بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الفرقان بين الحق والباطل) لابن تيميّة
الدّرس الثّاني
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ لله ربّ العالمين، وصلّى الله وسلّمَ وباركَ على نبيّنا محمّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، اللّهم اغفر لنا ولشيخنا يا ربَّ العالمين، قَالَ شَيْخُ الْإِسلَام -رحمه الله تعالى- في كتابه "الفرقان بين الحق والبطلان": وَمِنْ الْفُرْقَانِ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ أَهْلِ الْحَقِّ الْمُهْتَدِينَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُصْلِحِينَ..
– الشيخ: في راء مُشدَّدَة، فَرَّق عندك؟
– القارئ: أحسن الله إليك، نعم..
– الشيخ: هو في الحقيقة، الظّاهر أنّ الأفصحَ والفصيح "فَرَقَ"؛ لأنّ الفُرقانَ: مصدر فَرَقَ فُرقاناً يَفرِقُ، يَفرِقُ بين الحقِّ والباطل، ولكن اللي غَلَبَ على ألسُنِ النّاس التعبير بفرَّق، التفريق يُفرِّق أو ما يُفرِّق.
– القارئ: أحسن الله إليكم، ومن "الْفُرْقَانِ" أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ أَهْلِ الْحَقِّ الْمُهْتَدِينَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُصْلِحِينَ أَهْلِ الْحَسَنَاتِ، وَبَيْنَ أَهْلِ الْبَاطِلِ الْكُفَّارِ الضَّالِّينَ الْمُفْسِدِينَ أَهْلِ السَّيِّئَاتِ.
قَالَ تَعَالَى: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاءً مَحْيَاهُمْ وَمَمَاتُهُمْ سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ [الجاثية:21]
وَقَالَ تَعَالَى: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [ص:28]
وَقَالَ تَعَالَى: أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ*كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ [القلم:35-36]
وَقَالَ تَعَالَى: مَثَلُ الْفَرِيقَيْنِ كَالْأَعْمَى وَالْأَصَمِّ وَالْبَصِيرِ وَالسَّمِيعِ هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا أَفَلَا تَذَكَّرُونَ [هود:24]
وَقَالَ تَعَالَى: أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ [الزمر:9]
وَقَالَ تَعَالَى: وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ*وَلَا الظُّلُمَاتُ وَلَا النُّورُ*وَلَا الظِّلُّ وَلَا الْحَرُورُ*وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلَا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ*إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ*إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا [فاطر:19-24]
وَقَالَ تَعَالَى: أَوَمَنْ كَانَ مَيْتًا فَأَحْيَيْنَاهُ وَجَعَلْنَا لَهُ نُورًا يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا [الأنعام:122]
وَقَالَ تَعَالَى: أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لَا يَسْتَوُونَ [السجدة:18]
– القارئ: فَهُوَ سُبْحَانَهُ بَيَّنَ الْفَرْقَ بَيْنَ أَشْخَاصِ أَهْلِ الطَّاعَةِ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ، وَالْمَعْصِيَةِ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ، كَمَا بيَّن..
– الشيخ: شوي شوي، بين أشخاص؟
– القارئ: أي نعم يا شيخ
– الشيخ: اي بين أشخاص
– القارئ: بَيْنَ أَشْخَاصِ أَهْلِ الطَّاعَةِ لِلَّهِ و..
– الشيخ: بيَّن، بيَّن …
– القارئ: فَهُوَ سُبْحَانَهُ بَيَّنَ الْفَرْقَ بَيْنَ أَشْخَاصِ أَهْلِ الطَّاعَةِ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ، وَالْمَعْصِيَةِ..
– الشيخ: لا، لا، وأشخاصِ، قل: وأشخاصِ
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليك، وأشخاصِ، يُقال..
– الشيخ: يقول
– القارئ: فهو سبحانه..
– الشيخ: بيَّن..
– القارئ: الفرق..
– الشيخ: بيْنَ
– القارئ: بيْن أشخاصِ أهلِ ..
– الشيخ: "بيْنَ" آه، بين أشخاص
– القارئ: بَيْنَ أَشْخَاصِ أَهْلِ الطَّاعَةِ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ..
– الشيخ: وأشخاص
– القارئ: أحسنِ اللهُ إليك، بَيْنَ أَشْخَاصِ أَهْلِ الطَّاعَةِ لِلَّهِ وَأشخاص الطا
– الشيخ: بين أشخاص
– القارئ: فَهُوَ سُبْحَانَهُ بَيَّنَ الْفَرْقَ بَيْنَ أَشْخَاصِ أَهْلِ الطَّاعَةِ لِلَّهِ وَالرَّسُولِ..
– الشيخ: انتهت الجملة؟
– القارئ: أي نعم
– الشيخ: ايش بعدها؟
– القارئ: والمعصية
– الشيخ: وأشخاص
– القارئ: أحسن الله إليك، وأشخاصِ المعصيةِ لله والرّسول
– الشيخ: لأ، أهل
– القارئ: أحسن الله إليك.
– الشيخ: مهو بالأوّل أهل؟
– القارئ: بلى
– الشيخ: الثانيةُ مثلُها، لابد تقول كذا
– القارئ: جزاكَ الله خير، أحسنَ الله إليك
– الشيخ: حُطَّهَا، اكتُبْهَا، ما يستقيمُ وأشخاص، بين أشخاص، بيَّن الفرق بين أشخاص
– القارئ: أهلِ الطّاعةِ للهِ والرّسول
– الشيخ: والرّسولِ وأشخاصِ
– القارئ: وأشخاصِ أهلِ المعصيةِ لله والرسول
– الشيخ: تمام، وَضَحَ الفرْق؟
– القارئ: نعم، أحسنَ اللهُ إليك، كما بَيَّنَ سبحانه الْفَرْقَ بَيْنَ مَا أَمَرَ بِهِ وَبَيْنَ مَا نَهَى عَنْهُ. وَأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ بَيَّنَ الْفَرْقَ بَيْنَ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ، وَأَنَّ الْمَخْلُوقَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُسَوِّيَ بَيْنَ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ فِي شَيْءٍ، فَيَجْعَلَ الْمَخْلُوقَ نِدًّا لِلْخَالِقِ، قَالَ تَعَالَى: وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ [البقرة:165]
وَقَالَ تَعَالَى: هَلۡ تَعۡلَمُ لَهُۥ سَمِيّا وقال تعالى: وَلَمۡ يَكُن لَّهُۥ كُفُوًا أَحَدُۢ وقال تعالى: لَيۡسَ كَمِثۡلِهِۦ شَيۡء وَضَرَبَ الْأَمْثَالَ فِي الْقُرْآنِ عَلَى مَنْ لَمْ يُفَرِّقْ؛ بَلْ عَدَلَ بِرَبِّهِ وَسَوَّى بَيْنَهُ وَبَيْنَ خَلْقِهِ؛ كَمَا قَالُوا -وَهُمْ فِي النَّارِ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا-: تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ * إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:97-98]
– الشيخ: جعلها آيتين، ولّا آية، ولّا ايش؟
– القارئ: لبيك يا شيخ
– الشيخ: يَصْطرخون، هذي آية، جعلها آية؟
– القارئ: يصطرخون
– الشيخ: هذه، اقرأ اقرأ
– القارئ: تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [الشعراء:97]
– الشيخ: لا، اللي قبل
– القارئ: لا لا ليست آيةً يا شيخ، كَمَا قَالُوا -وَهُمْ فِي النَّارِ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا-
– الشيخ: ايش؟
– القارئ: ثم ذكر الآية
– الشيخ: كما قالوا
– القارئ: كَمَا قَالُوا -وَهُمْ فِي النَّارِ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا- ثم ذكر الآية تَاللَّهِ إِنْ كُنَّا لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ*إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ [الشعراء:97-98] وَقَالَ تَعَالَى: أَفَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لَا يَخْلُقُ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ*وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ*وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ*وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ*شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ [النحل:17-21] فَهُوَ سُبْحَانَهُ الْخَالِقُ الْعَلِيمُ الحق..
– الشيخ: كلُّ هذهِ الآياتِ يسُوقُها الشّيخُ ويستشهِدُ بها على أنّ الله بيَّنَ الفرْق بين هذه الأضداد، بين أوليائِه أهلِ طاعتِه وطاعةِ رسولِه، وبينَ أعدائِه أهلِ معصيتِه ومعصيةِ الرّسول، وبيَّن الفرقَ بين ما يُحبُّه ويرضاه، ويُسْخِطه ويُبغِضه، كما بيَّن الفرقَ بين الخالقِ والمخلوق، هذا أعظم، أعظمُ تباينٍ بين الخالقِ والمخلوق. استشهدَ بالآيات الّتي يعني، نزَّهَ نفسَه عن التّسوية بين أوليائِه وأعدائِه، أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ [القلم:35] أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ [ص:28]، فهو تعالى لا يُسوِّي بين الأضداد، بل يُسوِّي بين المُتماثلات ويُميِّز بين المُختلِفات.
وما يستوي الأعمى والبصير، والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المُفسدين، فهذا مُوجب الحِكمة، الحِكمةُ تقتضي الفرقَ بين المُختلِفاتِ والتَّسويةَ بين المُتماثلات، وهذا هو الذي يفعلُه الرّبُّ سبحانَه أَفَمَن يَخۡلُقُ كَمَن لَّا يَخۡلُقُۚ ولهذا أنكرَ على المشركين فَلَا تَجۡعَلُواْ لِلَّهِ أَندَادا فمنْ سوَّى المخلوقَ بالخالق، فقد وقعَ في أعظم ذنبٍ، نعم، تابع.
– القارئ: أحسن الله إليكم، فَهُوَ سُبْحَانَهُ الْخَالِقُ الْعَلِيمُ الْحَقُّ الْحَيُّ الَّذِي لَا يَمُوتُ، وَمَنْ سِوَاهُ لَا يَخْلُقُ شَيْئًا كَمَا قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ*مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ [الحج:73-74]
وَهَذَا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ، فَإِنَّ الذُّبَابَ مِنْ أَصْغَرِ الْمَوْجُودَاتِ، وَكُلُّ مَنْ يُدْعَى مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ ذُبَابًا وَلَوْ اجْتَمَعُوا لَهُ، وَإِنْ يَسْلُبْهُمْ الذُّبَابُ شَيْئًا لَا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ. فَإِذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ لَا يَخْلُقُونَ ذُبَابًا وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى انْتِزَاعِ مَا يَسْلُبُهُمْ؛ فَهُمْ عَنْ خَلْقِ غَيْرِهِ وَعَنْ مُغَالَبَتِهِ أَعْجَزُ وَأَعْجَزُ. وَالْمَثَلُ: هُوَ الْأَصْلُ وَالنَّظِيرُ الْمُشَبَّهُ بِهِ، كَمَا قَالَ: وَلَمَّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلًا إِذَا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ [الزخرف:57] أَيْ لَمَّا جَعَلُوهُ نَظِيرًا قَاسُوا عَلَيْهِ آلِهَتَهُمْ، وَقَالُوا: إذَا كَانَ قَدْ عُبِدَ وَهُوَ لَا يُعَذَّبُ فَكَذَلِكَ آلِهَتُنَا..
…
أحسن الله إليكم قال رحمه الله: فَضَرَبُوهُ مَثَلًا لِآلِهَتِهِمْ، وَجَعَلُوا يَصِدُّونَ: أَيْ: يَضِجُّونَ وَيَعْجَبُونَ مِنْهُ احْتِجَاجًا بِهِ عَلَى الرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم. وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ آلِهَتِهِمْ ظَاهِرٌ كَمَا بَيَّنَهُ فِي قَوْله تَعَالَى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ [الأنبياء:101]
وَقَالَ فِي فِرْعَوْنَ: فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ [الزخرف:56]، أَيْ مَثَلًا يُعْتَبَرُ بِهِ وَيُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، فَمَنْ عَمِلَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ جُوزِيَ بِجَزَائِهِ؛ لِيَتَّعِظَ النَّاسُ بِهِ فَلَا يُعْمَلُ بِمِثْلِ عَمَلِه.
وَقَالَ تَعَالَى: وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ آيَاتٍ مُبَيِّنَاتٍ وَمَثَلًا مِنَ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ [النور:34]، وَهُوَ مَا ذَكَرَهُ مِنْ أَحْوَالِ الْأُمَمِ الْمَاضِيَةِ الَّتِي يُعْتَبَرُ بِهَا وَيُقَاسُ عَلَيْهَا أَحْوَالُ الْأُمَمِ الْمُسْتَقْبَلَةِ.
كَمَا قَالَ تعالى: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [يوسف:111]، فَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْإِيمَانِ قِيسَ بِهِمْ وَعَلِمَ أَنَّ اللَّهَ يُسْعِدُهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَمَنْ كَانَ مِنْ أَهْلِ الْكُفْرِ قِيسَ بِهِمْ وَعَلِمَ أَنَّ اللَّهَ يُشْقِيهِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، كَمَا قَالَ فِي حَقِّ هَؤُلَاءِ: أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ أَمْ لَكُمْ بَرَاءَةٌ فِي الزُّبُرِ [القمر:43]، وَقَدْ قَالَ..
– الشيخ: سُنَّةٌ، هذه سنَّةٌ كونيّة، وهو نصرُه تعالى لأوليائِه، لأنبيائِه وأوليائِه، وإهلاكُه لأعدائِه وأعداءِ رُسُلِه، هذه سُنَّةٌ لا تتبدَّل، فاللهُ ناصرٌ حزبَه وأوليائَه وأنبيائَه، وهو مُهلك ٌأعدائه، لكن قد يُبتلَى الرُّسلُ والمؤمنون، ويُستدرَج الكافرون ويُمكَر بهم، فليس لأحدٍ أنْ يحتجَّ ويقول: هؤلاءِ كَفَرَةٌ ولم يُصبْهُم، ولم يُهلَكُوا! لا لا، الشقيُّ إذا أُمهِلَ فذلك الاستدراجُ، ليس لكرامةٍ ولهذا بيّن سبحانه: وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا [آل عمران:178]
وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ [الأعراف:182] وَيَمۡكُرُونَ وَيَمۡكُرُ ٱللَّهُۖ وَٱللَّهُ خَيۡرُ ٱلۡمَٰكِرِينَ [الأنفال:30] الله أكبر.
– القارئ: أحسن الله إليكم، وقد قال سبحانه: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [آل عمران:137]
وَقَالَ فِي حَقِّ الْمُؤْمِنِينَ: وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ [النور:55]
وَقَالَ سبحانه: وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ [الأنبياء:87-88] وَقَالَ فِي قِصَّةِ أَيُّوبَ: رَحۡمَة مِّنۡ عِندِنَا وَذِكۡرَىٰ لِلۡعَٰبِدِينَ [الأنبياء:84]
وقال سبحانه: رَحْمَةً مِنَّا وَذِكْرَى لِأُولِي الْأَلْبَابِ [ص:43] وَقَالَ سبحانه: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ [الأنعام:90]
وَقَالَ سبحانه: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ [البقرة:214] وَقَالَ سبحانه: وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ [هود:120]
فَلَفْظُ "الْمَثَلِ" يُرَادُ بِهِ النَّظِيرُ الَّذِي يُقَاسُ عَلَيْهِ وَيُعْتَبَرُ بِهِ، وَيُرَادُ بِهِ مَجْمُوعُ الْقِيَاسِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ [يس:78]، أَيْ لَا أَحَدَ يُحْيِيهَا وَهِيَ رَمِيمٌ. فَمَثَّلَ الْخَالِقَ بِالْمَخْلُوقِ فِي هَذَا..
– الشيخ: ايش هذا؟
– القارئ: فمثَّل، بتشديد الثاء
– الشيخ: لا، اللي قبلَها
– القارئ: أَيْ لَا أَحَدَ يُحْيِيهَا وَهِيَ رَمِيمٌ..
– الشيخ: … وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ هذا يقولُه الكافرُ. ذُكر أنّ أحدَ كَفَرةِ قريشٍ، جاء مُعترضاً على الرسول -صلى الله عليه وسلم- من يُحيي العظامَ وهي رميم؟ "استفهام إنكاري"، أي: لا أحد، مثل: من أظلم؟ ومن أظلم ممن افترى؟ اش معنى ومَنْ أظلم؟ أيْ: لا أحدَ أظلمُ. هذا الشّقيّ يقول: من يحيي العظامَ وهي رميم؟ لا أحد … على كلامه، فهو استفهام إنكاري معناه النفي. جاء الرد: قُلۡ يُحۡيِيهَا ٱلَّذِيٓ أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّة هذا الذي أنشأَهَا أوّلَ مرّةٍ هو يُحيِيها.
– القارئ: أحسن الله إليكم، فَمَثَّلَ الْخَالِقَ بِالْمَخْلُوقِ فِي هَذَا النَّفْيِ، فَجَعَلَ هَذَا مِثْلَ هَذَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إحْيَائِهَا سَوَاءٌ نَظَمَهُ فِي قِيَاسِ تَمْثِيلٍ أَوْ قِيَاسِ شُمُولٍ كَمَا قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَبُيِّنَ أَنَّ مَعْنَى الْقِيَاسَيْنِ قِيَاسِ الشُّمُولِ وَقِيَاسِ التَّمْثِيلِ [وَاحِدٌ] -وَالْمَثَلُ الْمَضْرُوبُ الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ-، فَإِذَا قُلْتَ: النَّبِيذُ مُسْكِرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَأَقَمْت الدَّلِيلَ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ الْكُبْرَى بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ" فَهُوَ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيَاسًا عَلَى الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ إنَّمَا حُرِّمَتْ لِأَجْلِ الإِسكَارِ وهو..
– الشيخ: أعد، أعد
– القارئ: فَإِذَا قُلْتَ: النَّبِيذُ مُسْكِرٌ وكلّ مُسكر..
– الشيخ: لا، "وقد بُسط" قِفْ على هذا.