الرئيسية/شروحات الكتب/فتح الرحيم الملك العلام/علم العقائد/(35) الإيمان باليوم الاخر قوله “وقد وصف الله تعالى عذاب النار وصفة أهلها بأفظع الأوصاف”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(35) الإيمان باليوم الاخر قوله “وقد وصف الله تعالى عذاب النار وصفة أهلها بأفظع الأوصاف”

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ)
للشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصرالسّعدي
الدَّرس الخامس والثَّلاثون

***    ***    ***    ***

 

– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهمَّ اغفرْ لشيخِنا وللحاضرينَ والمستمعينَ. قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى وأسكنَهُ فسيحَ جِنانِهِ- في كتابِهِ: "فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلَّامِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ" قالَ رحمَهُ اللهُ:

الإيمانُ باليومِ الآخرِ، إلى أنْ قالَ: وقد وصفَ اللهُ تعالى عذابَ النَّارِ وصفةَ أهلِها بأفظعِ الأوصافِ

– الشيخ : نسألُ اللهَ العافيةَ، أعوذ بالله، عذابُ النَّار ليس بعدَه عذابٌ، فَيَوْمَئِذٍ لا يُعَذِّبُ عَذَابَهُ أَحَدٌ * وَلا يُوثِقُ وَثَاقَهُ أَحَدٌ [الفجر:25-26] وُصِفَ عذابُ النَّار بأنَّه أليمٌ وشديدٌ ومهينٌ وعظيمٌ، وُصِفَ بكلِّ صفاتِ الشِّدَّةِ والفظاعةِ، أليمٌ وشديدٌ وعظيمٌ وأليمٌ ومهينٌ، نعوذُ بالله من النَّار، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201] ينبغي الإكثارُ من هذا الدُّعاءِ الجامعِ، كانَ النَّبيُّ يكثرُ أن يدعو به، يتضمَّنُ طلبَ خيرِ الدُّنيا والآخرةِ والوقاية من أخطرِ الأشياءِ وأفظعِها وهي النَّارُ وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ [البقرة:201].

 

– القارئ : وأنَّ اللهَ يجمعُ لهم بينَ أصنافِ العقابِ المفرطِ

– الشيخ : أعوذُ بالله

– القارئ : يعذِّبُهم بالنَّارِ المحرِقةِ الَّتي تطَّلعُ على الأفئدةِ، وكلَّما احترقَتْ جلودُهم بُدِّلُوا جلودًا غيرَها

– الشيخ : أعوذُ بالله

– القارئ : ليُعادَ عليهم العذابُ ويذوقُوا شدَّتَهُ، وبالجوعِ المفرِطِ والعطشِ المفرِطِ.

فالجوعُ والعطشُ، مِن أعظمِ العذابِ والآلامِ، وما يُغاثونَ بهِ إذا طلبُوا الشَّرابَ والطَّعامَ عذابٌ أشدُّ وأفظعُ

– الشيخ : أعوذُ بالله

– القارئ : فإنَّهم إذا استغاثُوا للشَّرابِ أُغيثُوا بماءٍ كالمهلِ يشوي الوجوهَ، فلا يدعُهم العطشُ الشَّديدُ حتَّى يتناولُوهُ، فيقطِّعُ منهم الأمعاءَ، ويستغيثونَ للطَّعامِ فيُؤتَونَ بالزَّقُّومِ الَّذي حرارتُهُ أعظمُ مِن حرارةِ الرَّصاصِ المُذابِ

– الشيخ : أعوذُ بالله

– القارئ : وهيَ في غايةِ المرارةِ وقبحِ الرِّيحِ، فيغلي في بطونِهم كغلي الحميمِ

– الشيخ : أعوذُ بالله

– القارئ : ويسلسلُ المجرمونَ بسلاسلَ مِن نارٍ، وتُغَلُّ أيديهم إلى أعناقِهم ويُسحَبونَ في الحميمِ، ثمَّ في النَّارِ يُسجَرونَ.

ويتردَّدونَ في عذابِهم بينَ لهبِ النَّارِ وحرارتِها الَّتي لا يمكنُ وصفُها، وبينَ بردِ الزَّمهريرِ الباردِ الَّذي يكسرُ العظامَ مِن قوَّةِ بردِهِ، ويُجمَعُ لهم بينَ جميعِ ألوانِ العذابِ، وبينَ عذابِ الحجابِ عن ربِّهم، وبينَ اليأسِ مِن رحمتِهِ، وآخرُ أمرِهم العذابُ المُؤبَّدُ والشَّقاءُ السَّرمديُّ.

– الشيخ : أعوذُ بالله، أعوذُ بالله

– القارئ : وأمَّا الجنَّةُ وما أعدَّ اللهُ فيها لأهلِها مِن النَّعيمِ، وما عليهِ أهلُها مِن السُّرورِ القلبيِّ والرُّوحيِّ والبدنيِّ، فقد ذكرَ اللهُ أوصافَ الجنَّةِ مبسوطًا مفصَّلاً في كثيرٍ مِن الآياتِ، وأطلقَهُ معمَّمًا شاملاً في آياتٍ، مثلُ قولِهِ تعالى: لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ [ق:35]، للَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ [يونس:26]، وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ [الزخرف:71]، فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة:17]، وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيماً وَمُلْكاً كَبِيراً [الإنسان:20]، وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاء فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ [الزمر:74]، وإلى غيرِ ذلكَ مِن الآياتِ العامَّةِ الشَّاملةِ لنعيمِ الأبدانِ، وسرورِ الأرواحِ، وأفراحِ القلوبِ، وشهواتِ النُّفوسِ، ممَّا لا عينٌ رأَتْ، ولا أذنٌ سمعَتْ، ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ.

ووصفَ نعيمَها مفصَّلاً، فتقدمَ ذكرُ رؤيةِ الباري الَّذي هوَ أعلى نعيمٍ يحصلُ لأهلِ الجنَّةِ، والتَّمتُّعُ بلقائِهِ ورضوانِهِ، وسماعُ كلامِهِ وخطابِهِ.

وأخبرَ تعالى أنَّ جميعَ أصنافِ الفواكهِ الموجودةِ في الدُّنيا موجودةٌ في الجنَّةِ ما يشبهُها في الاسمِ فقط، لا في الحُسنِ واللَّذَّةِ وطِيبِ الطَّعمِ والتَّنعُّمِ بتناولِهِ، وفيها أشياءٌ ليسَ لها في الدُّنيا نظيرٌ، ولهذا قالَ: فِيهِمَا مِن كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ [الرحمن:52]، وقولُهُ: وَفَاكِهَةٍ مِّمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِّمَّا يَشْتَهُونَ [الواقعة:20-21] وذُلِّلَتْ قطوفُها -أي: ثمارُها- تذليلاً، كقولِهِ: وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ [الرحمن:54] يتناولُهُ القائمُ والقاعدُ والماشي وعلى أيِّ حالٍ.

وأنَّ أنهارَها تجري مِن تحتِهم أنهارٌ مِن ماءٍ غيرِ آسنٍ، وأنهارٌ مِن لبنٍ لم يتغيَّرْ طعمُهُ، وأنهارٌ مِن خمرٍ لذَّةً للشَّاربينَ، وأنهارٌ مِن عسلٍ مصفَّىً، ولهم فيها مِن كلِّ الثَّمراتِ.

ووصفَ فرشَهم بأنَّ بطائنَها مِن إستبرقٍ وهوَ أعلى أنواعِ الحريرِ، فكيفَ بالظَّهائرِ؟ وأنَّ لباسَهم فيها حريرٌ، وحُليُّهم الذَّهبُ والفضَّةُ واللُّؤلؤُ وأنواعُ الجواهرِ الفاخرةِ، وذلكَ شاملٌ لذكورِهم وإناثِهم، وأنَّ أزواجَهم الحورُ العِينُ خَيِّراتُ الأخلاقِ، حِسَانُ الأوجهِ، جمعَ اللهُ لهنَّ بينَ الحسنِ والجمالِ الباطنِ والظَّاهرِ، {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} مِن حُسنهنَّ وصفائِهنَّ، وأنَّهنَّ عُرُبٌ متحبِّباتٌ إلى أزواجِهنَّ بحسنِ التَّبعُّلِ، ولطفِ الآدابِ، وحسنِ الحركاتِ والألفاظِ الرَّقيقةِ والحواشي المليحةِ.

وأنَّهنَّ أبكارٌ أترابٌ في غايةِ سنِّ الشَّبابِ وقوَّتِهِ، وفي كمالِ الصَّفاءِ بينَهنَّ وعدمِ التَّباغُضِ، بل نزعَ الغلَّ مِن صدورِ جميعِ أهلِ الجنَّةِ، إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ [الحجر:47]، وأنَّهنَّ مطهَّراتٌ مِن جميعِ الآفاتِ، مطهراتٌ مِن الأدناسِ الحسِّيَّةِ والأدناسِ المعنويَّةِ، كاملاتٌ مُكمَّلاتٌ، وأنَّهنَّ قاصراتٌ طرفَهنَّ على أزواجِهنَّ مِن حسنِ أزواجِهنَّ وعفَّتِهنَّ، قاصراتٌ طرفَ أزواجِهنَّ عليهنَّ مِن جمالِهنَّ الفائقِ الَّذي لا يبغي بعلُها بها بدلاً، ولا يقولُ: لو أنَّ هذا الوصفَ أكملُ مِن هذا؛ لأنَّهُ يرى ما يُحيِّرُ لبَّهُ، ويُذهِلُ عقلَهُ مِن الحسنِ الباهرِ، والبهاءِ التَّامِّ.

وأنَّهم في الجنَّةِ مُتعاشِرونَ معَ أحبابِهم وأصحابِهم، يتزاورونَ ويتطارحونَ الكلامَ الطَّيِّبَ، والأحاديثَ الشَّائقةَ، ويتذاكرونَ نِعَمَ اللهِ وآلاءَهُ عليهم سابقًا ولاحقًا، ويُسبِّحونَ اللهَ بكرةً وعشيًا، وأنَّ اللهَ نزّهَهم مِن البولِ والأدناسِ، وكلِّ ما لا تشتهيهِ النُّفوسُ، بل طعامُهم وشرابُهم يخرجُ عرقًا أطيبَ مِن المسكِ الأَذْفَرِ، وأنَّ اللهَ جمعَ بينَهم وبينَ مَنْ صلحَ مِنْ آبائِهم وأمَّهاتِهم وأولادِهم وزوجاتِهم

– الشيخ : نسألُ اللهَ

– القارئ : ليتمَّ نعيمَهم ويكملَ سرورَهم.

وهذهِ الآيةُ تجمعُ كلَّ نعيمٍ تتعلَّقُ بهِ الأماني، وتطلبُهُ النُّفوسِ وهيَ قولُهُ تعالى: ذَوَاتَا أَفْنَانٍ [الرحمن:48] وهيَ جمعُ فَنٍّ، لا جمعُ فَنَنٍ

– الشيخ : الفَنَنُ: الغصنُ، الفَنُّ: النَّوعُ، ذَوَاتَا أَفْنَانٍ [الرحمن:48] جمعُ فَنٍّ، لا جمعُ فَنَنٍ؛ لأنَّ الفَننَ هو الغصنُ.

– القارئ : أي: كلُّ نوعٍ وجنسٍ مِن النَّعيمِ والسُّرورِ موجودٌ فيهما، حاصلٌ على أكملِ الوجوهِ وأتمِّها، وتمامُ ذلكَ الخلودُ الدَّائمُ، والنَّعيمُ المُستمِرُّ، والأفراحُ المتواصِلةُ الَّتي تزدادُ على الدَّوامِ. فجميعُ ما وردَ بهِ الكتابُ والسُّنَّةُ مِن أحوالِ الدَّارَينِ وتفاصيلُ ذلكَ كلِّهِ داخلٌ في الإيمانِ باليومِ الآخرِ.

والإيمانُ باليومِ الآخرِ على درجتَينِ:

أحدِهما: التَّصديقُ الجازمُ

– الشيخ : إلى هنا، الإيمانُ باليوم الآخرِ هو الأصلُ الخامسُ من أصول الإيمانِ السِّتةِ الَّتي فسَّرَ بها النَّبيُّ -صلَّى الله عليه وسلَّم- الإيمانَ، (أنْ تؤمنَ باللهِ وملائكتِهِ وكتبِهِ ورسلِهِ واليومِ الآخرِ) ويُعبَّرُ عنه بالبعث، ويُعبَّرُ عنه بلقاءِ اللهِ فإنَّ لقاءَ اللهِ يكونُ يومَ القيامةِ.

ومن أعظمِ ما يدخلُ في الإيمان باليومِ الآخرِ: الإيمانُ بالجنَّةِ والنَّارِ، الإيمانُ بالجنَّة والنَّار وما جاء في الكتاب والسُّنَّة في شأنهما إجمالًا وتفصيلًا كما ذكرَ الشَّيخُ، فإنَّ اللهَ أخبرَ عن الجنَّة والنَّار بإجمالٍ، وأخبرَ عنهما تفصيلًا كما أشارَ الشَّيخُ إلى ذلك واقتبسَ من آياتِ القرآنِ ما يدلُّ على ذلك.

ومجموعُ الأدلَّة يدلُّ على أنَّ الخيرَ كلَّه بحذافيره في الجنَّة، والشَّرَّ كلَّه بحذافيره في النَّار، فالنَّارُ فيها كلُّ سوءٍ وكلُّ ألمٍ وكلُّ شقاءٍ، والجنَّةُ [يقصد – الشيخ : النار] دارُ الخبيثين ودارُ كلِّ خبيثٍ لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعًا [الأنفال:37]، وكلُّ الكافرين هم من جنس الخبيثِ، والجنَّةُ دارُ الطَّيبين فهي الطَّيِّبةُ للطَّيِّبين، والطَّيِّبُ كلُّ المؤمنين.

فعلى المسلمِ أنْ يتدبَّرَ القرآنَ وأنْ يتذكَّرَ بما فيه من الوعدِ والوعيد، وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ [طه:113]، اللهُ صرَّفَ فيه من الوعدِ والوعيدِ شيئًا كثيرًا، ترغيبًا وترهيبًا، ترغيبًا وترهيبًا، ترغيبًا في الأعمال الصَّالحة وما تفضي إليه، وترهيبًا من الأعمال السَّيِّئة وما تفضي إليه، وبهذا كانتْ دعوةُ الرُّسلِ، وبهذا أرسلَ اللهُ الرُّسلِ مبشِّرينَ ومنذرين، مبشِّرين لمن أطاعَهم بما أعدَّ اللهُ لهم من السَّعادةِ والفوز العظيم، ومنذرين من عصاهم بالشِّقوة وبالعذاب الأليمِ، مبشرين ومنذرين، وأخبرَ.. ووصفَ اللهُ نبيَّهُ بأنَّه بشيرٌ ونذيرٌ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [فاطر:24] وقال تعالى: وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا [الأحزاب:46].

 

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة