بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرَّحيم
التَّعليق على كتاب (الطّرق الحُكميَّة في السّياسة الشَّرعيَّة) لابن قيّم الجوزيَّة
الدّرس السَّادس والستون
*** *** *** ***
– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، اللَّهمَّ اغفرْ لنا ولشيخِنا ووالدينا والمسلمينَ. قالَ ابنُ القيِّمِ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابه "الطُّرقِ الحكميَّةِ في السِّياسةِ الشَّرعيَّةِ":
قَالَ أَصْحَابُ الْحَدِيثِ: نَحْنُ إنَّمَا نَحْتَاجُ إلَى الْقَافَةِ عِنْدَ التَّنَازُعِ فِي الْوَلَدِ، نَفْيًا وَإِثْبَاتًا، كَمَا إذَا ادَّعَاهُ رَجُلَانِ أَوْ امْرَأَتَانِ، أَوْ اعْتَرَفَ الرَّجُلَانِ بِأَنَّهُمَا وَطِئَا الْمَرْأَةَ بِشُبْهَةٍ، وَأَنَّ الْوَلَدَ مِنْ أَحَدِهِمَا، وَكُلٌّ مِنْهُمَا يَنْفِيهِ عَنْ نَفْسِهِ، وَحِينَئِذٍ: فَإِمَّا أَنْ نُرَجِّحَ أَحَدَهُمَا بِلَا مُرَجِّحٍ، وَلَا سَبِيلَ إلَيْهِ، وَإِمَّا أَنْ نُلْغِيَ دَعْوَاهُمَا فَلَا يُلْحَقُ بِوَاحِدٍ مِنْهُمَا، وَهُوَ بَاطِلٌ أَيْضًا، فَإِنَّهُمَا مُعْتَرِفَانِ بِسَبَبِ اللُّحُوقِ، وَلَيْسَ هُنَا سَبَبٌ غَيْرُهُمَا، وَإِمَّا أَنْ يُلْحَقَ بِهِمَا مَعَ ظُهُورِ الشَّبَهِ الْبَيِّنِ بِأَحَدِهِمَا. وَهُوَ -أَيْضًا- بَاطِلٌ شَرْعًا وَعُرْفًا وَقِيَاسًا كَمَا تَقَدَّمَ. وَإِمَّا أَنْ يُقَدَّمَ أَحَدُهُمَا بِوَصْفِهِ لِعَلَامَاتٍ فِي الْوَلَدِ. كَمَا يُقَدَّمُ وَاصِفُ اللُّقَطَةِ.
وَهَذَا -أَيْضًا- لَا اعْتِبَارَ بِهِ هَاهُنَا. بِخِلَافِ اللُّقَطَةِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا ظَاهِرٌ، فَإِنَّ اطِّلَاعَ غَيْرِ الْأَبِ عَلَى بَدَنِ الطِّفْلِ وَعَلَامَاتِهِ غَيْرُ مُسْتَبْعَدٍ بَلْ هُوَ وَاقِعٌ كَثِيرًا، فَإِنَّ الطِّفْلَ بَارِزٌ ظَاهِرٌ لِوَالِدَيْهِ وَغَيْرِهِمَا، وَأَمَّا اطِّلَاعُ غَيْرِ مَالِكَ اللُّقَطَةِ عَلَى عَدَدِهَا وَعِفَاصِهَا وَوِعَائِهَا وَوِكَائِهَا: فَأَمْرٌ فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ، فَإِنَّ الْعَادَةَ جَارِيَةٌ بِإِخْفَائِهَا وَكِتْمَانِهَا، فَإِلْحَاقُ إحْدَى الصُّورَتَيْنِ بِالْأُخْرَى مُمْتَنِعٌ.
وَأَمَّا الْإِلْحَاقُ بِأُمَّيْنِ فَمَقْطُوعٌ بِبُطْلَانِهِ وَاسْتِحَالَتِهِ، عَقْلًا وَحِسًّا، فَهُوَ كَإِلْحَاقِ ابْن سِتِّينَ سَنَةً بِابْنِ عِشْرِينَ سنة. وَكَيْفَ يُنْكِرُ الْقَافَةَ الَّتِي مَدَارُهَا عَلَى الشَّبَهِ الَّذِي وَضَعَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ بَيْنَ الْوَالِدَيْنِ وَالْوَلَدِ مَنْ يُلْحِقُ الْوَلَدَ بِأُمَّيْنِ؟ فَأَيْنَ أَحَدُ هَذَيْنِ الْحُكْمَيْنِ مِنْ الْآخَرِ، فِي الْعَقْلِ وَالشَّرْعِ وَالْعُرْفِ وَالْقِيَاسِ؟
وَمَا أَثْبَتَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ قَطُّ حُكْمًا مِنْ الْأَحْكَامِ يُقْطَعُ بِبُطْلَانِ سَبَبِهِ حِسًّا أَوْ عَقْلًا، فَحَاشَا أَحْكَامَهُ سُبْحَانَهُ مِنْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا أَحْسَنُ حُكْمًا مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَلَا أَعْدَلُ، وَلَا يَحْكُمُ حُكْمًا يَقُولُ الْعَقْلُ: لَيْتَهُ حَكَمَ بِخِلَافِهِ، بَلْ أَحْكَامُهُ كُلُّهَا مِمَّا تَشْهَدُ الْعُقُولُ وَالْفِطْرَةُ بِحُسْنِهَا، وَوُقُوعُهَا عَلَى أَتَمِّ الْوُجُوهِ وَأَحْسَنِهَا، وَأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ فِي مَوْضِعِهَا سِوَاهَا.
وَأَنْتَ إذَا عَرَضْتُ عَلَى الْعُقُولِ كَوْنَ الْوَلَدِ ابن أُمَّيْنِ لَمْ تَجِدْ قَبُولَهَا لَهُ كَقَبُولِهَا لِكَوْنِ الْوَلَدِ لِمَنْ أَشْبَهَ الشَّبَهَ الْبَيِّنَ، فَإِنَّ هَذَا مُوَافِقٌ لِعَادَةِ اللَّهِ وَسُنَّتِهِ فِي خَلْقِهِ، وَذَلِكَ مُخَالِفٌ لِعَادَتِهِ وَسُنَّتِهِ.
وَقَوْلُهُمْ: "إنَّهُمَا اسْتَوَيَا فِي سَبَبِ الْإِلْحَاقِ -وَهُوَ الدَّعْوَى- فَيَسْتَوِيَانِ فِي الْحُكْمِ، وَهُوَ لُحُوقُ النَّسَبِ".
فَيُقَالُ: الْقَاعِدَةُ أَنَّ صِحَّةَ الدَّعْوَى يُطْلَبُ بَيَانُهَا مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْمُدَّعِي مَهْمَا أَمْكَنَ، وَقَدْ أَمْكَنَ هَاهُنَا بَيَانُهَا بِالشَّبَهِ الذي يَطَّلِعُ عَلَيْهِ الْقَائِفُ، فَكَانَ اعْتِبَارُ صِحَّتِهَا بِذَلِكَ أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ صِحَّتِهَا بِمُجَرَّدِ الدَّعْوَى، فَإِذَا انْتَفَى السَّبَبُ الَّذِي يُبَيِّنُ صِحَّتَهَا مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْمُدَّعِي -كَالْفِرَاشِ وَالْقَافَةِ- بِغَيْرِ إعْمَالِ الدَّعْوَى، فَإِذَا اسْتَوَيَا فِيهَا اسْتَوَيَا فِي حُكْمِهَا فَهَذَا مَحْضُ الْفِقْهِ وَمُقْتَضَى قَوَاعِدِ الشَّرْعِ.
وَأَمَّا أَنْ تَعْمَلَ الدَّعْوَى الْمُجَرَّدَةِ مَعَ ظُهُورِ مَا يُخَالِفُهَا مِنْ الشَّبَهِ الْبَيِّنِ الَّذِي نَصَبَهُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَلَامَةً لِثُبُوتِ النَّسَبِ شَرْعًا وَقَدَرًا: فَهَذَا مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ وَلِأُصُولِ الشَّرْعِ.
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي)، "وَالْبَيِّنَة" اسْمٌ لِمَا يُبَيِّنُ صِحَّةَ الدَّعْوَى، وَالشَّبَهُ: بَيَّنَ صِحَّةَ الدَّعْوَى، فَإِذَا كَانَ مِنْ جَانِبِ أَحَدِ الْمُتَداعيَيْنِ كَانَ النَّسَبُ لَهُ، وَإِنْ كَانَ مِنْ جِهَتِهِمَا كَانَ النَّسَبُ لَهُمَا.
وَقَوْلُهُمْ: "لَوْ أَثَّرَ الشَّبَهُ وَالْقَافَةُ فِي نِتَاجِ الْآدَمِيِّ لَأَثَّرَ فِي نِتَاجِ الْحَيَوَانِ".
جَوَابُهُ مِنْ وُجُوهٍ:
أَحَدُهَا: مَنْعُ الْمُلَازَمَةِ، إذْ لَمْ يَذْكُرُوا عَلَيْهَا دَلِيلًا سِوَى مُجَرَّدِ الدَّعْوَى، فَأَيْنَ التَّلَازُمُ شَرْعًا وَعَقْلًا بَيْنَ النَّاسِ والحيوان؟
الثَّانِي: أَنَّ الشَّارِعَ متشوفٌ إلَى ثُبُوتِ الْأَنْسَابِ مَهْمَا أَمْكَنَ، وَلَا يَحْكُمُ بِانْقِطَاعِ النَّسَبِ إلَّا حَيْثُ يَتَعَذَّرُ إثْبَاتُهُ، وَلِهَذَا ثَبَتَه بِالْفِرَاشِ وَبِالدَّعْوَى وَبِالْأَسْبَابِ الَّتِي بِمِثْلِهَا لَا يَثْبُتُ نِتَاجُ الْحَيَوَانِ.
الثَّالِثُ: أَنَّ إثْبَاتَ النَّسَبِ فِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ وَحَقٌّ لِلْوَلَدِ وَحَقٌّ لِلْأَبِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِ الْوَصْلِ بَيْنَ الْعِبَادِ مَا بِهِ قِوَامُ مَصَالِحِهِمْ وتمامُهُا، فَأَثْبَتَهُ الشَّرْعُ بِأَنْوَاعِ الطُّرُقِ الَّتِي لَا يَثْبُتُ بِمِثْلِهَا نِتَاجُ الْحَيَوَانِ.
الرَّابِعُ: أَنَّ سَبَبَهُ الْوَطْءُ، وَهُوَ إنَّمَا يَقَعُ غَالِبًا فِي غَايَةِ التَّسَتُّرِ، وَيُكْتَمُ عَنْ الْعُيُونِ وَعَنْ اطِّلَاعِ الْقَرِيبِ وَالْبَعِيدِ عَلَيْهِ، فَلَوْ كُلِّفَ الْبَيِّنَةَ عَلَى سَبَبِهِ لَضَاعَتْ أَنْسَابُ بَنِي آدَمَ، وَفَسَدَتْ أَحْكَامُ الصِّلَاتِ الَّتِي بَيْنَهُمْ، وَلِهَذَا ثَبَتَ بِأَيْسَرِ شَيْءٍ مِنْ فِرَاشٍ وَدَعْوَى وَشَبَهٍ، حَتَّى أَثْبَتَهُ أَبُو حَنِيفَةَ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ، مَعَ الْقَطْعِ بِعَدَمِ وُصُولِ أَحَدِهِمَا إلَى الْآخَرِ، وَأَثْبَتَهُ لِأُمَّيْنِ مَعَ الْقَطْعِ بِعَدَمِ خُرُوجِهِ مِنْهُمَا احْتِيَاطًا لِلنَّسَبِ
يقول يا شيخ: وفي نسخة: "وأثبتَهُ لاثنينِ"
قال رحمه الله: وَمَعْلُومٌ أَنَّ الشَّبَهَ أَوْلَى وَأَقْوَى مِنْ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ.
الْخَامِسُ: أَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ نِتَاجِ الْحَيَوَانِ: إنَّمَا هُوَ الْمَالُ الْمُجَرَّدُ، فَدَعْوَاهُ دَعْوَى مَالٍ مَحْضٍ، بِخِلَافِ دَعْوَى النَّسَبِ، فَأَيْنَ دَعْوَى الْمَالِ مِنْ دَعْوَى النَّسَبِ؟ وَأَيْنَ أَسْبَابُ ثُبُوتِ أَحَدِهِمَا مِنْ أَسْبَابِ ثُبُوتِ الْآخَرِ؟
السَّادِسُ: أَنَّ الْمَالَ يُبَاحُ بِالْبَذْلِ، وَيُعَاوَضُ عَلَيْهِ، وَيَقْبَلُ النَّقْلَ، وَتَجُوزُ الرَّغْبَةُ عَنْهُ، وَالنَّسَبُ بِخِلَافِ ذَلِكَ.
السَّابِعُ: أَنَّ اللَّهَ -سُبْحَانَهُ- جَعَلَ بَيْنَ أَشْخَاصِ الْآدَمِيِّينَ مِنْ الْفرقِ فِي صُوَرِهِمْ وَأَصْوَاتِهِمْ وَحَلَاهُمْ مَا يَتَمَيَّزُ بِهِ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ، وَلَا يَقَعُ مَعَهُ الِاشْتِبَاهُ بَيْنَهُمْ، بِحَيْثُ يَتَسَاوَى الشَّخْصَانِ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ إلَّا فِي غَايَةِ النُّدْرَةِ، مَعَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ الْفَرْقِ، وَهَذَا الْقَدْرُ لَا يُوجَدُ مِثْلُهُ بَيْنَ أَشْخَاصِ الْحَيَوَانِ، بَلْ التَّشَابُهُ فِيهِ أَكثَرُ وَالتَّمَاثُلُ أَغْلَبُ، فَلَا يَكَادُ الْحِسُّ يُمَيِّزُ بَيْنَ نِتَاجِ الْحَيَوَانِ وَنِتَاجِ غَيْرِهِ بِرَدِّ كُلٍّ مِنْهُمَا إلَى أُمِّهِ وَأَبِيهِ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَقَعُ ذَلِكَ، لَكِنَّ وُقُوعَهُ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى أَشْخَاصِ الْآدَمِيِّ، فَإِلْحَاقُ أَحَدِهِمَا بِالْآخَرِ مُمْتَنِعٌ.
قَوْلُهُمْ: "إنَّ الِاعْتِمَادَ فِي الْقَافَةِ عَلَى الشَّبَهِ، وَهُوَ أَمْرٌ مُدْرَكٌ بِالْحِسِّ فَإِنْ حَصَلَ بِالْمُشَاهَدَةِ، فَلَا حَاجَةَ إلَى الْقَائِفِ، وَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ لَمْ يُقْبَلْ قَوْلُ الْقَائِفِ".
جَوَابُهُ أَنْ يُقَالَ: الْأُمُورُ الْمُدْرَكَةُ بِالْحِسِّ نَوْعَانِ: نَوْعٌ يَشْتَرِكُ فِيهِ الْخَاصُّ وَالْعَامُّ، كَالطُّولِ وَالْقِصَرِ، وَالْبَيَاضِ وَالسَّوَادِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا لَا يُقْبَلُ فِيهِ تَفَرُّدُ الْمُخْبِرِ وَالشَّاهِدِ بِمَا لَا يُدْرِكُهُ النَّاسُ عنهُ.
وَالثَّانِي: مَا لَا يَلْزَمُ فِيهِ الِاشْتِرَاكُ، كَرُؤْيَةِ الْهِلَالِ، وَمَعْرِفَةِ الْأَوْقَاتِ، وَأَخْذِ كُلٍّ مِنْ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فِي الزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ أَهْلُ الْخِبْرَةِ، مِنْ تَعْدِيلِ الْقِسْمَةِ، وَكِبَرِ الْحَيَوَانِ وَصِغَرِهِ، وَالْخَرْصِ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَهَذَا وَأَمْثَالُهُ مِمَّا مُسْتَنَدُهُ الْحِسُّ وَلَا يَجِبُ الِاشْتِرَاكُ فِيهِ، فَيُقْبَلُ فِيهِ قَوْلُ الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ.
وَمِنْ هَذَا: التَّشَابُهُ وَالتَّمَاثُلُ بَيْنَ الْآدَمِيِّينَ، فَإِنَّ التَّشَابُهَ بَيْنَ الْوَلَدِ وَالْوَالِدِ يَظْهَرُ فِي صُورَةِ الطِّفْلِ وَشَكْلِهِ، وَهَيْئَةِ أَعْضَائِهِ، ظُهُورًا خَفِيًّا، يَخْتَصُّ بِمَعْرِفَتِهِ الْقَائِفُ دُونَ غَيْرِهِ، وَلِهَذَا كَانَتْ الْعَرَبُ تَعْرِفُ ذَلِكَ لِبَنِي مُدْلِجٍ، وَتُقِرُّ لَهُمْ بِهِ، مَعَ أَنَّهُ لَا يَخْتَصُّ بِهِمْ، وَلَا يُشْتَرَطُ في الْقَائِفِ كَوْنُه مِنْهُمْ.
قَالَ إسْمَاعِيلُ بْنُ سَعِيدٍ: سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنْ الْقَائِفِ: هَلْ يُقْضَى بِقَوْلِهِ؟ قَالَ: يُقْضَى بِقَوْلِهِ إذَا عَلِمَ، وَأَهْلُ الْحِجَازِ يَعْرِفُونَ ذَلِكَ وَشَرَطَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ كَوْنَهُ مُدْلِجِيًّا، وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا لَا يُلْتَفَتُ إلَيْهِ.
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حَاطِبٍ: "كُنْتُ جَالِسًا عِنْدَ عُمَرَ-رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ-، فَجَاءَهُ رَجُلَانِ فِي غُلَامٍ، كِلَاهُمَا يَدَّعِي أَنَّهُ ابْنُهُ، فَقَالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: اُدْعُوا لِي أَخَا بَنِي الْمُصْطَلِقِ، فَجَاءَ فَقَالَ: اُنْظُرْ ابْنَ أَيِّهِمَا تَرَاهُ؟ فَقَالَ: قَدْ اشْتَرَكَا فِيهِ..، "وَذَكَرَ بَقِيَّةَ الْخَبَرِ، وَبَنُو الْمُصْطَلِقِ بَطْنٌ مِنْ خُزَاعَةَ لَا نَسَبَ لَهُمْ فِي بَنِي مُدْلِجٍ.
وَكَذَلِكَ إيَاسُ بْنُ مُعَاوِيَةَ كَانَ غَايَةً فِي الْقِيَافَةِ وَهُوَ مِنْ مُزَيْنَةَ، وَشُرَيْحُ بْنُ الْحَارِثِ
– الشيخ : إلى هنا، متصلُ الحديث..