الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة ص/(3) من قوله تعالى {وهل أتاك نبأ الخصم} الآية 21 إلى قوله تعالى {فغفرنا له ذلك} الآية 25
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(3) من قوله تعالى {وهل أتاك نبأ الخصم} الآية 21 إلى قوله تعالى {فغفرنا له ذلك} الآية 25

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة  ص

الدَّرس: الثَّالث

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ باللهِ من الشيطانِ الرجيمِ:

وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ * إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ [ص:21-25]

– الشيخ : إلى هنا، يا الله! لا إلهَ إلا الله.

يقول الله مُخاطبًا لنبيه {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ}: ومثل هذا يقولُ المُفسرون المعنى، وقد أتاكَ مثل: {هل أتى على الإنسان} [الإنسان:1]، {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ} [الذاريات:24] قد أتاكَ {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ} والخصمُ: اسمٌ للمُتخاصِمِين ولو كانوا جماعةً يُقال لهم: "خصم" ويُقال للواحدِ: خصمٌ.

{وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} تسوَّروا: يعني تسلَّقوا على داود، جاؤوه {إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ}: إذ دخلوا على داودَ ففزعَ منهم،  فهذا فهمٌ منه أنَّهم دخلوا عليه فجأةً، بدون استئذانٍ، فاجَؤوه -عليه السلام- {إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لَا تَخَفْ} ما هما إلا خصمانِ بغى بعضُهم على بعضٍ، يعني: جاؤوا للتحاكمِ، وهوَ -عليه السلام- يحكمُ بين الناس، يقضِي بينَهم نبيُّ اللهِ، أنبياءُ بني إسرائيلَ يحكمون بالتوراةِ: {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ} [المائدة:44] وداودُ من أنبياءِ بني إسرائيلَ -عليهما السلام-

{خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} وهذا مطلبٌ عظيمٌ، احكمْ بيننا بالحقِّ، وداود إذا حكمَ سوف يحكمُ بالحقِّ، لا يحكمُ إلَّا بالحقِّ، ثم يذكرانِ القضيةَ: القضية يقولُ:  

{إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} كأنَّ المقصود يقول: أعطِنيها، يريدُ أنْ يُكْمِلَ المائة، لأنَّ هذا عندَه تسعةٌ وتسعون، وهذا عندَه واحدةٌ.

{وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} يعني: ألحَّ عليه أنَّه يُعطيه هذه النعجةَ، لا إلهَ إلا الله.

وفي هذا الموضوعِ ذكرَ المُفسِّرون قصةً اسرائيليةً لا يُعوَّل عليها، ولا يليق نسبتُها إلى نبيِّ الله داود، ذكرُوا أنَّ هؤلاء خصومٌ أُرسلوا إلى داودَ من أجل التنبيهِ، وأنَّه هوَ الذي كانَ له كذا وكذا من النساء، له تسعةٌ وتسعونَ امرأة -له كذا- وأنَّه عملَ على أنْ يضمَّ إليهِنَّ امرأةً لأحدِ أصحابِه. ذكروا قصةً اسرائيليةً لا يُعوَّل عليها، وإنْ ذكرَها بعضُ المفسرين وروُوها، والله أعلم. ولا يليقُ مضمونُها بنبيٍّ من أنبياءِ الله، سبحان الله! ومنَ الناسِ منْ يسوقها تبعًا لغيرها، ومنهم من يُنبِّه على أنَّها لا تليقُ ولا تصحُّ -رواية إسرائيلية-.

والذين لا يُثبتونها يقولون: بل هؤلاءِ خصومٌ حقيقةً، يعني ما يقولون: المسألةُ تمثيلٌ لتنبيهِ داود -عليه السلام- لا، بل هي خصومٌ حقيقيةً، اثنانِ بينَهما خصومةٌ في أمورٍ عاديةٍ، فعلى مُوجِب القصةِ النِّعاجُ عبارةٌ عن نساء، عبَّر عن المرأةِ بالنعجةِ.

{قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ} يعني: يُلحُّ عليك ليستولي على نعجتِك، ويُلِحُّ عليكَ، قد ظلمَك بسؤال نعجتِك إلى نعاجِه، وهكذا الخُلطَاءُ يقول: العادةُ: الخُلطاء يعتدي بعضُهم على بعضٍ، يعني الذي عندَهم مثلًا غنمٌ، أو كذا، ويصيرون خُلطاء، يمكن بعضُهم يَبغي على بعضٍ.

{وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} فالذين آمنوا قليلُون، لكن الأغلبَ –كثيرٌ- {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} يعني عَلِمَ داود أنَّه قد ابتُلي، الفتنةُ في لغةِ القرآن: الابتلاءُ، وظنَّ داود: يعني كأنَّه عرفَ أنَّه ابتُلي بإرسال هؤلاءِ الخصومِ.

{أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ * فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} وما ذنبُ داود؟ لا ندري؟! أما مُوجب القصة فهوَ ضمُّ امرأةِ ذلك الرجلِ، هذا ذنبُه حسبَما في القصة، أمَّا القرآنُ فليسَ فيه شيئًا منه.

{وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} وهذا الصحيحُ: أنَّه موضِعُ سجدةٍ، سجدةٌ سجدَها النبيُّ -صلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ- عملًا بقوله –تعالى- {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90] {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ وَإِنَّ لَهُ} لداود عليه السلام {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى} فهو من المُقرَّبين، من أنبياء الله المُقرَّبين -عليه السلام- آتاهُ الله العلمَ والحكمةَ والشجاعةَ: { وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء} [البقرة:252] الآيات في سورة البقرة.

 

(تفسيرُ السعدي): 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم، الحمدُ لله ربِّ العالمين، والصلاةُ والسلام على نبيِّنا محمدٍ وعلى آله وصحبِه أجمعين، قال الشيخ عبدُ الرحمن السعدي -رحمه الله تعالى- في تفسير قول الله –تعالى-:

{وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ} الآيات.

لمَّا ذَكَرَ تَعَالَى أَنَّهُ آتَى نَبِيَّهُ دَاوُدَ الْفَصْلَ فِي الْخِطَابِ بَيْنَ النَّاسِ

– الشيخ : الفصلَ {وَآتَيْنَاهُ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ} [ص:20] الصحيحُ أنَّه فصْلُ الخطابِ يعني: الحكمَ بالقولِ الذي يقطعُ الخصوماتِ، ليسَ كما قالَ بعضُهم: أنَّها الفصلُ في الكلامِ، كلمةُ الفصلِ بين الافتتاحِ والشروعِ في المقصودِ، وهيَ: "أمَّا بعدُ" يقولون: فصلُ الخطابِ "أمَّا بعد"، لا، هذا لا يستحقُّ هذا التنويهَ العظيمَ: {وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب}

– القارئ : وَكَانَ مَعْرُوفًا بِذَلِكَ مَقْصُودًا، ذَكَرَ تَعَالَى نَبَأَ خَصْمَيْنِ اخْتَصَمَا عِنْدَهُ فِي قَضِيَّةٍ جَعَلَهُمَا اللَّهُ فِتْنَةً لِدَاوُدَ، وَمَوْعِظَةً لِخَلَلٍ ارْتَكَبَهُ

الشيخ : لخللٍ، لاحظْ أنَّه لخللٍ ارتكبَه، لسببٍ.

القارئ : فَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ، وَغَفَرَ لَهُ، وَقَيَّضَ لَهُ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ، فَقَالَ لِنَبِيِّهِ مُحَمَّدٍّ -صلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ-: {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ} فَإِنَّهُ نَبَأٌ عَجِيبٌ {إِذْ تَسَوَّرُوا} عَلَى دَاوُدَ {الْمِحْرَابَ} أَيْ: مَحَلَّ عِبَادَتِهِ مِنْ غَيْرِ إِذْنٍ وَلَا اسْتِئْذَانٍ، وَلَمْ يَدْخُلُوا عَلَيْهِ مَعَ بَابٍ

الشيخ : ما دخلوهُ مِن بابِ جاؤوهُ مِن فوق.

القارئ : فَلِذَلِكَ لَمَّا دَخَلُوا عَلَيْهِ بِهَذِهِ الصُّورَةِ، فَزِعَ مِنْهُمْ وَخَافَ، فَقَالُوا لَهُ: نَحْنُ {خَصْمَانِ} فَلَا تَخَفْ {بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} بِالظُّلْمِ {فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ} أَيْ: بِالْعَدْلِ، وَلَا تَمِلْ مَعَ أَحَدِنَا {وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ}

وَالْمَقْصُودُ مِنْ هَذَا: أَنَّ الْخَصْمَيْنِ قَدْ عَرَفَ أَنَّ قَصْدَهُمَا الْحَقُّ الْوَاضِحُ الصِّرْفُ، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ، فَسَيَقُصَّانِ عَلَيْهِ نَبَّأَهُمَا بِالْحَقِّ، فَلَمْ يَشْمَئِزَّ نَبِيُّ اللَّهِ دَاوُدُ مِنْ وَعْظِهِمَا لَهُ، وَلَمْ يُؤَنِّبْهُمَا. فَقَالَ أَحَدُهُمَا..

الشيخ : يعني إذا قالَ الخاصِمُ للقاضي: احكمْ بينَنا بالعدلِ فلا بأسَ، يقولُ: إنْ شاءَ الله، أَبشِرْ، سأحكُمُ إن شاءَ الله، نسألُ الله السدادَ، نسألُ اللهَ التوفيقَ

– طالب:

الشيخ : قيلَ: مثلُ هذا للنبيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ- ولم يُنكِرْ لمنْ قالَ له: احكمْ بينَنا بكتابِ الله، احكُمْ بينَنا.

القارئ : وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ، فَسَيَقُصَّانِ عَلَيْهِ نَبَّأَهُمَا بِالْحَقِّ، فَلَمْ يَشْمَئِزَّ نَبِيُّ اللَّهِ دَاوُدُ مِنْ وَعْظِهِمَا لَهُ، وَلَمْ يُؤَنِّبْهُمَا.

فَقَالَ أَحَدُهُمَا: {إِنَّ هَذَا أَخِي} نَصَّ عَلَى الْأُخُوَّةِ فِي الدِّينِ أَوِ النَّسَبِ أَوِ الصَّدَاقَةِ، لِاقْتِضَائِهَا عَدَمِ الْبَغْيِ، وَأَنَّ بَغْيَهُ الصَّادِرَ مِنْهُ أَعْظَمُ مِنْ غَيْرِهِ.

الشيخ : نعم. بَغَى بَعضُنَا على بعضٍ

القارئ : {لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً} أي: زوجة

الشيخ : بدأَ الكلامَ

القارئ : وَذَلِكَ خَيْرٌ كَثِيرٌ، يُوجِبُ عَلَيْهِ الْقَنَاعَةَ بِمَا آتَاهُ اللَّهُ.

{وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ} فَطَمَعَ فِيهَا {فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا} أَيْ: دَعْهَا لِي، وَخَلِّهَا فِي كَفَالَتِي. {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} أَيْ: غَلَبَنِي فِي الْقَوْلِ، فَلَمْ يَزَلْ بِي حَتَّى أَدْرَكَهَا أَوْ كَادَ.

الشيخ : أوْ كادَ أنْ يُدركَها

القارئ : فَقَالَ دَاوُودُ – لَمَّا سَمِعَ كَلَامَهُ – وَمِنَ الْمَعْلُومِ مِنَ السِّيَاقِ السَّابِقِ مِنْ كَلَامِهِمَا، أَنَّ هَذَا هُوَ الْوَاقِعُ، فَلِهَذَا لَمْ يَحْتَجْ أَنْ يَتَكَلَّمَ الْآخَرُ، فَلَا وَجْهَ لِلِاعْتِرَاضِ بِقَوْلِ الْقَائِلِ: "لَمَّا حَكَمَ دَاوُدُ، قَبْلَ أَنْ يَسْمَعَ كَلَامَ الْخَصْمِ الْآخَرِ"؟ {لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ} وَهَذِهِ عَادَةُ الْخُلَطَاءِ وَالْقُرَنَاءِ الْكَثِيرِ مِنْهُمْ، فَقَالَ: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} لِأَنَّ الظُّلْمَ مِنْ صِفَةِ النُّفُوسِ.

الشيخ : والظلمُ من شِيَمِ النُّفوسِ، هذا مَثَلٌ: والظلمُ منْ شِيَمِ النُّفوسِ

القارئ : وَهَذِهِ عَادَةُ الْخُلَطَاءِ وَالْقُرَنَاءِ الْكَثِيرِ مِنْهُمْ، فَقَالَ: {وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ} لِأَنَّ الظُّلْمَ مِنْ صِفَةِ النُّفُوسِ.

{إِلا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} فَإِنَّ مَا مَعَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَالْعَمَلِ الصَّالِحِ، يَمْنَعُهُمْ مِنَ الظُّلْمِ. {وَقَلِيلٌ مَا هُمْ} كَمَا قَالَ –تَعَالَى-: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] {وَظَنَّ دَاوُدُ} حِينَ حَكَمَ بَيْنَهُمَا {أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} أَيِ: اخْتَبَرْنَاهُ

الشيخ : اختبرنَاه أو ابتلَيناه، والابتلاءُ: هوَ الاختبارُ {وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} يعني اختبَرْنَاه وابتلَيْنَاه.

القارئ : وَدَبَّرْنَا عَلَيْهِ هَذِهِ الْقَضِيَّةَ لِيَتَنَبَّهَ {فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ} لِمَا صَدَرَ مِنْهُ، {وَخَرَّ رَاكِعًا} أَيْ: سَاجِدًا {وَأَنَابَ} لِلَّهِ تَعَالَى بِالتَّوْبَةِ النَّصُوحِ وَالْعِبَادَةِ.

{فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ} الَّذِي صَدَرَ مِنْهُ، وَأَكْرَمَهُ اللَّهُ بِأَنْوَاعِ الْكَرَامَاتِ، فَقَالَ: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى} أَيْ: مَنْزِلَةٌ عَالِيَةٌ، وَقُرْبَةٌ مِنَّا، {وَحُسْنَ مَآبٍ} أَيْ: مَرْجِعٌ.

وَهَذَا الذَّنْبُ الَّذِي صَدَرَ مِنْ دَاوُودَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- لَمْ يَذْكُرْهُ اللَّهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إِلَى ذِكْرِهِ، فَالتَّعَرُّضُ لَهُ مِنْ بَابِ التَّكَلُّفِ، وَإِنَّمَا الْفَائِدَةُ مَا قَصَّهُ اللَّهُ عَلَيْنَا مِنْ لُطْفِهِ بِهِ وَتَوْبَتِهِ وَإِنَابَتِهِ، وَأَنَّهُ ارْتَفَعَ مَحَلُّهُ، فَكَانَ بَعْدَ التَّوْبَةِ أَحْسَنَ مِنْهُ قَبْلَهَا. {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ..}

– الشيخ : انتهى. ولم يذكر القصةَ ولمْ يُشِرْ إليها، إلَّا أنَّه قالَ أنَّ الذنبَ الذي أُضيفَ إلى داودَ فاستغفرَ ربَّه لمْ يذكُرْه الله له، ولم يُنبِّهْ عليه، فلا حاجةَ لأنَّ نبحثَ ماذا كانَ منهُ {وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ} وهذا في الحقيقةِ من حُسنِ نظرِ الشيخِ، أنَّه أعرضَ عن هذه القصةِ، لكن لو أنَّه أشار إلى أنَّ المُفسرين ذكروا قصةَ كذا وكذا، وأنَّها اسرائيليةٌ، وأنَّه لا يُعوَّل عليها، وما أشبهَ ذلك، كان حسنًا. لا إلهَ إلا الله.

– طالب: النعاج على الحقيقة يا شيخ؟ نعاج؟!

الشيخ : كما ذكرَ الله، لكن قولُ الشيخِ في الأولِ: أنَّ تسعًا وتسعينَ نعجةً يعني: "زوجة" كأنه..، الله المُستعان. شوف "انظر" تفسير "ابن كثير" يا محمد.

الشيخ السعدي يُعوِّل على ابن كثيرٍ كثيرًا، لكن في هذا الموضعِ كأنَّه لم يُتابِعْه. {وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ} عندَك؟

القارئ : نعم. لحظة بس. أدوِّر الكلمة بالضبط. تريد من بداية المقطع؟

الشيخ : إي {وَهَلْ أَتَاكَ} اقرأ..

القارئ : قالَ -رحمه الله-:

قَدْ ذَكَرَ الْمُفَسِّرُونَ هَاهُنَا قِصَّةً أَكْثَرُهَا مَأْخُوذٌ مِنَ الْإِسْرَائِيلِيَّاتِ، وَلَمْ يَثْبُتْ فِيهَا عَنِ الْمَعْصُومِ حَدِيثٌ يَجِبُ اتِّبَاعُهُ، وَلَكِنْ رَوَى ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ هُنَا حَدِيثًا لَا يَصِحُّ سَنَدُهُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ رِوَايَةِ يَزِيدَ الرَّقَاشِيِّ عَنْ أَنَسٍ -وَيَزِيدُ وَإِنْ كَانَ مِنَ الصَّالِحِينَ- لَكِنَّهُ ضَعِيفُ الْحَدِيثِ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ، فَالْأُولَى أَنْ يُقْتَصَرَ عَلَى مُجَرَّدِ تِلَاوَةِ هَذِهِ الْقِصَّةِ وَأَنْ يُرَدَّ عِلْمُهَا إِلَى اللَّهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فَإِنَّ الْقُرْآنَ حَقٌّ، وَمَا تَضَمَّنَ فَهُوَ حَقٌّ أَيْضًا.

وَقَوْلُهُ: {إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ} إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ كَانَ فِي مِحْرَابِهِ، وَهُوَ أَشْرَفُ مَكَانٍ فِي دَارِهِ، وَكَانَ قَدْ أَمَرَ أَلَّا يَدْخُلَ عَلَيْهِ أَحَدٌ ذَلِكَ الْيَوْمَ فَلَمْ يَشْعُرْ إِلَّا بِشَخْصَيْنِ قَدْ تَسَوَّرا عَلَيْهِ الْمِحْرَابَ أَيِ: احْتَاطَا بِهِ يَسْأَلَانِهِ عَنْ شَأْنِهِمَا.

وَقَوْلُهُ: {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} أَيْ: غَلَبَنِي يُقَالُ: عَزَّ يَعِزُّ: إِذَا قَهَرَ وَغَلَبَ.

وَقَوْلُهُ: {وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ} قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَيِ: اخْتَبَرْنَاهُ.

وَقَوْلُهُ: {وَخَرَّ رَاكِعًا} أَيْ: سَاجِدًا {وَأَنَابَ} وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ رَكَعَ أَوَّلًا ثُمَّ سَجَدَ بَعْدَ ذَلِكَ، وَقَدْ ذَكَرَ أَنَّهُ اسْتَمَرَّ سَاجِدًا أَرْبَعِينَ صَبَاحًا، {فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ} أَيْ: مَا كَانَ مِنْهُ مِمَّا يُقَالُ فِيهِ: إِنَّ حَسَنَاتِ الْأَبْرَارِ سَيِّئَاتُ الْمُقَرَّبِينَ.

وَقَدِ اخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- فِي سَجْدَةِ "ص" هَلْ هِيَ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ؟ عَلَى قَوْلَيْنِ: الْجَدِيدُ مِنْ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ -رَحِمَهُ اللَّهُ- أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ، بَلْ هِيَ سَجْدَةُ شُكْرٍ. وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ مَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَيْثُ قَالَ:

حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ -وَهُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ- عَنْ أَيُّوبَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي السُّجُودِ فِي "ص": لَيْسَتْ مِنْ عَزَائِمِ السُّجُودِ وَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ- يَسْجُدُ فِيهَا.

وَرَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ حَدِيثِ أَيُّوبَ بِهِ، وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: حَسَنٌ صَحِيحٌ.

وَقَالَ النَّسَائِيُّ أَيْضًا عِنْدَ تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: أَخْبَرَنِي إِبْرَاهِيمُ بْنُ الْحَسَنِ -هُوَ الْمِقْسَمِيُّ- حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنُ ذَرٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- أنَّ النَّبِيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ- سَجَدَ فِي "ص" وَقَالَ: (سَجَدَهَا دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَوْبَةً وَنَسْجُدُهَا شُكْرًا).

تَفَرَّدَ بِرِوَايَتِهِ النَّسَائِيُّ وَرِجَالُ إِسْنَادِهِ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ، وَقَدْ أَخْبَرَنِي شَيْخُنَا الْحَافِظُ أَبُو الحجاجِ المِزِّيِّ قراءةً عليه وأنا أسمعُ:

أخْبَرَنَا أَبُو إِسْحَاقَ الْمُدَرَّجِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ أَبِي طَاهِرٍ الثَّقَفِيُّ، أَخْبَرَنَا زَاهِرُ بْنُ طَاهِرٍ الشَّحَامِيُّ، أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدٍ الكَنْجَرُوذي، أَخْبَرَنَا الْحَاكِمُ أَبُو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْحَافِظُ، أَخْبَرَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ السَّرَّاجُ، حَدَّثَنَا هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا محمد بن يزيد بن خُنَيْس، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَبِيدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ قَالَ: قَالَ لِيَ ابْنُ جُرَيْجٍ: يَا حَسَنُ حَدَّثَنِي جَدُّكَ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ -صلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ- فَقَالَ: "يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنِّي رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنِّي أُصَلِّي خَلْفَ شَجَرَةٍ، فَقَرَأْتُ السَّجْدَةَ فَسَجَدْتُ، فَسَجَدَتِ الشَّجَرَةُ لِسُجُودِي، فَسَمِعْتُهَا تَقُولُ وَهِيَ سَاجِدَةٌ: اللَّهُمَّ اكْتُبْ لِي بِهَا عِنْدَكَ أَجْرًا وَاجْعَلْهَا لِي عِنْدَكَ ذُخْرًا وَضَعْ عَنِّي بِهَا وِزْرًا وَاقْبَلْهَا مِنِّي كَمَا قَبِلْتَهَا مِنْ عَبْدِكَ دَاوُدَ".

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: "فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ -صلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ- قَامَ فَقَرَأَ السَّجْدَةَ ثُمَّ سَجَدَ فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ وَهُوَ سَاجِدٌ كَمَا حَكَى الرَّجُلُ مِنْ كَلَامِ الشَّجَرَةِ.

رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ عَنْ قُتَيْبَةَ، وَابْنِ مَاجَهْ عَنْ أَبِي بَكْرِ بْنِ خَلَّادٍ، كِلَاهُمَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يَزِيدَ بْنِ خُنَيْسٍ نَحْوَهُ. وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ: غَرِيبٌ لَا نَعْرِفُهُ إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

وَقَالَ الْبُخَارِيُّ عِنْدَ تَفْسِيرِهَا أَيْضًا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبِيدِ الطَّنَافِسِيُّ، عَنِ الْعَوَامِّ قَالَ: سَأَلْتُ مُجَاهِدًا عَنْ سَجْدَةِ "ص" فَقَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ: مِنْ أين سجدْتَ؟ فقالَ: أوَما تَقْرَأُ: {وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ} [الْأَنْعَامِ:84] {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الْأَنْعَامِ:90] فَكَانَ دَاوُدُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- مِمَّنْ أُمِرَ نَبِيُّكُمْ -صلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ- أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ، فَسَجَدَهَا دَاوُدُ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- فَسَجَدَهَا رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ-

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَفَّانُ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ، حَدَّثَنَا حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا بَكْرٌ -هُوَ ابْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ-أَنَّهُ أَخْبَرَهُ: "أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ رَأَى رُؤْيَا أَنَّهُ يَكْتُبُ "ص" فَلَمَّا بَلَغَ إِلَى الَّتِي يَسْجُدُ بِهَا رَأَى الدَّوَاةَ وَالْقَلَمَ وَكُلَّ شَيْءٍ بِحَضْرَتِهِ انْقَلَبَ سَاجِدًا قَالَ: فَقَصَّهَا عَلَى النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ فَلَمْ يَزَلْ يَسْجُدُ بِهَا بَعْدُ." تَفَرَّدَ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ.

وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ صَالِحٍ، حَدَّثَنَا ابْنُ وَهْبٍ، أَخْبَرَنِي عَمْرُو بْنُ الْحَارِثِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي هِلَالٍ، عَنْ عِيَاضِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي سَرْحٍ، عن أبي سعيد الخدري -رضي اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: "قَرَأَ رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ- وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ "ص" فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ نَزَلَ فَسَجَدَ وَسَجَدَ النَّاسُ مَعَهُ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمٌ آخَرُ قَرَأَهَا فَلَمَّا بَلَغَ السَّجْدَةَ تَشَزَّنَ النَّاسُ لِلسُّجُودِ، فَقَالَ: (إِنَّمَا هِيَ تَوْبَةُ نَبِيٍّ وَلَكِنِّي رَأَيْتُكُمْ تَشَزّنْتُم). فَنَزَلَ وَسَجَدَ وَسَجَدُوا."

تَفَرَّدَ بِهِ أَبُو دَاوُدَ وَإِسْنَادُهُ عَلَى شَرْطِ الصَّحِيحِ.

وَقَوْلُهُ: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} أَيْ: وَإِنَّ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَقُرْبَةً يُقَرِّبُهُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- بِهَا، وَحُسْنَ مَرْجِعٍ وَهُوَ الدَّرَجَاتُ الْعَالِيَاتُ فِي الْجَنَّةِ لِتَوْبَتِهِ وَعَدْلِهِ التَّامِّ فِي مُلْكِهِ كَمَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ: (الْمُقْسِطُونَ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ عَنْ يَمِينِ الرَّحْمَنِ وَكِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ، الَّذِينَ يُقْسِطُونَ فِي أَهْلِيهِمْ وَمَا وُلُّوا)

وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ، حَدَّثَنَا فُضَيْلٌ، عَنْ عَطِيَّةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صلَّى اللهُ عليهِ وَسلَّمَ-: (إِنَّ أَحَبَّ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَقْرَبَهُمْ مِنْهُ مَجْلِسًا: إِمَامٌ عَادِلٌ. وَإِنَّ أَبْغَضَ النَّاسِ إِلَى اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَأَشَدَّهُمْ عَذَابًا: إِمَامٌ جَائِرٌ).

وَرَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ فُضَيْلٍ -وَهُوَ ابْنُ مَرْزُوقٍ الْأَغَرُّ- عَنْ عَطِيَّةَ بِهِ، وَقَالَ: لَا نَعْرِفُهُ مَرْفُوعًا إِلَّا مِنْ هَذَا الْوَجْهِ.

وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي زِيَادٍ، حَدَّثَنَا سَيَّارٌ: سَمِعْتُ مَالِكَ بْنَ دِينَارٍ فِي قَوْلِهِ: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} قَالَ: يُقَامُ دَاوُدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ سَاقِ الْعَرْشِ ثُمَّ يَقُولُ: "يَا دَاوُدُ مَجِّدْنِي الْيَوْمَ بِذَلِكَ الصَّوْتِ الْحَسَنِ الرَّخِيمِ الَّذِي كُنْتَ تُمَجِّدُنِي بِهِ فِي الدُّنْيَا. فَيَقُولُ: وَكَيْفَ وَقَدْ سُلِبْتُهُ؟ فَيَقُولُ: إِنِّي أَرُدُّهُ عَلَيْكَ الْيَوْمَ. قَالَ: فَيَرْفَعُ دَاوُدُ بِصَوْتٍ يَسْتَفْرِغُ نعيم أهل الجنان".

{يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ}

الشيخ : حسبُك، حسبُك. عرفْنا بهذا أنَّ ابنَ كثير قد أعرضَ عن القصةِ الإسرائيليةِ أشارَ إليها، ونبَّه على أنَّها إسرائيلية، وآثرَ على أنْ لا يسوقَها، وعرفْنا بهذا أنَّ الشيخ السعدي قد تَبِعَ ابنَ كثير في هذا، وقد أحسَنَا رحمهما الله.