الرئيسية/شروحات الكتب/فتح الرحيم الملك العلام/علم العقائد/(42) وهذا من مصداق قوله تعالى سنريهم آياتنا في الافاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(42) وهذا من مصداق قوله تعالى سنريهم آياتنا في الافاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ)
للشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصرالسّعدي
الدَّرس الثَّاني والأربعون

***    ***    ***    ***

 

– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهمَّ اغفرْ لشيخِنا وللحاضرينَ والمستمعينَ. قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ ناصرٍ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى وأسكنه فسيح جنانه- في كتابِهِ: "فَتحُ الرَّحيمِ الـمَلِكِ العَلَّامِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ الـمُستنَبَطةِ مِن القرآنِ" قالَ رحمَهُ اللهُ تعالى:

وهذا مِن مِصداقِ قولِه -تعالى-: سَنُرِيهِمْ آَيَاتِنَا فِي الْآَفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ [فصلت:53] فلَمْ يَزَلْ يُري عبادَه ويُحدِثُ لهم مِن البراهينِ الدالَّةِ على صِدْقِ الرسلِ، وأنَّ ما جاؤوا بِه هو الحقُّ، وما خالفُه هو الباطلُ، ولكنْ أبى الـمُبَاهِتون الـمُكابرونَ إلا عتوًّا ونفوراً.

ومِن ذلكَ قولُه تعالى: وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ [الحديد:25]، وقوله: عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ [العلق:5]، فهذه المنافعُ التي علَّمها اللهُ الإنسانَ فلمْ يَزَلْ يُفرِّعها الإنسانُ ويرقِّيها حتى وصلَتْ إلى ما وصلَتْ إليهِ، وهو جادٌّ في طريقِه في تنميةِ الصِّناعاتِ والمخترعَاتِ، وذلكَ كلُّهُ داخلٌ في تعليمِ اللهِ لَه، وإلهامِهِ وإيجادِهِ -تباركَ وتعالى- المنافعَ والقوى في مخلوقاتِهِ.

فاللهُ تعالى هوَ الذي أوجدَ فيها القِوى الصَّالحة لإيجادِ الـمُخْتَرَعَاتِ النَّافعةِ منها، واللهُ هو الذي عَلَّمَ الإنسانَ ذلكَ، وذلكَ مِن آياتِه في الآفاقِ، وفي النُّفوسِ الدالَّةِ على أنَّ ما جاءَ بِه الرسولُ حَقٌّ، وإنْ لمْ يَهتدِ لذلكَ أكثرُ الخلقِ ضلالًا عَن الأدلَّةِ الحقيقيةِ، أو عَن وجهِ دَلالتِها، أو قيامِ عقائد باطلة صَارفة وصادفة عَن الحقِّ.

ومِن ذلكَ: إخبارُهُ أنَّ سُنَّتَهُ في خليقتِهِ في نظامِ العالمِ،

– الشيخ : اللهُ علَّم الإنسانَ ما لم يَعلم، وتعليمُه نوعان: تعليمٌ كونيّ، وتعليمٌ شرعيّ، فالتعليمُ الشرعيُّ: كتعليم القرآنِ وتعليمِ الإيمان، والتعليمُ الكونيُّ: التعليمُ الذي يحصلُ للنَّاس بالتَّجربة، قال الله -تعالى- في شأنِ الصَّيد وكلابِ الصيد: تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَكُمُ اللَّهُ [المائدة:4] ومِن التَّعليمِ الشَّرعي قولُه تعالى لنبيه: وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا [النساء:113] فهذا تعليمٌ شرعيّ، وهذا تعليمٌ كونيّ، والعلوم المادية الكونية هذه تحصلُ للبَرِّ والفاجر، أمَّا التعليم الشرعيّ فيختصُّ بأهل الإيمان، أمَّا الكونيُّ فهو مِن الأمور المشترَكَة فما يُنعِمُ اللهُ على الخلق بأسبابِ الطعام والشَّراب بما يُنبتُه -تعالى- مِن الأرزاق في الأرض، الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ [البقرة:22] هذا مُشترَكٌ بين البَرِّ والفاجر، وهكذا التعليم التجريبي هو مشترك بين البَرِّ والفاجر، وقد يكون الكفارُ أمكنَ في هذا كما هو الواقع، الآن الكفار في هذا العصرِ أمكن وهم في غالِبِ الزمان هم أمكنُ في مظاهر الدنيا، ولهذا يَفخرون على المؤمنين بقولِهم: أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا [مريم:73]، زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَيَسْخَرُونَ مِنَ الَّذِينَ آَمَنُوا [البقرة:212] ولم تبلغْ فتنةُ الدنيا للكفار مَبلغها في هذه الأعصار، في هذه الأعصار جرَتْ هذه الحضارة على أيديهِم فكانت فتنةً لهم وللمسلمين، فتنةً لهم بما أوجبَتْ لهم من الاستكبارِ والطُغيان والفَساد والإفساد، وأوجبَتْ لكثيرٍ مِن المسلمين الانبهارِ والضَّعف والانكسار، وليس مطلوبًا مِن المسلمين أنْ ينافسوا الكفار في مظاهرِ الدُّنيا وزُخرفِها وزينتِها.

 

– القارئ : ومِن ذلكَ: إخبارُهُ أنَّ سُنَّتَهُ في خليقتِهِ في نظامِ العالمِ، وفي الأسبابِ والـمُسَبَّبَاتِ، والجزاءِ بالحسنى وبالسَّوأى واحدةٌ لا تتغيرُ ولا تتبدَّل، وهي كلُّها جاريةٌ على مقتضى الحكمةِ التي يُحمدُ عليها، وهذا مشاهَدٌ شرعاً وقدَرَاً.

وقد يُري عبادَهُ تعالى أنَّه يغيِّرُ بعضَ المخلوقاتِ عَن نظامِها الـمُعتادِ؛ ليعرفَ العبادُ أنَّه المتفرِّدُ بالقُدرةِ والتَّصرِّفِ، وأنَّ جميعَ الحوادثِ خاضعةٌ لمشيئتِهِ وقدرتِهِ، وأنَّ ما أخبرَتْ بِه الرُّسلُ مِن أمورِ الغَيْبِ كلِّها حَقٌّ، ولكن أبى الجاحدونَ إلا أن يُنكروا ما كانَ اللهُ أخبرَ بِه على ألسنةِ رسلِهِ مما كانوا الآن يعقلونَ هم نظيرُه، فانقلبَ عليهِم الأمرُ وقلبَ اللهُ قلوبَهم كما لم يؤمنوا به لـَمَّا جاءَهم، واستكبرُوا بعقولِهم على الحقِّ.

ومِن أعظمِ علومِ الغَيبِ التي أخبرَ بها القرآنُ وأبداها وأعادَها، أنَّه أخبرَ أنَّه لا سبيلَ إلى صلاحِ البشرِ وسعادتِهم وفلاحِهم في الدُّنيا والآخرةِ إلا باتِّباعِ هذا الدِّينِ والأخذِ بإرشادِه وهدايتِه. وهذا أمرٌ لا يَستريبُ فيه أحدٌ، فإنَّ هذهِ الأمَّةُ في عصرِ الخلفاءِ الرَّاشدين والـملوكِ الصالحين لـمَّا كانوا مُهتدين بعلمِهِ وإرشادِه وتربيتِه الخاصةِ والعامةِ صلُحَتْ دنياهُم كما صلحَ دينُهم، وصاروا المثلَ الأعلى في القوةِ والعِزَّةِ والعدلِ والرحمةِ وجميع الكمالاتِ المستعِّدِ لها البشرُ.

ثم لـمَّا ضيَّعوا هدايتَه العلميَّة والعمليَّة تحلَّلوا وانحلُّوا، ولم يزالُوا في نقصٍ وضعفٍ وذِلَّةٍ حتَّى يُراجعوا دينَهم، ثمَّ في مقابلةِ ذلكَ مِن العَجبِ العجيبِ الذي ليسَ بغريبٍ ارتقاءُ الأممِ الأخرى في هذهِ الأوقاتِ في الصناعاتِ الـمُدهشةِ، والاختراعاتِ الخارقةِ المعجزةِ والقوةِ الضخمةِ أنَّهم لم يَزدادوا بها إلا شقاءً، حتى صارَتْ حضارتهُم التي يُعجبونَ بها ويخضعُ لها غيرُهم مهددةً كلَّ وقتٍ بالتدميرِ العَامِّ.

وجميعُ ساستُهم وعلمائُهم في حَيرةٍ عظيمةٍ مِن تلافي هذا الخطرِ، ولَنْ يُتَلافى إلا باتِّباعِ ما جاءَ بِه القرآنُ والاسترشادُ بهدي محمَّدٍ -صلى الله عليه وسلم- الجامعِ بينَ العِلمِ والعملِ والعدلِ، والرحمةِ والحكمةِ، ومصلحةِ الروحِ والجسدِ، وإصلاحِ الدِّينِ والدُّنيا والآخرةِ.

فالعلومُ الماديَّةُ والقوةُ الماديةُ المحضةُ ضررُها أكثرُ مِن نفعِها، وشرُّها أكثرُ مِن خيرِها، حيثُ لمْ تُبْنَ على الدِّينِ الحَقِّ، وانظرْ بعينِكَ ترى العجائبَ، فهذا الارتقاءُ المادي الذي لمْ يُشاهِدِ العالمُ لَه نظيراً إذْ خَلا من روحِ الدِّين هو الحبوطُ والهبوطُ الحقيقي، والدُّنيا الآن كلُّها في خطرٍ مزعجٍ لا يَعلمُ مَدى ضررَه وفظائعَه إلا اللهُ تعالى

– الشيخ : يعني هذه الحضارةُ مُهدَّدة بالدَّمارِ، وهذه سُنَّة الله أنه ما ارتفعَ -كما جاء في الحديث-: (مَا ارتفعَ شيءٌ مِن هذهِ الدُّنيا إلا كانَ حقًّا على اللهِ أنْ يَضَعَهُ) وقد تزخرفتِ الدنيا وازْدَانَتْ بهذه الحضارة الـمَشوبة بالشَّرِّ العظيم، والله تعالى يقول: إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ [يونس:24] فهذه الحضارة تنتظرُ أمرَ الله يأتيها فتصبحُ خبرًا بعدَ عَيْن كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْس} كأنْ لم تكن، واللهُ على كلِّ شيءٍ قدير.

 

– القارئ : ومِن براهينِه التي وقعَتْ مطابقةً للواقعِ والحِسِّ والتَّجاربِ، أنَّه أخبرَ أنَّه آياتٌ لأولي الألبابِ، لقومِ يعقلونَ، ولأُولي النُّهى. وهِي آياتٌ كثيرةٌ تبينُ أنَّ أهلَ العقولِ وأربابَ البصائرِ، بقدرِ ما أُعطوا مِن هذهِ النِّعمةِ الكُبرى مِن العقلِ الرَّصِينِ، واللُّبِ الكاملِ، والرأي الصائبِ يكونُ حظُّهم مِن هدايتِه وإرشاداتِه والانتفاعِ به.

فتأمَّلْ هُداةَ هذهِ الأمةِ وأئمَّتَها ومُرشديها، هلْ تجدُ أكملَ منهم عقولًا وألبابًا وأصوبَ آراءً. وتأمَّلْ هل يوجدُ مسألةٌ أصوليةٌ أو فَرعيةٌ في هذا الدِّينِ قد شَهِدَ أحدٌ مِن العقلاءِ المعتبرينَ على فَسادِها أو نقصِها، وكلُّ مَن قدحَ في شيءٍ منها بيَّنَ بالبراهيِن المعترَفِ بها بينَ العقلاءِ أنَّ الخَللَ في عقلِهِ ولُبِّهِ وفهمِهِ، أو في قصدِهِ وإرادتِهِ.

وإذا أردتَ تفصيلَ هذهِ الجملةِ العظيمةِ فاقرأْ كتابَ "العقلُ والنقلُ" لشيخِ الإسلامِ والمسلمين ابنُ تيميةَ، وكيفَ برهنَ بالبراهينِ العقليَّةِ على ضَعفِ عقولِ القادحينَ في شيءٍ مِن هذا الدِّينِ، وأنَّ ما زعموهُ عقلياتٍ جهليَّاتٌ وخرافاتٌ، وقد تحدَّى الباري جميعَ الناسِ أن يأتوا بمثلِهِ أو ببعضِهِ أو بعشرِ سورٍ أو بسورةٍ مِن مثلِهِ، وهذا هو عينُ هذه المسألةِ.

ومِن ذلكَ ما ذكرَ اللهُ مِن إحْكامِهِ لكتابِهِ، وأنَّه لا يأمرُ إلا بكلِّ معروفٍ وصلاحٍ، ولا يَنهى إلا عَن المنكرِ والفسادِ، وقد استمرَّتْ لَه هذه الأوصافُ الجليلةُ في كلِّ وقتٍ وزمانٍ، وجرَتْ إرشاداتُهُ الجميلةُ صالحةً لجميعِ الأوقاتِ والأحوالِ والأشخاصِ.

فليُرِنَا المنكرونَ حكمًا وعدلًا مِن أحكامِه مخالفًا لهذا الوصفِ الذي أخبرَ به حينَ إنزالِه، وتحققَ تحققًا لا ينكرُه إلا مُباهِتٌ أو مُقَلِّدٌ له، فهو الذي يَصلحُ لكلِّ وقتٍ، ولا يُصْلِحُ الأممَ إصلاحًا حقيقيًّا سواهُ. وقدْ أكملَ اللهُ بِه الدِّينَ، وأتمَّ بِه النِّعمةَ، وتحققَ هذا بتكميلِهِ العقائدِ والأخلاقِ والأعمالِ والأحوالِ كلِّها، والدِّين والدُّنيا، وكلُّ قصورٍ وتقصيرٍ حاصلٌ في كلِّ وقتٍ فلفقدِهِ أو نقصِه.

وهذه الجملُ والأصولُ العظيمةُ نتحدَّى بها جميعُ البشر، وأنَّه جاءَ بجميعِ المحاسنِ والمصالحِ الظاهرة والباطنة، ونَهى عَن القبائحِ والمضارِّ الظاهرةِ والباطنةِ، فليَأْتوا بمثالٍ واحدٍ صحيحٍ مخالفٍ لهذهِ الأصولِ التي أسَّسهَا القرآنُ وجعلَها قواعدَ يَهدي بها البشرُ على توالي الأزمانِ.

هذا إشارةٌ لطيفةٌ في إخبارِ القرآنِ عَن أمور محسوسةٍ مشاهَدةٍ بالأبصارِ قَد وقعَتْ طِبْقَ ما أخبرَ بِه.

أمَّا إخبارُهُ بما تفعلُهُ هداية القرآنِ في القلوبِ والأرواحِ والأخلاقِ ووجودِ

– الشيخ : حسبك، "أن ما تفعله"، إلى هنا.

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة