الرئيسية/شروحات الكتب/تفسير القرآن الكريم للشيخ: عبدالرحمن بن ناصر البراك/تفسير سورة ص/(7) من قوله تعالى {واذكر عبادنا} الآية 45 إلى قوله تعالى {واذكر إسماعيل} الآية 48

(7) من قوله تعالى {واذكر عبادنا} الآية 45 إلى قوله تعالى {واذكر إسماعيل} الآية 48

بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ

تفسير الشَّيخ عبدالرَّحمن بن ناصر البرَّاك / سورة  ص

الدَّرس: السَّابع

***     ***     ***

 

– القارئ : أعوذُ بالله من الشيطانِ الرجيمِ:

وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبراهيم وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ * وَاذْكُرْ إسماعيل وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ [ص:45-48]

الشيخ : إلى هنا، لا إلهَ إلا الله، هؤلاءِ ستةٌ مِن أنبياءِ اللهِ خَصَّهم بالذِّكْرِ بعدَما أمرَ -سبحانه- نبيَّهُ أنْ يذكرَ فلاناً وفلاناً، داودَ وسليمانَ وأيوبَ، قالَ: {وَاذْكُرْ} أيَّها النَّبيُّ {اذْكُرْ} في هذا الكتابِ {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا} وصفَهُم بالعبوديةِ الخاصَّةِ، تشريفٌ تشريفٌ، فيها شَرَفٌ، العبوديةُ الخاصةُ تتضمَّنُ الشَّرَفَ، أمَّا العبوديةُ العامَّةُ لا تقتضي الشَّرفَ، فإنَّ الكلَّ -البَرَّ والفاجرَ- كلُّهم عبيدُ للهِ، أكفرُ الكافرينَ عبدٌ للهِ مُذلَّلٌ مُعبَّدٌ.

{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبراهيم} عليه السلام، إبراهيم الخليل أفضلُ الرُّسلِ والنَّبيينَ بعدَ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبراهيم وَإِسْحَاقَ} ابنُهُ {وَيَعْقُوبَ} ابنَهُ وهو: إسرائيلُ، يعقوب هو الـمُلقَّبُ أو الـمُسمَّى بإسرائيلَ، فَبَنُو إسرائيلَ كلُّهم يرجعونَ إلى يعقوبَ بنِ إسحاقَ، وكلُّهم..

{وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبراهيم وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} أولي القوةِ على الأعمالِ العظيمةِ الصالحة، أولي الأبصارِ أولي البصائرِ والعِلْمِ، فوصفَهم بالقوةِ والعِلمِ، بالعلمِ والقوةِ على العملِ.

{أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ * إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ ذِكْرَى الدَّارِ * وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا} الله أكبر {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ} الاِصْطِفاءُ: الاختيارُ، يعني: مِن العبادِ الذين اختارَهم اللهُ وفضَّلَهم على مَنْ سِواهُم.

 {وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيَارِ} أيُّ ثناءٍ! إنه لأمرٌ عظيمٌ! ربُّ السمواتِ والأرض يُثْني على هؤلاءِ الصَّفوةِ، يخصُّهم بالذِّكْرِ ويصفُهم بالعبوديةِ وبالاصطفاءِ وبالاختيارِ، أخيارٌ جمع: خَيِّر، فَهْم أخيار.

ثمَّ قالَ: {وَاذْكُرْ إسماعيلَ} إسماعيلُ بنُ إبراهيمَ، وميَّزَهُ وأفردَهُ، إسماعيلُ وقدْ قالَ في سورةِ مريم: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إسماعيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَّبِيًّا} [مريم:54]

{وَاذْكُرْ إسماعيلَ وَالْيَسَعَ وَذَا الْكِفْلِ} اليَسَع وذا الكِفْل كلاهُما {وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ} كلُّهم، فاذكرْهُم بالثَّناءِ عليهِم فهمْ أنبياءٌ وأخيارٌ وصالحونَ {وَكُلٌّ مِنَ الْأَخْيَارِ} اللهُ أكبر، نسألُ الله مِن فضلِه، نسأل الله مِن فضلِه، فالعِبادُ أخيارٌ وأشرارٌ، فالأخيارُ هم المؤمنون المتَّقون، وخيرُهم: الأنبياءُ والمرسلون، المؤمنون المتقون أولياءُ اللهِ كلُّهم، وهم أخيارٌ كلُّهم أخيارٌ، لكن هم على مراتبِهم فخيرُ أولياءِ اللهِ المتقين -خيرُهم- الأنبياءُ والمرسلونَ، وهم أيضًا يَتَفَاضَلُون {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ الله} [البقرة:253] {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا} [الإسراء:55]

 

 (تفسير السعدي):

القارئ : بسمِ الله الرحمنِ الرحيم، الحمدُ للهِ ربِّ العالَمين، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا محمدٍ وعلى آلِه وصحبه أجمعين. قالَ الشيخُ عبد الرحمن السَّعدي -رحمه الله تعالى- في تفسيرِ قول الله تعالى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا إبراهيم وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ أُولِي الْأَيْدِي وَالْأَبْصَارِ} الآيات

يقول تعالى: {وَاذْكُرْ عِبَادَنَا} الذينَ أخلَصُوا لنَا العبادةَ ذِكْراً حَسَنَاً، {إبراهيم} الخليلُ {و} ابنُهُ {إِسْحَاقَ وَ} ابنُ ابنِهِ {يَعْقُوبَ أُولِي الأيْدِي} أيْ: القوةُ على عبادةِ اللهِ تعالى {وَالأبْصَار} أي: البصيرةُ في دينِ اللهِ. فوصفَهُم بالعلمِ النافعِ والعملِ الصالحِ الكثيرِ.

{إِنَّا أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ} عظيمةٍ، وخصيصةٍ جسيمةٍ، وهِيَ: {ذِكْرَى الدَّارِ} جعلْنَا ذِكْرى الدارِ الآخرةِ في قلوبِهم،

الشيخ : {ذِكْرَى الدَّارِ} فَسَّرَهَا الشيخُ بأنَّ الدارَ الـمُرَادَ: الدارُ الآخرةُ، والذِّكْرُ ذِكْرُهَا في قلوبِهم، يذكرونَها، ومِن الفَضلِ أنْ يذكرَ الإنسانُ أمرَ الآخرةِ ولا يَنْسَى ذلك اليومِ وهذهِ الدَّارَ، بلْ تكونُ على بالِهِ لا يغفلُ ولا يتعلَّقُ قلبُهُ في هذه الدنيا وزُخْرُفِها، بلْ الآخرةُ دائمًا تكونُ أمامَهُ وعلى بالِهِ، هذا معنى قولُ الشيخِ {أَخْلَصْنَاهُمْ بِخَالِصَةٍ} يعني: جَعَلْنَا ذِكْرَ الدارِ الآخرةِ في قلوبِهم.

 

القارئ : والعملَ لها صفوةَ وقتِهِم، والإخلاصَ والمراقبةَ للهِ وصفَهُمُ الدائمَ، وجعلْنَاهُم ذِكْرَى الدارِ يتذكَّرُ بأحوالِهم المتذكِّر، ويَعتبرُ بهمُ الْمُعْتَبِر، ويُذكرونَ بأحسنِ الذِّكْرِ.

{وَإِنَّهُمْ عِنْدَنَا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ} الذينَ اصْطَفَاهُمُ اللهُ مِنْ صفوةِ خلقِهِ، {الأخْيَارِ} الذينَ لهمْ كلُّ خُلُقٍ كريمٍ، وعَمَلٍ مستقيمٍ.

قالَ اللهُ تعالى: {وَاذْكُرْ إسماعيلَ وَالْيَسَعَ} الآيةَ.

أيْ: واذكرْ هؤلاءِ الأنبياءِ بأحسنِ الذِّكْرِ، وأثنِ عليهِم أحسنَ الثناءِ، فإنَّ كُلَّا منهم مِن الأخيارِ الذينَ اختارَهم اللهُ مِن خلقِهِ، واختارَ لهم أكملَ الأحوالِ مِن الأعمالِ والأخلاقِ والصفاتِ الحميدةِ والخِصالِ السَّديدةِ.

قال الله تعالى: {هَذَا ذِكْرٌ}

الشيخ : إلى هنا.