بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرَّحيم
التَّعليق على كتاب (الطّرق الحُكميَّة في السّياسة الشَّرعيَّة) لابن قيّم الجوزيَّة
الدّرس الأربعون
*** *** *** ***
– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللهمَّ اغفرْ لشيخِنا وللمسلمينَ أجمعينَ يا ربَّ العالمين، قالَ ابنُ القيِّم -رحمةُ الله عليه-:
(فَصْلٌ)
وَالْمَوَاضِعُ الَّتِي يُحْكَمُ فِيهَا بِالشَّاهِدَيْنِ وَالْيَمِينِ: الْمَالُ، وَمَا يَقْصِدُهُ بِهِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ، وَتَوَابِعِهِا من الخيارِ وتأجيلِ الثمنِ والرَّهْنِ واشْتِرَاطِ صِفَةٍ فِي الْمَبِيعِ، أَوْ نَقْدٍ غَيْرِ نَقْدِ الْبَلَدِ، وَالْإِجَارَةِ، وَالْجَعَالَةِ، وَالْمُسَاقَاةِ، وَالْمُزَارَعَةِ، وَالْمُضَارَبَةِ، وَالشَّرِكَةِ، وَالْهِبَةِ.
قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَالْوَصِيَّةُ لِمُعِينٍ
– الشيخ : يقول: "قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ"؟
– القارئ : نعم
– الشيخ : عجيب!
– القارئ : قَالَ فِي الْمُحَرَّرِ: وَالْوَصِيَّةُ لِمُعِينٍ، أَوْ الْوَقْفُ عَلَيْهِ. وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْوَصِيَّةَ وَالْوَقْفَ إذَا كَانَتَا لِجِهَةٍ عَامَّةٍ، كَالْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ أنه لَا يُكْتَفَى فِيهِمَا بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، لِإِمْكَانِ الْيَمِينِ مِنْ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ إذَا كَانَ معينا.
– الشيخ : طيب
– القارئ : وَأَمَّا الْجِهَةُ الْمُطْلَقَةُ: فَلَا يُمْكِنُ الْيَمِينُ فِيهَا، وَإِنْ حَلَفَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ لَمْ يَسْرِ حُكْمُ يَمِينِهِ إلَى غَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ لَوْ ادَّعَى جَمَاعَةٌ: أَنَّهُمْ وَرِثُوا دَيْنًا عَلَى رَجُلٍ، وَشَهِدَ بِذَلِكَ شَاهِدٌ وَاحِدٌ لَمْ يَسْتَحِقُّوا ذَلِكَ، حَتَّى يَحْلِفُوا جَمِيعُهُمْ، وَإِنْ حَلَفَ بَعْضُهُمْ اسْتَحَقَّ حَقَّهُ، وَلَا يُشَارِكُهُ فِيهِ غَيْرُهُ مِنْ الْوَرَثَةِ، وَمَنْ لَمْ يَحْلِفْ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا، فَلَوْ أَمْكَنَ حِلْفُ الْجَمِيعِ فِي الْوَصِيَّةِ وَالْوَقْفِ -بِأَنْ يُوصِيَ أَوْ يَقِفَ عَلَى فُقَرَاءَ مَحَلَّةً مُعَيَّنَةً يُمْكِنُ حَصْرُهُمْ- ثَبَتَ الْوَقْفُ وَالْوَصِيَّةُ بِشَاهِدٍ وَأَيْمَانِهِمْ، وَلَوْ انْتَقَلَ الْوَقْفُ مِنْ بَعْدِهِمْ: لَمْ يَمْنَعْ ذَلِكَ ثُبُوتُهُ بِشَهَادَةِ الْمُعَيِّنِينَ أَوَّلًا، كَمَا لَوْ وَقَفَ عَلَى زَيْدٍ وَحْدَهُ ثُمَّ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ بَعْدَهُ: ثَبَتَ الْوَقْفُ بِشَهَادَتِهِ، وانْتَقَلَ إلَى مَنْ بَعْدَهُ بِحُكْمِ الثُّبُوتِ الْأَوَّلِ ضِمْنًا وَتَبَعًا، وَقَدْ يثبتُ فِي الْأَحْكَامِ التَّبَعِيَّةُ، وَيُغْتَفَرُ فِيهَا مَا لَا يُغْتَفَرُ فِي الْأَصْلِ الْمَقْصُودِ، وَشَوَاهِدُهُ مَعْرُوفَةٌ.
وَمِمَّا يَثْبُتُ بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِينِ: الْغُصُوبِ، وَالْعَوَارِيُّ، والْوَدِيعَةُ، وَالصُّلْحُ وَالْإِقْرَارُ بِالْمَالِ، أَوْ مَا يُوجِبُ الْمَالَ، وَالْحَوَالَةُ، وَالْإِبْرَاءُ، وَالْمُطَالَبَةُ بِالشُّفْعَةِ، وَإِسْقَاطُهَا، وَالْقَرْضُ، وَالصَّدَاقُ، وَعِوَضُ الْخُلْعِ، وَدَعْوَى رِقِّ مَجْهُولِ النَّسَبِ، وَتَسْمِيَةُ الْمَهْرِ.
قال رحمَه اللهُ: فَصْلٌ:
وَفِي الْجِنَايَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ كَالْخَطَأِ، وَمَا لَا قِصَاصَ فِيهِ مِنْ جِنَايَاتِ الْعَمْدِ كَالْهَاشِمَةِ، والـمُنَقِّلَةِ، وَالْمَأْمُومَةِ، وَالْجَائِفَةِ، وَقَتْلِ الْمُسْلِمِ الْكَافِرَ، وَالْحُرِّ الْعَبْدَ وَالصَّبِيَّ، وَالْمَجْنُونَ، وَالْعِتْقِ، وَالْوَكَالَةِ فِي الْمَالِ، وَالْإِيصَاءِ إلَيْهِ، وَدَعْوَى قَتْلِ الْكَافِرِ لِاسْتِحْقَاقِ سَلَبِهِ، وَدَعْوَى الْأَسِيرِ إسْلَامًا سَابِقًا يَمْنَعُ رِقَّهُ، رِوَايَتَانِ
– الشيخ : عندك "دعوى"؟
– القارئ : إي، "ودعوى الأسير"
– الشيخ : لا، "وفي دعوى الأسير"
– القارئ : أحسن الله إليكم
– الشيخ : "وفي دعوى"
– القارئ : وَفي دَعْوَى الْأَسِيرِ إسْلَامًا سَابِقًا يَمْنَعُ رِقَّهُ، رِوَايَتَانِ
– الشيخ : نعم، هذا المبتدأ، وفي دعوى إلى آخره الأسير روايتان عن أحمد يعني
– القارئ : إحْدَاهُمَا: أَنَّهُ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ، وَرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ.
وَالثَّانِيَةُ: لَا يَثْبُتُ إلَّا بِرَجُلَيْنِ، وَلَا يُشْتَرَطُ كَوْنُ الْحَالِفِ مُسْلِمًا، بَلْ تُقْبَلُ يَمِينُهُ مَعَ كُفْرِهِ، كَمَا لَوْ كَانَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ.
قَالَ أَبُو الْحَارِثِ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنْ الْفَاسِقِ، أَوْ الْعَبْدِ إذَا أَقَامَ شَاهِدًا وَاحِدًا؟ قَالَ: أُحَلِّفُهُ وَأُعْطِيهِ دَعْوَاهُ، قُلْتُ له: فَإِنْ كَانَ الشَّاهِدُ عَدْلًا وَالْمُدَّعَي عَلَيْهِ غَيْرَ عَدْلٍ؟ قَالَ: وَإِنْ كَانَ الْمُدَّعِي غَيْرَ عَدْلٍ، أَوْ كَانَتْ امْرَأَةً، أَوْ يَهُودِيًّا، أَوْ نَصْرَانِيًّا، أَوْ مَجُوسِيًّا، إذَا ثَبَتَ لَهُ شَاهِدٌ وَاحِدٌ: حُلِّفَ، وَأُعْطِيَ مَا ادَّعَى. وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَحْلِفَ الْمُدَّعِي عَلَى صِدْقِ شَاهِدِهِ،
– الشيخ : "أن يَحْلِفَ" يمكن
– القارئ : وَهَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَحْلِفَ الْمُدَّعِي عَلَى صِدْقِ شَاهِدِهِ، فَيَقُولُ مَعَ يَمِينِهِ: وَإِنَّ شَاهِدِي صَادِقٌ؟ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ: أَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ؛
– الشيخ : إي هذا هو
– القارئ : لِعَدَمِ الدَّلِيلِ الْمُوجِبِ لِاشْتِرَاطِهِ، وَلِأَنَّ يَمِينَهُ عَلَى الِاسْتِحْقَاقِ كَافِيَةٌ عَنْ يَمِينِهِ عَلَى صِدْقِ شَاهِدِهِ، وَشَرَطَهُ بَعْضُ أَصْحَابِ أَحْمَدَ وَالشَّافِعِيِّ: لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ بَيِّنَةٌ ضَعِيفَةٌ، وَلِهَذَا قَوِيَتْ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي، فَيَجِبُ أَنْ تُقوَّى بِحَلِفِهِ عَلَى صِدْقِ الشَّاهِدِ، وَهَذَا الْقَوْلُ يَقْوَى فِي مَوْضِعٍ وَيَضْعُفُ فِي مَوْضِعٍ، فَيَقْوَى إذَا ارْتَابَ الْحَاكِمُ، أَوْ لَمْ يَكُنْ الشَّاهِدُ مُبَرِّزًا، وَيَضْعُفُ: إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَمْرُ كَذَلِكَ.
فَصْل وَقَدْ حَكَى أَبُو مُحَمَّدِ ابْنُ حَزْمٍ الْقَوْلَ بِتَحْلِيفِ الشُّهُودِ عَنْ ابْنِ وَضَّاحٍ، وَقَاضِي الْجَمَاعَةِ بقرطبة
– الشيخ : لا، قف على هذا.