الرئيسية/شروحات الكتب/فتح الرحيم الملك العلام/علم العقائد/(41) وقوله تعالى أم يقولون نحن جميع منتصر سيهزم الجمع ويولون الدبر

(41) وقوله تعالى أم يقولون نحن جميع منتصر سيهزم الجمع ويولون الدبر

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ)
للشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصرالسّعدي
الدَّرس الحادي والأربعون

***    ***    ***    ***

 

– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهمَّ اغفرْ لشيخِنا وللحاضرينَ والمستمعينَ. قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ ناصرٍ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ: "فَتحُ الرَّحيمِ الـمَلِكِ العَلَّامِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ الـمُستنَبَطةِ مِن القرآنِ" قالَ رحمَهُ اللهُ:

وقولُهُ تعالى: أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُّنتَصِرٌ * سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ [القمر:44-45]، وقد وقعَ ذلكَ في بدرٍ بعدَ هذا الكلامِ.

ومِن ذلكَ قولُهُ: تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ * مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ * سَيَصْلَى نَاراً ذَاتَ لَهَبٍ * وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ * فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِّن مَّسَدٍ [المسد:1-5] وقولُهُ: ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً إلى قولِهِ: سَأُصْلِيهِ سَقَرَ [المدثر:11-26] فأخبرَ عن أبي لهبٍ وامرأتِهِ، وعن هذا الوحيدِ بصلي النَّارِ، ومِن لازمِ ذلكَ بقاؤُهم على كفرِهم وتكذيبِهم لمحمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، فوقعَ وبقَوا على ذلكَ حتَّى هلكُوا.

وقولُهُ: إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ [الحجر:95] فوعدَهُ بكفايتِهِ إيَّاهم، فأوقعَ بهم العقوباتِ المتنوِّعةَ وهيَ معروفةٌ بينَ أهلِ السِّيرِ.

وقولُهُ لَمَّا ذكرَ مكرَ رؤساءِ الكفرِ: جُندٌ مَّا هُنَالِكَ مَهْزُومٌ مِّنَ الْأَحْزَابِ [ص:11]، وقولُهُ تعالى: فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلَاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ [الزخرف:83]

وقولُهُ في آياتِ التَّحدِّي: فَإِن لَّمْ تَفْعَلُواْ وَلَن تَفْعَلُواْ فَاتَّقُواْ النَّارَ [البقرة:24] فأخبرَ أنَّهم لن يفعلُوا في المستقبلِ فلم يفعلُوا، وكذلكَ في تحدِّي اليهودِ: قُلْ إِن كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الآَخِرَةُ عِندَ اللّهِ خَالِصَةً مِّن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُاْ الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ * وَلَن يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً [البقرة:94-95] فلم يقعْ منهم التَّمنِّي في وقتِ التَّحدِّي الَّذي دلَّ عليهِ السِّياقُ.

– الشيخ : كلُّ هذه من الغيوبِ والأخبارِ المستقبليَّةِ، الشَّيخُ يستشهدُ على ما اشتملَ عليه القرآنُ من الأخبارِ المستقبليَّةِ والإخبارِ عن المستقبلِ هو من أخبارِ الغيبِ لأنَّ المستقبلَ غيبٌ، فوقعَ كلُّ ذلكَ كما أخبرَ القرآنُ، مثل قوله: سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنَ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا [البقرة:142] أخبرَ اللهُ عن قيلِهم قبلَ أنْ يقولوا ثمَّ وقعَ الأمرُ كما أخبرَ سبحانَه وتعالى.

 

– القارئ : وقولُهُ تعالى: إِذَا جَاء نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ * وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجاً * فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّاباً [النصر:1-3]، فأخبرَهُ بعدَّةِ أشياءَ قبلَ وقوعِها: بمجيءِ نصرِ اللهِ والفتحِ، ودخولِ النَّاسِ في دينِ اللهِ أفواجًا، وأنَّهُ عندَ ذلكَ قد حانَ أجلُكَ وقربَتْ وفاتُكَ، فاختمْ حياتَكَ الشَّريفةَ بالتَّسبيحِ والحمدِ والاستغفارِ.

وقولُهُ: إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ [الكوثر:3] أي: مقطوعُ الذِّكرِ الجميلِ، مقطوعٌ مِن الخيرِ ووقعَ ذلكَ.

وقولُهُ: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلاَّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَن يُصِيبَكُمُ اللّهُ بِعَذَابٍ مِّنْ عِندِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُواْ إِنَّا مَعَكُم مُّتَرَبِّصُونَ [التوبة:52]، وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً [الإسراء:81]، وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَاناً نَّصِيراً}[الإسراء:80] وقد فعلَ تعالى ذلكَ.

وقولُهُ تعالى: قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً [الإسراء:88]، وهذا خبرٌ منطبِقٌ على مخبرِهِ في جميعِ الأوقاتِ.

وقولُهُ: إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ [الحجر:9]، وهذا شاملٌ لحفظِ ألفاظِهِ ومعانيهِ، بحيثُ لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنزِيلٌ مِّنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ [فصلت:42] وحفظُهُ مشاهدٌ محسوسٌ.

وقولُهُ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ [المائدة:54] وقد فعلَ ذلكَ.

وقولُهُ: وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ * وَخَلَقْنَا لَهُم مِّن مِّثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ [يس:41-42]، وقولُهُ تعالى: وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ [النحل:8]

وهذا شاملٌ لخلقِ ما لا يعلمُهُ العبادُ في تلكَ الأوقاتِ الماضيةِ، ممَّا لم يشاهدُوا لهُ نظيرًا، فيدخلُ فيهِ جميعُ المخترعاتِ الَّتي حدثَتْ والَّتي تحدثُ إلى يومِ القيامةِ مِن المراكبِ البرِّيَّةِ والبحريَّةِ والهوائيَّةِ، وما خلقَهُ وعلَّمَهُ الإنسانَ بواسطةِ الكيمياءِ والكهرباءِ مِن المخترعاتِ المدهِشةِ، ونقلِ الأصواتِ والأنوارِ مِن الأماكنِ الشَّاسعةِ في أسرعِ وقتٍ.

وهذا مِن الآياتِ والبراهينِ الَّتي دلَّ عليها القرآنُ، حيثُ لا يحدثُ حادثٌ جليلٌ أو حقيرٌ، كبيرٌ أو صغيرٌ، إلَّا وفي القرآنِ تصريحٌ بهِ، أو إدخالُهُ في عمومٍ أو مفهومٍ، وأنَّهُ لم يأتِ ولن يأتيَ علمٌ صحيحٌ ولا حادثٌ حقيقيٌّ ينقضُ شيئًا مِن أدلَّةِ القرآنِ، فإنَّهُ تنزيلٌ مِن حكيمٍ محيطٍ علمُهُ بكلِّ شيءٍ، نفذَتْ إرادتُهُ ومشيئتُهُ في كلِّ شيءٍ.

وقولُهُ تعالى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَن يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَاباً مِّن فَوْقِكُمْ أَوْ مِن تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ أَوْ يَلْبِسَكُمْ شِيَعاً وَيُذِيقَ بَعْضَكُم بَأْسَ بَعْضٍ [الأنعام:65]، وقد وقعَتِ القنابلُ المهلِكةُ والدِّيناميتُ النَّاسفُ لما باشرَهُ أو قربَ منهُ، والدُّخانُ الخانقُ وما أشبهَ ذلكَ.

وهذا ينطبقُ على موصوفِهِ غايةَ الانطباقِ، وفيهِ التَّنبيهُ على حدوثِ الآلاتِ المقرِّبةِ للمواصلاتِ، كما بسطْنا ذلكَ في موضعٍ آخرَ.

فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ [الدخان:10-11]

وقد ذكرَ اللهُ التَّنادي بينَ أهلِ الجنَّةِ وأهلِ النَّارِ

– الشيخ : وقولُهُ تعالى: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ [الأنعام:65]، يشملُ ما ينزلُه اللهُ من العذابِ من السَّماءِ سواءٌ كانَ ممَّا لابنِ آدمَ تسبُّبٌ فيه أو ليسَ لهم تسبُّبٌ فيهم، ففي الماضي أهلكَ اللهُ أقوامًا بعذابٍ مِن فوقِهم وأقوامًا بعذابٍ مِن تحتِهم فَكُلًّا أَخَذْنَا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِ حَاصِبًا وَمِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَمِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنَا بِهِ الْأَرْضَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنَا [العنكبوت:40]، فيدخلُ في هذا، والشَّيخُ أيضًا أدخلَ في الآيةِ وسائلَ الحروبِ المدمِّرةِ وسائل والأسلحة الكيماويَّة وأسلحة الدَّمار الشَّامل يعني الشَّيخ يرى أنَّها تدخلُ في هذا الشَّأن في قوله: قُلْ هُوَ الْقَادِرُ عَلَى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذَابًا مِنْ فَوْقِكُمْ [الأنعام:65]، نسألُ اللهَ العافيةَ، وما يقعُ من ذلكَ فهوَ بتدبيرِ اللهِ ومشيئتِهِ وحكمتِهِ البالغةِ.

 

– القارئ : وقد ذكرَ اللهُ التَّنادي بينَ أهلِ الجنَّةِ وأهلِ النَّارِ، معَ البعدِ المفرِطِ والتَّرائي، وقد أظهرَتِ المكتشفاتُ الكهربائيَّةُ والكيماويَّةُ مصداقَ ذلكَ، بعدَما كانَ كثيرٌ مِن المكذِّبينَ يسخرونَ بإخباراتِ الرُّسلِ في هذا البابِ ويستبعدونَها، فأظهرَ اللهُ في هذهِ الأوقاتِ مِن البراهينِ ما يكذِّبُ المكذِّبينَ الجاحدينَ.

وهذا مِن مصداقِ قولِهِ تعالى: سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [فصلت:53] فلم يزلْ يُري عبادَهُ ويُحدِثُ لهم مِن البراهينِ الدَّالَّةِ على صدقِ الرُّسلِ، وأنَّ ما جاؤُوا بهِ هوَ الحقُّ، وما خالفَهُ هوَ الباطلُ. ولكنْ أبى المباهتونَ المكابرونَ إلَّا عتوَّا ونفورًا.

ومِن ذلكَ قولُهُ تعالى: وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [الحديد:25]

– الشيخ : إلى آخرِه، إلى آخرِه.

 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة