بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرَّحيم
التَّعليق على كتاب (الطّرق الحُكميَّة في السّياسة الشَّرعيَّة) لابن قيّم الجوزيَّة
الدّرس التَّاسع والثّلاثون
*** *** *** ***
– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبِه أجمعينَ، اللهمَّ اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين، قالَ ابنُ القيِّمِ –رحمه الله تعالى-:
فَإِنْ قِيلَ: أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي الْبَابِ: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَقَدْ قَالَ عَبَّاسٌ الدَّوْرِيُّ قَالَ يَحْيَى: حَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ: "أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ" لَيْسَ هذا مَحْفُوظًا.
قِيلَ: هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ. قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْحَاكِمُ: شَيْخُنَا أَبُو زَكَرِيَّا لَمْ يُطْلِقْ هَذَا الْقَوْلَ عَلَى حَدِيثِ سَيْفِ بْنِ سُلَيْمَانَ عَنْ قَيْسِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ دِينَارٍ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ، وإن أرادَ الْحَدِيثِ الخطأَ الَّذِي روي عَن ابنِ مُلَيكة عَن ابنِ عباسٍ، أو الحديثَ الذي تَفَرَّدَ بِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَنْ ابْنِ أَبِي ذِئْبٍ.
وَأَمَّا حَدِيثُ سَيْفِ بْنِ سُلَيْمَانَ فَلَيْسَ فِي إسْنَادِهِ مِنْ جَرْحٍ، وَلَا نَعْلَمُ لَهُ عِلَّةً يُعَلَّلُ بِهَا، وَأَبُو زَكَرِيَّا أَعْلَمُ بِهَذَا الشَّأْنِ مِنْ أَنْ يُظَنَّ بِهِ تَوهينُ حَدِيثٍ يَرْوِيهِ الثِّقَاتُ الْأَثْبَاتُ.
قَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: سَأَلْتُ يَحْيَى بْنَ سَعِيدٍ الْقَطَّانَ عَنْ سَيْفِ بْنِ سُلَيْمَانَ، فَقَالَ: كَانَ عِنْدَنَا ثبتٌ مِمَّنْ يُحْفَظُ عَنْهُ وَيُصَدَّقُ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ فِي الشَّافِي: بَابُ قَضَاءِ الْقَاضِي بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ، حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ أَسَدٍ، حَدَّثَنَا شُبَابَةُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ الْمَاجِشُونِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَضَى بِشَهَادَةِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَعَ يَمِينِ صَاحِبِ الْحَقِّ، وَقَضَى بِهِ عَلِيٌّ بِالْعِرَاقِ.
– الشيخ : إي، مَعَ يَمِينِ صَاحِبِ الْحَقِّ، طيب.
– القارئ : ثُمَّ ذَكَرَ رِوَايَة حَنْبَلٍ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ، فِي الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ: جَائِزٌ الْحُكْمُ بِهِ. فَقِيلَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: أَيْشٍ مَعْنَى الْيَمِينِ؟ قَالَ: قَضَى رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ.
قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: وَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَقْضُونَ فِي مَوَاضِعَ بِغَيْرِ شَهَادَةِ شَاهِدٍ، فِي مِثْلِ رَجُلٍ اكْتَرَى مِنْ رَجُلٍ دَارًا، فَوَجَدَ صَاحِبُ الدَّارِ فِي الدَّارِ شَيْئًا، فَقَالَ: هَذَا لِي، وَقَالَ السَّاكِنُ: هُوَ لِي.
وَمِثْلُ رَجُلٍ اكْتَرَى مِنْ رَجُلٍ دَارًا فَوَجَدَ فِيهَا دُفُونًا، فَقَالَ السَّاكِنُ: هِيَ لِي، وَقَالَ صَاحِبُ الدَّارِ: هِيَ لِي. فَقِيلَ: لِمَنْ تَكُونُ؟ فَقَالَ: هَذَا كُلُّهُ لِصَاحِبِ الدَّارِ.
وَقَالَ أَبُو طَالِبٍ: سُئِلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَنْ شَهَادَةِ الرَّجُلِ وَيَمِينِ صَاحِبِ الْحَقِّ، فَقَالَ: هُمْ يَقُولُونَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَاحِدٍ وَيَمِينٍ، وَهُمْ يُجِيزُونَ شَهَادَةَ الْمَرْأَةِ الْوَاحِدَةِ، وَيُجِيزُونَ الْحُكْمَ بِغَيْرِ شَهَادَةٍ. قُلْتُ: مِثْلُ أَيْشٍ؟ قَالَ: مِثْلُ الْخَصِّ إذَا ادَّعَاهُ رَجُلَانِ يُعْطُونَهُ لِلَّذِي
– الشيخ : "الخَصِّ"؟
– القارئ : نعم
– الشيخ : مضبوطة عندك "خَصّ"؟
– القارئ : لا، يا شيخ
– الشيخ : أو "الخُصّ"؟
– القارئ : لم تُضبَط عندي بالشكل
– الشيخ : ولا في تعليق؟
– القارئ : وليسَ هناك تعليق، بضمِ الخاء يا شيخنا؟
– الشيخ : يظهرُ كأنه "خُصّ"
– القارئ : قَالَ: مِثْلُ الْخُصِّ إذَا ادَّعَاهُ رَجُلَانِ يُعْطُونَهُ لِلَّذِي يُعْطُونَهُ لِلَّذِي الْقِمْطُ مِمَّا يَلِيهِ، فمن قَضَى بِهَذَا؟ وَفِي الْحَائِطِ إذَا ادَّعَاهُ رَجُلَانِ نَظَرُوا إلَى اللَّبِنَةِ وإلى مَنْ هِيَ؟ فَقَضَوْا بِهِ لِأَحَدِهِمَا بِلَا بَيِّنَةٍ.
وَالزَّبَلُ إذَا كَانَ فِي الدَّارِ، وَقَالَ صَاحِبُ الدَّارِ: أَكْرَيْتُكَ الدَّارَ، وَلَيْسَ فِيهَا زِبْلٌ.
وَقَالَ السَّاكِنُ: كَانَ فِيهَا، لَزِمَهُ أَخْذُهَا بِلَا بَيِّنَةٍ. وَالْقَابِلَةُ تُقْبَلُ شَهَادَتُهَا فِي اسْتِهْلَالِ الصَّبِيِّ. فَهَذَا يَدْخُلُ عَلَيْهِمْ.
قال رحمه الله: فَصْلٌ
وَإِذَا قَضَى بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ، فَالْحُكْمُ بِالشَّاهِدِ وَحْدِهِ، وَالْيَمِينُ تَقْوِيَةٌ وَتأكِيدٌ، هَذَا مَنْصُوصُ أَحْمَدَ، فَلَوْ رَجَعَ الشَّاهِدُ، كَانَ الضَّمَانُ كُلُّهُ عَلَيْهِ.
قَالَ الْخَلَّالُ فِي الْجَامِعِ: بَابٌ إذَا قَضَى بِالْيَمِينِ مَعَ الشَّاهِدِ، فَرَجَعَ الشَّاهِدُ -ثُمَّ ذَكَرَ مِنْ رِوَايَةِ ابْنِ مُشَيْشٍ- قال: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ: تَقُولُ بِهِ؟ قَالَ. إيْ، لَعَمْرِي. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ رَجَعَ الشَّاهِدُ؟ قَالَ: تَكُونُ الْأَلِفُ عَلَى الشَّاهِدِ وَحْدِهِ.
– الشيخ : تكون؟
– القارئ : قَالَ: تَكُونُ الْأَلِفُ
– الشيخ : أيش الألف؟
– القارئ : وفي المطبوعِ قال: الـمُتَالف، قال: ولم أجدْه في المخطوطاتِ التي اعتمدتها
– الشيخ : أيش يقول؟
– القارئ : يقول: تَكُونُ الْألِفُ
– الشيخ : لا، ما هي "بالألف"
– القارئ : وفي النسخة يا شيخنا في المطبوع: "الـمتالف"، قال: ولم أجدْه في المخطوطاتِ التي اعتمدتها
– الشيخ : "تكون التَّلَف"، بس "التَّلَف"
– القارئ : قَالَ: تَكُونُ الْتَّلَفُ عَلَى الشَّاهِدِ وَحْدِهِ.
قِيلَ: كَيْفَ لَا تَكُونُ عَلَى الطَّالِبِ، لِأَنَّهُ قَدْ اسْتَحَقَّ بِيَمِينِهِ، وَيَكُونُ بِمَنْزِلَةِ الشَّاهِدَيْنِ؟ قَالَ: لَا، إنَّمَا هُوَ السُّنَّةُ، يَعْنِي: الْيَمِينَ.
وَقَالَ الْأَثْرَمُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ قُضِيَ عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ، فَرَجَعَ أَحَدُ الشَّاهِدَيْنِ؟ قَالَ: يَلْزَمُهُ، وَيُرَدُّ الْحُكْمُ. قِيلَ لَهُ: فَإِنْ قَضَى بِالشَّاهِدِ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي، ثُمَّ رَجَعَ الشَّاهِدُ؟ قَالَ: إنْ أَتْلَفَ الشَّيْءَ كَانَ عَلَى الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا ثَبَتَ هَاهُنَا بِشَهَادَتِهِ، لَيْسَتْ الْيَمِينُ مِنْ الشَّهَادَةِ فِي شَيْءٍ.
وَقَالَ أَبُو الْحَارِثِ: قُلْتُ لِأَحْمَدَ: فَإِنْ رَجَعَ الشَّاهِدُ عَنْ شَهَادَتِهِ بَعْدُ؟ قَالَ: يَضْمَنُ الْمَالَ كُلَّهُ، بِهِ كَانَ الْحُكْمُ.
وَقَالَ ابْنُ مُشَيْشٍ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَقُلْتُ: إذَا اسْتَحَقَّ الرَّجُلُ الْمَالَ بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ مَعَ يَمِينِهِ، ثُمَّ رَجَعَ الشَّاهِدُ؟ فَقَالَ: إذَا كَانَا شَاهِدَيْنِ، ثُمَّ رَجَعَ شَاهِدٌ: غُرِّمَ نِصْفَ الْمَالِ. فَإِنْ كَانَتْ شَهَادَةُ شَاهِدٍ مَعَ يَمِينِ الطَّالِبِ، ثُمَّ رَجَعَ الشَّاهِدُ: غُرِّمَ الْمَالَ كُلَّهُ. قُلْتُ: الْمَالُ كُلُّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ.
وَقَالَ يَعْقُوبُ بْنُ بَخْتَانَ: سُئِل أَحْمَدَ عَنْ الرَّجُلِ إذَا اسْتَحَقَّ الْمَالَ بِشَهَادَةِ شَاهِدٍ مَعَ يَمِينِهِ، ثُمَّ رَجَعَ الشَّاهِدُ؟ فَقَالَ: يُرَدُّ الْمَالُ. قُلْتُ. أَيْشٍ مَعْنَى الْيَمِينِ؟ فَقَالَ: قَضَاءُ النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْقَاسِمِ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ: فَإِنْ رَجَعَ الشَّاهِدُ عَنْ الشَّهَادَةِ كَمْ يَغْرَمُ؟ قَالَ: الْمَالَ كُلَّهُ؛ لِأَنَّهُ شَاهِدٌ وَحده قُضِيَ بِشَهَادَتِهِ، ثُمَّ قَالَ: كَيْفَ قَوْلُ مَالِكٍ فِيهَا؟ قُلْتُ: لَا أَحْفَظُهُ. قُلْتُ لَهُ -بَعْدَ هَذَا الْمَجْلِسِ-: إنَّ مَالِكًا كان يَقُولُ: إنْ رَجَعَ الشَّاهِدُ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الْحَقِّ؛ لِأَنِّي إنَّمَا حَكَمْتُ بِمُقْتَضَى شَهَادَتِهِ، وَيَمِينِ الطَّالِبِ، فَلَمْ أَرَهُ رَجَعَ عَنْ قَوْلِهِ. انتهى
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ -كَقَوْلِ مَالِكٍ– وخرجه أبو الخطاب: بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْيَمِينَ قَامَتْ مَقَامَ الشَّاهِدِ، فَوَقَعَ الْحُكْمُ بِهِمَا. وَأَحْمَدُ أَنْكَرَ ذَلِكَ، وَيُؤَيِّدُهُ وُجُوه:
مِنْهَا: أَنَّ الشَّاهِدَ حُجَّةُ الدَّعْوَى، فَكَانَ مُنْفَرِدًا بِالضَّمَانِ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْيَمِينَ قَوْلُ الْخَصْمِ، وَقَوْلُهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عَلَى خَصْمِهِ، وَإِنَّمَا هُوَ شَرْطٌ لِلْحُكْمِ، فَجَرَى مَجْرَى مُطَالَبَته للْحاكْمِ بِهِ.
وَمِنْهَا: أَنَّا لَوْ جَعَلْنَاهَا حُجَّةً لَكُنَّا إنَّمَا جَعَلْنَاهَا حُجَّةً بِشَهَادَةِ الشَّاهِدِ.
– الشيخ : رحمهم الله، أقول: اجتهادات الله أعلم، يبدو -والله أعلم- أن قولَ مالكٍ والشافعي -كما قال المصنف- فيه قوة؛ لأن القضاء حينئذٍ بالشاهدِ واليمين، فليسَ الـمُعَوَّلُ على الشاهد ولا على اليمين، بل اليمين مُنَزَّلة مَنزلةَ الشاهدِ الآخر، بقضاءِ النبي -صلى الله عليه وسلم- "قضى بالشاهدِ واليمينِ".
– القارئ : ومنها: أَنَّهَا لَوْ كَانَتْ كَالشَّاهِدِ لَجَازَ تَقْدِيمُهَا عَلَى شَهَادَته كالشَّاهِدِ الآخر، مَعَ أَنَّ فِي ذَلِكَ وَجْهَيْنِ لَنَا وَلِلشَّافِعِيَّةِ.
قَالَ الْقَاضِي فِي "التَّعْلِيقِ": وَاحْتَجَّ -يَعْنِي: الْمُنَازِعَ فِي الْقَضَاءِ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ- بِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ يَمِينُ الْمُدَّعِي كَشَاهِدٍ آخَرَ لَجَازَ لَهُ أَنْ يُقَدِّمَهَا عَلَى الشَّاهِدِ الَّذِي عِنْدَهُ، كَمَا لَوْ كَانَ عِنْدَهُ شَاهِدَانِ جَازَ أَنْ يُقَدِّمَ
– الشيخ : ما في كالشاهد مِن كلّ وجه، رحمهم الله.
– القارئ : جَازَ أَنْ يُقَدِّمَ أَيَّهُمَا شَاءَ.
قَالَ: وَالْجَوَابُ: أَنَّا لَا نَقُولُ: إنَّها بِمَنْزِلَةِ شَاهِدٍ آخَرَ، وَلِهَذَا يَتَعَلَّقُ الضَّمَانُ بِالشَّاهِدِ وَإِنَّمَا اعْتَبَرْنَاهَا احْتِيَاطًا. قَالَ: فَإِنْ قِيلَ: مَا ذَهَبْتُمْ إلَيْهِ يُؤَدِّي إلَى أَنْ يَثْبُتَ الْحَقُّ بِشَاهِدٍ وَاحِدٍ.
قِيلَ: هَذَا غَيْرُ مُمْتَنِعٍ، كَمَا قَالَهُ الْمُخَالِفُ فِي الْهِلَالِ فِي الْغَيْمِ، وَفِي الْقَابِلَةِ، وَهُوَ ضَرُورَةٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الْمُعَامَلَاتِ تَكْثُرُ وَتَتَكَرَّرُ، فَلَا يُتَّفَقُ في كُلّ وَقْتٍ شَاهِدَانِ، وَقِيَاسُهَا عَلَى احْتِيَاطِ الْحَنَفِيَّةِ بِالْحَبْسِ مَعَ الشَّاهِدِ لِلْإِعْسَارِ وَيَمِينِ الْمُدَّعِي مَعَ الْبَيِّنَةِ عَلَى الْغَائِبِ.
قَالَ: وَأَمَّا جَوَازُ تَقْدِيمِ الْيَمِينِ عَلَى الشَّاهِدِ، فَقَالَ: لَا نَعْرِفُ الرِّوَايَةَ بِمَنْعِ الْجَوَازِ.
قَالَ: وَيُحْتَمَلُ أَنْ نَقُولَ بِجَوَازِ الْحَلِفِ أَوَّلًا، ثُمَّ تُسْمَعُ الشَّهَادَةُ، وَهُوَ قَوْلُ ابنُ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ تَقْدِمَةُ الْيَمِينِ عَلَى الشَّاهِدِ، وَهُوَ ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ فِي رِوَايَةِ أَبِي الْحَارِثِ، قَالَ: إذَا ثَبَتَ لَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ حَلَفَ وَأُعْطِي، فَأَثْبَتَ الْيَمِينَ بَعْدَ ثُبُوتِ الشَّاهِدِ؛ لِأَنَّ الْيَمِينَ تَكُونُ فِي جَنْبَةِ أَقْوَى الْمُتَدَاعِيَيْنِ، وَإِنَّمَا تَقْوَى حِينَئِذٍ بِالشَّاهِدِ، وَلِأَنَّ الْيَمِينَ يَجُوزُ أَنْ تَتَرَتَّبَ عَلَى مَا لَا تَتَرَتَّبَ عَلَيْهِ الشَّهَادَةُ، فَيَكُونُ مِنْ شَرْطِ الْيَمِينِ: تَقَدُّمُ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ، وَلَا يُعْتَبَرُ هَذَا الْمَعْنَى فِي الشَّاهِدَيْنِ.
فَصْلٌ
– الشيخ : إلى هنا.