الرئيسية/شروحات الكتب/فتح الرحيم الملك العلام/علم العقائد/(39) ومن البراهين على التوحيد وعلى صدق الرسول ﷺ وهو داخل في الإيمان بالله ورسوله
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(39) ومن البراهين على التوحيد وعلى صدق الرسول ﷺ وهو داخل في الإيمان بالله ورسوله

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ)
للشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصرالسّعدي
الدَّرس التَّاسع والثَّلاثون

***    ***    ***    ***

 

– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهمَّ اغفرْ لشيخِنا وللحاضرينَ والمستمعينَ. قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ ناصرٍ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى وأسكنَهُ فسيحَ جنانِهِ- في كتابِهِ: "فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلَّامِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ" قالَ -رحمَهُ اللهُ-:

ومِن البراهينِ على التَّوحيدِ وعلى صِدقِ الرَّسولِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- وهوَ داخلٌ في الإيمانِ باللهِ ورسولِهِ، والإيمانِ بالغيبِ، ما قصَّهُ اللهُ في كتابِهِ مِن الغيوبِ الماضيةِ والحاضرةِ والمستقبَلةِ الَّتي لا تزالُ تحدثُ شيئًا فشيئًا طِبْقَ ما أخبرَ بهِ القرآنُ. فمِن ذلكَ ما أخبرَ بهِ عن تفاصيلِ الوقائعِ الماضيةِ في قصصِ الرُّسلِ في أنفسِهم، ومعَ أقوامِهم مِن أتباعِهم وأعدائِهم تفصيلاً ليسَ لأحدٍ طريقٌ إلى تحصيلِهِ، إلَّا الوحيَ الَّذي جاءَ بهِ محمَّدُ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-

– الشيخ : ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ [آل عمران:44]، تِلْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهَا إِلَيْكَ مَا كُنْتَ تَعْلَمُهَا أَنْتَ وَلَا قَوْمُكَ مِنْ قَبْلِ هَذَا فَاصْبِرْ [هود:49] فهذا من البراهينِ على صدقِ هذا القرآن وصدقِ مَن جاءَ به.

 

– القارئ : إلَّا الوحيَ الَّذي جاءَ بهِ محمَّدُ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-.

ونهايةُ ما عندَ خواصِّ أهلِ الكتابِ مِن تلكَ التَّفاصيلِ نُتَفٌ وقطعٌ لا يحصلُ منها قريبًا ممَّا يحصلُ بالقرآنِ.

ولهذا يُخبِرُ في أثناءِ هذا القصصِ أنَّ إتيانَ رسولِهِ محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- بها دليلٌ على رسالتِهِ، كقولِهِ بعدَما ذكرَ قصَّةَ موسى مبسوطةً، وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنَا إِلَى مُوسَى الْأَمْرَ وَمَا كُنتَ مِنَ الشَّاهِدِينَ * وَلَكِنَّا أَنشَأْنَا قُرُوناً فَتَطَاوَلَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ وَمَا كُنتَ ثَاوِياً فِي أَهْلِ مَدْيَنَ تَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَلَكِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ * وَمَا كُنتَ بِجَانِبِ الطُّورِ إِذْ نَادَيْنَا وَلَكِن رَّحْمَةً مِّن رَّبِّكَ لِتُنذِرَ قَوْماً مَّا أَتَاهُم مِّن نَّذِيرٍ مِّن قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ [القصص:44-46]

أي: أنَّهُ لا سبيلَ لكَ إلى معرفةِ هذهِ الأمورِ بِتَلَقٍّ عن أحدٍ، ولا وصولَ لذلكَ إلَّا مِن جهةِ الوحي الَّذي أوحاهُ إليهِ، وكذلكَ ذكرَ اللهُ هذا المعنى في آخرِ قصَّةِ يوسفَ المطوَّلةِ في قولِهِ: وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُواْ أَمْرَهُمْ [يوسف:102] وفي قصَّةِ مريمَ وزكريا: وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُون أَقْلاَمَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ وَمَا كُنتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يَخْتَصِمُونَ [آل عمران:44]

فكلُّ هذا يدلُّ أكبرَ دَلالةٍ على رسالةِ وصحَّةِ ما جاءَ بهِ مِن التَّوحيدِ، حيثُ جاءَتْهم هذهِ الأمورُ المفصَّلةُ بطريقةٍ لا سبيلَ إليها إلَّا بالوحي.

ومثلُ ذلكَ خبـرُهُ عن الملائكةِ والملأِ الأعلى، وقصَّةِ آدمَ وسجودِ الملائكةِ لهُ بعدَ تلكَ المراجعاتِ فقالَ: مَا كَانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلَى إِذْ يَخْتَصِمُونَ [ص:69]

وأعظمُ مِن ذلكَ كلُّهُ وأجلُّ، إخبارُهُ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ عن الرَّبِّ العظيمِ وقصِّهِ لصفاتِهِ العظيمةِ مفصَّلةً، بحيثُ جاءَ هذا القرآنُ بما لم يأتِ بهِ كتابٌ قبلَهُ.

وأخبرَ عن اللهِ أخبارًا عظيمةً عجزَتْ قُدَرُ الأوَّلينَ والآخرينَ أنْ يأتوا بما يقاربُها، أو بما ينقضُها، أو ينقضُ بعضَها.

فجميعُ الكتبِ السَّماويَّةِ الـمُنزَّلةِ على الأنبياءِ -صلواتُ اللهِ وسلامُهُ عليهم أجمعينَ-، جميعُ ما فيها مِن الخبرِ عن اللهِ فإنَّهُ في القرآنِ، وفي القرآنِ زياداتٌ عظيمةٌ وتوضيحاتٌ تدلُّ أكبرَ دلالةٍ على أنَّ مَنْ جاءَ بهِ إمامُ الرُّسلِ وسيِّدُ الخلقِ، وأنَّ هذا القرآنَ مهيمنٌ على ما قبلَهُ مِن الكتبِ، وأنَّ كلَّ حقٍّ قالَهُ وتكلَّمَ بهِ أحدٌ مِن الخلقِ فهوَ في ضمنِ القرآنِ.

فإنْ قيلَ: فكيفَ تجعلونَ هذا البرهانَ الَّذي هوَ الخبرُ عن اللهِ وعن كمالِهِ ونعوتِ جلالِهِ مِن براهينِ رسالةِ محمَّدٍ وأدلَّةِ التَّوحيدِ وأنتم في مقامِ التَّكلُّمِ معَ الـموافِقِ والـمخالِفِ والـمعترِفِ برسالةِ محمَّدٍ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- والمُنكِرِ لها وذلكَ مِن أمورِ الغيبِ الَّتي لا يَعترفُ بها إلَّا كلُّ مؤمنٍ، وأنتم تريدونَ جعلَهُ برهانًا يُسلِّمُ بصحَّتِهِ حتَّى المخالفونَ المنكرونَ لرسالتِهِ، إذا سلكُوا طريقَ الإنصافِ والاعترافِ بالحقائقِ الثَّابتةِ الَّتي يسلِّمُها جميعُ العقلاءِ المُعتبَرينَ.

قيلَ في الجوابِ عن هذا الإيرادِ: هذا البرهانُ يتَّضحُ وينجلي بأمورٍ:

منها: أنَّ الَّذي جاءَ بهِ رجلٌ أمِّيٌّ لا يقرأُ ولا يكتبُ، وقد نشأَ بينَ أُميِّينَ لم يجالسْ أحدًا مِن أهلِ العلمِ، ولم يدرسْ كتابًا، ولم يزلْ على هذهِ الحالِ حتَّى جاءَ بهذا الكتابِ الَّذي معظمُهُ هذهِ الإخباراتُ الجليلةُ المتناسبةُ المحكَمةُ، فبمجرَّدِ النَّظرِ إلى هذهِ الحالةِ الَّتي عليها محمَّدٌ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ-

– الشيخ : وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ [العنكبوت:48] فأميَّتُه صلَّى الله عليه وسلَّمَ معَ ما جاءَ به من العلم برهانٌ على صحَّة ما جاءَ به وصدقِ رسالتِه.

 

– القارئ : وإتيانِهِ بهذا الكتابِ برهانٌ قويٌّ يضطرُّ إليهِ النَّاظرُ أنَّهُ حقٌّ، وما احتوى عليهِ حقٌّ، وأنَّهُ لا سبيلَ لهُ إلى ذلكَ إلَّا بالوحي والرِّسالةِ.

ثانيًا: أنَّهُ صدَّقَ جميعَ الكتبِ وجميعَ ما أخبرَتْ بهِ الرُّسلُ، فجميعُ ما في كتبِ اللهِ مِن التَّوحيدِ والصِّفاتِ، وما أخبرَتْ بهِ الرُّسلُ عن ذلكَ فما جاءَ بهِ محمَّدٌ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- يُصدِّقُ ذلكَ ويوافقُهُ ويشهدُ لهُ معَ ما هوَ عليهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ مِن الوصفِ المذكورِ.

ثالثًا: أنَّ هذهِ الأسماءَ الحسنى والصِّفاتِ العليا الَّتي أخبرَ بـها عن اللهِ كلَّها متصادقةً، يُصدِّقُ بعضُها بعضًا، ويناسبُ بعضُها بعضًا، حيثُ يدلُّ كلُّ معنى منها على الكمالِ المطلقِ بكلِّ وجهٍ وبكلِّ اعتبارٍ، الَّذي لا كمالَ فوقَهُ بل لا يمكنُ عقولُ العقلاءِ أنْ تتصوَّرَ معنىً واحدًا مِن معاني تلكَ الأوصافِ، فهذا أكبرُ دليلٍ على أنَّها حقٌّ، وأنَّ مَن جاءَ بها هوَ رسولُ اللهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- حقًّا.

رابعًا: أنَّ آثارَها ومُتعلَّقاتِها في الوجودِ والخلقِ والأمرِ مشهودةٌ محسوسةٌ؛ فآثارُ ما أخبرَ بهِ مِن العظمةِ والملْكِ والسُّلطانِ، وآثارُ ما أخبرَ بهِ مِن العلمِ المحيطِ والحكمةِ الواسعةِ، وآثارُ ما أخبرَ بهِ مِن الرَّحمةِ والجودِ والكرمِ، وآثارُ ما أخبرَ بهِ مِن إجابةِ الدَّعواتِ، وتفريجِ الكُرُباتِ، وإزالةِ الشِّدَّاتِ، وآثارُ ما أخبرَ بهِ مِن كمالِ القدرةِ، ونفوذِ الإرادةِ وكمالِ التَّصرُّفِ والتَّدبيرِ، إلى غيرِ ذلكَ ممَّا أخبرَ بهِ عن اللهِ، فإنَّ آثارَهُ تلكَ في الوجودِ مشهودةٌ لكلِّ أحدٍ لا ينكرُها أو يتوقَّفُ فيها إلَّا مكابِرٌ، فهوَ يخبرُ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- عن غيبٍ محكَمٍ، يشاهدُ الخلقُ مِن آثارِهِ ما يدلُّهم دلالةً قاطعةً على ذلكَ.

خامسًا: هذهِ النُّعوتُ العظيمةُ الَّتي أخبرَ بها عن اللهِ، لا يمكنُ التَّعبيرُ عن آثارِ معرفتِها في قلوبِ العارفينَ بها مِن التَّعظيمِ والإجلالِ الَّذي ليسَ لهُ نظيرٌ، ومِن الوُدِّ والسُّرورِ والابتهاجِ الَّذي لذَّاتُ الدُّنيا بالنِّسبةِ إليهِ أقلَّ مِن قطرةٍ بالنِّسبةِ إلى البحرِ، وهم خلقٌ لا يُحصي عددَهم إلَّا الَّذي خلقَهم، وهم عِلْيَةُ الخلقِ، وخلاصةُ الوجودِ، وأكملُ النَّاسِ أخلاقًا وآدابًا، وأرجحُهم عقولاً وأصوبُهم، إلَّا وقد اتَّفقُوا على هذا الأمرِ العظيمِ ليسَ اتِّفاقًا علميًّا فحسبُ، بل هوَ اتِّفاقٌ اعتقاديٌّ علميٌّ يقينيٌّ وجدانيٌّ ضروريٌّ.

فهذا الاتِّفاقُ الَّذي ليسَ لهُ نظيرٌ، وهوَ مِن آثارِ ما أخبرَ بهِ النَّبيُّ محمَّدٌ -صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ- عن ربِّهِ مِن الكمالاتِ مِن أعظمِ البراهينِ على صِدقِ رسالتِهِ، وصحَّةِ ما جاءَ بهِ مِن التَّوحيدِ الخالصِ.

فإنْ قلْتَ: قد يتَّفقُ طوائفُ مِن الخلقِ على بعضِ الأمورِ

– الشيخ : إلى آخره، أقولُ: قفْ على هذا، "فإن قلْتَ"، رحمَه اللهُ، لا إله إلَّا الله، ثلاثةُ علومٍ ومعارفَ تضمَّنَها القرآنُ وأخبارُ الرَّسولِ: التَّعريفُ باللهِ بأسمائِه وصفاتِه، التَّعريفُ بالطَّريق الموصِلِ إليه وهو الشَّرائعُ والأوامرُ والنَّواهي، والتَّعريفُ بمصيرِ العاملين المكلَّفين وما يُجزَون به في الدَّار الآخرة، فهذه أصولُ المعارفِ الشَّرعيَّةِ الإيمانيَّة، معرفةُ اللهِ، ومعرفةُ دينه، ومعرفةُ جزائِه، ونجدُ هذا مفصَّلًا في القرآنِ مجمَلًا ومفصَلًا، فسورةُ الفاتحةِ مشتملةٌ على هذه الأصولِ على وجهِ الإجمالِ، فالآياتُ الأولى أو الثَّلاث الأولى فيها التَّعريفُ بالله الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (2) الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ (3) مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ [الفاتحة:2-4]، والآيةُ الثَّالثةُ [لعلَّ قصدَ الشَّيخ: الآية الرَّابعة] فيها ذكرُ الطَّريقِ الموصِلِ إليه وهي عبادتُه تعالى وحدَه لا شريكَ له إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ [الفاتحة:5] وكذلك اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ [الفاتحة:6] والصِّراطُ المستقيمُ هو دينُه الَّذي بعثَ به رسلَه، وفي قوله: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} التَّذكيرُ بالجزاءِ، فالدِّينُ في الآيةِ معناه الجزاءُ، مالكُ اليومِ الَّذي يُجزَى فيه العبادُ بأعمالهم.

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة