بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الفُرقان بينَ الحقِّ والباطلِ) لابن تيميّة
الدّرس الرّابع
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّم وباركَ على نبيّنا محمّد وعلى آلهِ وصحبِه أجمعين، اللهُمَّ اغفرْ لنا ولشيخنا يا ربَّ العالمين، قَالَ شَيْخُ الْإِسلَامِ رحمهُ اللهُ تعالى:
وَلَفْظُ "الِاخْتِلَافِ" فِي الْقُرْآنِ يُرَادُ بِهِ التَّضَادُّ وَالتَّعَارُضُ، لَا يُرَادُ بِهِ مُجَرَّدُ عَدَمِ التَّمَاثُلِ -كَمَا هُوَ اصْطِلَاحُ كَثِيرٍ مِنْ النُّظَّارِ – وَمِنْهُ قَوْلُهُ تعالى: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [النساء:82]
– الشيخ: الله أكبر، يعني الشّيخُ يذكرُ أنّ الاختلافَ نوعان: اختلافُ تنوُّعٍ كالاختلافِ في القراءاتِ وفي وجوهِ التّفسير، واختلافُ تضاد، وهذا هو الجاري بين أهلِ العلم، يعني تارةً يكونُ الاختلافُ اختلافَ تنوّعٍ، وهذا ليس بمُشكِل، أحياناً يكونُ الاختلافُ تَضَاد، والشّيخُ هنا يقول: أنّ الاختلافَ المذكورَ في القرآن هو اختلافُ التّضاد، وهو الذي نزَّهَ اللهُ عنه كتابَه وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [النساء:82] إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ [الذاريات:8]، ذلكَ بأنَّهم.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، وَقَوْلُهُ تعالى: إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ*يُؤْفَكُ عَنْهُ مَنْ أُفِكَ [الذاريات:8-9]، وَقَوْلُهُ سبحانه: وَلَٰكِنِ ٱختَلَفُواْ فَمِنهُم مَّن ءَامَنَ وَمِنهُم مَّن كَفَرَ [البقرة:253]
– الشيخ: الاختلافُ بين المؤمنينَ والكفارِ اختلافُ تَضَاد، نعم، فَمِنهُم مَّن ءَامَنَ وَمِنهُم مَّن كَفَر
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، وَقَدْ بَيَّنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّ السُّنَّةَ لَا تَتَبَدَّلُ وَلَا تَتَحَوَّلُ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ، وَالسُّنَّةُ: هِيَ الْعَادَةُ الَّتِي تَتَضَمَّنُ أَنْ يَفْعَلَ فِي الثَّانِي مِثْلَ مَا فَعَلَ بِنَظِيرِهِ الْأَوَّلِ؛ وَلِهَذَا أَمَرَ سُبْحَانَهُ..
– الشيخ: سنّتهُ الكونيّة فَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَبدِيلاۖ وَلَن تَجِدَ لِسُنَّتِ ٱللَّهِ تَحوِيلا [فاطر:43] قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ وَإِنْ يَعُودُوا فَقَدْ مَضَتْ سُنَّتُ الْأَوَّلِينَ [الأنفال:38] فسُنَّتُهُ في الماضيةِ الجاريةِ هي نصرُه وإنجاؤُهُ لأنبيائِه وأوليائِه، وإِهلاكُ أعدائِهم كما في قَصصِ الأنبياءِ.
– القارئ: أحسن الله إليكم، وَلِهَذَا أَمَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِالِاعْتِبَارِ وَقَالَ: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [يوسف:111]
وَالِاعْتِبَارُ أَنْ يُقْرَنَ الشَّيْءُ بِمِثْلِهِ فَيُعْلَمَ أَنَّ حُكْمَهُ مِثْلُ حُكْمِهِ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هَلَّا اعْتَبَرْتُمْ الْأَصَابِعَ بِالْأَسْنَانِ؟ فَإِذَا قَالَ: فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ [الحشر:2]، وَقَالَ: لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبَابِ [يوسف:111] أَفَادَ أَنَّ مَنْ عَمِلَ مِثْلَ أَعْمَالِهِمْ جُوزِيَ مِثْلَ جَزَائِهِمْ؛ لِيَحْذَرَ أَنْ يَعْمَلَ مِثْلَ أَعْمَالِ الْكُفَّارِ؛ وَلِيَرْغَبَ فِي أَنْ يَعْمَلَ مِثْلَ أَعْمَالِ الْمُؤْمِنِينَ أَتْبَاعِ الْأَنْبِيَاءِ، قَالَ تَعَالَى: قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ سُنَنٌ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ [آل عمران:137]
وَقَالَ تَعَالَى: وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلَا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلًا [الإسراء:76-77]
وَقَالَ تَعَالَى: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا*مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا [الأحزاب: 60-62] وَهَذِهِ الْآيَةُ أَنْزَلَهَا اللَّهُ قَبْلَ الْأَحْزَابِ وَظُهُورِ الْإِسْلَامِ وَذُلِّ الْمُنَافِقِينَ فَلَمْ يَسْتَطِيعُوا أَنْ يُظْهِرُوا بَعْدَ هَذَا مَا كَانُوا يُظْهِرُونَهُ قَبْلَ ذَلِكَ، قَبْلَ بَدْرٍ وَبَعْدَهَا وَقَبْلَ أُحُدٍ وَبَعْدَهَا، فَأَخْفَوْا النِّفَاقَ وَكَتَمُوهُ؛ فَلِهَذَا لَمْ يَقْتُلْهُمْ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَبِهَذَا يُجِيبُ مَنْ لَمْ يَقْتُلْ الزَّنَادِقَةَ، وَيَقُولُ: إذَا أَخْفَوْا زَنْدَقَتَهُمْ لَمْ يُمْكِنْ قَتْلُهُمْ وَلَكِنْ إذَا أَظْهَرُوهَا قُتِلُوا بِهَذِهِ الْآيَةِ، بِقَوْلِهِ: مَلْعُونِينَ أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا * سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا [الأحزاب:61-62]
قَالَ قتادة: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ الْمُنَافِقِينَ كَانُوا يُظْهِرُونَ مَا فِي أَنْفُسِهِمْ مِنْ النِّفَاقِ فَأَوْعَدَهُمْ اللَّهُ بِهَذِهِ الْآيَةِ لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ [الأحزاب:60] إلى قوله: لَنُغرِيَنَّكَ بِهِم أي لنحملنَّك عليهم ولنحرِّشنَّك بهم، فَلَمَّا أَوْعَدَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ كتموا ذَلِكَ وَأَسرُّوه ثُمَّ لَا يُجَاوِرُونَكَ فِيهَا إِلَّا قَلِيلًا*ملعُونِين أي بالمدينة ملعونين، قال على كلِّ حال أَيْنَمَا ثُقِفُوا أُخِذُوا وَقُتِّلُوا تَقْتِيلًا قال: إذا هم أظهروا النّفاق سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا [الأحزاب:62]، يَقُولُ: هَكَذَا سُنَّةُ اللَّهِ فِيهِمْ إذَا أَظْهَرُوا النِّفَاقَ.
قَالَ مُقَاتِلُ بْنُ حَيَّانَ: قَوْلُهُ سبحانه: سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ يَعْنِي كَمَا قُتِلَ أَهْلُ بَدْرٍ وَأُسِرُوا فَذَلِكَ قَوْلُهُ: سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ
قَالَ السدي: كَانَ النِّفَاقُ عَلَى ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: نِفَاقٌ مِثْلُ نِفَاقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نَبْتَل وَمَالِكِ بْنِ دَاعِسٍ فكَانَ هَؤُلَاءِ وُجُوهًا مِنْ وُجُوهِ الْأَنْصَارِ..
– الشيخ: مثل نفاق عبد الله بن أبي، ايش بعد؟
– القارئ: مِثْلُ نِفَاقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أبي وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ نبتل..
– الشيخ: ابن نب..؟!
– القارئ: نَبْتَل
– الشيخ: نون، نبتل؟
– القارئ: إي نعم يا شيخ
قال يا شيخ: في نسخةٍ: عبد اللهِ بن نُفيل، وهو تصحيفٌ عن عبد الله بن نَبْتل، وذلك لأمرين:
– الشيخ: طيب، والثالث اللي بعد ابن نبتل؟
– القارئ: قال: ومالكُ بن دَاعِس.. أي نعم، قال: هو من كبارِ المنافقين في عهدِ النبيِّ، ونَزَلَ في ذمِّه آياتٌ مشهورةٌ..
قال: فَكَانَ هَؤُلَاءِ وُجُوهًا مِنْ وُجُوهِ الْأَنْصَارِ، فَكَانُوا يَسْتَحْيُونَ أَنْ يأتوا الزِّنَا، يَصُونُونَ بِذَلِكَ أَنْفُسَهُمْ. لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ قَالَ: الزِّنا، إنْ وَجَدُوهُ عَمِلُوه وَإِنْ لَمْ يَجِدُوهُ لَمْ يَبتغُوه. وَنِفَاقٌ يُكَابِرُونَ النِّسَاءَ مُكَابَرَةً، وَهُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يُكابِرون النِّسَاء لَنُغرِيَنَّكَ يقول: لنُعلِّمنَّكَ بهم، ثم افعل..
– الشيخ: … يقول لنُعَلِّمَنَّكْ، نعم بعدها
– القارئ: ثم قال: ملعونين، ثمّ فصَّل..
– الشيخ: ما عليها تعليقٌ "لنُعَلِّمَنَّك"؟
– القارئ: يقولُ أنّ فيها تصحيفٌ، يَجْلِسُونَ عَلَى الطَّرِيقِ، لكن صوَّبتُه وأتممتُه من تفسيرِ ابنِ أبي حاتم.
– طالب: …
– الشيخ: يجلسون على الطريق..
– طالب: … في نسخة وَ "نِفَاقٌ" يُكَابِرُونَ النِّسَاءَ مُكَابَرَةً، وَهُمْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ يَجْلِسُونَ عَلَى الطَّرِيقِ ثُمَّ قَالَ: مَّلعُونِينَ﴾
– الشيخ: ما في لنُعلِمَنَّك؟
– طالب: …
– الشيخ: أقول: ما في لَنُعَلِّمَنَّكَ أو نُعْلمَنَّكَ بهم؟
– طالب: لا لا، ما موجودة
– الشيخ: إي ما هي بواضحة، نعم
– القارئ: أحسن الله إليكم، ثمَّ قالَ سبحانَه: مَّلعُونِينَ ثُمَّ فَصَّلَه في الْآيَةُ أَينَ مَا ثُقِفُوٓاْ يَعْمَلُونَ هَذَا الْعَمَلَ مُكَابَرَةَ النِّسَاءِ أُخِذُواْ وَقُتِّلُواْ تَقتِيلا قَالَ السُّدّي: هَذَا حُكْمٌ فِي الْقُرْآنِ لَيْسَ يُعْمَلُ بِهِ، لَوْ أَنَّ رَجُلًا أَوْ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ اقْتَصُّوا أَثَرَ امْرَأَةٍ فَغَلَبُوهَا عَلَى نَفْسِهَا فَفَجَرُوا بِهَا، كَانَ الْحُكْمُ فِيهِمْ غَيْرَ الْجَلْدِ وَالرَّجْمِ؛ أَنْ يُؤْخَذُوا فَتُضْرَبَ أَعْنَاقُهُمْ. قَالَ السدي: قَوْلُهُ: {سُنَّةٍ} كَذَلِكَ كَانَ يُفْعَلُ بِمَنْ مَضَى مِنْ الْأُمَمِ، قَالَ: فَمَنْ كَابَرَ امْرَأَةً عَلَى نَفْسِهَا..
– الشيخ: كابرها يعني قَهَرَها وغلبها وفَجَرَ بها
– القارئ: أحسن الله إليكم، قَالَ: فَمَنْ كَابَرَ امْرَأَةً عَلَى نَفْسِهَا فَقُتِلَ فَلَيْسَ عَلَى قَاتِلِهِ دِيَةٌ لِأَنَّهُ مُكَابِرٌ. قُلْت: هَذَا عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يُقْتَلَ دَفْعًا لِصَوْلِهِ عَنْهَا، مِثْلَ أَنْ يَقْهَرَهَا، فَهَذَا دَخَلَ فِي قَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ قُتِلَ دُونَ حُرْمَتِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ)، وَهَذِهِ لَهَا أَنْ تَدْفَعَهُ بِالْقَتْلِ؛ لَكِنْ إذَا طَاوَعَتْ فَفِيهِ نِزَاعٌ وَتَفْصِيلٌ، وَفِيهِ قَضِيَّتَانِ مِنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ مَعْرُوفَتَانِ، وَأَمَّا إذَا فَجَرَ بِهَا..
– الشيخ: معروفتان، التعليق
– القارئ: قال: أمّا قصّةُ عمرَ بن الخطّاب فقد رواها عبد الرّزاقِ في مصنَّفِه، وابنُ أبي شيبة في مصنّفه، والبيهقيُّ في سننه، وهي أنّ رجلاً أضافَ إنساناً من هُذَيل، فذهبتْ جاريةٌ منهم تَحْتطبُ، فأرادها على نفسها، فرمتْهُ بفِهْرٍ فقتَلَتْهُ، فرُفعَ إلى عمرَ رضي الله عنه فقال: ذلك قتيلُ اللهِ، لا يُؤدَى أبدًا.
وأمّا قصّةُ عليّ بن أبي طالبٍ فقد رواها مالكُ والبيهقيُّ في سننه، وهي أنّ رجلاً من أهلِ الشّامِ يُقالُ له "ابن خيبري" وَجد مع امرأته رجلاً فقتَلَه أو قتلهما معاً، فسُئل عن حكمِهِ عليٌّ فقال: أنا أبو حسنٍ إنْ لم يأتِ بأربعةِ شهداءَ فليُعطَ بِرُمَّته. قال البغوي في تفسيرها في شرح السُّنَّة: أي يُسلَّمُ إلى أولياءِ القتيلِ ليقتُلوه، والرُّمَّة: الحبلُ الذي يُشدُّ به الأسيرُ إلى أن يُقتَل، أي يُسلَّم إليهم بحبلٍ في عنقِه.
وقال كذلك في شرح السنّة: والعملُ على هذا عند أهلِ العلمِ، أنّ من عضَّ رجلا ًلم يكن سبيلٌ إلى الخلاصِ منه إلا بقلعِ سِنِّه، أو قَصَدَ نفسَهُ فلم يُمكِنه دفعُهُ إلا بالقتل فقتَلَه، يكونُ دمُهُ هَدراً، لأنّه هو الذي اضطرَّه إلى ذلك، ومن جَنَى على نفسه، لا يُؤاخذُ به غيرُه، وكذلك لو قَصَدَ رجلٌ الفجورَ بامرأةٍ فدفَعَته عن نفسها فقتلتْهُ لا شيءَ عليها، انتهى.
– الشيخ: أجل، لا إله إلّا الله، يعني يُؤخذْ من هذا لو أنّ امرأةً صارت في مكانٍ، أو في وضعٍ تخافُ على نفسِهِا أن يُعتدَى عليها، لها أن تأخذَ السِّلاحَ، أن تأخُذَ معها السّلاحَ لتدفعَ.
– طالب: …
– الشيخ: ما عندها بيّنة، نعم
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، قال رحمهُ الله..
– الشيخ: يستعملوا قرائنَ ولا شي، مُلابَسات، نعم
– القارئ: قال رحمهُ اللهُ: وأَمَّا إذَا فَجَرَ بِهَا مُسْتَكْرِهًا وَلَمْ تَجِدْ مَنْ يُعِينُهَا عَلَيْهِ فَهَؤُلَاءِ نَوْعَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ يَكُونَ لَهُ شَوْكَةٌ كَالْمُحَارِبِينَ لِأَخْذِ الْمَالِ، وَهَؤُلَاءِ مُحَارِبُونَ لِلْفَاحِشَةِ فَيُقْتَلُوا، وقولُ السُّدّيِّ قَدْ قَالَهُ غَيْرُهُ، وَذَكَرَ أَبُو بكرِ بن العربي أَنَّ هَذِهِ جَرَتْ عِنْدَهُ، وَرَأَى أَنَّ هَؤُلَاءِ أَحَقُّ بِأَنْ يَكُونُوا مُحَارِبِينَ.
وَالثَّانِي: أَنْ لَا يَكُونُوا ذَوِي شَوْكَةٍ بَلْ يَفْعَلُونَ ذَلِكَ غِيلَةً وَاحْتِيَالًا حَتَّى إذَا صَارَتْ عِنْدَهُمْ الْمَرْأَةُ أَكْرَهُوهَا، فَهَذَا الْمُحَارِبُ غِيلَةً كَمَا قَالَ السُّدِّي يُقْتَلُ أَيْضًا، وَإِنْ كَانُوا جَمَاعَةً فِي الْمِصْرِ فَهُمْ كَالْمُحَارِبِينَ فِي الْمِصْرِ. وَهَذِهِ الْمَسَائِلُ لَهَا مَوَاضِعُ أُخَرُ، وَالْمَقْصُودُ: أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ..
– الشيخ: لها مواضعُ أخر، علَّقَ بشيء؟
– القارئ: لا يا شيخ
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ اللَّهَ أَخْبَرَ أَنَّ سُنَّتَهُ لَنْ تُبَدَّلَ وَلَنْ تَتَحَوَّلَ، وَسُنَّتُهُ: عَادَتُهُ الَّتِي يُسَوِّي فِيهَا بَيْنَ الشَّيْءِ وَبَيْنَ نَظِيرِهِ الْمَاضِي، وَهَذَا يَقْتَضِي..
– الشيخ: شرعاً وقَدَرَاً، سُنَّتُهُ لا تتبدَّلُ ولا تتحوّلُ، وهو أنَّ حُكْمُ الشيءِ حكمُ نظيرِهِ شرعاً وقدراً، ولأنّ هذا مُوجبُ الحِكمةِ، الحكمةُ وَضْعُ الأشياءِ في مواضعها، ومن ذلك التَّسْوِيةُ بين المتماثلات.
– القارئ: أحسن الله إليكم، قال رحمهُ الله: وهَذَا يَقْتَضِي أَنَّهُ سُبْحَانَهُ يَحْكُمُ فِي الْأُمُورِ الْمُتَمَاثِلَةِ بِأَحْكَامِ مُتَمَاثِلَةٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ: أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُولَئِكُمْ [القمر:43]
وَقَالَ: احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ [الصافات:22] أَيْ أَشْبَاهَهُمْ وَنُظَرَاءَهُمْ، وَقَالَ: وَإِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ [التكوير:7] قَرَنَ النَّظِيرَ بِنَظِيرِهِ.
وَقَالَ تَعَالَى: أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ [البقرة:214]
وَقَالَ: قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا [الممتحنة:4]
وَقَالَ: وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100] فَجَعَلَ التَّابِعِينَ لَهُمْ بِإِحْسَانٍ مُشَارِكِينَ لَهُمْ فِيمَا ذُكِرَ مِنْ الرِّضْوَانِ وَالْجَنَّةِ.
وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولَئِكَ مِنْكُمْ [الأنفال:75]
وَقَالَ تَعَالَى: وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ [الحشر:10]
وَقَالَ تَعَالَى: وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [الجمعة:3]
فَمَن اتَّبَعَ السَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ كَانَ مِنْهُمْ، وَهُمْ خَيْرُ النَّاسِ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ، فَإِنَّ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ خَيْرُ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ، وَأُولَئِكَ خَيْرُ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ كَمَا ثَبَتَ فِي الصِّحَاحِ مِنْ غَيْرِ وَجْهٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (خَيْرُ الْقُرُونِ الْقَرْنُ الَّذِي بُعِثْت فِيهِمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ)، وَلِهَذَا كَانَ مَعْرِفَةُ أَقْوَالِهِمْ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ وَأَعْمَالِهِمْ خَيْرًا وَأَنْفَعَ مِنْ مَعْرِفَةِ أَقْوَالِ الْمُتَأَخِّرِينَ وَأَعْمَالِهِمْ فِي جَمِيعِ عُلُومِ الدِّينِ وَأَعْمَالِهِ كَالتَّفْسِيرِ وَأُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ وَالزُّهْدِ وَالْعِبَادَةِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْجِهَادِ وَغَيْرِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّهُمْ أَفْضَلُ مِمَّنْ بَعْدَهُمْ كَمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ.
فَالِاقْتِدَاءُ بِهِمْ خَيْرٌ مِنْ الِاقْتِدَاءِ بِمَنْ بَعْدَهُمْ، وَمَعْرِفَةُ إجْمَاعِهِمْ وَنِزَاعِهِمْ فِي الْعِلْمِ وَالدِّينِ خَيْرٌ وَأَنْفَعُ مِنْ مَعْرِفَةِ مَا يُذْكَرُ مِنْ إجْمَاعِ غَيْرِهِمْ وَنِزَاعِهِمْ، وَذَلِكَ أَنَّ إجْمَاعَهُمْ لَا يَكُونُ إلَّا مَعْصُومًا، وَإِذَا تَنَازَعُوا فَالْحَقُّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ، فَيُمْكِنُ طَلَبُ الْحَقِّ فِي بَعْضِ أَقَاوِيلِهِم وَلَا يُحْكَمُ بِخَطَأِ قَوْلٍ مِنْ أَقْوَالِهِمْ حَتَّى يَعْرِفَ دَلَالَةَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى خِلَافِهِ، قَالَ تَعَالَى: أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [النساء:59] وَأَمَّا الْمُتَأَخِّرُونَ الذين..
– الشيخ: يكفي إلى هنا يا أخي
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم.