الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة ص/(6) من قوله تعالى {واذكر عبدنا أيوب} الآية 41 إلى قوله تعالى {وخذ بيدك ضغثا} الآية 44
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(6) من قوله تعالى {واذكر عبدنا أيوب} الآية 41 إلى قوله تعالى {وخذ بيدك ضغثا} الآية 44

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة  ص

الدَّرس: السَّادس

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذ بالله من الشيطان الرجيم:

وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ * ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ * وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ [ص:41-44]

– الشيخ : إلى هنا. لا إله إلا الله. يقول الله: {وَاذْكُرْ} {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ} يعني: مُثنيًا عليهِ، ومُخبِّرًا عن حالِه وصِدقِ لَجَئِهِ إلى اللهِ، في سورةِ الأنبياءِ: {وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ} [الأنبياء:83] ضَرَاعَة، تضرَّعَ إلى ربِّهِ، واللهُ يذكرُ هذا؛ ثناءً عليه وللاقتداءِ به {فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ} [الأنعام:90]

الله أكبر، {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا} {عَبْدَنَا} هذا أيُّ شَرَفٍ! ربُّ العالمين، ربُّ السمواتِ والأرضِ يقول: {عَبْدَنَا} هذه هِيَ العبوديةُ الخاصَّةُ، وإلا فكلُّ الخلقِ عبيدُهُ {إِن كُلُّ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ إِلَّا آتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا} [مريم:93] كلُّهم عبيدُهُ، مملوكونَ لَهُ، ومُدبَّرونَ، لكن هذه عبوديةٌ خاصةٌ، كما نوُّهَ بذلكَ في شأنِ محمد صلى الله عليه وسلم ذكرَه بصفةِ العبوديةِ في مواضعَ: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ} [الإسراء:1] {وَإِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} [البقرة:23] {تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْقَانَ عَلَى عَبْدِهِ} [الفرقان:1] الله!

{وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ} ناداهُ داعيًا ومُتضرِّعًا وراجياً ولاجئًا إليهِ مُلتجئًا إليهِ {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ} ليسَ مَسُّ الشيطانِ لَهُ بما يُفسِدُ دينَه كما هو شأنُ مَن يستجيبونَ لدعوةِ الشيطانِ، مَسَّهُ بأمرٍ ضَرَّهُ في بدنِهِ {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} اقرأ الآية

– القارئ : {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ}

الشيخ : {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} هيَّأ اللهُ لَه ماءً طيبًا أنبعَهُ لَه مِن الأرض يَغتسِلُ به وجعلَه اللهُ لَهُ شفاءً {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ} ماءٌ يَغتسِلُ به ويشربُ منه، ماءٌ طيِّب صالحٌ للشُّربِ وللتَّطَهُرِ والنظافةِ والاغتسالِ {هَذَا مُغْتَسَلٌ بَارِدٌ وَشَرَابٌ}

{وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} وفي الآية الأخرى: {وَآتَيْنَاهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُم مَّعَهُمْ رَحْمَةً مِّنْ عِندِنَا} [الأنبياء:84] {رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ} وهَبَ لَه أهلَهُ {وَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} حَسبَمَا يَذكرُ المفسِّرون أنَّه ابتُلِيَ، ابتُلِيَ ببلاءٍ عظيمٍ في بدنِهِ مِن نوعِ القُروحِ التي نفَّرَتْ عنه كلَّ أحدٍ إلا زوجتُه فإنَّها لمْ تزلْ تعطفُ عليهِ كما جاءَ في الرواياتِ، وإن كانتْ رواياتٍ إسرائيليةٍ، لكن أصلُ الابتلاءِ هذا منصوصٌ عليهِ في القرآنِ، فذهبَ أهلُه ولم.. يعني ابتُلِيَ في صحتِهِ وفي ذهابِ أهلِهِ.

وأيوبُ عليه الصلاة والسلام جاء في السُّنةِ أنه كان يغتسلُ في فضاءٍ عُريانًا فَخَرَّ عليه جرادٌ مِن ذَهبٍ سبحان الله آية! جرادٌ مِن ذهبٍ! فصارَ يحثو منه ويجمعُ منه بثوبِه، ولا ضيرَ على الإنسانِ أنْ يحبَّ المالَ ويطلبَ المالَ ولكن الشأنُ لـِمَ؟ ماذا يريدُ مَن أخذَ المالَ وجمعَ المال؟ فأيوبُ ونبيُّ اللهِ وأمثالُهُ مِن الأنبياءِ إذا أخذوا المالَ يأخذونَه؛ ليضعوهُ في مَواضعِه كما يحبُّ اللهُ سبحانه وتعالى، الله أكبر. 

{وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ * وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا} ضِغْثٌ، الضِّغْثُ هو العُرْجُونُ القِنْوُ الخَاليّ مِن البُسْر، يعني: فيه الشَّمَارِيخ بس، 

{ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ} انظرْ، انظر إلى الثناءِ العظيمِ، يعني: بدأتِ القصةُ بالتنويهِ بعبوديتِهِ، وخُتِمَتْ بالثناءِ عليهِ بالصبرِ وبالمدحِ {إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} رجَّاعٌ إلى الله وتَوَّابٌ، ومعناهُ: ولا تَحْنَثْ، معناه: أنه حَلَفَ يمينًا، حَلَفَ يمينًا اقْتَضَتْ منه أنْ يفعلَ..، ويُذكَرُ أنه حلفَ أن يضربَ زوجتَه كذا مائةَ جلدة، فأخرجَه اللهُ، أو أرشدَه إلى التَّحَلُّلِ مِن يمينِه بأنْ يَضربَها في ضِغْثٍ واحدٍ ضربةٍ واحدةٍ تقومُ مقامَ المائةِ {وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا فَاضْرِبْ بِهِ وَلَا تَحْنَثْ إِنَّا وَجَدْنَاهُ صَابِرًا نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ}.

 

(تفسيرُ السعدي)

القارئ : بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعين. قالَ الشيخُ عبدُ الرحمنِ السَّعديّ رحمه الله تعالى:

فصلٌ فيمَا تبيَّنَ لنَا مِن الفوائدِ والحِكَمِ في قصةِ داودَ وسليمانَ عليهما السلام.

الشيخ : إي، طيّب نسمعُ منها شوي، تفضل.

القارئ : فمنها: أنَّ اللّهَ تعالى يَقُصُّ على نبيِّهِ محمَّدٍ صلى اللّه عليه وسلم أخبارَ مَنْ قبلَهُ؛ لِيُثَبِّتَ فؤادَهُ وتَطمَئِنَّ نفسُهُ، ويَذكرَ لَه مِن عباداتِهم وشدةِ صبرِهم وإنابتِهم، ما يُشَوِّقُهُ إلى منافسَتِهم، والتقرُّبِ إلى اللّهِ الذي تقرَّبُوا لَه، والصبرِ على أذى قومِهِ، ولهذا -في هذا الموضعِ- لَمَّا ذكرَ اللّهُ مَا ذكرَ مِن أذيّةِ قومِه وكلامِهم فيهِ وفيمَا جاءَ بِه، أمرَهُ بالصبرِ، وأنْ يذكرَ عبدَهُ داودَ فيتأسَّى بِه.

ومنها: أنَّ اللّهَ تعالى يمدَحُ ويحبُّ القوةَ في طاعتِهِ، قوةَ القلبِ والبدنِ، فإنَّهُ يحصلُ منها مِن آثارِ الطاعةِ وحُسنِها وكثرتِها ما لا يحصلُ معَ الوَهَنِ وعدمِ القوةِ

الشيخ : (الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنَ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ) وأثنَى على داودَ بالقوةِ {ذَا الْأَيْدِ} [ص:17] يعني: القوة.

القارئ : وأنَّ العبدَ ينبغي لَه تَعَاطِي أسبابِها، وعدمِ الركونِ إلى الكسلِ والبطالةِ الـمُخِلَّةِ بالقوةِ الـمُضعِفَةِ للنَّفْسِ.

ومنها: أنَّ الرجوعَ إلى اللّهِ في جميعِ الأمورِ، مِن أوصافِ أنبياءِ اللّهِ وخَوَاصِّ خلقِهِ، كمَا أثنى اللّهُ على داودَ وسليمانَ بذلكَ، فليقتدِ بِه المقتدونَ، وليَهْتَدِ بهُداهُم السَّالكونَ

الشيخ : كلُّهم وصفَهم بأنَّهم أوَّابُون أي رَجَّاعُونَ وصفَ داودَ وسليمانَ وأيوب {نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ} [ص:44،30].

القارئ : {أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ} [الأنعام:90]

ومنها: ما أكرمَ اللّهُ بِه نبيَهُ داودَ عليه السلام مِن حسنِ الصوتِ العظيمِ، الذي جعلَ اللّهُ بِسبَبِهِ الجبالَ الصُمَّ والطيورَ البُهْمَ يجاوبْنَهُ إذا رجَّعَ صوتَهُ بالتسبيحِ، ويُسَبِحْنَ معَه بالعشيِّ والإشراقِ.

ومنها: أنَّ مِن أكبرِ نِعَمِ اللّهِ على عبدِهِ أنْ يرزقَهُ العلمَ النافعَ، ويعرفَ الحكمَ والفصلَ بينَ الناسِ، كمَا امتنَّ اللّهُ بِه على عبدِه داودَ عليه السلام.

ومنها: اعتناءُ اللّهِ تعالى بأنبيائِه وأصفيائِه عندما يقعُ منهمْ بعضُ الخَلَلِ بِفِتْنَتِهِ إيَّاهم وابتلائِهم بما بِه يزولُ عنهمُ المحذورُ، ويعودونَ إلى أكملَ مِن حالتِهم الأولى كما جرى لداودَ وسليمانَ عليهما السلام.

ومنها: أنَّ الأنبياءَ صلواتُ اللّهِ وسلامُه عليهِم معصومونَ مِن الخطأِ فيما يُبَلِّغُونَ عَن اللّهِ تعالى؛ لأنَّ مقصودَ الرسالةِ لا يحصلُ إلا بذلكَ، وأنَّه قد يجري منهمْ بعضُ مقتضياتِ الطبيعةِ مِن المعاصي، ولكنَّ اللّهَ يَتَدَاركُهُم ويُبادرُهُم بلطفِهِ.

ومنها: أنَّ داودَ عليه السلام كانَ في أغلبِ أحوالِه مُلازماً محرابَهُ؛ لخدمةِ ربِّهِ، ولهذا تَسَوَّرَ الخصمانِ عليهِ المحرابَ، لأنَّهُ كانَ إذا خَلَا في محرابِهِ لا يأتيهِ أحدٌ، فلمْ يجعلْ كلَّ وقتِهِ للناسِ معَ كثرةِ ما يَرِدُ عليهِ مِن الأحكامِ، بلْ جعلَ لَه وقتاً يخلو فيهِ بربِّهِ، وتقرَّ عينُهُ بعبادتِهِ، وتعينُهُ على الإخلاصِ في جميعِ أمورِه.

ومنها: أنه ينبغي استعمالُ الأدبِ في الدخولِ على الحُكَّامِ وغيرِهم، فإنَّ الخصمين لَمَّا دَخَلَا على داودَ في حالةٍ غيرِ معتادةٍ ومِن غيرِ البابِ المعهودِ فَزِعَ منهم واشتدَّ عليهِ ذلكَ ورآهُ غيرَ لائقٍ بالحالِ.

ومنها: أنَّه لا يمنعُ الحاكمَ مِن الحكمِ بالحقِّ سوءُ أدبِ الخَصمِ وفعلُهُ ما لا ينبغي.

ومنها: كمالُ حِلْمِ داودَ عليه السلام، فإنَّه ما غضبَ عليهما حينَ جاءاهُ بغيرِ استئذانٍ، وهو الْمَلِكُ، ولا انْتَهَرَهُمَا، ولا وَبَّخَهُمَا.

ومنها: جوازُ قولِ المظلومِ لِمَنْ ظلمَهُ "أنتَ ظلمْتَنِي" أو "يَا ظالم" ونحو ذلكَ أو "باغٍ عليَّ" لقولهما: {خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ} [ص:22]

ومنها: أنَّ الموعوظَ والمنصوحَ، ولو كانَ كبيرَ القَدْرِ جليلَ العلمِ إذا نصحَهُ أحدٌ أو وعظَهُ لا يغضبُ ولا يشمئِزُّ بلْ يبادرُهُ بالقَبولِ والشُّكرِ، فإنَّ الخصمينِ نصحَا داودَ فلمْ يشمئِزْ ولمْ يغضبْ ولمْ يُثنِهِ ذلكَ عَن الحقِّ، بلْ حكمَ بالحقِّ الصَّرْفِ.

ومنها: أنَّ الْمُخَالَطَةَ..

الشيخ : اصبر اصبر، نَصيحتُهُمَا لداودَ في الآياتِ: {خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُم بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلَا تُشْطِطْ} [ص:22] فهذا هو الذي عَبَّرَ عنه الشيخُ بنصيحتِهما، وأنَّ المنصوحَ عليه أنْ يقبلَ النصيحةَ ولا يَشْمَئِزَّ ولو كانَ كبيرَ القَدْرِ وكبيرَ الـمَنْصِبِ.

 

القارئ : ومنها: أنَّ الْمُخَالَطَةَ بينَ الأقاربِ والأصحابِ وكثرةَ التعلُّقَاتِ الدنيويةِ الماليةِ مُوجِبَةٌ للتَّعادِي بينَهُم وبَغيِّ بعضِهم على بعضٍ، وأنه لا يَردُّ عَن ذلكَ إلا استعمالُ تقوى اللّه والصبرُ على الأمورِ بالإيمانِ والعملِ الصالحِ، وأنَّ هذا مِن أقلِّ شيءٍ في الناسِ.

ومنها: أنَّ الاستغفارَ والعبادةَ خصوصاً الصلاة مِن مُكَفِّراتِ الذنوبِ، فإنَّ اللّهَ رَتَّبَ مغفرةَ ذَنْبِ داودَ على استغفارِهِ وسجودِهِ.

ومنها: إكرامُ اللّهِ لعبدِهِ داودَ وسليمانَ بالقربِ منه وحسنِ الثوابِ،

الشيخ : قف على هذا، قف على الفائدةِ ذي. اقرأ تعليقَه على قصةِ أيوب. {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ}

القارئ : قالَ رحمَه الله في تفسيرِ قولِ الله تعالى: {وَاذْكُرْ عَبْدَنَا أَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ} الآيات.

أيْ: {وَاذْكُرْ} في هذا الكتابِ ذِي الذِّكرِ {عَبْدَنَا أَيُّوبَ} بأحسنِ الذِّكرِ، وأثنِ عليهِ بأحسنِ الثناءِ، حينَ أصابَهُ الضُّرُّ فصبرَ على ضُرِّهِ، فلمْ يشتكِ لغيرِ ربِّهِ ولا لجأَ إلا إليهِ.

فـ {نَادَى رَبَّهُ} داعياً، وإليهِ لا إلى غيرِهِ شاكياً، فقالَ: ربِّ {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} أي: بأمرٍ مُشِقٍّ مُتْعِبٍ مُعَذِّبٍ، وكانَ سَلَّطَ على جسدِهِ فَنَفَخَ فيهِ حتى تقرَّحَ، ثمَّ تقيَّحَ بعدَ ذلكَ واشتدَّ

الشيخ : يعني هذا هو تأثيرٌ جسديٌّ لا تأثير قَلْبي، تأثيرٌ في أمرٍ يتعلّقُ بالحياةِ الدنيا {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ} وذكرَ المفسرون أنه يعني نَفَخَ على جسدِه، ونَفْثُ الشيطانِ ونَفْخُهُ -والعياذُ باللهِ- شَرٌّ، وهذا ابتلاءٌ مِن نوعِ ما يَبْتَلِي اللهُ به عبادَهُ {أَنِّي مَسَّنِيَ الشَّيْطَانُ بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ}

 

القارئ : واشتدَّ بِه الأمرُ، وكذلكَ هَلَكَ أهلُهُ ومالُهُ.

فقيل له: {ارْكُضْ بِرِجْلِكَ} أي: اضربِ الأرضَ بها؛ لِيَنبعَ لكَ منها عينٌ تغتسلُ منها

الشيخ : يعني: ارْفِسِ الأرضَ بِرِجْلِكَ، ارْكُضْها اضربْ الأرضَ بِقَدَمِكَ فينفجرُ منها ذلكَ الماءُ، كما جاء في قصةِ إسماعيل عليه السلام أنَّ جبريلَ ركَضَ الأرضَ فنَبَعَتْ زمزمُ.

القارئ : أي: اضربِ الأرضَ بها؛ لِيَنبعَ لكَ منها عينٌ تغتسلُ منها وتشربُ، فيذهبَ عنكَ الضُّرُّ والأذى، ففعلَ ذلكَ فذهبَ عنه الضرُّ وشفاهُ اللّه تعالى.

{وَوَهَبْنَا لَهُ أَهْلَهُ} قيلَ: إنَّ اللّهَ تعالى أحياهُم لَه {وَمِثْلَهُمْ مَعَهُمْ} في الدنيا، وأغناهُ اللّهُ وأعطاهُ مالاً عظيماً {رَحْمَةً مِنَّا} بعبدِنا أيوبَ حيثُ صبرَ فأثبناهُ مِن رحمتِنَا ثواباً عاجلاً وآجلاً.

{وَذِكْرَى لأولِي الألْبَابِ} أي: وليتذكرَ أولو العقولِ بحالةِ أيوبَ ويعتبِرُوا، فيَعلمُوا أنَّ مَنْ صبرَ على الضُرِّ فإنَّ اللّهَ تعالى يُثيبهُ ثواباً عاجلاً وآجلاً ويستجيبُ دعاءَه إذا دعاهُ.

{وَخُذْ بِيَدِكَ ضِغْثًا} أيْ: حزمةَ شَمَارِيخ {فَاضْرِبْ بِهِ وَلا تَحْنَثْ} قالَ المفسرونَ: وكانَ في مرضِهِ وضُرِّهِ، قدْ غضبَ على زوجتِهِ في بعضِ الأمورِ فحلفَ: لَئِنْ شفاهُ اللّهُ ليضربَنَّهَا مائةَ جلدةٍ، فلمَّا شفاهُ اللّهُ وكانتِ امرأتُهُ صالحةً مُحسنةً إليهِ رحمَها اللّهُ ورحمَهُ، فأفتاهُ أنْ يضربَها بضِغْثٍ فيهِ مائةُ شِمْرَاخِ ضربةً واحدةً، فَيَبَرُّ في يمينِهِ.

{إِنَّا وَجَدْنَاهُ} أي: أيوبُ {صَابِرًا} أي: ابتليناهُ بالضُّرِّ العظيمِ فصبرَ لوجهِ اللّهِ تعالى. {نِعْمَ الْعَبْدُ} الذي كمَّلَ مراتبَ العبوديةِ في حالِ السَّراءِ والضراءِ والشدةِ والرخاءِ.

{إِنَّهُ أَوَّابٌ} أيْ: كثيرُ الرجوعِ إلى اللّهِ، في مطالبِهِ الدينيةِ والدنيويةِ، كثيرُ الذِّكرِ لربِّهِ والدعاءِ والمحبةِ والتَّألُّهِ.