الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة ص/(2) من قوله تعالى {كذبت قبلهم قوم نوح} الآية 12 إلى قوله تعالى {وشددنا ملكه} الآية 20

(2) من قوله تعالى {كذبت قبلهم قوم نوح} الآية 12 إلى قوله تعالى {وشددنا ملكه} الآية 20

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة  ص

الدَّرس: الثَّاني

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14) وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ (15) وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16) اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ (18) وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ [ص:12-20]

الشيخ : إلى هنا بس، لا إله إلَّا الله، يخبُر تعالى عن الأمم الماضيةِ وأنَّهم كذَّبوا الرسلَ، وفي هذا تسليةٌ للنبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّمَ- وتهديدٌ للمكذِّبين من قريش ومن تبعَهم، {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ} وهذا يأتي في مواضعَ من القرآن، يعني ذكر تكذيب الأمم السابقة، {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} أوَّلُ الرسلِ، {وَعَادٌ} قوم هود، {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ} قوم صالح، {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ.. وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ} نعم، وثمود؟

– طالب: وَقَوْمُ لُوطٍ

الشيخ : {وَقَوْمُ لُوطٍ} وأصحابُ مدينَ و… لا إله إلَّا الله،{ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ} أصحابُ الأيكةِ: هم قومُ شعيبٍ، تارةً يذكرون بأصحاب مدين وتارةً يذكرون بأصحابِ الأيكةِ، الشجرةُ الَّتي كانوا يعظِّمونها.

{كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتَادِ (12) وَثَمُودُ وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الْأَيْكَةِ أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ، يعني هذه الأمم، أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ} كلُّهم، ما منهم إلَّا مَن كذَّبَ الرسلَ، فَحَقَّ عِقَابُ اللهِ عليهم، {فَحَقَّ عِقَابِ} {فَحَقَّ عِقَابِ} يعني: فحقَّ عليهم عقابي، يعني: بحذفِ الياء مثل: {فَذَكِّرْ بِالْقُرْآنِ مَنْ يَخَافُ وَعِيدِ} [ق:45] يعني: وعيدي، {فَحَقَّ عِقَابِ}

{أُولَئِكَ الْأَحْزَابُ (13) إِنْ كُلٌّ إِلَّا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقَابِ (14) وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ} هذه الإشارةُ إلى قوم النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّمَ-، إلى الكفَّارِ الَّذين كذَّبوه، {مَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ} ما ينظرُ يعني: ينتظرُ، ما ينتظرون إلَّا صيحةً واحدةً تأخذُهم، {وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} وهي النفخُ في الصُّور الَّذي يُصعَقُ عندَه أهلُ السموات والأرض، {مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} صيحةٌ طويلةٌ، {مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} {وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ} ينظرُ يعني: ينتظرُ، مثل: {هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا تَأْوِيلَهُ} [الأعراف:53] {وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً} {وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ}

{وَقَالُوا رَبَّنَا} هذا من جهلِهم وسفهِهم يقولونَ: {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا} يعني: من العذاب أو التحدّي، مثل ما يقولون: ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا، ائْتِنَا بِمَا تَعِدُنَا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصادقين، {وَقَالُوا رَبَّنَا} وقالوا أشدَّ من هذا، قالوا: {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ} [الأنفال:32] كلُّ هذا من جهلِهم وتعنُّتهم وإصرارهم على الكفر والتكذيب والعنادِ نسألُ اللهَ العافية، أعوذُ بالله، نسألُ الله العافية.

{عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} يريد: هات أعطِنا نصيبَنا، قِطَّنا: نصيبَنا من العذابِ قبلَ يومِ الحسابِ، الآن الآن عجِّل، وهذا كثيرٌ في القرآن ذكرُ استعجالهم ومطالبتِهم بأنْ يأتيهم الرسولُ بما أخبرَ عنه، {عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ}

ثمَّ يقول تعالى لنبيِّه: {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} وهذا يأتي في القرآن كثير، يأمرُ اللهُ نبيَّه بالصبر؛ لأنَّ هذه الأقوال وهذا التعنُّت يؤذي الرسولَ ويضيق صدره بسبب ذلك، يضيقُ صدرُه، واللهُ يصبِّرُه: {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ}

{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ} يعني: ذا القوَّةِ، {ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ} ولعلَّ في هذا، ولعلَّ في هذا إرشادٌ إلى النبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّمَ- إلى أن يُقبِلَ على العبادة والتسبيح والذكر تأسّياً بداود -عليه السلامُ-، وهذا ممَّا يهوّنُ عليه ما يجدُ من ضيقِ الصدرِ، {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِمَا يَقُولُونَ (97) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ (98) وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:97-99] ففي التسبيح وفي الصلاة وفي الإقبال على الذكرِ ما يهوِّنُ المصائبَ ويهوِّنُ ما يعانيه المسلمُ من ضيقِ الصدرِ بسبب تسلُّط الأعداء.

{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُودَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ (17) إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} سبحان الله، هذا من آياتِ اللهِ العظيمة، وجعل داود -عليه السلامُ- يقرأُ الزبورَ ويرفعُ صوتَه، وكان صوتُه جميلاً وحسناً حتَّى أنَّها تتجاوبُ معه الطيورُ والجبالُ، {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} [سبأ:10] فالقرآنُ يفسِّرُ بعضُه بعضاً ويصدِّقُ بعضُه بعضاً، {إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبَالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ} {يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ} هو يسبِّحُ عندَ طلوعِ الشمسِ أو قبلَ شروقِ الشمسِ وقبلَ غروبها، فتتجاوبُ معَه الجبالُ، {يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَالْإِشْرَاقِ}

{وَالطَّيْرَ} كذلك والطير، كما قالَ في سورة سبأ، نفسها: {وَالطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوَّابٌ (19) وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} وكان داودُ ملكاً، كما كانَ ابنه سليمان بعدَ ذلك، {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ} العلمَ والعملَ الصالحَ والقولَ الصائبَ والحكمَ العادلَ، {وَفَصْلَ الْخِطَابِ} عليه السلامُ وعلى نبيِّنا وسائرِ النبيِّين والمرسلينَ.

 

(تفسيرُ السَّعديِّ)

القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَعَادٌ وَفِرْعَوْنُ ذُو الأوْتَادِ..} الآياتَ:

يحذِّرُهم تعالى أنْ يفعلَ بهم ما فعلَ بالأممِ مِن قبلِهم، الَّذينَ كانُوا أعظمَ قوَّةً منهم وتحزُّباً على الباطلِ،

الشيخ : اللهُ المستعان، يعني كما ذكرت لكم يعني فيها تحذيرٌ للكافرين والمكذِّبين، وتسليةٌ للنبيِّ -صلَّى الله عليه وسلَّم-

القارئ : وتحزُّباً على الباطلِ، {قَوْم نُوحٍ وَعَاد} قومُ هودٍ {وَفِرْعَوْنُ ذُو الأوْتَادِ} أي: الجنودِ العظيمةِ، والقوَّةِ الهائلةِ.

{وَثَمُود} قومُ صالحٍ، {وَقَوْمُ لُوطٍ وَأَصْحَابُ الأيْكَةِ} أي: الأشجارُ والبساتينُ الملتفَّةُ، وهم قومُ شعيبٍ، {أُولَئِكَ الأحْزَابُ} الَّذينَ اجتمعُوا بقوَّتِهم وعَدَدِهمْ وعُدَدِهمْ على ردِّ الحقِّ، فلم تُغنِ عنهم شيئاً.

{إِنْ كُلُّ} مِن هؤلاءِ {إِلا كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ} عليهم {عِقَاب} اللهِ، وهؤلاءِ، ما الَّذي

الشيخ : حقَّ عليهم صفة صفة

القارئ : فحقَّ عليهم

الشيخ : عقابُ اللهِ

القارئ : عقابُ اللهِ، وهؤلاءِ، ما الَّذي يطهِّرُهم ويزكّيهم، ألَّا يصيبَهم ما أصابَ أولئكَ.

فلينتظروا {صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ}

الشيخ : وذلك كقوله في سورةِ القمر: {كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كُلِّهَا فَأَخَذْنَاهُمْ أَخْذَ عَزِيزٍ مُقْتَدِرٍ (42) أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ} [القمر:42-43] يعني عندكم يعني صكٌّ أنَّكم لا تُعذَّبون ولا يأخذُكم ما أخذ الأممَ الماضيةَ؟ {أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ}

القارئ : {صَيْحَةً وَاحِدَةً مَا لَهَا مِنْ فَوَاقٍ} أي: مِن رجوعٍ وردٍّ، تهلكُهم وتستأصلُهم إنْ أقامُوا

الشيخ : أبو أيوب شف الآية ذي عندَ ابن كثير، عندَ ابن كثير، {وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ إِلَّا صَيْحَةً وَاحِدَةً}

القارئ : وتستأصلُهم إنْ أقامُوا على ما هم عليهِ.

قالَ اللهُ تعالى: {وَقَالُوا رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ (16) اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ}

أي: قالَ هؤلاءِ المكذِّبونَ، مِن جهلِهم ومعاندتِهم الحقَّ، مستعجلينَ للعذابِ: {رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا}

الشيخ : {وَيَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذَابِ وَلَوْلَا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجَاءَهُمُ الْعَذَابُ وَلَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً} [العنكبوت:53]

القارئ : أي: قالَ هؤلاءِ المكذِّبونَ، مِن جهلِهم ومعاندتِهم الحقَّ، مستعجلينَ للعذابِ: {رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا} أي: قسطَنا وما قُسِمَ لنا مِن العذابِ عاجلاً {قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ}

الشيخ : يعني على تقديرِ أنَّ هذا صحيحٌ ولا هم لا يؤمنون بعذابٍ ولا حسابٍ، ولكن يقولون: إن كانَ كما تقولُ هات، هات من الآن، {إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً…} [الأنفال:32] يعني: ليسَ المرادُ أنَّهم يقرّون بعذاب يومِ القيامة، ويقولونَ: عجِّلْ لنا نصيبَنا منه، لا، هذا تعبيرٌ أو مبالغةٌ في التكذيب، مبالغةٌ في التكذيب.

 

القارئ : {رَبَّنَا عَجِّلْ لَنَا قِطَّنَا} أي: قسطَنا وما قُسِمَ لنا مِن العذابِ عاجلاً {قَبْلَ يَوْمِ الْحِسَابِ} ولَجُّوا في هذا القولِ، وزعمُوا أنَّكَ يا محمَّدُ، إنْ كنْتَ صادقاً، فعلامةُ صدقِكَ أنْ تأتيَنا بالعذابِ، فقالَ لرسولِهِ: {اصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ} كما صبرَ مَنْ قبلُكَ مِن الرُّسلِ، فإنَّ قولَهم لا يضرُّ الحقَّ شيئاً، ولا يضرُّونَكَ في شيءٍ، وإنَّما يضرُّونَ أنفسَهم.

قالَ اللهُ تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا دَاوُدَ ذَا الأيْدِ إِنَّهُ أَوَّابٌ…} الآياتَ:

لمَّا أمرَ اللهُ رسولَهُ بالصَّبرِ على قومِهِ، أمرَهُ أنْ يستعينَ على الصَّبرِ بالعبادةِ للهِ وحدَهُ، ويتذكَّرُ حالَ العابدينَ، كما قالَ في الآيةِ الأخرى: {فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا} [طه:130]

ومِن أعظمِ العابدينَ، نبيُّ اللهِ داودُ -عليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ- {ذَا الأيْدِ} أي: القوَّةِ العظيمةِ على عبادةِ اللهِ تعالى، في بدنِهِ وقلبِهِ. {إِنَّهُ أَوَّابٌ} أي: رجَّاعٌ إلى اللهِ في جميعِ الأمورِ بالإنابةِ إليهِ، بالحبِّ والتَّألُّهِ، والخوفِ والرَّجاءِ، وكثرةِ التَّضرُّعِ والدُّعاءِ، رجَّاعٌ إليهِ عندَما يقعُ منهُ بعضُ الخللِ، بالإقلاعِ والتَّوبةِ النَّصوحِ.

ومِن شدَّةِ إنابتِهِ لربِّهِ وعبادتِهِ، أنْ سخَّرَ اللهُ لهُ الجبالَ معَهُ، تسبِّحُ معَهُ بحمدِ ربِّها {بِالْعَشِيِّ وَالإشْرَاقِ} أوَّلَ النَّهارِ وآخرَهُ.

{وَ} سخَّرَ {الطَّيْرَ مَحْشُورَةً} معَهُ مجموعةً {كُلٌّ} مِن الجبالِ والطَّيرِ، لهُ تعالى {أَوَّابٌ} امتثالاً لقولِهِ تعالى: {يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ} [سبأ:10] فهذهِ مِنَّةُ اللهِ عليهِ بالعبادةِ.

ثمَّ ذكرَ منَّتَهُ عليهِ بالملكِ العظيمِ فقالَ: {وَشَدَدْنَا مُلْكَهُ} أي: قوَّيْناهُ بما أعطيْناهُ مِن الأسبابِ وكثرةِ الْعَدَدِ والْعُدَدِ الَّتي بها قوَّى اللهُ ملكَهُ، ثمَّ ذكرَ مِنَّتَهُ عليهِ بالعلمِ فقالَ: {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ} أي: النُّبوَّةَ والعلمَ العظيمَ، {وَفَصْلَ الْخِطَابِ} أي: الخصوماتِ بينَ النَّاسِ.

{وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ} [ص:21]

الشيخ : حسبُك إلى هنا، وش عندك يا أبو أيوب؟ {وَمَا يَنْظُرُ هَؤُلَاءِ}

 (تفسيرُ ابنِ كثيرٍ)

– طالب: قَالَ مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: أَيْ لَيْسَ لَهَا مَثْنَوِيَّةٌ، أَيْ: مَا يَنْظُرُونَ إِلَّا السَّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ بَغْتَةً فَقَدْ جَاءَ أَشْرَاطُهَا، أَيْ: فَقَدِ اقْتَرَبَتْ وَدَنَتْ وَأَزِفَتْ، وَهَذِهِ الصَّيْحَةُ هِيَ نَفْخَةُ الْفَزَعِ الَّتِي يأمرُ اللهُ إِسْرَافِيلَ أَنْ يُطَوِّلَهَا فَلَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْ أهلِ السَّمواتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا فَزِعَ إِلَّا مَنِ اسْتَثْنَى اللَّهُ عزَّ وجلَّ.

الشيخ : لا إله إلَّا الله، سبحان اللهِ، والحمدُ لله.