الرئيسية/شروحات الكتب/فتح الرحيم الملك العلام/علم العقائد/(37) الإشارة إلى ما في القران من براهين
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(37) الإشارة إلى ما في القران من براهين

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ)
للشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصرالسّعدي
الدَّرس السَّابع والثَّلاثون

***    ***    ***    ***

 

– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهمَّ اغفرْ لشيخِنا وللحاضرينَ والمستمعينَ. قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ ناصرٍ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ: "فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلَّامِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ" قالَ -رحمَهُ اللهُ-:

الإشارةُ إلى ما في القرآنِ مِن براهينَ

– الشيخ : رحمَ اللهُ الشَّيخ له عنايةٌ عظيمةٌ بالقرآن كما يظهرُ هذا في مؤلَّفاته، وأعظمُ ذلك التَّفسيرُ، ثمَّ مؤلَّفاتٌ أخرى كلُّها دائرةٌ حولَ القرآنِ، مثل هذا الكتاب وغيره.

– القارئ : بابٌ: الإشارةُ إلى ما في القرآنِ مِن براهينِ التَّوحيدِ:

توحيدُ الألوهيَّةِ والعبادةِ

لمَّا كانَ توحيدُ الباري أعظمَ المسائلِ وأكبرَها وأفرضَها وأفضلَها، وحاجةُ الخلقِ إليهِ وضرورتُهم فوقَ كلِّ ضرورةٍ تُقدَّرُ، فإنَّ صلاحَهم وفلاحَهم وسعادتَهم متوقِّفةٌ على التَّوحيدِ نَوَّعَ اللهُ الأدلَّةَ والبراهينَ على ذلكَ، وكانَتْ أدلَّتُهُ واضحاتٍ، وبراهينُهُ ساطعاتٍ.

فمن أوضحِ أدلَّتِهِ وأجلاها: الاستدلالُ على ذلكَ باعترافِ الخلقِ بَرِّهم وفاجرِهم، إلَّا شرذمةٍ مُلحِدةٍ معطِّلةٍ للباري. فالخلقُ كلُّهم -مسلمُهم وكافرُهم- قد اعترفُوا بأنَّ اللهَ هوَ الخالقُ وما سواهُ مخلوقٌ، وهوَ الرَّازقُ ومَن سواهُ مرزوقٌ، وهوَ الـمُدَبِّرُ وما سواهُ مُصَرَّفٌ مُدَبَّرٌ، وهوَ المالكُ وما سواهُ مملوكٌ. فهذا يدلُّ أكبرَ دَلالةٍ على أنَّهُ لا يستحقُّ العبادةَ سواهُ.

ولهذا يَستدلُّ بهِ على المشركينَ ويأخذُهم باعترافِهم كقولِهِ: قُل لِّمَنِ الْأَرْضُ وَمَن فِيهَا إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ * قُلْ مَن رَّبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * قُلْ مَن بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ [المؤمنون:84-89] وآياتٌ كثيرةٌ جدًّا فيها هذا المعنى، لأنَّهُ برهانٌ واضحٌ يَنقلُ الذِّهنُ منهُ بأوَّلِ وهلةٍ بأنَّ مَن هذا شأنُهُ وعظمتُهُ وأنَّهُ هوَ المنفردُ بالوحدانيَّةِ المستحِقَّةِ للعبوديَّةِ وإخلاصِ الدِّينِ لهُ.

ومِن براهينِ التَّوحيدِ

– الشيخ : من شواهدِ هذا آياتٌ كثيرةٌ: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ [يونس:31]، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ[الزخرف:87]، وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَسَخَّرَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ [العنكبوت:61]، فهؤلاء المقرُّونَ بالرُّبوبيَّةِ هو حجَّةٌ عليهم في جحدِهم توحيدَ العبادةِ، فهم متناقضون، فالخالقُ لهم ولكلِّ شيءٍ هو المستحِقُّ للعبادةِ، ولهذا قالَ تعالى: يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:21]، إلى قولِهِ: الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا [البقرة:22]، لا تجعلوا له نظراءَ وأشباهَ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [البقرة:22]، أنَّه هو الخالقُ لهذا كلِّه.

 

– القارئ : ومِن براهينِ التَّوحيدِ: إخبارُهُ في عدَّةِ آياتٍ أنَّ جميعَ ما يُعبَدُ مِن دونِهِ مخلوقٌ، فقيرٌ عاجزٌ، لا يستطيعُ نفعًا ولا دفعًا ولا جلبَ خيرٍ لعابدِهِ، ولا وقايةَ شرٍّ، ولا ينصرُ مَن عَبَدَهُ ولا أنفسَهم يَنصرونَ.

– الشيخ : لا يستطيعُ نصرَ عابديهم بل ولا نصرَ أنفسِهم، فأمَّا الجماداتُ فأمرُها ظاهرٌ، الأصنامُ الجامدةُ المنحوتةُ من كذا وكذا وكذا هذا ظاهرٌ لكلِّ سويِّ الفطرةِ وسويِّ العقلِ، وإذا كانَ المعبودُ كذلك أموات فالميتُ لا يستطيعُ شيئًا البتَّةَ فهو أنقصُ من الجماد، فهذه المعبوداتُ كلُّها لا تغني شيئًا عن عابديها، وهذا من…، أعظمُ سفاهاتِ البشرِ عبادتُهم لغيرِ اللهِ، هذا أعظمُ سفاهةٍ، أعظمُ سفاهةٍ يعبدون مخلوقين مثلَهم، أَيُشْرِكُونَ مَا لَا يَخْلُقُ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ [الأعراف:191]، أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ [النحل:17] سبحانَ الله!

 

– القارئ : ومَن كانَ بهذهِ المثابةِ فمِن السَّفهِ والحمقِ الجنونيِّ عبادتُهُ وخوفُهُ ورجاؤُهُ، وتعليقُ القلوبِ بهِ، وإنَّما يجبُ تعليقُ القلوبِ بالغنيِّ المطلَقِ، الَّذي ما بالعبادِ مِن نعمةٍ ولا خيرٍ إلَّا منهُ، ولا يدفعُ المكارهَ إلَّا هوَ.

وهذا أيضًا برهانٌ آخرُ: أنَّهُ لا يأتي بالحسناتِ إلَّا هوَ، ولا يدفعُ السَّيِّئاتِ إلَّا هوَ، وهوَ الَّذي يُجيبُ المضطرِّينَ، وينقذُ المكروبينَ، ويكشفُ السُّوءَ عن المضطهدينَ، وهوَ الَّذي جعلَ لعبادِهِ الأرضَ قرارًا، وأجرى لهم فيها أنهارًا، وجعلَها مهادًا مُهيَّأةً لجميعِ مصالحِهم ومنافعِهم وأنزلَ مِن السَّماءِ ماءً فأنبتَ بهِ حبًّا ونباتًا، وجناتٍ ألفافًا، وأنبتَ بهِ حَبًّا (27) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (28) وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا (29) وَحَدَائِقَ غُلْبًا (30) وَفَاكِهَةً وَأَبًّا (31) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ [عبس:27-32]

وهوَ الَّذي يُطعِمُ عبادَهُ ويسقيهم، وإذا مرضُوا يشفيهم، وهوَ الَّذي يُحيي ويُميتُ، وإذا قضى أمرًا قالَ لهُ: كنْ فيكونُ.

وهوَ الَّذي يُطعِمُ ولا يُطعَمُ، ويُجيرُ ولا يُجارُ عليهِ، ويُغيثُ ولا يُغاثُ.

وهوَ الَّذي خلقَ الإنسانَ وعلَّمَهُ الكتابةَ والبيانَ، وعلَّمَ القرآنَ، وجعلَ الشَّمسَ والقمرَ والكواكبَ للمصالحِ المتنوِّعةِ والحُسبانِ، والسَّماءَ رفعَها ووضعَ الميزانَ، وأمَرَ عبادَهُ أنْ يسلكُوا طريقَ العدلِ، ولا يطغَوا في الميزانِ.

وهوَ الَّذي مرجَ البحرَينِ، هذا عذبٌ فراتٌ سائغٌ شرابُهُ، وهذا ملحٌ أُجاجٌ، ومِن كلٍّ تأكلونَ لحمًا طريًّا، وتستخرجونَ منهُ حِليَةً تلبسونَها، وَتَرَى الْفُلْكَ فِيهِ مَوَاخِرَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [فاطر:12]

وهوَ الَّذي سخَّرَ لعبادِهِ جميعَ ما في السَّمواتِ والأرضِ، وأسبغَ عليهم نعمَهُ الظَّاهرةَ والباطنةَ، وآتاهم مِن كلِّ ما سألُوهُ بلسانِ المقالِ ولسانِ الحالِ.

وهوَ الَّذي جعلَ لهم اللَّيلَ لِباسًا، والنَّهارَ معاشًا، وَمِن رَّحْمَتِهِ جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ [القصص:73]

وهوَ الَّذي خلقَ مِن الماءِ بشرًا، فجعلَهُ نسبًا وصِهرًا، وجعلَهم شعوبًا وقبائلَ؛ ليتعارفوا.

وهوَ الَّذي جعلَ لهم السَّمعَ والأبصارَ والأفئدةَ، والقوى الظَّاهرةَ والباطنةَ.

وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِهَا فِي ظُلُمَاتِ الْبَرِّ وَالْبَحْرِ [الأنعام:97]

وهوَ الَّذي بيدِهِ الملكُ والحمدُ، وبيدِهِ الخيرُ، ويُعِزُّ، ويُذِلُّ، ويُعطي، ويمنعُ، ويقبضُ، ويبسطُ.

وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى [الروم:27]

وهوَ الَّذي جعلَ لعبادِهِ الأنعامَ، فمنها رَكوبُهم، ومنها يأكلونَ، ولهم فيها منافعُ ومشاربُ، وتحملُ أثقالَهم إلى بلدٍ لم يكونُوا بالغيهِ إلَّا بشقِّ الأنفسِ، وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لَا تَعْلَمُونَ [النحل:8]

وهوَ الَّذي أوحى إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ [النحل:68] الآياتَ.

وهوَ الَّذي خلقَ لكم مِن أنفسِكم أزواجًا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ بَنِينَ وَحَفَدَةً، وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ.

وهوَ الَّذي جعلَ لكم مِن بيوتِكم سكنًا، وجعلَ لكم مِن جلودِ الأنعامِ بيوتًا تستخفونَها يومَ ظعنِكم ويومَ إقامتِكم، ومِن أصوافِها وأوبارِها وأشعارِها أثاثًا ومتاعًا إلى حينٍ.

وهوَ الَّذي خلقَ لكم مِن الجبالِ أكنانًا، وجعلَ لكم لباسًا يواري سوءاتِكم وريشًا تتزينونَ بهِ.

وهوَ الَّذي جعلَ لكم مساكنَ كفاتًا أحياءً في الدُّورِ وأمواتًا في القبورِ، أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ [البلد:8-10]، أَلَمْ نَخْلُقكُّم مِّن مَّاء مَّهِينٍ * فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَّكِينٍ * إِلَى قَدَرٍ مَّعْلُومٍ * فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ [المرسلات:20-23]

– الشيخ : إلى هنا يا شيخ

– القارئ : أحسنَ اللهُ إليك

– الشيخ : مستمِرٌّ على هذا السِّياق؟

– القارئ : إي، ما شاءَ اللهَ، أطالَ، رحمَه الله

– الشيخ : رحمَه الله

– القارئ : بسطَ الكلامَ

– الشيخ : كلُّها استشهاداتٌ قرآنيَّةٌ متضمِّنةٌ لذكر أفعالِه تعالى وتدبيراتِه في هذا الوجودِ في أمر الإنسانِ وغيره، وهذا تفصيلٌ مبيَّنٌ في كتابِ اللهِ، يعرفُ ذلك من قرأَ كتابَ اللهِ وتدبَّرَهُ، لا إله إلَّا الله، اللهُ يستدلُّ على وحدانيتِه وقدرتِه وحكمتِه بخلقِكَ أيُّها الإنسانُ، تدبَّرْ خلقَكَ، أوَّلُ الآياتِ الَّتي نزلَت على النَّبيِّ فيها هذا الشَّأن التَّذكير بالخلقِ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ [العلق:1-2]، فــ خَلَقَ الأولى عامَّةٌ، الَّذِي خَلَقَ كلَّ شيءٍ، وخَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ كقولِهِ: خلقَ مِن.. خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ وهي الطَّورُ الثَّاني من أطوارِ الجنينِ طور العلَقة، فاللهُ يُذكِّرُ العبادَ بخلقه لهذا الوجودِ -السَّموات والأرض ومن فيهنَّ وخلقه للإنسانِ خاصَّةً.

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة