بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرَّحيم
التَّعليق على كتاب (الطّرق الحُكميَّة في السّياسة الشَّرعيَّة) لابن قيّم الجوزيَّة
الدّرس الخامس والأربعون
*** *** *** ***
– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهمَّ اغفرْ لنا ولشيخِنا وللمستمعينَ والمسلمينَ يا ربَّ العالمينَ. قالَ ابنُ القيِّمِ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في "الطُّرقِ الحكميَّةِ في السِّياسةِ الشَّرعيَّةِ":
فَصْلٌ: قَالَ شَيْخُنَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ-
– الشيخ : اللهُ أكبرُ، لا يخفى أنَّ هذا كتابٌ فريدٌ، ولكنَّه من نوع كتاب شيخه السِّياسة الشَّرعيَّة، إلَّا أنَّ السِّياسةَ الشَّرعيَّةَ أعمُّ من هذا الكتابِ وهي أخصُّ بسياسة الولاة –ولاةُ الأمورِ- وأمَّا هنا "الطُّرقُ الحكميَّةُ" يعني الطُّرقُ الَّتي يحكمُ بها الحاكمُ أي: القاضي، يعني: طرقُ القضاءِ، الشَّيءُ الَّذي يُعوِّلُ عليه القاضي في الحكم مثل البيِّنات يقضي بالشَّاهدين والشَّاهد واليمين ويحكم في كلِّ قضيةٍ بالبيِّنات الَّتي دلَّتْ عليها الشَّريعةُ وتقدَّمَ أنَّ من طرق الحكم الاعتمادُ على القرائن وشواهد الحالِ.
– القارئ : قَالَ شَيْخُنَا ابْنُ تَيْمِيَّةَ -رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى-: قَوْله تَعَالَى: فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى [البقرة:282]، فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ اسْتِشْهَادَ امْرَأَتَيْنِ مَكَانَ رَجُلٍ إنَّمَا هُوَ لِإِذْكَارِ إحْدَاهُمَا الْأُخْرَى إذَا ضَلَّتْ
– الشيخ : إذكار، أذكره، لو جاء لتذكير لكان أنسبَ من..، لأنَّه هو لفظُ القرآنِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ [البقرة:282] فَتُذَكِّرَ، كانَ المناسبُ التَّعبيرَ بالتَّذكيرِ، الظَّاهرُ أنَّه يجوز أذكره وذكَّرَه في اللُّغةِ العربيَّةِ أَذْكَرَهُ الشَّيءَ بمعنى: ذكَّرَه.
– القارئ : وَهَذَا إنَّمَا يَكُونُ فِيمَا يَكُونُ فِيهِ الضَّلَالُ فِي الْعَادَةِ، وَهُوَ النِّسْيَانُ وَعَدَمُ الضَّبْطِ، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى أَشَارَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَيْثُ قَالَ: (وَأَمَّا نُقْصَانُ عَقْلِهِنَّ: فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ بِشَهَادَةِ رَجُلٍ)، فَبَيَّنَ أَنَّ شَطْرَ شَهَادَتِهِنَّ إنَّمَا هُوَ لِضَعْفِ الْعَقْلِ لَا لِضَعْفِ الدِّينِ، فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ عَدْلَ النِّسَاءِ بِمَنْزِلَةِ عَدْلِ الرِّجَالِ، وَإِنَّمَا عَقْلُهَا يَنْقُصُ عَنْهُ
– الشيخ : يعني المرأةُ العدلُ الَّتي ليستْ.. يصدقُ عليها العدلُ كالرَّجل العدلِ، هذا معنى أنَّ عدلَ النِّساءِ، أو العدل من النِّساءِ، كأنَّ المعنى العدلُ مِن النِّساءِ كالعدلِ من الرِّجال، يعني شرطُ العدالةِ في الرِّجال والنِّساء واحدٌ، شرطُ العدالة.
– القارئ : فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ عَدْلَ النِّسَاءِ بِمَنْزِلَةِ عَدْلِ الرِّجَالِ، وَإِنَّمَا عَقْلُهَا يَنْقُصُ عَنْهُ، فَمَا كَانَ مِنْ الشَّهَادَاتِ لَا يُخَافُ فِيهِ الضَّلَالُ فِي الْعَادَةِ، لَمْ تَكُنْ فِيهِ عَلَى نِصْفِ رَجُلٍ، وَمَا يُقْبَلُ فِيهَا شَهَادَتُهُنَّ مُنْفَرِدَاتٍ، إنَّمَا هِيَ أَشْيَاءُ تَرَاهَا بِعَيْنِهَا، أَوْ تَلْمِسُهَا بِيَدِهَا، أَوْ تَسْمَعُهَا بِأُذُنِهَا مِنْ غَيْرِ تَوَقُّفٍ عَلَى عَقْلٍ، كَالْوِلَادَةِ وَالِاسْتِهْلَالِ، وَالِارْتِضَاعِ، وَالْحَيْضِ، وَالْعُيُوبِ تَحْتَ الثِّيَابِ، فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُنْسَى فِي الْعَادَةِ
– الشيخ : لا إله إلَّا الله، يمكن في العادة في الغالب وإلَّا..
– القارئ : فَإِنَّ مِثْلَ هَذَا لَا يُنْسَى فِي الْعَادَةِ وَلَا تــُحـــْتَاجُ مَعْرِفَتُهُ إلَى إعْمَالِ الْعَقْلِ، كَمَعَانِي الْأَقْوَالِ الَّتِي تَسْمَعُهَا مِنْ الْإِقْرَارِ بِالدَّيْنِ وَغَيْرِهِ، فَإِنَّ هَذِهِ مَعَانٍ مَعْقُولَةٌ، وَيَطُولُ الْعَهْدُ بِهَا فِي الْجُمْلَةِ.
فَصْلٌ: إذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَإِنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الرَّجُلِ وَيَمِينُ الطَّالِبِ.
– الشيخ : يعني الطَّالبُ المدَّعي.
– القارئ : إذَا تَقَرَّرَ هَذَا، فَإِنَّهُ تُقْبَلُ شَهَادَةُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ فِي كُلِّ مَوْضِعٍ تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الرَّجُلِ وَيَمِينُ الطَّالِبِ.
– الشيخ : يعني فما تقدَّمَ من أنَّ النَّبيَّ -صلَّى الله عليه وسلَّمَ- قضى في الشَّاهد واليمين
– القارئ : وَقَالَ عَطَاءٌ وَحَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، وَيُقْضَى بِهَا عِنْدَنَا فِي النِّكَاحِ وَالْعَتَاقِ، عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ
وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ، وَإِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ، وَالشَّعْبِيِّ وَالثَّوْرِيِّ، وَأَصْحَابِ الرَّأْيِ، وَكَذَلِكَ فِي الْجِنَايَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْمَالِ عَلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ.
قَالَ فِي "الْمُحَرَّرِ": مَنْ أَتَى بِرَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، أَوْ بِشَاهِدٍ وَيَمِينٍ فِيمَا يُوجِبُ الْقَوَدَ: لَمْ يَثْبُتْ بِهِ قَوَدٌ وَلَا مَالٌ، وَعَنْهُ يَثْبُتُ الْمَالُ إذَا كَانَ الْمَجْنِيُّ عَلَيْهِ عَبْدًا، نَقَلَهَا ابْنُ مَنْصُورٍ، وَمَنْ أَتَى بِذَلِكَ فِي سَرِقَةٍ ثَبَتَ لَهُ الْمَالُ دُونَ الْقَطْعِ. انتهـى.
وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: لَا يَثْبُتُ مُطْلَقًا. وَيُقْضَى بِالشَّاهِدِ وَالْمَرْأَتَيْنِ فِي الْخُلْعِ إذَا ادَّعَاهُ الرَّجُلُ، فَإِنْ ادَّعَتْهُ الْمَرْأَةُ لَمْ يُقْبَلْ فِيهِ إلَّا رَجُلَانِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا: أَنَّهُ إذَا كَانَ الْمُدَّعِي هُوَ الزَّوْجُ فَهُوَ مُدَّعٍ لِلْمَالِ، وَهُوَ يَثْبُتُ بِشَاهِدٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَإِذَا كَانَتْ هِيَ الْمُدَّعِيَةُ، فَهِيَ مُدَّعِيَةٌ لِفَسْخِ النِّكَاحِ وَتَحْرِيمِهَا عَلَيْهِ، وَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِشَاهِدَيْنِ، وَنَصَّ أَحْمَدُ فِي رِوَايَةِ الْجَمَاعَةِ عَلَى أَنَّهُ لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ
– الشيخ : لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله، لا إله إلَّا الله
– القارئ : وَقَالَ فِي الْوَكَالَةِ: إنْ كَانَتْ مُطَالِبَةً بدينٍ
– الشيخ : وكالة يعني "مُطَالَبَةً بدينٍ"، "مُطَالَبَةً" كأنَّه
– القارئ : إنْ كَانَتْ مُطَالَبَةً بدينٍ قُبِلَ فيها شهادةُ رجلٍ وامرأتَينِ، وأمَّا غيرُ ذلكَ فلا، وأجازَ زفرُ قبولَ الرَّجلِ والمرأتينِ في النِّكاحِ والطَّلاقِ والعتقِ.
فصلٌ: وَشَهَادَةُ النِّسَاءِ نَوْعَانِ:
نَوْعٌ تُقْبَلُ فِيهِ النِّسَاءُ مُنْفَرِدَاتٍ.
وَنَوْعٌ لَا يُقْبَلْنَ فِيهِ إلَّا مَعَ الرِّجَالِ.
وَقَدْ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ فِي مَوَاضِعَ: فَرَوَى ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مَكْحُولٍ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ إلَّا فِي الدَّيْنِ، وَرَوَى أَيْضًا عَنْ الشَّعْبِيِّ، قَالَ: مِنْ الشَّهَادَاتِ مَا لَا تَجُوزُ فِيهِ إلَّا شَهَادَةَ النِّسَاءِ، وَعَنْ الزُّهْرِيِّ قَالَ: مَضَتْ السُّنَّةُ أَنْ تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ.
وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ: لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ وَحْدَهُنَّ، إلَّا فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ، مِنْ عَوْرَاتِ النِّسَاءِ وَحَمْلِهِنَّ وَحَيْضِهِنَّ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: "لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ بَحْتًا، حَتَّى يَكُونَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ"
– الشيخ : بحتًا، البحت، كأنَّه الخالصُ البحت، بحت
– القارئ : حَتَّى يَكُونَ مَعَهُنَّ رَجُلٌ". رَوَاهُ إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي يَحْيَى عَنْ أَبِي ضَمْرَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، عَنْ عَلِيٍّ، وَصَحَّ ذَلِكَ عَنْ عَطَاءٍ، وَعُمَرَ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ.
وَقَالَ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُتْبَةَ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ إلَّا فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ غَيْرُهُنَّ.
وَقَالَ عُمَرُ وَعَلِيٌّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا-: "لَا تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الطَّلَاقِ وَلَا النِّكَاحِ وَلَا الدِّمَاءِ وَلَا الْحُدُودِ".
وَقَالَ الزُّهْرِيُّ: "مَضَتْ السُّنَّةُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالْخَلِيفَتَيْنِ بَعْدَهُ: أَلَّا تَجُوزَ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي الْحُدُودِ وَالنِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ". وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ أَنَّهُ أَجَازَ فِي عَتَاقَةٍ: شَهَادَةَ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ، وَصَحَّ عَنْ الشَّعْبِيِّ قَبُولُ شَهَادَةِ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي الطَّلَاقِ وَجِرَاحِ الْخَطَأِ.
وَصَحَّ عَنْ جَابِرِ بْنِ زَيْدٍ: قَبُولُ الرَّجُلِ وَالْمَرْأَتَيْنِ فِي الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ، وَصَحَّ عَنْ إيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ قَبُولُ امْرَأَتَيْنِ فِي الطَّلَاقِ، وَصَحَّ عَنْ شُرَيْحٍ: أَنَّهُ أَجَازَ أَرْبَعَ نِسْوَةٍ عَلَى رَجُلٍ فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ. وَذَكَرَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ ابْنِ جُرَيْجٍ عَنْ هِشَامِ بْنِ حُجَيْرٍ عَمَّنْ يُرْضَى -كأنَّهُ يُرِيدُ طَاوُسًا- قَالَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ فِي كُلِّ شَيْءٍ مَعَ الرِّجَالِ، إلَّا الزِّنَا، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي أَنْ يَنْظُرْنَ إلَى ذَلِكَ.
وَقَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، عَنْ جَرِيرِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ الزُّبَيْرِ بْنِ الْحَارِثِ، عَنْ أَبِي لَبِيدٍ: أَنَّ سَكْرَانًا طَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، فَشَهِدَ عَلَيْهِ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَرُفِعَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَجَازَ شَهَادَةَ النِّسْوَةِ، وَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ: عن خِرَاشِ بْنُ مَالِكٍ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عُبَيْدٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ عُمَانَ ثَمِلَ مِنْ الشَّرَابِ، فَطَلَّقَ امْرَأَتَهُ ثَلَاثًا، فَشَهِدَ عَلَيْهِ نِسْوَةٌ، فَكُتِبَ فِي ذَلِكَ إلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ، فَأَجَازَ شَهَادَةَ النِّسْوَةِ، وَأَثْبَتَ عَلَيْهِ الطَّلَاقَ.
وَذَكَرَ سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ: أَنَّ امْرَأَةً وُطِئَتْ صَبِيًّا فقتلَتْهُ
– الشيخ : وَطِئَتْ
– القارئ : أوطأَت شيخنا؟ يقول في الحاشية: صحَّحَها ابنُ بازٍ -رحمه اللهُ- إلى وَطِئَتْ وهو موافقٌ للرِّواية التَّالية
– الشيخ : وَطِئَتْ؟
– القارئ : نعم يقول: صحَّحها ابنُ بازٍ هكذا
– الشيخ : إي دَعَسَتْهُ برجلِها، دَعَسَتْهُ برجلِها
– القارئ : أَنَّ امْرَأَةً وَطِئَتْ صَبِيًّا فقتلَتْهُ، فَشَهِدَ عَلَيْهَا أَرْبَعُ نِسْوَةٍ. فَأَجَازَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ شَهَادَتَهُنَّ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ أَبِي طَلْقٍ، عَنْ أُخْتِهِ هِنْدٍ بِنْتِ طَلْقٍ، قَالَتْ: "كُنْتُ فِي نِسْوَةٍ وَصَبِيٍّ مُنْحَنٍ، فَقَامَتْ امْرَأَةٌ فَمَرَّتْ، فَوَطِئَتْ الصَّبِيَّ بِرِجْلِهَا، فَوَقَعَتْ عَلَى الصَّبِيِّ فَقَتَلَتْهُ وَاَللَّهِ، فَشَهِدَ عِنْدَ عَلِيٍّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- عَشْرُ نِسْوَةٍ -أَنَا عَاشِرَتُهُنَّ- فَقَضَى عَلَيْهَا بِالدِّيَةِ، وَأَعَانَهَا بِأَلْفَيْنِ".
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ
– الشيخ : كأنَّ المرأةَ متعمِّدةٌ، الدِّيَّةُ لو كانَ خطأً كانت الدِّيَّة على العاقلة، أمَّا هذه متعمِّدة كأنَّه يعني أثبتَ بشهادة النِّسوة الدية ولم يثبتْ القصاصَ، ولم يثبتْ عليها القصاصَ بشهادتهنَّ.
– القارئ : وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى: حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ الضَّرِيرُ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: لَوْ شَهِدَ عِنْدِي ثَمَانِ نِسْوَةٍ عَلَى امْرَأَةٍ بِالزِّنَا لَرَجَمْتُهَا.
– الشيخ : إي لكن هذا لا يكادُ يوجد، الرِّجالُ الأربعةُ يندرُ ثبوتُ الزِّنا بالبيِّنة بأربعة شهودٍ، أكثر ما وردَ ثبوت الزِّنا بالإقرار، فالمسألةُ نظريَّةٌ فقط، نظريَّةٌ ليس لها واقعٌ، افتراض "لو، لو".
– القارئ : وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ: حَدَّثَنَا ابْنُ جُرَيْجٍ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ، قَالَ: تَجُوزُ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مَعَ الرِّجَالِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، وَيَجُوزُ عَلَى الزِّنَا امْرَأَتَانِ وَثَلَاثَةُ رِجَالٍ.
وَقَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَوْنٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى مَتَاعَ الْبَيْتِ، فَجَاءَ أَرْبَعُ نِسْوَةٍ فَشَهِدْنَ، فَقُلْنَ: دَفَعَتْ إلَيْهِ الصَّدَاقَ، فَجَهَّزَهَا بِهِ، فَقَضَى شُرَيْحٌ عَلَيْهِ بِالْمَتَاعِ"، وَهَذَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ.
وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: تُقْبَلُ الْمَرْأَتَانِ مَعَ الرَّجُلِ فِي الْقِصَاصِ، وَفِي الطَّلَاقِ، وَالنِّكَاحِ، وَفِي كُلِّ شَيْءٍ، حَاشَا الْحُدُودَ، وَيُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ فِيمَا لَا يَطَّلِعُ عَلَيْهِ إلَّا النِّسَاءُ.
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ فِي جَمِيعِ الْأَحْكَامِ إلَّا الْقِصَاصَ وَالْحُدُودَ، وَيُقْبَلْنَ فِي الطَّلَاقِ وَالنِّكَاحِ وَالرَّجْعَةِ مَعَ الرَّجُلِ، وَلَا يُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ، لَا فِي الرَّضَاعِ وَلَا فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْوِلَادَةِ، وَلَا فِي الِاسْتِهْلَالِ، لَكِنْ مَعَ رَجُلٍ، وَيُقْبَلْنَ فِي الْوِلَادَةِ الْمُطْلَقَةِ وَغُيُوبِ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ.
وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: يُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ فِي انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْوِلَادَةِ وَفِي الِاسْتِهْلَالِ.
وَقَالَ مَالِكٌ –رضيَ اللهُ عنهُ-: لَا يُقْبَلُ النِّسَاءُ مَعَ رَجُلٍ وَلَا بِدُونِهِ فِي قِصَاصٍ، وَلَا حَدٍّ، وَلَا نِكَاحٍ، وَلَا طَلَاقٍ، وَلَا رَجْعَةٍ، وَلَا عِتْقٍ، وَلَا نَسَبٍ، وَلَا وَلَاءٍ، وَلَا إحْصَانٍ، وَتَجُوزُ شَهَادَتُهُنَّ مَعَ رَجُلٍ فِي الدُّيُونِ وَالْأَمْوَالِ، وَالْوَكَالَةِ، وَالْوَصِيَّةِ الَّتِي لَا عِتْقَ فِيهَا، وَيُقْبَلْنَ مُنْفَرِدَاتٍ فِي عُيُوبِ النِّسَاءِ، وَالْوِلَادَةِ وَالرَّضَاعِ، وَالِاسْتِهْلَالِ، وَحَيْثُ يُقْبَلُ شَاهِدٌ وَيَمِينُ الطَّالِبِ، فَإِنَّهُ يُقْضَى فِيهِ بِشَهَادَةِ امْرَأَتَيْنِ ويمينِ الطَّالبِ، وشهادةِ رجلٍ وامرأتينِ.
وقالَ الشَّافعيُّ: تُقبَلُ شهادةُ امرأتينِ مَعَ رَجُلٍ فِي الْأَمْوَالِ كُلِّهَا، وَفِي الْعِتْقِ، لِأَنَّهُ مَالٌ، وَفِي قَتْلِ الْخَطَأِ، وَفِي الْوَصِيَّةِ لِإِنْسَانٍ بِمَالٍ، وَلَا يُقْبَلْنَ فِي أَصْلِ الْوَصِيَّةِ، لَا مَعَ رَجُلٍ وَلَا بِدُونِهِ.
فَصْلٌ: وَحَيْثُ قُبِلَتْ شَهَادَةُ النِّسَاءِ مُنْفَرِدَاتٍ
– الشيخ : إلى هنا يا أخي
– القارئ : أحسنَ اللهُ إليكم
– الشيخ : على كلِّ حالٍ المسألةُ مسألةٌ اجتهاديَّةٌ ولهذا تنوَّعَت واختلفَت اجتهاداتُ هؤلاء الأفاضل من العلماء، ولا ندري لعلَّ ابنَ القيِّم سيكون له ترجيحٌ وموازنةٌ بينَ هذه المذاهب، عدَّدَ علينا الآن مذاهبَ كثيرةً.