ، ومنهم مَن يُرفَعُ عنهُ العذابُ بشفاعةٍ أو دعاءٍ أو صدقةٍ أو نحوِ ذلكَ.

ثمَّ إذا تكاملَ الآدميُّونَ وماتُوا جميعًا أمرَ تعالى إسرافيلَ بالنَّفخِ في الصُّورِ، فيخرجونَ مِن قبورِهم إلى موقفِ يومِ القيامةِ

– الشيخ : هذه النَّفخةُ الثَّانيةُ، ولكن إنَّما يموتُ النَّاسُ جميعًا بالنَّفخة الأولى، وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ [الزمر:68] فهما نفختان.

 

– القارئ : فيخرجونَ مِن قبورِهم إلى موقفِ يومِ القيامةِ، حفاةً عراةً غرلاً، مهطعينَ إلى الدَّاعِ كأنَّهم إلى نصبٍ يوفضونَ، يومَ يُحشَرُ المتَّقونَ إلى الرَّحمنِ وفدًا، ويُساقُ المجرمونَ إلى جهنَّمَ وردًا، فيقفونَ موقفًا عظيمًا لا تتصوَّرُ العقولُ عظمَهُ وفظاعتَهُ وهولَهُ، ولكنَّ اللهَ يخفِّفُهُ على المؤمنينَ.

ويسيلُ العرقُ منهم فيكونونَ على قدرِ أعمالِهم، منهم مِن يأخذُهُ إلى كعبيهِ، وإلى ركبتيهِ، وإلى حِقْوَيْهِ، وإلى حَلقِهِ، ومنهم مَن يلجمُهُ العرقُ إلجامًا، وتدنُوا الشَّمسُ منهم فتكونُ على قدرِ مِيْلٍ منهم، ويصيبُ الخلقَ مِن الهمِّ والكربِ ما اللهُ بهِ عليمٌ، فيفزعونَ إلى مَن يَشفعُ لهم إلى ربِّهم؛ ليُرِيحَهم مِن هذا الموقفِ، ويفصلُ بينَهم، فيأتونَ آدمَ، ثمَّ نوحًا، ثمَّ إبراهيمَ، ثمَّ موسى، ثمَّ عيسى، وكلُّهم يعتذرُ ويدفعُهم إلى مَن بعدَهُ.

فإذا جاؤُوا لعيسى -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- قالَ: اذهبُوا إلى محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- عبدٍ غفرَ اللهُ لهُ ما تقدَّمَ مِن ذنبِهِ وما تأخَّرَ، فيأتونَ محمَّدًا -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- فيجيبُ طِلبتَهم ويُلبِّي دعوتَهم، ثمَّ يأتي إلى تحتِ العرشِ فيسجدُ للهِ سجدةً عظيمةً، يفتحُ اللهُ عليهِ مِن الثَّناءِ والتَّحميدِ والتَّمجيدِ للهِ ما لم يَفتحْهُ على أحدٍ مِن الأوَّلينَ والآخرينَ ويُقالُ: يا محمَّدُ ارفعْ رأسَكَ، وقلْ يُسمَعْ، وسَلْ تُعطَ، واشفعْ تُشفَّعْ، ويبعثُهُ اللهُ ذلكَ المقامَ المحمودَ الَّذي يحمدُهُ فيهِ الأوَّلونَ والآخرونَ أهلُ السَّماءِ وأهلُ الأرضِ، وينزلُ اللهُ للفصلِ بينَ عبادِهِ ومحاسبتِهم، وحينئذٍ تُنشَرُ دواوينُ الأعمالِ الحاويةُ لحسناتِ العبادِ وسيِّئاتِهم، وكلٌّ يُعطَى كتابَهُ، فيكونُ عنوانُ أهلِ السَّعادةِ أنْ يُعطَوا كتبَهم بأيمانِهم، فيكونُ ذلكَ أوَّلَ البشرى بـما تحتوي عليهِ كتبُهم مِن الخيراتِ، ويُعطَى أهلُ الشَّقاءِ كتبَهم بشمائلِهم، ومِن وراءِ ظهورِهم بشارةً لهم بالشَّقاوةِ، وفضيحةً لهم بينَ الخلائقِ.

– الشيخ : أعوذُ بالله

– القارئ : مَن جاءَ بالحسنةِ فلهُ عشرُ أمثالِها، ومَن جاءَ بالسَّيِّئةِ فلا يُجزَى إلَّا مثلَها، ويُحاسَبُ الكفَّارُ محاسبةَ توبيخٍ وفضيحةٍ بينَ الخلائقِ، ثمَّ يُؤمَرُ بهم إلى النَّارِ، ويحاسبُ اللهُ بعضَ المؤمنينَ حسابًا يسيرًا يضعُ اللهُ عليهِ كَنَفَهُ ويُقرِّرُهُ بذنوبِهِ، فإذا ظنَّ أنَّهُ هالكٌ قالَ اللهُ لهُ: (إنِّي سترْتُها عليكَ في الدُّنيا وأنا أغفرُها لكَ اليومَ) فلا يطَّلعُ عليها أحدٌ مِن الخلقِ، ويُعطَى كتابَهُ بيمينِهِ، وتُوضَعُ الموازينُ الَّتي تُوزَنُ بها الأعمالُ الصَّالحةُ والسَّيِّئةُ، فَمَن ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ * وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُوْلَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خَالِدُونَ [المؤمنون:103-102]

وينقسمُ النَّاسُ ثلاثةَ أقسامٍ: قسمٌ مستحِقِّونَ للثَّوابِ المحضِ، سالمونَ مِن العقابِ، وهم السَّابقونَ وأصحابُ اليمينِ، الَّذينَ أدَّوا الواجباتِ، وتركُوا المحرَّماتِ، وتابُوا ممَّا جَنَوهُ مِن المخالفاتِ.

وقسمٌ مستحِقُّون للعقابِ المحضِ، والمُخلَّدونَ في نارِ جهنَّمَ، وهم جميعُ مَن لم يؤمنْ بالرُّسلِ الإيمانَ الصَّحيحَ، مِن مشرِكٍ ومُستكبِرٍ، وجاحدٍ ومنافقٍ، ويهوديٍّ ونصرانيٍّ ومجوسيٍّ، وجميعِ مَن حكمَتْ عليهِ النُّصوصُ الصَّحيحةُ بالخروجِ مِن الإسلامِ.

وقسمٌ ثالثٌ ظالمونَ لأنفسِهم مُخلِّطونَ، فهؤلاءِ مَن رجحَتْ حسناتُهُ على سيِّئاتِهِ دخلَ الجنَّةَ ولم يدخلْ النَّارَ، وَمَنْ استوَتْ حسناتُهُ وسيِّئاتُهُ فهم أهلُ الأعرافِ، وهو موضعٌ عالٍ مشرفٌ على الجنَّةِ والنَّارِ، يقيمونَ فيهِ ما شاءَ اللهُ تعالى، ثمَّ يتداركُهم المولى برحمتِهِ فيُدخلُهم الجنَّةَ.

ومَنْ رجحَتْ سيِّئاتُهُ على حسناتِهِ، فلا بدَّ مِن دخولِهِ النَّارَ بقدرِ ذنوبِهِ، ثمَّ بعدَ ذلكَ يدخلُ الجنَّةَ إلَّا أنْ تحصلَ لهُ شفاعةٌ، فإنَّ الشفاعةَ لأهلِ الذُّنوبِ والمعاصي ثابتةٌ، يَشفعُ محمَّدٌ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- ويَشفعُ الأنبياءُ، ويَشفعُ خواصُّ المؤمنينَ فيمَن استحقَّ النَّارَ ألَّا يدخلَها، وفيمَن دخلَها وأعمالُهُ تقتضي الزِّيادةَ على تلكَ المدَّةِ أنْ يخرجَ منها، ويُخرِجُ اللهُ مِن النَّارِ أقوامًا برحمتِهِ.

ويَنْصبُ الصِّراطَ على متنِ جهنَّمَ، يمرُّ النَّاسُ عليهِ على قدرِ أعمالِهم، فمَن مرَّ عليهِ فهوَ مِن النَّاجِينَ، ولا يدعُ اللهُ في النَّارِ أحدًا في قلبِهِ أدنى أدنى مثقالِ حبَّةِ خردلٍ مِن إيمانٍ، ويبقى فيها أهلُها الَّذين هم أهلُها خالدينَ أبدًا، ولا يُفتَّرُ عنهم عذابُها.

– الشيخ : أعوذُ بالله

– القارئ : وقد وصفَ اللهُ تعالى عذابَ النَّارِ

– الشيخ : بس [يكفي] قف على هذا، كأنَّ الشَّيخَ -ما شاءَ اللهُ تعالى- استرسلَ.

– طالب: يا شيخنا النَّفخة، نفختان يا شيخ [….]

– الشيخ : هذا هو الظَّاهرُ، واللهُ أعلمُ، النَّفخةُ الثَّالثة ما هي بواضح، بعضُهم يقولُ: إنَّها ثلاثةٌ: الفزعُ فالصَّعقُ..

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة