الرئيسية/شروحات الكتب/فتح الرحيم الملك العلام/علم العقائد/(43) أما إخباره بما تفعله هداية القران في القلوب والأرواح

(43) أما إخباره بما تفعله هداية القران في القلوب والأرواح

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ)
للشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصرالسّعدي
الدَّرس الثَّالث والأربعون

***    ***    ***    ***

 

– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهمَّ اغفرْ لشيخِنا وللحاضرينَ والمستمعينَ. قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ ناصرٍ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى وأسكنَهُ فسيحَ جنانِهِ- في كتابِهِ: "فَتحِ الرَّحيمِ الملكِ العَلَّامِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ" قالَ رحمَهُ اللهُ تعالى:

أمَّا إخبارُهُ بما تفعلُهُ هدايةُ القرآنِ في القلوبِ والأرواحِ والأخلاقِ ووجودِ مخبرِهِ كما وصفَ فأكثرُ مِن أنْ يُذكَرَ وأعظمُ مَن أنْ يُنكَرَ، ويعرفهُ أولو الألبابِ والبصائرِ والاهتداءِ التَّامِّ بهدايتِهِ العلميَّةِ والعمليَّةِ

– الشيخ : إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ [الإسراء:9]، يهدي إلى أفضلِ الطَّرائق وأفضلِ العلومِ ويهدي إلى أفضلِ الأعمالِ إِنَّ هَذَا الْقُرْآَنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ هدايةٍ، وسمَّاهُ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ [البقرة:2]، وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [يونس:57]؛ لأنَّهم هم الَّذين ينتفعونَ به وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ [الأنفال:2].

 

– القارئ : وهم أزكى النَّاسِ وأعدلُ الخلقِ شهادةً، وشهادتُهم عن علمٍ ويقينٍ ووجدانٍ وحقِّ يقينٍ.

فمِن ذلكَ إخبارُهُ أنَّهُ يهدي بكتابِهِ مَن اتَّبعَ رضوانَهُ سبلَ السَّلامِ، وقالَ: وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا [العنكبوت:69]، فمَن جمعَ بينَ هذينِ الوصفَينِ وهما: الاجتهادُ التَّامُّ، وبذلُ المجهودِ معَ حسنِ القصدِ لطلبِ رضوانِ اللهِ هداهُ السَّبيلَ الموصِلةَ إليهِ، وإلى دارِ كرامتِهِ، وحصولُ الهدايةِ العلميَّةِ وهيَ العلمُ النَّافعُ، والهدايةُ الفعليَّةُ هدايةُ التَّوفيقِ لاتِّباعِ الحقِّ- لازمةٌ للاجتهادِ وحسنِ القصدِ لا تتخلَّفُ عنهما، فمَن عُدِمَتْ هدايتُهُ أو ضعفَتْ فلفقدِهما أو فقدِ أحدِهما أو ضعفِهما.

وقالَ تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ [النحل:97]، وهذا مُشاهَدٌ لأهلِ البصائرِ. أنَّ مَنْ جمعَ بينَ الإيمانِ الصَّحيحِ والعملِ الصَّالحِ -وهوَ ما يحبُّهُ اللهُ ويرضاهُ- أنَّ اللهَ سيحييهِ في هذهِ الدَّارِ حياةً طيِّبةً.

وأصلُ الحياةِ الطَّيِّبةِ طِيْبُ القلبِ، وراحتُهُ وسرورُهُ، والقناعةُ والرِّضى عن اللهِ، فلو كانَ المؤمنُ الصَّادقُ في أضيقِ عيشٍ لكانَتْ هذهِ الحياةُ الطَّيِّبةُ حاصلةً لهُ بوعدِ اللهِ الصَّادقِ الَّذي لا يخلفُ الميعادَ.

وقالَ تعالى: الَّذِينَ آمَنُواْ وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ [الرعد:28] وحصولُ طمأنينةِ قلوبِ المؤمنينَ الصَّادقينَ بذكرِ اللهِ والإنسِ بهِ وبعبادتِهِ أمرٌ لا يمتري فيهِ أحدٌ مِن أهلِ الذَّوقِ والوجدِ.

وَمَا يجدُهُ أهلُ الإحسانِ الصَّادقونَ مِن ذوقِ حلاوةِ الإيمانِ، وحقائقِ اليقينِ والإنسِ بذكرِ اللهِ، والطَّمأنينةِ بهِ، والأحوالِ الزَّكيَّةِ والشَّواهدِ المرضيَّةِ، على ما أخبرَ بهِ الرَّسولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أجلُّ وأعظمُ مِن كثيرٍ مِن البراهينِ الحسِّيَّةِ، فإنَّهم وصلُوا في هذهِ الأمورِ إلى حقِّ اليقينِ الَّذي هوَ أعلى مراتبِ اليقينِ والحقِّ.

وقالَ تعالى: وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ [التغابن:11]، فقد تكفَّلَ اللهُ بهدايةِ القلوبِ لكلِّ مؤمنٍ صادقِ الإيمانِ، وإنَّما يكونُ مؤمنًا حقًّا إذا حقَّقَ أصولَ الإيمانِ، وكانَ إيمانُهُ بالمأموراتِ يطلبُ منهُ امتثالَها وبالمنهيِّاتِ يقتضي خوفُهُ تركَها، وإيمانُهُ بالقضاءِ والقدرِ يعلمُ أنَّ المصائبَ مِن عندِ اللهِ العزيزِ الحكيمِ الرَّحيمِ، فيرضى بذلكَ ويُسلِّمُ وهذا أمرٌ معلومٌ لأهلِ الإيمانِ الصَّحيحِ.

ومِن ذلكَ جميعُ ما ذكرَهُ في دلالةِ القرآنِ على الأخلاقِ الجميلةِ الحميدةِ والأمرِ بها، ونهيُهُ عن الأخلاقِ الرَّذيلةِ. فهذا مِن براهينِ التَّوحيدِ والرِّسالةِ وصحَّةِ جميعِ ما جاءَ بهِ محمَّدٌ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.

ثمَّ قالَ رحمَهُ اللهُ: النَّوعُ الثَّاني مِن علومِ القرآنِ ومقاصدِهِ:

علمُ الآدابِ والأخلاقِ الكاملةِ

– الشيخ : إلى هنا، الشَّيخُ -رحمَهُ اللهُ- له عنايةٌ عظيمةٌ بالقرآن ظهرَ ذلك في مؤلَّفاتِه الَّتي من أعظمِها التَّفسير، التَّفسيرُ الفريدُ السَّهلُ ميسَّرٌ ينتفعُ به العامَّةُ والخاصَّةُ، ومِن ذلكَ كتبُه الأخرى مثل هذا الكتاب، فإنَّه مرتبطٌ بالقرآنِ وما يذكرُه من المسائلِ والمعاني الجميلةِ الجليلةِ يذكرُ أنَّها مستنبَطةٌ من القرآنِ، وله مؤلَّفاتٌ من هذا النَّوعِ كلُّها مرتبطةٌ بالقرآن، وهكذا ينبغي لنا أنْ نستثمرَ هذا القرآنَ عندَ تلاوتِه ونتدبَّرُ ونفهمُ ما نُخاطَبُ به، فاللهُ تعالى يخاطبُ النَّاسَ عامَّةً ويخصُّ المؤمنين بالخطابِ، وكلُّ ما خاطبَ اللهُ به المؤمنين فإنَّه متضمِّنٌ لوصايا إلهيَّةٍ تتعلَّقُ بالعقائدِ أو بالأخلاقِ أو الأعمالِ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (18) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ [الحشر:18-19] وهكذا وهكذا.

 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة