بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الفُرقان بينَ الحقِّ والباطلِ) لابن تيميّة
الدّرس الثّالث
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ لله ربّ العالمين، وصلّى الله وسلّمَ وباركَ على نبيّنا محمّدٍ وعلى آله وصحبه أجمعين، قَالَ شيخُ الإِسلام -رحمهُ اللهُ تعالى- في كتابه "الفرقانُ بين الحقِّ والباطل":
فلفظُ "المِثْلِ" يُرَادُ بِهِ النَّظِيرُ الَّذِي يُقَاسُ عَلَيْهِ وَيُعْتَبَرُ بِهِ، وَيُرَادُ بِهِ مَجْمُوعُ الْقِيَاسِ، قَالَ سُبْحَانَهُ: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ [يس: 78]
– الشيخ: فلفظُ ..
– القارئ: قال: فلفظُ "المِثْلِ"
– الشيخ: كأنّها "المَثَل" عندكَ مضبوطة؟
– القارئ: لا ما هي مشكولة يا شيخ
– الشيخ: "المَثَل" أحسن
– طالب: عندي مضبوطة "المِثْل"
– الشيخ: عندك "المِثْل"؟
– طالب: اي
– الشيخ: لأنّ" المِثْل" هو الصحيحُ والنّظير، لكن "المَثَل" هو القياس، فكأنّه يُناسبُ أن تكون: "فلفظُ المَثَل"، فلفظ المِثْلِ هو النظير، وش بعده؟ فلفظ المِثْل هو النظير.
– القارئ: نعم قال: فَلَفْظُ "الْمِثْلِ" يُرَادُ بِهِ النَّظِيرُ..
– الشيخ: يُراد به النَّظير
– القارئ: الَّذِي يُقَاسُ عَلَيْهِ..
– الشيخ: الَّذِي يُقَاسُ عَلَيْهِ، "المِثْل": هو النَّظير الذي يُقاس عليه. إلى هنا زينة، اش بعده؟
– القارئ: وَيُعْتَبَرُ بِه..
– الشيخ: صح، بعده
– القارئ: وَيُرَادُ بِهِ مَجْمُوعُ الْقِيَاسِ، قَالَ سُبْحَانَهُ..
– الشيخ: في الحقيقة مجموع القياس هو المَثَلْ، وتلك
– طالب: في نسخة أخرى المَثَل
– الشيخ: شو يقول؟
– طالب: فَلَفْظُ "الْمَثَلِ" يُرَادُ بِهِ النَّظِيرُ الَّذِي يُقَاسُ عَلَيْهِ وَيُعْتَبَرُ بِهِ وَيُرَادُ بِهِ مَجْمُوعُ الْقِيَاسِ.
– الشيخ: كأن هذا أنسب، نعم، عندك نسخة يعني؟
– طالب: أي يا شيخ
– الشيخ: هي فيها تردُّد، الكلمة الأولى فيها تردُّد، نعم، بعدها
– القارئ: أحسن الله إليك، قَالَ سُبْحَانَهُ: وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ [يس:78]
– الشيخ: شوف مثلاً في القرآن مثلاً، وضرب لنا مثلاً: هو القياس، ونسيَ خلقَه، كأنّ المَثَل
– القارئ: قَالَ مَن يُحۡيِ ٱلۡعِظَٰمَ وَهِيَ رَمِيم أَيْ: لَا أَحَدَ يُحْيِيهَا وَهِيَ رَمِيمٌ. فَمَثَّلَ الْخَالِقَ بِالْمَخْلُوقِ فِي هَذَا النَّفْيِ، فَجَعَلَ هَذَا مِثْلَ هَذَا لَا يَقْدِرُ عَلَى إحْيَائِهَا، سَوَاءٌ نَظَمَهُ فِي قِيَاسِ تَمْثِيلٍ أَوْ قِيَاسِ شُمُولٍ كَمَا قَدْ بُسِطَ الْكَلَامُ عَلَى هَذَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ وَبُيِّنَ أَنَّ مَعْنَى الْقِيَاسَيْنِ قِيَاسِ الشُّمُولِ وَقِيَاسِ التَّمْثِيلِ وَاحِدٌ -وَالْمَثَلُ الْمَضْرُوبُ الْمَذْكُورُ فِي الْقُرْآنِ- فَإِذَا قُلْت..
– الشيخ: قِيَاسِ التَّمْثِيلِ وَقِيَاسِ الشُّمُولِ، يُريد قياس التَّمثيل هو القياس الفقهي: قياس فرعٍ، إلحاقُ فرعٍ بأصلٍ في حكمٍ لجامع، يُمثل له يقول: كقياس النبيذ على الخمر في حُكم التحريم بجامعِ الإسكار، هذا إذا صُغْتَهُ هكذا فاسمه قياس تمثيل، وإذا قُلْت: كلُّ النبيذِ مُسكرٌ، وكلّ مُسكرٍ حرامٌ، فهذا قياسُ شمول، فالاختلافُ بين قياسِ التّمثيلِ وقياسِ الشّمولِ هو الأسلوبُ والنّظمُ، أنْ تَنْظِمَ القياسَ بشكلِ قياسِ تمثيل، أو بشكلِ قياسِ شمول، فلهذا يقول: كلاهما واحدٌ، يعني في الطّريقةِ والصّياغة.
– القارئ: أحسن الله إليكم، فإذا قلتَ: النَّبِيذُ مُسْكِرٌ وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ، وَأَقَمْت الدَّلِيلَ عَلَى الْمُقَدِّمَةِ الْكُبْرَى بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ) فَهُوَ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيَاسًا عَلَى الْخَمْرِ؛ لِأَنَّ الْخَمْرَ إنَّمَا حُرِّمَتْ لِأَجْلِ الْإِسْكَارِ وهُوَ مَوْجُودٌ فِي النَّبِيذِ. فَقَوْلُهُ: ضُرِبَ مَثَل فَٱسۡتَمِعُواْ لَهُ جَعَلَ مَا هُوَ مِنْ أَصْغَرِ الْمَخْلُوقَاتِ مَثَلًا وَنَظِيرًا يُعْتَبَرُ بِهِ، فَإِذَا كَانَ أَدْوَنُ خَلْقِ اللَّهِ..
– الشيخ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا [الحج:73] نعم، فجعلَ فجعلَ..
– القارئ: جَعَلَ مَا هُوَ مِنْ أَصْغَرِ الْمَخْلُوقَاتِ مَثَلًا وَنَظِيرًا يُعْتَبَرُ بِهِ، فَإِذَا كَانَ أَدْوَنُ خَلْقِ اللَّه لَا يَقْدِرُونَ عَلَى خَلْقِهِ وَلَا مُنَازَعَتِهِ؛ فَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى خَلْقِ مَا سِوَاهُ، فَيُعْلَمُ بِهَا مِنْ عَظَمَةِ الْخَالِقِ وَأَنَّ كُلَّ مَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا يَقْدِرُونَ عَلَى مَا هُوَ أَصْغَرُ مَخْلُوقَاتِهِ. وَقَدْ قِيلَ..
– الشيخ: على؟
– القارئ: عَلَى مَا هُوَ أَصْغَرُ مَخْلُوقَاتِهِ..
– الشيخ: مِن بعدها، ما هو من أصغر
– القارئ: أحسن الله إليك، لَا يَقْدِرُونَ عَلَى مَا هُوَ من أَصْغَرِ مَخْلُوقَاتِهِ.
– الشيخ: وهو الذباب يعني، نعم
– القارئ: أحسن الله إليك، وَقَدْ قِيلَ: إنَّهُمْ جَعَلُوا آلِهَتَهُمْ مَثَلًا لِلَّهِ فَاسْتَمَعُوا لِذِكْرِهَا؛ وَهَذَا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَفْقَهُوا الْمَثَلَ الَّذِي ضَرَبَهُ اللَّهُ جَعَلُوا الْمُشْرِكِينَ هُمْ الَّذِينَ ضَرَبُوا هَذَا الْمَثَلَ. وَمِثْلُ هَذَا فِي الْقُرْآنِ قَدْ ضَرَبَهُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ أَنَّهُ لَا يُقَاسُ الْمَخْلُوقُ بِالْخَالِقِ وَيُجْعَلُ لَهُ نِدًّا وَمَثَلًا كَقَوْلِهِ: قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ * فَذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ * كَذَلِكَ حَقَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ عَلَى الَّذِينَ فَسَقُوا أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ * قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ قُلِ اللَّهُ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ * قُلْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ قُلِ اللَّهُ يَهْدِي لِلْحَقِّ أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ * وَمَا يَتَّبِعُ أَكْثَرُهُمْ إِلَّا ظَنًّا إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ [يونس:31-36]
وَلَمَّا قَرَّرَ الْوَحْدَانِيَّةَ قَرَّرَ النُّبُوَّةَ كَذَلِكَ فَقَالَ: وَمَا كَانَ هَٰذَا ٱلۡقُرءَانُ أَن يُفتَرَىٰ مِن دُونِ ٱللَّهِ وَلَٰكِن تَصدِيقَ ٱلَّذِي بَينَ يَدَيهِ وَتَفصِيلَ ٱلكِتَٰبِ لَا رَيبَ فِيهِ مِن رَّبِّ ٱلعَٰلَمِينَ * أَمۡ يَقُولُونَ ٱفۡتَرَىٰهُۖ قُل فَأتُواْ بِسُورَة مِّثلِهِۦ وَٱدعُوا مَنِ ٱستَطَعۡتُم مِّن دُونِ ٱللَّهِ إِن كُنتُمۡ صَٰدِقِينَ * بَل كَذّبُوا بِمَا لَمۡ يُحِيطُواْ بِعِلمِهِۦ وَلَمَّا يَأتِهِمۡ تَأوِيلُه [يونس:37-39]
وَهَؤُلَاءِ مَثَّلُوا الْمَخْلُوقَ بِالْخَالِقِ، وَهَذَا مِنْ تَكْذِيبِهِمْ إيَّاهُ، وَلَمْ يَكُنْ الْمُشْرِكُونَ يُسَوُّونَ بَيْنَ آلِهَتِهِمْ وَبَيْنَ اللَّهِ فِي كُلِّ شَيْءٍ، بَلْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْخَالِقُ الْمَالِكُ لَهُمْ وَهُمْ مَخْلُوقُونَ مَمْلُوكُونَ لَهُ، وَلَكِنْ كَانُوا يُسَوُّونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فِي الْمَحَبَّةِ وَالتَّعْظِيمِ وَالدُّعَاءِ وَالْعِبَادَةِ وَالنَّذْرِ لَهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ مِمَّا يُخَصُّ بِهِ الرَّبُّ جلَّ وعلا. فَمَنْ عَدَلَ بِاَللَّهِ غَيْرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَهُوَ مُشْرِكٌ، بِخِلَافِ مَنْ لَا يَعْدِلُ بِهِ وَلَكِنْ يُذْنِبُ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِأَنَّ اللَّهَ رَبُّهُ وَحْدَهُ وَخُضُوعُهُ لَهُ خَوْفًا مِنْ عُقُوبَةِ الذَّنْبِ؛ فَهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ لَا يَعْتَرِفُ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ.
فَصْلٌ: وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَمَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْأُمُورِ..
– الشيخ: هذا يُفرِّق، هذا الذي يعصي ويُقِرُّ على نفسِهِ بالمعصيةِ ويخافُ ويخضعُ لربه، يعني بالخوف منه، هذا يُفرَّق بينَه وبين المُستحِل؛ لأنّ المُستحِلَّ لم يخضعْ لِحُكم الله، فيُفرِّق بين العاصي المُذنِب المُقِرّ على نفسه، المُقرُّ بتحريمِ هذا العملِ، وبين من لا يُحرِّمُ ما حرَّمَهُ الله، ولا يرى، وإذا فعل ذلك لا يرى أنه قد أذنبَ وأساء، أَعِد الجملةَ حتى يكون..
– القارئ: أحسن الله إليكم، قال رحمه الله: فَمَنْ عَدَلَ بِاَللَّهِ غَيْرَهُ فِي شَيْءٍ مِنْ خَصَائِصِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَهُوَ مُشْرِكٌ، بِخِلَافِ مَنْ لَا يَعْدِلُ بِهِ وَلَكِنْ يُذْنِبُ مَعَ اعْتِرَافِهِ..
– الشيخ: يعني المُوحِّد، المُوحِّد يعصي، تكون منه المعصية، لكنه ليس بمُشرِك، نعم، بخلاف مَن ..
– القارئ: بِخِلَافِ مَنْ لَا يَعْدِلُ بِهِ، وَلَكِنْ يُذْنِبُ مَعَ اعْتِرَافِهِ بِأَنَّ اللَّهَ رَبُّهُ وَحْدَهُ وَخُضُوعُهُ لَهُ خَوْفًا مِنْ عُقُوبَةِ الذَّنْبِ فَهَذَا يُفَرَّقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَنْ لَا يَعْتَرِفُ بِتَحْرِيمِ ذَلِكَ.
فَصْلٌ: وَهُوَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كَمَا يُفَرِّقُ بَيْنَ الْأُمُورِ الْمُخْتَلِفَةِ؛ فَإِنَّهُ يَجْمَعُ وَيُسَوِّي بَيْنَ الْأُمُورِ الْمُتَمَاثِلَةِ، فَيَحْكُمُ فِي الشَّيْءِ خَلْقًا وَأَمْرًا بِحُكْمِ مِثْلِهِ، لَا يُفَرِّقُ بَيْنَ مُتَمَاثِلَيْنِ وَلَا يُسَوِّي بَيْنَ شَيْئَيْنِ غَيْرِ مُتَمَاثِلَيْنِ، بَلْ إنْ كَانَا مُخْتَلِفَيْنِ مُتَضَادَّيْنِ لَمْ يُسَوِّ بَيْنَهُمَا.
وَلَفْظُ " الِاخْتِلَافِ " فِي الْقُرْآنِ يُرَادُ بِهِ التَّضَادُّ وَالتَّعَارُضُ؛ لَا يُرَادُ بِهِ مُجَرَّدُ عَدَمِ التَّمَاثُلِ -كَمَا هُوَ اصْطِلَاحُ كَثِيرٍ مِنْ النُّظَّارِ- وَمِنْهُ قَوْلُهُ: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [النساء:82] وقوله..
– الشيخ: قف على هذا الموضع بداية الكلام "والاختلاف"
– القارئ: أحسن الله إليكم
– الشيخ: عندك والاختلاف؟
– القارئ: ولفظُ الاختلاف في القرآنِ
– الشيخ: ولفظُ الاختلافِ في القرآنِ، نعم.
– القارئ: جزاك الله خيرا.