الرئيسية/شروحات الكتب/فتح الرحيم الملك العلام/علم العقائد/(36) والأيمان باليوم الاخر على درجتين
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(36) والأيمان باليوم الاخر على درجتين

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ)
للشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصرالسّعدي
الدَّرس السَّادس والثَّلاثون

***    ***    ***    ***

 

– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهمَّ اغفِرْ لشيخِنا وللحاضرينَ والـمستمعينَ. قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ ناصرٍ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى وأسكنَهُ في فسيحِ جنانِهِ- في كتابِهِ: "فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلَّامِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ" قالَ رحمَهُ اللهُ:

والأيمانُ باليومِ الآخرِ على درجتَينِ:

أحدِهما: التَّصديقُ الجازمُ الَّذي لا ريبَ فيهِ بوجودِ ذلكَ على حقيقتِهِ. فهذا لا بدَّ فيهِ مِن الإيمانِ.

والدَّرجةِ الثَّانيةِ: التَّصديقُ الرَّاسخُ المثمِرُ للعملِ، فإنَّ مَن علمَ ما أعدَّ اللهُ للطَّائعينَ مِن الثَّوابِ، وما للعاصينَ مِنَ العقابِ علمًا واصلاً إلى القلبِ، فلابدَّ أنْ يُثمرَ لهُ هذا الإيمانُ الجدَّ في الأعمالِ الموصِلةِ إلى الثَّوابِ، والحذرَ مِن الأعمالِ الموجِبةِ للعقابِ.

ومِن أصولِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ أنَّ الدِّينَ والإيمانَ اسمٌ يجمعُ اعتقاداتِ القلوبِ وأعمالَها وأعمالَ الجوارحِ، وأنَّهُ يزيدُ وينقصُ، ويتفاضلُ أهلُ الإيمانِ فيهِ تفاضُلاً عظيمًا، وجعلَهم اللهُ في كتابِهِ ثلاثَ طبقاتٍ:

سابقينَ إلى الخيراتِ، وهم الَّذينَ أدَّوا الواجباتِ والمستحبَّاتِ، وتركُوا الـمُحرَّماتِ والمكروهاتِ، وفضولَ المباحاتِ.

وأصحابُ اليمينِ اقتصرُوا على أداءِ الفرائضِ، واجتنابِ المحارمِ.

وظالمينَ لأنفسِهم خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ [التوبة:102]

قالَ تعالى: وَإِذَا مَا أُنزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُم مَّن يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَاناً فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ فَزَادَتْهُمْ إِيمَاناً وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ [التوبة:124-125]، وقوله: لِيَزْدَادُوا إِيمَاناً مَّعَ إِيمَانِهِمْ [الفتح:4] وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى [مريم:76]

– الشيخ : هذهِ كلُّها تدلُّ على مذهب أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ في أنَّ الإيمانَ يزيدُ وينقصُ خلافًا للمرجئةِ وخلافًا للخوارج، فكلُّهم يقولون: إذا ذهبَ بعضُه ذهبَ كلُّه، أمَّا أهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ فيقولون: الإيمانُ شاملٌ للأقوال والأعمال الظَّاهرةِ والباطنةِ وأنَّه يزيدُ وينقصُ، فيزيدُ بالطَّاعة وينقصُ بالمعصية، ويزيدُ بالعلم وينقصُ بالجهل والإعراضِ.

 

– القارئ : والهدى هوَ علومُ الإيمانِ وأعمالُهُ، والنُّصوصُ على هذا الأصلِ مِن الكتابِ والسُّنَّةِ كثيرةٌ جدًّا.

وهوَ معلومٌ بالحسِّ والوجدانِ؛ فإنَّ المؤمنينَ يتفاضلونَ في علومِ الإيمانِ قلَّةً وكثرةً، وقوَّةَ يقينٍ وضعفَهُ، ويتفاضلونَ في أعمالِ القلوبِ الَّتي هيَ روحُ الإيمانِ وقلبُهُ مثلُ محبَّةِ اللهِ وخوفِهِ ورجائِهِ، والتَّوكُّلِ عليهِ والإنابةِ إليهِ، والإخباتِ والخضوعِ والتَّعظيمِ، هذا أمرٌ لا يمتري فيهِ مَن لهُ أدنى عقلٍ.

ويتفاضلونَ في أعمالِ الجوارحِ كالصَّلاةِ والزَّكاةِ والصِّيامِ والحجِّ فرضِ ذلكَ ونفلِهِ، والقيامِ بحقوقِ اللهِ وحقوقِ عبادِهِ مِن البرِّ والصِّلةِ للأقاربِ والجيرانِ والأصحابِ والإحسانِ إلى الخلقِ تفاوتًا عظيمًا.

– الشيخ : اللهُ أكبرُ، التَّفاوتُ في الأعمالِ الظَّاهرة أمرٌ ظاهرٌ مشاهَدٌ، تفاضُلُ النَّاسِ في عبادتهم في صلاتهم في عبادتهم في تطوُّعاتهم في إحسانهم تفاضُلٌ ظاهرٌ محسوسٌ مشاهَدٌ، أمَّا التَّفاضُلُ في أعمال القلوب فهذا أمرٌ مستورٌ، إنَّما يعلمُه علَّامُ الغيوبِ فهو يعلمُ ما في قلوب العبادِ وما بينَهم من تفاضُلٍ في هذه الأعمالِ: من خوفٍ ورجاءٍ وتوكُّلٍ وحبٍّ في الله وبغضٍ في اللهِ ومحبَّةٍ لله ورسوله، فالقلوبُ يتعلَّقُ بها من الدِّينِ أمران: علومٌ وهي الاعتقاداتُ، اعتقاداتٌ، وأعمالٌ وهي أعمالُ القلوبِ، فالتَّوكُّلُ والخوفُ والرَّجاءُ والحبُّ في الله والبغضُ في الله هذه أعمالُ القلوبِ، والإيمانُ بالله وباليوم الآخر وبالكتب والرُّسل والإيمان بوجوب الواجبات وتحريمِ المحرَّماتِ هذا من قبيلِ العلومِ ومن قبيلِ الاعتقاداتِ.

 

– القارئ : فمَن زعمَ أنَّ الإيمانَ لا يزيدُ ولا ينقصُ، فقد قالَ ما خالفَ النَّقلُ والعقلُ والحسُّ والواقعُ

– الشيخ : لا، "ما خالفَ العقلَ والنقلَ والحسَّ والواقعَ"

– القارئ : فقد قالَ ما خالفَ النَّقلَ والعقلَ والحِسَّ والواقعَ، حتَّى ولو فسَّرَهُ بمجرَّدِ التَّصديقِ، فإنَّهُ يتفاوتُ تفاوتًا ظاهرًا لكلِّ أحدٍ.

– الشيخ : حتَّى من يفسِّرُ الإيمانَ بالتَّصديقِ يلزمُه أن يكونَ، أن يزيدَ وينقصَ فالتَّصديقُ يقوى ويضعفُ، فليس الخبرُ كالمعاينة، وما تواترَ يفيدُ علمًا فوقَ ما تفيدُه أخبارُ الآحادِ، وما تفيدُه شهادةُ اثنين فوقَ ما تفيدُه شهادةُ الواحدِ، فهذا أمرٌ معلومٌ تفاوت التَّصديق وتفاوت العلم.

– القارئ : ويتفرَّعُ على هذا الأصلِ أنَّ العاصيَ وصاحبَ الكبيرةِ لا يخرجُ مِن الإيمانِ بالكلِّيَّةِ، ولا يُعطَى الاسمَ الكاملَ المُطلَقَ، فهوَ مؤمنٌ بما معَهُ مِن الإيمانِ، فاسقٌ ناقصُ الإيمانِ بما تركَهُ مِن واجباتِ الإيمانِ، ما معَهُ مِن الإيمانِ الَّذي لا يُخالطُهُ كفرٌ يمنعُهُ مِن الخلودِ في النَّارِ.

وأمَّا الإيمانُ المُطلَقُ الكاملُ فإنَّهُ يمنعُ دخولَ النَّارِ بالكلِّيَّةِ

– الشيخ : اللهُ أكبرُ، نسألُ اللهَ..

– القارئ : وقد ذكرْنا في القواعدِ أنَّ أسماءَ المدحِ والثَّناءِ على المؤمنينَ، وترتيبِ الثَّوابِ المطلَقِ عليهِ ونفي العقابِ إنَّما هوَ الإيمانُ الكاملُ، وأنَّ خطابَ اللهِ للمؤمنينَ بالأمرِ والنَّهي والتَّشريعِ يَعُمُّ كاملَ الإيمانِ وناقصَهُ.

ويتفرَّعُ أيضًا على هذا الأصلِ أنَّ العبدَ قد يجتمعُ فيهِ خيرٌ وشرٌّ، وإيمانٌ وخصالُ كفرٍ، أو نفاقٍ، وأنَّهُ يستحقُّ المدحَ على ما فيهِ مِن خصالِ الخيرِ، والذَّمَّ على ما فيهِ مِن خِصالِ الشَّرِّ.

– الشيخ : وهذا هو العدلُ، العدلُ: وضعُ الأمورِ في مواضِعها وإنزالُ كلٍّ منزلتها، فلا يُسوَّى المؤمنُ بالكافر، يعني العاصي لا يُسوَّى بالكافر خلافًا للخوارج والمعتزلة، ولا يُسوَّى الفاجرُ بالمؤمن التَّقي الصَّالح كما تفعلُ المرجئةُ بل لا بدَّ من العدل وإنزالِ كلٍّ منزلته، فالنَّاسُ ثلاثةٌ: تقيٌّ وليٌّ لله، وكافرٌ هو عدوٌّ لله، ومُخَلِّطٌ بينَ موجباتِ التَّقوى و…، موجباتُ الولايةِ وموجباتُ العداوة، فالـمُخَلِّطُ يُحَبُّ لما معَه بحسبِ ما معَه من أسباب المحبَّة من الطَّاعات وما معَه من الإيمان، ويُكرَهُ ويُبغَضُ بما معَه ولما معَه من خِصالِ الفسوقِ والعصيانِ، وهذا كلُّه راجعٌ إلى العدل، وَإِذَا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا [الأنعام:152].

– القارئ : ومِن أصولِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ: الإيمانُ بقضاءِ اللهِ وقدرِهِ

– الشيخ : إلى هنا

– القارئ : بقي بسيط يا شيخ

– الشيخ : لا، بس [لكن] الموضوع

– القارئ : ينتهي، يبدأُ فصلٌ جديدٌ

– الشيخ : أيش؟ سطور؟

– القارئ : إي نعم.

– الشيخ : نعم كمِّلْ

– القارئ : ومِن أصولِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ: الإيمانُ بقضاءِ اللهِ وقدرِهِ، وهوَ داخلٌ في الإيمانِ بهِ وبكتبِهِ وبرسلِهِ، فيعلمونَ أنَّ اللهَ قد أحاطَ بكلِّ شيءٍ علمًا، وأنَّهُ كتبَ في اللَّوحِ المحفوظِ جميعَ الحوادثِ، صغيرَها وكبيرَها، سابقَها ولاحقَها، ثمَّ قدَّرَها وأجراها بمواقيتِها بحكمتِهِ وقدرتِهِ وعنايتِهِ وتمامِ علمِهِ، وأنَّهُ كما أنَّ جميعَ الحوادثِ مرتبطةٌ بحكمتِهِ وعلمِهِ فإنَّها مرتبطةٌ بقدرتِهِ، وأنَّهُ ما شاءَ اللهُ كانَ وما لم يشأْ لم يكنْ، وأنَّ أعمالَ العبادِ كلَّها خيرَها وشرَّها داخلةٌ في قضائِهِ وقدرتِهِ، معَ وقوعِها طبقَ إرادتِهم وقدرتِهم، ولم يَجبرْهم عليها، فإنَّهُ خلقَ لهم جميعَ القِوى الظَّاهرةِ والباطنةِ، ومنها القدرةُ والإرادةُ الَّتي بها يختارونَ و بها يفعلونَ.

انتهى أحسنَ اللهُ إليكَ

– الشيخ : اللهُ المستعانُ، نعم يا محمَّد

– القارئ : لكنَّ المرجئةَ في مسألة الإيمان، مرجئة العصرِ أحسنَ اللهُ إليكَ

– الشيخ : نعم؟

– القارئ : مرجئةُ العصرِ في هذا الزَّمانِ في مسألة الإيمانِ

– الشيخ : عندَهم تخليطٌ وتخبيطٌ، يتخبَّطون فهم…، فاستخفافُهم بالذُّنوبِ ناشئٌ عن هذا الأصلِ، عن أنَّ الإيمانَ مجرَّدُ التَّصديقِ، فعندَهم من يشهدُ أنْ لا إله إلَّا الله وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللهِ، فإنَّه كاملُ الإيمانِ.

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة