بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (فَتحُ الرَّحيمِ الملكِ العَلاَّمِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ المُستنَبَطةِ مِن القرآنِ)
علم الأخلاق
الدَّرس: التَّاسع
*** *** *** ***
– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهمَّ اغفرْ لشيخِنا وللحاضرينَ والمستمعينَ. قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ بنُ ناصرٍ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى وأسكنه فسيح جنانه- في كتابِهِ "فَتحُ الرَّحيمِ الـمَلِكِ العَلَّامِ في عِلمِ العقَائِدِ وَالتَّوحيْدِ وَالأخْلاَقِ وَالأحكامِ الـمُستنَبَطةِ مِن القرآنِ" قالَ رحمَهُ اللهُ:
الإحسانُ والعفو
كمْ في كتابِ اللهِ مِنَ الحَثِّ على الإحسانِ إلى الخَلْقِ، وأنَّ اللهَ يحبُّ المحسنينَ ويَجزيهِم الحُسنى على إحسانِهِم، ويأمرُ بالعفوِ والصفحِ عَن الزلاَّتِ والإساءاتِ، وأنَّ ذلكَ مِنْ أعظمِ الحسناتِ.
فالإحسانُ: هو بذلُ المعروفِ القوليِّ والفعليِّ والماليِّ إلى الخلقِ. فأعظمُ الإحسانِ تعليمُ الجاهلينَ، وإرشادُ الضالِّينَ، والنصيحةُ لجميعِ العالمينَ.
ومِنْ الإحسانِ: إعانةُ المحتاجينَ، وإغاثةُ الملهوفينَ، وإزالةُ ضررِ المضطرينَ، ومساعدةُ ذَوي الحوائجِ على حوائجِهِم، وبذلُ الجاهِ والشفاعةُ للناسِ في الأمورِ التي تنفعُهُم.
ومن الإحسان المالي: جميعُ الصدقاتِ الماليَّةِ، سواءً كانَتْ على المحتاجينَ، أو على المشاريعِ الدينيةِ العامِّ نفعُها.
ومِن الإحسانِ: الهدايا والهِبَاتِ للأغنياءِ والفقراءِ، خصوصاً للأقاربِ والجيرانِ، ومَنْ لهمْ حقٌّ على الإنسانِ مِنْ صاحبٍ ومُعامِلٍ وغيرِهِم.
ومِنْ أعظمِ أنواعِ الإحسانِ: العفوُ عَن المخطئينَ المسيئينَ، والإغضاءُ عَن زلاَّتِهِمْ، والعفو عَن هفواتِهِمْ.
وللإحسانِ بوجوهِهِ كلِّها فوائدُ لا تُحْصَى.
منها: حصولُ محبةِ اللهِ للمحسنينَ التي هِيَ أغلى ما ينالُهُ العبدُ.
ومنها: حصولُ الجزاءِ الكاملِ. قالَ تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى [يونس:26] وقال: هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ [الرحمن:60] فالجزاءُ مِن جنسِ العملِ، فكما أحسنُوا إلى عبادِ اللهِ أحسنَ اللهُ إليهِم وأعطاهُم أفضلُ ما يُعطَى أولياؤُه مِن الجزاءِ الأَوفى الأكملِ.
ومنها: أنَّ هذا مِن أكبرِ أسبابِ محبَّةِ الخلقِ لَهُ، مَنْ وصلَ إليهِ إحسانُهُ ومَنْ لمْ يصلْ إليهِ، وثنائُهم عليهِ وكثرةِ أدعيتِهِم لَهُ، وذلكَ مِن الأمورِ المتنافَسِ فيها.
ومنها: أنَّه يَستفيدُ بذلكَ سرورَ القلبِ وراحتَهُ وطمأنينتَهُ، لا سيما إحسانَ العفوِ، فإنَّه إذا عَفَا عمَّنْ ظلمَهُ وأساءَ إليهِ، زالَ أثرُ ذلكَ عن قلبِهِ، وعَلِمَ أنَّهُ اكتسبَ عَن ذلكَ مِن ربِّهِ أفضلَ جزاءٍ وأعظمَ ثوابٍ.
وأيضًا: فمَنْ عفى عَن عبادِ اللهِ عفى اللهُ عنه، ومَنْ سَمَحَ عنهمْ سامحَهُ اللهُ.
ومِنْ أفضلِ الإحسانِ الذي يتمكَّنُ بِه الموفَّقُ مِن معاملةِ الناسِ على اختلافِ طبقاتِهِم: البشاشةُ وحسنُ الخُلُقِ معَهُم، ومعاشرتُهم باللُّطفِ والكرمِ، وإبداءِ كلِّ ما يقدرُ عليهِ مِن إدخالِ السرورِ عليهِم، وخصوصًا الأقاربُ والأصحابُ ونحوُهم ممَّنْ يتأكَّدُ حقُّهُم على العبدِ، وأنَّ العبدَ لَيُدْرِكُ بحسنِ خلقِهِ درجةَ الصائمِ القائمِ، ولذا نقولُ:
حُسْنُ الخُلُق:
هذا هو مادةُ الأخلاقِ الجميلةِ كلِّها، وقدْ اتفقَ الشرعُ والعقلُ على حُسْنِهِ، ورفعةِ قدرِهِ، وعلوِ مرتبتِهِ، وَمَدَارُهُ على قولِهِ تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ [الأعراف:199] أي: خُذْ ما تيسَّرَ وعفَى وتسهَّلَ مِن أخلاقِ الناسِ، ولا تطالبْهم بما لا تقتضيهِ طباعُهُم، ولا تسمحُ بِهِ أخلاقُهُم. هذا فيما يأتيكَ منهمْ.
وأمَّا ما تأتي إليهِم فالأمرُ بالعُرفِ، وهو نصحُهم وأمرُهُم بكلِّ مُسْتَحْسَنٍ شرعًا، وعقلاً وفطرةً، وأعرضَ عمَّنْ جَهِلَ عليكَ بقولِهِ أو فعلِهِ، فللَّهِ ما أحلى هذهِ الأخلاقُ وما أجمعَها لكلِّ خيرٍ! وقالَ تعالى: ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ (34) وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلاَّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ [فصلت:34]
ويُمِدُّهُ الصبرَ والحلمَ وسعةَ العقل. وفضلُ هذا الخلقِ ومرتبتُهُ فوقَ ما يصفُهُ الواصفُ.
ومِنْ فوائدِ هذا المقامِ الجليلِ:
– الشيخ : لعلَّكَ تقفُ
– القارئ : باقٍ يمكن أربعة أسطر
– الشيخ : أربعة أسطر وبعدين؟ موضوع جديد؟
– القارئ : إي، ويجيك فصلُ الرحمة
– الشيخ : إي، هذا موقف، "ومِن فوائدِ"