بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة ص
الدَّرس: الرَّابع
*** *** ***
– القارئ : أعوذُ باللهِ مِن الشَّيطانِ الرَّجيمِ
يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ (26) وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ (28) كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ [ص:26-29]
– الشيخ : إلى هنا، سبحانَ الله العظيم، لا إله إلَّا الله، لمَّا أخبرَ سبحانَه وتعالى عمَّا أكرمَ به عبدَه ونبيَّه داودَ -عليه السلامُ- من العلم والحكمة وتسخيرِ الجبالِ والطيرِ تسبِّحُ معه، وقال: {وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى وَحُسْنَ مَآبٍ} [ص:25] أخبرَ سبحانه وتعالى عمَّا وصَّى به، ما وصَّى به عبدَه ونبيَّه داود، {يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} يعني: بعدَ من قبلك من الأنبياءِ، فكانَ أنبياءُ بني إسرائيلَ كلَّما هلكَ نبيٌّ جاءَ بعده نبيٌّ آخرُ، يحكمون بالتوراةِ، {يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا} [المائدة:44]
{يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ} يعني: خليفةً عمَّن قبله، واللهُ جعل الناسَ خلائفَ، أممٌ يخلف بعضُها بعضاً، وأنبياءٌ يخلفُ بعضُهم بعضاً، وولاةٌ وحكوماتٌ وحكّامٌ يخلف بعضُهم بعضاً، {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} فهذه وصيَّةٌ مِن اللهِ لعبدِه ونبيِّه داودَ، {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى} فتحكمَ لصديقٍ أو لقريبٍ أو لمن لك عنده منفعةٌ ومصلحةٌ، احكمْ بالحقِّ والعدلِ، {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} اتِّباعُ الهوى -وهو ما تشتهيه النفسُ الأمَّارةُ بالسوء- اتِّباعُ الهوى سبيلُ الضلال، {فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ}
وهذا هو الواجبُ على الإنسان، الواجبُ على المسلم اتِّباعُ الهدى، أنْ يتَّبعَ هدى اللهِ، وهو ما بعثَ به رسلَه، وفي هذه الأمَّةِ على كلِّ مسلمٍ أن يتبعَ الهدى الَّذي جاء به محمَّدٌ -صلَّى الله عليه وسلَّم-، {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ} [التوبة:33] ولا يتبع هواه، {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} [القصص:51] المشركون وأعداءُ الرسلِ إنَّما هلكوا باتِّباعهم أهواءَهم.
{فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} {الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} يضلُّون ويسلكون السبلَ المنحرفةَ، {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} [الأنعام:153]
{إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ} هذا وعيدٌ من الله للمعرضين عن هداه، الناكبين عن صراطِه، {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا} {بِمَا نَسُوا} أي:يعني بسبب نسيانهم، {بِمَا نَسُوا} أي:يعني بسبب نسيانهم، {يَوْمَ الْحِسَابِ} وهذا اسمٌ من أسماء يومِ القيامة، يومُ الحسابِ ويومُ البعث ويومُ النشور ويومُ الفصل، {بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ}
{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا} بل خلقَهما بالحقِّ وللحقِّ، ما خلقَ السمواتِ والأرضَ وما فيهما وما بينهما إلَّا بالحقِّ، ما خلقَهما باطلاً، ولهذا يقولُ عبادُ الله الذاكرون المتفكِّرون: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} [آل عمران:191] أمَّا الكفَّارُ فيرونَ أنَّ هذا الوجودَ وإبداعَ هذا الوجودِ أنَّه لا معنى له ولا حكمة فيه، وينبِّهُ تعالى على هذا المعنى في آياتٍ، {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا لَاعِبِينَ} [الأنبياء:16] يعني: ما خلقَهما عبثاً ولعباً، {مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} [الدخان:39]
{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} الَّذين كفروا هم الَّذين يعتقدون أنَّ خلقَ السمواتِ والأرضِ لا معنى له وأنَّه باطلٌ وليس له غايةٌ ولا حكمةٌ، {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} وإنكارُهم للبعث يتضمَّنُ هذا المعنى؛ لأنَّ اللهَ خلقَ السمواتِ والأرضَ؛ ليبتليَ العبادَ، بيَّنَ أنَّه ليبلوكم، {لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الملك:2] وبعدَ الابتلاءِ يأتي الجزاءُ، بعدَ الابتلاءِ في هذه الدُّنيا يأتي الجزاءُ، {وَخَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَلِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} [الجاثية:22] {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ}
{أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} إنكارُ البعثِ يتضمَّنُ إنكارَ الجزاءِ، إنكارُ البعث يتضمَّنُ إنكارَ الجزاء،، وإنكارُ الجزاءِ يتضمَّنُ التسويةَ، يتضمَّنُ التسويةَ بين المفسدين والمصلحين، بينَ المتَّقين والفجَّارِ، وهذا ما يتنزَّهُ عنه الربُّ تعالى، فهو تعالى لا يسوِّي بينَ المتَّقين والفجَّار ولا بين المصلحين والمفسدين، {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} تعالى اللهُ عن ذلكَ علوَّاً كبيراً.
(تفسيرُ السَّعديِّ)
– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصَّلاةُ والسَّلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ، قالَ الشَّيخُ عبدُ الرَّحمنِ السَّعديُّ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في تفسيرِ قولِ اللهِ تعالى {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ}:
{يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأرْضِ} تنفِّذُ فيها القضايا الدِّينيَّةَ والدُّنيويَّةَ، {فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ} أي: العدلِ، وهذا لا يتمكَّنُ منهُ، إلَّا بعلمٍ بالواجبِ، وعلمٍ بالواقعِ، وقدرةٍ على تنفيذِ الحقِّ، {وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى} فتميلَ معَ أحدٍ، لقرابةٍ أو صداقةٍ أو محبَّةٍ، أو بغضٍ للآخرِ {فَيُضِلَّكَ} الهوى {عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} ويخرجُكَ عن الصِّراطِ المستقيمِ، {إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ} خصوصاً المتعمدينَ منهم، {لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ بِمَا نَسُوا يَوْمَ الْحِسَابِ} فلو ذكرُوهُ ووقعَ خوفُهُ في قلوبِهم، لم يميلوا معَ الهوى الفاتنِ.
قالَ اللهُ تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً} الآياتَ:
يخبرُ تعالى عن تمامِ حكمتِهِ في خلقِهِ السَّمواتِ والأرضِ، وأنَّهُ لم يخلقْهما باطلاً أي: عبثاً ولعباً مِن غيرِ فائدةٍ ولا مصلحةٍ.
{ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا} بربِّهم، حيثُ ظنُّوا ما لا يليقُ بجلالِهِ. {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ} فإنَّها الَّتي تأخذُ الحقَّ منهم
– الشيخ : تأخذُ الحقَّ؟
– القارئ : نعم
– الشيخ : يعني هي الَّتي يحصلُ بها.. النارُ هي الَّتي يحصل بها عقابُهم على جرمهم وتكذيبِهم وجحدِهم وسوءِ ظنِّهم بالله، جزاءً وفاقاً
– القارئ : فإنَّها الَّتي تأخذُ الحقَّ منهم، وتبلغُ منهم كلَّ مبلغٍ
– الشيخ : أعوذُ باللهِ، أعوذُ بالله من الشقوةِ، أعوذُ باللهِ من الشقاءِ
– القارئ : وإنَّما خلقَ اللهُ السَّمواتِ والأرضَ بالحقِّ وللحقِّ، فخلقَهما ليعلمَ العبادُ كمالَ علمِهِ وقدرتِهِ وسعةَ سلطانِهِ، وأنَّه تعالى وحدَهُ المعبودُ، دونَ مَن لم يخلقْ مثقالَ ذرَّةٍ مِن السَّمواتِ والأرضِ، وأنَّ البعثَ حقٌّ، وسيفصلُ اللهُ بينَ أهلِ الخيرِ والشَّرِّ.
ولا يظنُّ الجاهلُ بحكمةِ اللهِ أنْ يسوِّيَ اللهُ بينَهما في حكمِهِ، ولهذا قالَ: {أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} هذا غيرُ لائقٍ بحكمتِنا وحكمِنا.
{كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ} فيهِ خيرٌ..
– الشيخ : يعني: لو لم يكنْ هناكَ بعثٌ وش النتيجة؟ النتيجةُ التساوي بينَ الظالمِ والمظلومِ والمسيءِ والعاصي خلاص، كلُّهم ماتوا وانتهى أمرُهم، إذاً فليسَ للمحسنين في هذه الدُّنيا ليس لهم فضلٌ على غيرهم؛ لأنَّهم كلُّهم يموتون وينتهي الأمرُ، ولا بعث ولا جزاء، فجحدُ البعثِ والجزاءِ كما قلْتُ: إنكارُ البعثِ وجحدُ البعثِ يتضمَّنُ جحدَ الجزاءِ، وجحدُ الجزاءِ يتضمَّن التسويةَ بينَ الأضدادِ، بينَ المصلحِ والمفسدِ، والتَّقي والفاجر، والمؤمنِ والكافرِ، وهذا ما يتنزَّهُ اللهُ تعالى عنه، {أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ} {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ} {أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ} [القلم:35] كلا، اللهُ لا يسوِّي بينهم، ولا يجعلُ المسلمين كالمجرمين، بل يجزي كلَّاً بما يناسبُه، {هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ} [الرحمن:60] {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:31] هذا موجبُ العدلِ والحكمةِ.
– القارئ : {كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ} فيهِ خيرٌ كثيرٌ، وعلمٌ غزيرٌ، فيهِ كلُّ هدىً مِن ضلالةٍ، وشفاءٌ مِن داءٍ، ونورٌ يُستضاءُ بهِ في الظُّلماتِ، وكلُّ حكمٍ يحتاجُ إليهِ المُكلَّفونَ، وفيهِ مِن الأدلَّةِ القطعيَّةِ على كلِّ مطلوبٍ، ما كانَ بهِ أجلُ كتابٍ طرقَ العالمَ منذُ أنشأَهُ اللهُ.
{لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} أي: هذهِ الحكمةُ مِن إنزالِهِ، ليتدبَّرَ النَّاسُ آياتِهِ، فيستخرجوا علمَها ويتأمَّلُوا أسرارَها وحكمَها، فإنَّه بالتَّدبُّرِ فيهِ والتَّأمُّلِ لمعانيِهِ، وإعادةِ الفكرِ فيها مرَّةً بعدَ مرَّةٍ
– الشيخ : لا إله إلَّا الله، اللَّهمَّ انفعْنا به، اللَّهمَّ وفِّقْنا وإيَّاكم لتدبُّرِه والاهتداءِ به، نسألُه أن ينفعَنا بكتابِه، اللَّهمَّ اهدِنا به واهدِنا له.
– القارئ : وإعادةِ الفكرِ فيها مرَّةً بعدَ مرَّةٍ، تدركُ بركتَهُ وخيرَهُ، وهذا يدلُّ على الحثِّ على تدبُّرِ القرآنِ، وأنَّهُ مِن أفضلِ الأعمالِ، وأنَّ القراءةَ المشتملةَ على التَّدبُّرِ أفضلُ مِن سرعةِ التِّلاوةِ الَّتي لا يحصلُ بها هذا المقصودُ.
{وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الألْبَابِ} أي: أولو العقولِ الصَّحيحةِ، يتذكَّرونَ بتدبُّرِهم لها كلَّ علمٍ ومطلوبٍ، فدلَّ هذا على أنَّهُ بحسبِ لبِّ الإنسانِ وعقلِهِ يحصلُ لهُ التَّذكُّرُ والانتفاعُ بهذا الكتابِ.
قالَ اللهُ تعالى: {وَوَهَبْنَا لِدَاوُدَ سُلَيْمَانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:30]
– الشيخ : إلى هنا
– القارئ : بس [فقط] لحظة "حسين" يتسنَّن
– الشيخ : إي قريب، لا إله إلَّا الله، {كِتَابٌ} {كِتَابٌ أَنزلْنَاهُ} يعني: هذا كتابٌ، هذا القرآنُ الَّذي بلَّغه الرسولُ وتلاه، {يَتْلُو عَلَيْهِمْ آَيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ} [الجمعة:2] هذا الكتابُ أنزلَه اللهُ كتاباً مباركاً، وهذا كتابٌ مباركٌ أنزلْناه، كتابٌ أنزلْناه مبارك ليدَّبروا، هذه الحكمةُ، الحكمةُ التدبُّرُ، ولهذا خسرَ الَّذين يقولون في كثيرٍ من الآيات أنَّه ليسَ لها معنىً مفهومٌ، وأنّ ظاهرَها غيرُ مرادٍ، هذه مقولةُ المعطِّلةِ نفاة الصفات، يقولون: إنَّ هذه النصوص، يعني منهم من يصرفُها عن ظاهرها ويفسِّرها بتفسيرات تخالفُ الظاهرَ، ومنهم من يقولُ: إنَّها يعني نفوِّضُ معناها ولا ندري عن معناها، فلهذا لا يُتدَّبَر، يعني ما لا يُفهَم معناه لا يُتدبَّر ولا معنى لتدبُّره، تفكَّر بشي يعني اللي يقرأ لغةً أو كلاماً بلغةٍ لا يحسنُها، أفيفيدُه التدبُّر؟ لا يستفيدُ شيئاً.