الرئيسية/شروحات الكتب/الطرق الحكمية في السياسة الشرعية/(50) فصل الحكم بثلاثة رجال قوله “وأما إتيان البهيمة فإن قلنا يوجب الحد لم يثبت إلا بأربعة”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(50) فصل الحكم بثلاثة رجال قوله “وأما إتيان البهيمة فإن قلنا يوجب الحد لم يثبت إلا بأربعة”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرَّحيم
التَّعليق على كتاب (الطّرق الحُكميَّة في السّياسة الشَّرعيَّة) لابن قيّم الجوزيَّة
الدّرس الخمسون

***    ***    ***    ***

 

– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهمَّ اغفرْ لنا ولشيخِنا وللمسلمينَ. قالَ ابنُ القيِّمِ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في "الطُّرقِ الحكميَّةِ في السِّياسةِ الشَّرعيَّةِ":

فصلٌ: وَأَمَّا إتْيَانُ الْبَهِيمَةِ، فَإِنْ قُلْنَا يُوجِبُ الْحَدَّ، لَمْ يَثْبُتْ إلَّا بِأَرْبَعَةٍ، وَإِنْ قُلْنَا: يُوجِبُ التَّعْزِيرَ -كَقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ- فَفِيهِ وَجْهَانِ: أَحَدُهُمَا: لَا يُقْبَلُ فِيهِ إلَّا أَرْبَعَةٌ؛ لِأَنَّهُ فَاحِشَةٌ، وَإِيلَاجُ فَرْجٍ فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ، فَأَشْبَهَ الزِّنَا، وَهَذَا اخْتِيَارُ الْقَاضِي.

وَالثَّانِي: يُقْبَلُ فِيهِ شَاهِدَانِ، لِأَنَّهُ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، فَيَثْبُتُ بِشَاهِدَيْنِ كَسَائِرِ الْحُقُوقِ.

قَالَ الشَّيْخُ فِي "الْمُغْنِي": وَعَلَى قِيَاسِ هَذَا: كُلُّ زِنَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، كَوَطْءِ الْأَمَةِ الْمُشْتَرَكَةِ وَأَمَتِهِ الْمُزَوَّجَةِ، وَأَشْبَاهِ هَذَا. انتهى.

وَأَمَّا الْوَطْءُ الْمُحَرَّمُ لِعَارِضٍ -كَوَطْءِ امْرَأَتِهِ فِي الصِّيَامِ، وَالْإِحْرَامِ وَالْحَيْضِ- فَإِنَّهُ لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَيَكْفِي فِيهِ شَاهِدَانِ، وَكَذَلِكَ وَطْؤُهَا فِي دُبُرِهَا.

فصلٌ: وَأَلْحَقَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ بِالزِّنَا – فِي اعْتِبَارِ أَرْبَعَةِ شُهُودٍ كُلَّ مَا يُوجِبُ الْقَتْلَ، وَحُكِيَ ذَلِكَ رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ، وَهَذَا إنْ كَانَ فِي الْقَتْلِ حَدًّا فَلَهُ وَجْهٌ عَلَى ضَعْفِهِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْقَتْلِ حَدٌّ أَوْ قِصَاصٌ، فَهُوَ فَاسِدٌ، وَقِيَاسُهُ عَلَى الزِّنَا مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى غَلَّظَ أَمْرَ الْبَيِّنَةِ وَالْإِقْرَارِ فِي بَابِ الْفَاحِشَةِ، سَتْرًا لِعِبَادِهِ، وَشَرَعَ فِيهَا عُقُوبَةَ مَنْ قَذَفَ غَيْرَهُ بِهَا دُونَ سَائِرِ مَا يُوجِبُ الْحَدَّ وَشَرَعَ فِيهَا الْقَتْلَ عَلَى أَغْلَظِ الْوُجُوهِ وَأَكْرَهِهَا لِلنُّفُوسِ، فَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُ غَيْرِهَا بِهَا، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

فصلٌ: الطَّرِيقُ الرَّابِعَ عَشَرَ الْحُكْمُ بِشَهَادَةِ الْعَبْدِ وَالْأَمَةِ فِي كُلِّ مَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْحُرِّ وَالْحُرَّةِ.

هَذَا هو الصَّحِيحُ مِنْ مَذْهَبِ أَحْمَدَ، وَعَنْهُ تُقْبَلُ فِي كُلِّ شَيْءٍ إلَّا فِي الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ، لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي قَبُولِ شَهَادَتِهِ، فَلَا يَنْتَهِضُ سَبَبًا لِإِقَامَةِ الْحُدُودِ الَّتِي مَبْنَاهَا عَلَى الِاحْتِيَاطِ، وَالصَّحِيحُ: الْأَوَّلُ.

وَقَدْ حُكِيَ إجْمَاعًا قَدِيمًا، حَكَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: "مَا عَلِمْتُ أَحَدًا رَدَّ شَهَادَةَ الْعَبْدِ" وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ رَدَّهَا إنَّمَا حَدَثَ بَعْدَ عَصْرِ الصَّحَابَةِ، وَاشْتَهَرَ هَذَا الْقَوْلُ لِمَا ذَهَبَ إلَيْهِ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَصَارَ لَهُمْ أَتْبَاعٌ يُفْتُونَ وَيَقْضُونَ بِأَقْوَالِهِمْ، فَصَارَ هَذَا الْقَوْلُ عِنْدَ النَّاسِ هُوَ الْمَعْرُوفُ، وَلَمَّا كَانَ مَشْهُورًا بِالْمَدِينَةِ فِي زَمَنِ مَالِكٍ، قَالَ: "مَا عَلِمْتُ أَحَدًا قَبِلَ شَهَادَةَ الْعَبْدِ" وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ يَقُولُ ضِدَّ ذَلِكَ.

وَقَبُولُ شَهَادَةِ الْعَبْدِ، وَهُوَ مُوجِبُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَأَقْوَالِ الصَّحَابَةِ، وَصَرِيحُ الْقِيَاسِ، وَأُصُولُ الشَّرْعِ، وَلَيْسَ مَعَ مَنْ رَدَّهَا كِتَابٌ وَلَا سُنَّةٌ وَلَا إجْمَاعٌ وَلَا قِيَاسٌ.

قَالَ تَعَالَى: وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا [البقرة:143] وَالْوَسَطُ: الْعَدْلُ الْخِيَارُ، وَلَا رَيْبَ فِي دُخُولِ الْعَبْدِ فِي هَذَا الْخِطَابِ، فَهُوَ عَدْلٌ بِنَصِّ الْقُرْآنِ، فَدَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ: وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ [الطلاق:2]

وَقَالَ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ [النساء:135] وَهُوَ مِنْ الَّذِينَ آمَنُوا قَطْعًا، فَيَكُونُ مِنْ الشُّهَدَاءِ كَذَلِكَ.

وَقَالَ تَعَالَى: وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ [البقرة:282] وَلَا رَيْبَ أَنَّ الْعَبْدَ مِنْ رِجَالِنَا.

وَقَالَ تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ [البينة:7] فَالْعَبْدُ الْمُؤْمِنُ الصَّالِحُ مِنْ خَيْرِ الْبَرِيَّةِ، فَكَيْفَ تُرَدُّ شَهَادَتُهُ وَقَدْ عَدَّلَهُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ؟ كَمَا فِي الْحَدِيثِ الْمَعْرُوفِ الْمَرْفُوعِ: (يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ)، وَالْعَبْدُ يَكُونُ مِنْ حَمَلَةِ الْعِلْمِ، فَهُوَ عَدْلٌ بِنَصِّ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ.

وَأَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّهُ مَقْبُولُ الشَّهَادَةِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إذَا رُوِيَ عَنْهُ الْحَدِيثُ، فَكَيْفَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَلَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ عَلَى وَاحِدٍ مِنْ النَّاسِ؟

وَلَا يُقَالُ: بَابُ الرِّوَايَةِ أَوْسَعُ مِنْ بَابِ الشَّهَادَةِ، فَيَحْتَاطُ لَهَا، مَا لَا يَحْتَاطُ لِلرِّوَايَةِ، فَهَذَا كَلَامٌ جَرَى عَلَى أَلْسُنِ كَثِيرٍ مِنْ النَّاسِ، وَهُوَ عَارٍ عَنْ التَّحْقِيقِ وَالصَّوَابِ، فَإِنَّ أَوْلَى مَا ضُبِطَ وَاحْتِيطَ لَهُ: الشَّهَادَةُ عَلَى الرَّسُولِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَالرِّوَايَةُ عَنْهُ، فَإِنَّ الْكَذِبَ عَلَيْهِ لَيْسَ كَالْكَذِبِ عَلَى غَيْرِهِ.

وَإِنَّمَا رُدَّتْ الشَّهَادَةُ بِالْعَدَاوَةِ وَالْقَرَابَةِ وَالْأُنُوثَةِ دُونَ الرِّوَايَةِ، لِتَطَرُّقِ التُّهْمَةِ إلَى شَهَادَةِ الْعَدُوِّ وَشَهَادَةِ الْوَلَدِ، وَخَشْيَةِ عَدَمِ ضَبْطِ الْمَرْأَةِ وَحِفْظِهَا، وَأَمَّا الْعَبْدُ: فَمَا يَتَطَرَّقُ إلَيْهِ مِنْ ذَلِكَ يَتَطَرَّقُ إلَى الْحُرِّ سَوَاءٌ، وَلَا فَرْقَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فِي ذَلِكَ أَلْبَتَّةَ، فَالْمَعْنَى الَّذِي قُبِلَتْ بِهِ رِوَايَتُهُ هُوَ الْمَعْنَى الَّذِي تُقْبَلُ بِهِ شَهَادَتُهُ، وَأَمَّا الْمَعْنَى الَّذِي رُدَّتْ بِهِ شَهَادَةُ الْعَدُوِّ وَالْقَرَابَةِ وَالْمَرْأَةِ فَلَيْسَ مَوْجُودًا فِي الْعَبْدِ.

وَأَيْضًا، فَإِنَّ الْمُقْتَضَي لِقَبُولِ شَهَادَةِ الْمُسْلِمِ عَدَالَتُهُ، وَغَلَبَةُ الظَّنِّ بِصِدْقِهِ، وَعَدَمُ تَطَرُّقِ التُّهْمَةِ إلَيْهِ، وَهَذَا بِعَيْنِهِ مَوْجُودٌ فِي الْعَبْدِ، فَالْمُقْتَضَي مَوْجُودٌ وَالْمَانِعُ مَفْقُودٌ، فَإِنَّ الرِّقَّ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ مَانِعًا، فَإِنَّهُ لَا يُزِيلُ مُقْتَضَى الْعَدَالَةِ، وَلَا تَطَرُّقَ تُهْمَةٍ، كَيْفَ وَالْعَبْدُ الَّذِي يُؤَدِّي حَقَّ اللَّهِ وَحَقَّ سَيِّدِهِ لَهُ أَجْرَانِ حَيْثُ يَكُونُ لِلْحُرِّ أَجْرٌ وَاحِدٌ، وَهُوَ أَحَدُ الثَّلَاثَةِ الَّذِينَ هُمْ أَوَّلُ مَنْ يَدْخُلُ الْجَنَّةَ، وَلِهَذَا قَبِلَ شَهَادَتَهُ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُمْ الْقُدْوَةُ.

قَالَ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ: حَدَّثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، عَنْ أَشْعَثَ، عَنْ الشَّعْبِيِّ قَالَ: قَالَ شُرَيْحٌ "لَا نُجِيزُ شَهَادَةَ الْعَبْدِ"، فَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: "لَكِنَّا نُجِيزُهَا" فَكَانَ شُرَيْحٌ بَعْدَ ذَلِكَ يُجِيزُهَا إلَّا لِسَيِّدِهِ: "وَبِهِ، عَنْ الْمُخْتَارِ بْنِ فُلْفُلٍ، قَالَ: سَأَلْتُ أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ عَنْ شَهَادَةِ الْعَبْدِ؟ فَقَالَ: "جَائِزَةٌ".

وَقَالَ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَمَّارٍ الدُّهْنِيِّ، قَالَ: "شَهِدْتُ شُرَيْحًا شَهِدَ عِنْدَهُ عَبْدٌ عَلَى دَارٍ، فَأَجَازَ شَهَادَتَهُ، فَقِيلَ: إنَّهُ عَبْدٌ، فَقَالَ شُرَيْحٌ: كُلّنَا عَبِيدٌ وَإِمَاءٌ".

وَرَوَى أَحْمَدُ عَنْ ابْنِ سِيرِينَ: أَنَّهُ كَانَ لَا يَرَى بِشَهَادَةِ الْعَبْدِ بَأْسًا إذَا كَانَ عَدْلًا.

وَقَالَ عَطَاءٌ: شَهَادَةُ الْعَبْدِ وَالْمَرْأَةِ جَائِزَةٌ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ.

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ.

قَالَ: سُئِلَ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ شَهَادَةِ الْعَبْدِ؟ فَقَالَ: أَنَا أَرُدُّ شَهَادَةَ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ! يَعْنِي إنْكَارًا لِرَدِّهَا.

وَذَكَرَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ قَالَ: "مَا عَلِمْتُ أَحَدًا رَدَّ شَهَادَةَ الْعَبْدِ".

وَقَدْ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي ذَلِكَ، فَرَدَّتَهَا طَائِفَةٌ مُطْلَقًا، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَقَبِلَتْهَا

– الشيخ : "وَقَدْ اخْتَلَفَ" قفْ "وَقَدْ اخْتَلَفَ"، اللهُ المستعانُ.

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :متفرقات