الرئيسية/شروحات الكتب/الطرق الحكمية في السياسة الشرعية/(62) فصل الحكم بالخط المجرد قوله “واختلف الفقهاء فيما إذا أشهد القاضي شاهدين على كتابه”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(62) فصل الحكم بالخط المجرد قوله “واختلف الفقهاء فيما إذا أشهد القاضي شاهدين على كتابه”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرَّحيم
التَّعليق على كتاب (الطّرق الحُكميَّة في السّياسة الشَّرعيَّة) لابن قيّم الجوزيَّة
الدّرس الثَّاني والستون

***    ***    ***    ***

 

– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهمَّ اغفرْ لنا ولشيخِنا ووالدينا وللمسلمينَ. قالَ ابنُ القيِّمِ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في "الطُّرقِ الحكميَّةِ في السِّياسةِ الشَّرعيَّةِ":

وَاخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ فِيمَا إذَا أَشْهَدَ الْقَاضِي شَاهِدَيْنِ عَلَى كِتَابِهِ، وَلَمْ يَقْرَأْهُ عَلَيْهِمَا وَلَا عَرَّفَهُمَا بِمَا فِيهِ.

فَقَالَ مَالِكٌ: يَجُوزُ ذَلِكَ، وَيُلْزِمُ الْقَاضِي الْمَكْتُوبَ إلَيْهِ قَبُولَهُ، وَيَقُولُ الشَّاهِدَانِ لَهُ: هَذَا كِتَابُهُ دَفَعَهُ إلَيْنَا مَخْتُومًا، وَهَذِهِ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ الْإِمَامِ أَحْمَدَ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَبُو ثَوْرٍ: إذَا لَمْ يَقْرَأْهُ عَلَيْهِمَا الْقَاضِي: لَمْ يَعْمَلْ الْقَاضِي الْمَكْتُوبُ إلَيْهِ بِمَا فِيهِ، وَهُوَ إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ مَالِكٍ.

وَحُجَّتُهُمْ: أَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَشْهَدَ الشَّاهِدُ إلَّا بِمَا يَعْلَمُ.

وَأَجَابَ الْآخَرُونَ بِأَنَّهُمَا لَمْ يَشْهَدَا بِمَا تَضَمَّنَهُ، وَإِنَّمَا شَهِدَا بِأَنَّهُ كِتَابُ الْقَاضِي وَذَلِكَ مَعْلُومٌ لَهُمَا، وَالسُّنَّةُ الصَّرِيحَةُ تَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ ذَلِكَ، وَتَغَيُّرُ أَحْوَالِ النَّاسِ وَفَسَادُهَا يَقْتَضِي الْعَمَلَ بِالْقَوْلِ الْآخَرِ، وَقَدْ يَثْبُتُ عِنْدَ الْقَاضِي مِنْ أُمُورِ النَّاسِ مَا لَا يَحْسُنُ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ كُلُّ أَحَدٍ، مِثْلَ الْوَصَايَا الَّتِي يَتَخَوَّفُ النَّاسُ فِيهَا، وَلِهَذَا يَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ -فِي إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ- أَنْ يَشْهَدَا عَلَى الْوَصِيَّةِ الْمَخْتُومَةِ، وَيَجُوزُ عِنْدَ مَالِكٍ. أَنْ يَشْهَدَا عَلَى الْكِتَابِ الْمُدْرَجِ، وَيَقُولَا لِلْحَاكِمِ: نَشْهَدُ عَلَى إقْرَارِهِ بِمَا فِي هَذَا الْكِتَابِ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمَا بِمَا أَقَرَّ، وَالْجُمْهُورُ لَا يُجِيزُونَ الْحُكْمَ بِذَلِكَ.

قَالَ الْمَانِعُونَ مِنْ الْعَمَلِ بِالْخُطُوطِ: الْخُطُوطُ قَابِلَةٌ لِلْمُشَابَهَةِ وَالْمُحَاكَاةِ، وَهَلْ كَانَتْ قِصَّةُ عُثْمَانَ وَمَقْتَلُهُ إلَّا بِسَبَبِ الْخَطِّ؟ فَإِنَّهُمْ صَنَعُوا مِثْلَ خَاتَمِهِ، وَكَتَبُوا مِثْلَ كِتَابِهِ، حَتَّى جَرَى مَا جَرَى، وَلِذَلِكَ قَالَ الشَّعْبِيُّ: لَا تَشْهَدُ أَبَدًا إلَّا عَلَى شَيْءٍ تَذْكُرُهُ، فَإِنَّهُ مَنْ شَاءَ انْتَقَشَ خَاتَمًا، وَمَنْ شَاءَ كَتَبَ كِتَابًا. قَالُوا: وَأَمَّا مَا ذَكَرْتُمْ مِنْ الْآثَارِ: فَنَعَمْ، هَاهُنَا أَمْثَالُهَا، وَلَكِنْ كَانَ ذَاكَ إذْ النَّاسُ نَاسٌ، وَأَمَّا الْآنَ: فَكَلَّا وَلَمَّا، وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ قَدْ تَغَيَّرَ فِي زَمَنِ مَالِكٍ وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، حَتَّى قَالَ مَالِكٌ: كَانَ مِنْ أَمْرِ النَّاسِ الْقَدِيمِ إجَازَةُ الْخَوَاتِمِ، حَتَّى أَنَّ الْقَاضِيَ لَيَكْتُبُ لِلرَّجُلِ الْكِتَابَ، فَمَا يَزِيدُ عَلَى خَتْمِهِ، حَتَّى اُتُّهِمَ النَّاسُ، فَصَارَ لَا يُقْبَلُ إلَّا بشَاهِدَينِ.

وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: لَا يُقْضَى فِي دَهْرِنَا هَذَا بِالشَّهَادَةِ عَلَى الْخَطِّ، لِأَنَّ النَّاسَ قَدْ أَحْدَثُوا ضُرُوبًا مِنْ الْفُجُورِ، وَقَدْ كَانَ النَّاسُ فِيمَا مَضَى يُجِيزُونَ الشَّهَادَةَ عَلَى خَاتَمِ كِتَابِ الْقَاضِي.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ فِي الدَّابَّةِ يُوجَدُ عَلَى فَخِذِهَا "صَدَقَةٌ" أَوْ "وَقْفٌ" أَوْ "حَبْسٌ" هَلْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِذَلِكَ؟

قِيلَ: نَعَمْ

– الشيخ : يعني مكتوبٌ عليها: هذه سبيلٌ، الدَّابَّةُ هذه، الحمارُ أو البعيرُ هذه سبيلٌ للفقراء ينتفعون بها، مكتوبٌ عليها، يوجدُ على فخذِها.

– القارئ : "صَدَقَةٌ" أَوْ "وَقْفٌ" أَوْ "حَبْسٌ" هَلْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِذَلِكَ؟

قِيلَ: نَعَمْ، لَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِهِ وَصَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُ مَالِكٍ، فَإِنَّ هَذِهِ أَمَارَةٌ ظَاهِرَةٌ، وَلَعَلَّهَا أَقْوَى مِنْ شَهَادَةِ الشَّاهِدِ، وَقَدْ ثَبَتَ فِي "الصَّحِيحَيْنِ" مِنْ حَدِيثِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "غَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِعَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ لِيُحَنِّكَهُ، فَوَافَيْتُهُ فِي يَدِهِ الْمِيسَمُ يَسِمُ إبِلَ الصَّدَقَةِ"، وَلِلْإِمَامِ أَحْمَدَ عَنْهُ قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَهُوَ يَسِمُ غَنَمًا فِي آذَانِهَا».

وَرَوَى مَالِكٌ فِي "الْمُوَطَّأ" عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-: "إنَّ فِي الظَّهْرِ نَاقَةً عَمْيَاءَ، فَقَالَ عُمَرُ: ادْفَعْهَا إلَى أَهْلِ الْبَيْتِ يَنْتَفِعُونَ بِهَا، قَالَ: فَقُلْتُ: هِيَ عَمْيَاءُ، فَقَالَ عُمَرُ: يَقْطُرُونَهَا بِالْإِبِلِ، قَالَ: فَقُلْتُ: كَيْفَ تَأْكُلُ مِنْ الْأَرْضِ؟ قَالَ: فَقَالَ عُمَرُ: أَمِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ هِيَ، أَمْ مِنْ نَعَمِ الصَّدَقَةِ؟ فَقُلْتُ: مِنْ نَعَمِ الْجِزْيَةِ، فَقَالَ عُمَرُ: أَرَدْتُمْ وَاَللَّهِ أَكْلَهَا، فَقُلْتُ: إنَّ عَلَيْهَا وَسْمَ الْجِزْيَةِ"، وَلَوْلَا أَنَّ الْوَسْمَ يُمَيِّزُ الصَّدَقَةَ مِنْ غَيْرِهَا، وَيَشْهَدُ لِمَا هُوَ وَسمٌ عَلَيْهِ؛ لَمْ تَكُنْ فِيهِ فَائِدَةٌ بَلْ لَا فَائِدَةَ لِلْوَسْمِ إلَّا ذَلِكَ؛ وَمَنْ لَمْ يَعْتَبِرْ الْوَسْمَ فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ عِنْدَهُ.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ فِي الدَّارِ يُوجَدُ عَلَى بَابِهَا أَوْ حَائِطِهَا الْحَجَرُ مَكْتُوبًا فِيهِ "إنَّهَا وَقْفٌ" أَوْ "مَسْجِدٌ" هَلْ يُحْكَمُ بِذَلِكَ؟

قِيلَ: نَعَمْ؛ يُقْضَى بِهِ؛ وَيَصِيرُ وَقْفًا؛ صَرَّحَ بِهِ بَعْضُ أَصْحَابِنَا؛ وَمِمَّنْ ذَكَرَهُ الْحَارِثِيُّ فِي "شَرْحِهِ" فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ يَجُوزُ أَنْ يَنْقُلَ الْحَجَرَ إلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ؟

قِيلَ: جَوَازُ ذَلِكَ كَجَوَازِ كَذِبِ الشَّاهِدَيْنِ، بَلْ هَذَا أَقْرَبُ؛ لِأَنَّ الْحَجَرَ الْمُشَاهَدَ جُزْءٌ مِنْ الْحَائِطِ دَاخِلٌ فِيهِ؛ لَيْسَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَمَارَاتِ النَّقْلِ، بَلْ يُقْطَعُ غَالِبًا بِأَنَّهُ بُنِيَ مَعَ الدَّارِ؛ وَلَا سِيَّمَا إذَا كَانَ حَجَرًا عَظِيمًا وُضِعَ عَلَيْهِ الْحَائِطُ، بِحَيْثُ يَتَعَذَّرُ وَضْعُهُ بَعْدَ الْبِنَاءِ، فَهَذَا أَقْوَى مِنْ شَهَادَةِ رَجُلَيْنِ، أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ.

فَإِنْ قِيلَ: فَمَا تَقُولُونَ فِي كُتُبِ الْعِلْمِ يُوجَدُ عَلَى ظَهْرِهَا وَهَوَامِشِهَا كِتَابَةُ الْوَقْفِ، هَلْ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَحْكُمَ بِكَوْنِهَا وَقْفًا بِذَلِكَ؟

قِيلَ: هَذَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ قَرَائِنِ الْأَحْوَالِ، فَإِذَا رَأَيْنَا كُتُبًا مُودَعَةً فِي خِزَانَةٍ، وَعَلَيْهَا كِتَابَةُ "الْوَقْفِ" وَهِيَ كَذَلِكَ مُدَّةٌ مُتَطَاوِلَةٌ، وَقَدْ اُشْتُهِرَتْ بِذَلِكَ: لَمْ نَسْتَرِبْ فِي كَوْنِهَا وَقْفًا؛ وَحُكْمُهَا حُكْمُ الْمَدْرَسَةِ الَّتِي عُهِدَتْ لِذَلِكَ؛ وَانْقَطَعَتْ كُتُبُ وَقْفِهَا أَوْ فُقِدَتْ، وَلَكِنْ يعلمُ النَّاسُ عَلَى تَطَاوُلِ الْمُدَّةِ كَوْنَهَا وَقْفًا، فَتَكْفِي فِي ذَلِكَ الِاسْتِفَاضَةُ، فَإِنَّ الْوَقْفَ يَثْبُتُ بِالِاسْتِفَاضَةِ، وَكَذَلِكَ مَصْرِفُهُ، وَأَمَّا إذَا رَأَيْنَا كِتَابًا لَا نَعْلَمُ مُقِرَّهُ وَلَا عُرِفَ مَنْ كَتَبَ عَلَيْهِ الْوَقْفَ، فَهَذَا يُوجِبُ التَّوَقُّفَ فِي أَمْرِهِ، حَتَّى يَتَبَيَّنَ حَالُهُ.

وَالْمُعَوَّلُ فِي ذَلِكَ عَلَى الْقَرَائِنِ، فَإِنْ قَوِيَتْ حُكِمَ بِمُوجَبِهَا، وَإِنْ ضَعُفَتْ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهَا، وَإِنْ تَوَسَّطَتْ: طَلَبَ الِاسْتِظْهَارَ، وَسُلِكَ طَرِيقَ الِاحْتِيَاطِ، وَبِاَللَّهِ التَّوْفِيقُ.

وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُ مَالِكٍ -فِي الرَّجُلَيْنِ يَتَنَازَعَانِ فِي حَائِطٍ- فَيَنْظُرُ إلَى عَقْدِهِ، وَمَنْ لَهُ عَلَيْهِ خَشَبٌ أَوْ سَقْفٌ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِمَّا يُرَى بِالْعَيْنِ: يُقْضَى بِهِ لِصَاحِبِهِ، وَلَا يُكَلِّفُ الطَّالِبَ الْبَيِّنَةَ، وَكَذَلِكَ الْقَنَوَاتُ الَّتِي تَشُقُّ الدُّورَ وَالْبُيُوتَ إلَى مُسْتَقَرِّهَا إذَا سَدّهَا الَّذِي تشقُّ دَارَهُ

– الشيخ : القنواتُ: قنواتُ الماءِ الطَّيِّبة الَّتي تجري فيها الماء النَّافع، لا القنواتُ الَّتي توصلُ إلى النَّاس الشَّرَّ والفسادَ، هذه الآنَ تُسمَّى القنوات، وهي قنواتٌ، صحيحٌ قنواتُ الشَّرِّ تسوقُ إلى النَّاسِ الشُّبهات والشَّهوات، قنواتُ الإثمِ.

 

– القارئ : وَكَذَلِكَ الْقَنَوَاتُ الَّتِي تَشُقُّ الدُّورَ وَالْبُيُوتَ إلَى مُسْتَقَرِّهَا إذَا سَدَّهَا الَّذِي تشقُّ دَارَهُ، وَأَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ عَلَيْهَا مَجْرَى لِأَحَدٍ، فَإِذَا نَظَرُوا إلَى الْقَنَاةِ الَّتِي تشقُّ دَاره، وَشَهِدُوا بِذَلِكَ عِنْدَ الْقَاضِي، وَلَمْ يَكُنْ عِنْدَهُ فِي شَهَادَةِ الشُّهُودِ الَّذِينَ وَجَّهَهُمْ لِذَلِكَ مَدْفَعٌ: أَلْزَمُوهُ مُرُورَ الْقَنَاةِ عَلَى دَارِهِ، وَنُهِيَ عَنْ سَدِّهَا، وَمُنِعَ مِنْهُ. قَالُوا: فَإِذَا نَظَرُوا فِي الْقَنَاةِ تَشُقُّ دَارَهُ إلَى مُسْتَقَرِّهَا -وَهِيَ قَنَاةٌ قَدِيمَةٌ، وَالْبُنْيَانُ فِيهَا ظَاهِرٌ، حَتَّى تَصُبَّ فِي مُسْتَقَرِّهَا- فَلِلْحَاكِمِ أَنْ يُلْزِمَهُ بِمُرُورِ الْقَنَاةِ كَمَا وُجِدَتْ فِي دَارِهِ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ عَنْهُ: إذَا اخْتَلَفَ الرَّجُلَانِ فِي جِدَارٍ بَيْنَ دَارَيْهِمَا -كُلٌّ يَدَّعِيهِ- فَإِنْ كَانَ عَقْدُ بِنَائِهِ إلَيْهِمَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ مَعْقُودًا إلَى أَحَدِهِمَا وَمُنْقَطِعًا عَنْ الْآخَرِ، فَهُوَ إلَى مَنْ إلَيْهِ الْعَقْدُ، وَإِنْ كَانَ مُنْقَطِعًا منهما جَمِيعًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا فِيهِ كُوًى، وَلَا شَيْءَ لِلْآخَرِ فِيهِ؛ وَلَيْسَ بِمُنْعَقِدٍ إلَى وَاحِدٍ مِنْهُمَا فَهُوَ إلَى مَنْ إلَيْهِ مَرَافِقُهُ، وَإِنْ كَانَتْ فِيهِ كُوًى لِكِلَيْهِمَا فَهُوَ بَيْنَهُمَا؛ وَإِنْ كَانَتْ لِأَحَدِهِمَا عَلَيْهِ خَشَبٌ وَلَا عَقْدَ فِيهِ لِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَهُوَ لِمَنْ لَهُ عَلَيْهِ الْحَمْلُ، فَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ حَمْلٌ لَهُمَا جَمِيعًا فَهُوَ بَيْنَهُمَا.

وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ الْكِتَابَةَ عَلَى الْحِجَارَةِ وَالْحَيَوَانِ وَكُتُبِ الْعِلْمِ أَقْوَى مِنْ هَذِهِ الْأَمَارَاتِ بِكَثِيرٍ، فَهِيَ أَوْلَى أَنْ يَثْبُتَ بِهَا حُكْمُ تِلْكَ الْكِتَابَةِ، وَلَا سِيَّمَا عِنْدَ عَدَمِ الْمُعَارِضِ، وَأَمَّا إذَا عَارَضَ ذَلِكَ بَيِّنَةٌ لَا تُتَّهَمُ، وَلَا تَسْتَنِدُ إلَى مُجَرَّدِ التَّبْدِيلِ بِذِكْرِ سَبَبِ الْمِلْكِ وَاسْتِمْرَارِهِ، فَإِنَّهَا تُقَدَّمُ عَلَى هَذِهِ الْأَمَارَاتِ.

وَأَمَّا إنْ عَارَضَهَا مُجَرَّدُ الْيَدِ: لَمْ يَلْتَفِتْ إلَيْهَا؛ فَإِنَّ هَذِهِ الْأَمَارَاتِ بِمَنْزِلَةِ الْبَيِّنَةِ وَالشَّاهِدِ، وَالْيَدُ تُرْفَعُ بِذَلِكَ.

فَصْلٌ

– الشيخ : حسبُكَ

– طالب: الكوَّةُ النَّافذةُ؟

– الشيخ : إي نعم.

 

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :متفرقات