بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الفُرقان بينَ الحقِّ والباطلِ) لابن تيميّة
الدّرس الخامس
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلّمَ وباركَ على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبِهِ أجمعين، اللهُمَّ اغفر لنا ولشيخنا يا ربَّ العالمين، قَالَ شَيخُ الإِسلامِ رحمهُ اللهُ تعالى:
وَأَمَّا المُتَأَخِّرُونَ الَّذِينَ لَم يَتَحَرَّوا مُتَابَعَتَهُم وَسُلُوكَ سَبِيلِهِم وَلَا لَهُم خِبرَةٌ بِأَقوَالِهِم وَأَفعَالِهِم، بَل هُم فِي كَثِيرٍ مِمَّا يَتَكَلَّمُونَ بِهِ فِي العِلمِ وَيَعمَلُونَ بِهِ لَا يَعرِفُونَ طَرِيقَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ فِي ذَلِكَ مِن أَهلِ الكَلَامِ وَالرَّايِ وَالزُّهدِ وَالتَّصَوُّفِ، فَهَؤُلَاءِ تَجِدُ عُمدَتَهُم فِي كَثِيرٍ مِن الأُمُورِ المُهِمَّةِ فِي الدِّينِ إنَّمَا هُوَ عَمَّا يَظُنُّونَهُ مِن الإِجمَاعِ، وَهُم لَا يَعرِفُونَ فِي ذَلِكَ أَقوَالَ السَّلَفِ أَلبَتَّةَ، أَو عَرَفُوا بَعضَهَا وَلَم يَعرِفُوا سَائِرَهَا، فَتَارَةً يَحكُونَ الإِجمَاعَ وَلَا يَعلَمُونَ إلَّا قَولَهُم وَقَولَ مَن يُنَازِعُهُم مِن الطَّوَائِفِ المُتَأَخِّرِينَ طَائِفَةٍ أَو طَائِفَتَينِ أَو ثَلَاثٍ، وَتَارَةً عَرَفُوا أَقوَالَ بَعضِ السَّلَفِ، وَالأَوَّلُ كَثِيرٌ فِي مَسَائِلِ أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ كَمَا تَجِدُ كُتُبَ أَهلِ الكَلَامِ مَشحُونَةً بِذَلِكَ، يَحكُونَ إجمَاعًا وَنِزَاعًا وَلَا يَعرِفُونَ مَا قَالَ السَّلَفُ فِي ذَلِكَ أَلبَتَّةَ؛ بَل قَد يَكُونُ قَولُ السَّلَفِ خَارِجًا عَن أَقوَالِهِم كَمَا تَجِدُ ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ أَقوَالِ اللَّهِ وَأَفعَالِهِ وَصِفَاتِهِ؛ مِثلَ مَسأَلَةِ القُرآنِ وَالرُّؤيَةِ وَالقَدَرِ وَغَيرِ ذَلِكَ.
وَهُم إذَا ذَكَرُوا إجمَاعَ المُسلِمِينَ لَم يَكُن لَهُم عِلمٌ بِهَذَا الإِجمَاعِ، فَإِنَّهُ لَو أَمكَنَ العِلمُ بِإِجمَاعِ المُسلِمِينَ لَم يَكُن هَؤُلَاءِ مِن أَهلِ العِلمِ بِهِ؛ لِعَدَمِ عِلمِهِم بِأَقوَالِ السَّلَفِ فَكَيفَ إذَا كَانَ المُسلِمُونَ يَتَعَذَّرُ القَطعُ بِإِجمَاعِهِم فِي مَسَائِلِ النِّزَاعِ، بِخِلَافِ السَّلَفِ فَإِنَّهُ يُمكِنُ العِلمُ بِإِجمَاعِهِم كَثِيرًا.
وَإِذَا ذَكَرُوا نِزَاعَ المُتَأَخِّرِينَ لَم يَكُن بِمُجَرَّدِ ذَلِكَ أَن يَجعَلَ هَذِهِ مِن مَسَائِلِ الِاجتِهَادِ الَّتِي يَكُونُ كُلُّ قَولٍ مِن تِلكَ الأَقوَالِ سَائِغًا لَم يُخَالِف إجمَاعًا؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِن أُصُولِ المُتَأَخِّرِينَ مُحدَثٌ مُبتَدَعٌ فِي الإِسلَامِ مَسبُوقٌ بِإِجمَاعِ السَّلَفِ عَلَى خِلَافِهِ.
وَالنِّزَاعُ الحَادِثُ بَعدَ إجمَاعِ السَّلَفِ خَطَأٌ قَطعًا؛ كَخِلَافِ الخَوَارِجِ وَالرَّافِضَةِ وَالقَدَرِيَّةِ وَالمُرجِئَةِ مِمَّن قَد اشتَهَرَت لَهُم أَقوَالٌ خَالَفُوا فِيهَا النُّصُوصَ المُستَفِيضَةَ المَعلُومَةَ وَإِجمَاعَ الصَّحَابَةِ، بِخِلَافِ مَا يُعرَفُ مِن نِزَاعِ السَّلَفِ فَإِنَّهُ لَا يُمكِنُ أن يُقَالَ إنَّهُ خِلَافُ الإِجمَاعِ وَإِنَّمَا يُرَدُّ بِالنَّصِّ، وَإِذَا قِيلَ: قَد أَجمَعَ التَّابِعُونَ عَلَى أَحَدِ قَولَيهِم فَارتَفَعَ النِّزَاعُ، فَمِثلُ هَذَا مَبنِيٌّ عَلَى مُقَدِّمَتَينِ:
إحدَاهُمَا: العِلمُ بِأَنَّهُ لَم يَبقَ فِي الأُمَّةِ مَن يَقُولُ بِقَولِ الآخَرِ؛ وَهَذَا مُتَعَذِّرٌ. الثَّانِيَةُ: أَنَّ مِثلَ هَذَا هَل يَرفَعُ النِّزَاعَ؟ فيهِ خلافٌ مَشهُورٌ، فَنِزَاعُ السَّلَفِ يُمكِنُ القَولُ بِهِ إذَا كَانَ مَعَهُ حُجَّةٌ؛ إذ النُّصُوصُ عَلَى خِلَافِهِ، وَنِزَاعُ المُتَأَخِّرِينَ لَا يُمكِنُ حصرُه؛ لِأَنَّ كَثِيرًا مِنهُ قَد تَقَدَّمَ الإِجمَاعُ عَلَى خِلَافِهِ، كَمَا دَلَّت النُّصُوصُ عَلَى خِلَافِهِ، وَمُخَالَفَةُ إجمَاعِ السَّلَفِ خَطَأٌ قَطعاً. وَأَيضًا فَلَم يَبقَ مَسأَلَةٌ فِي الدِّينِ إلَّا وَقَد تَكَلَّمَ فِيهَا السَّلَفُ، فَلَا بُدَّ أَن يَكُونَ لَهُم قَولٌ يُخَالِفُ ذَلِكَ القَولَ أَو يُوَافِقُهُ.
وَقَد بَسَطنَا فِي غَيرِ هَذَا المَوضِعِ أَنَّ الصَّوَابَ فِي أَقوَالِهِم أَكثَرُ وَأَحسَن، وأنَّ خَطَأَهُم أَخَفُّ مِن خَطَأِ المُتَأَخِّرِينَ، وَأَنَّ المُتَأَخِّرِينَ أَكثَرُ خَطَأً وَأَفحَشُ وَهَذَا فِي جَمِيعِ عُلُومِ الدِّينِ؛ وَلِهَذَا أَمثِلَةٌ كَثِيرَةٌ يَضِيقُ هَذَا المَوضِعُ عَن استِقصَائِهَا وَاَللَّهُ سُبحَانَهُ أَعلَمُ.
– الشيخ: الله أكبر، الله أكبر، هذا كلامٌ عظيمٌ، مضمونُه أنَّ الصّحابةَ رضوانُ اللهِ عليهم هم أَحرَى بالصَّوابِ في كلِّ المسائلِ، الصَّوابُ في مسائلِ النِّزاع، الصَّوابُ في كلامِ الصّحابةِ أكثرُ، هذا يُستفادُ من وصفِهِم بالخيريَّة (خيرُ النَّاس قرني ثم الّذين يلونَهم)، ولهذا تُعرفُ هذه بالقُرونِ المُفضَّلَةِ، لهذا يَبطلُ قولُ من يقول: "أن ّكلامَ وأقوالَ السَّلفِ أسلمُ، وأقوالَ الخَلَفِ أحكَمُ وأعلمُ"، فأقوالُ السَّلفِ وكلامُهُم أعلمُ وأحكمُ وأسلمُ، لأنّهم تلقّوا علومَ الدِّين من نبيِّهم صلّى الله عليه وسلّمَ ومن كتابِ اللهِ؛ فهم أحرى بكلِّ صوابٍ في الأقوالِ والأعمالِ، فينبغي العنايةُ بأقوالِ الصَّحابةِ وإجماعاتِهِم ومسائلِ النِّزاع، فما أجمعوا فيه عليه لا يجوزُ الخلافُ بعدَه، ويُقالُ في الخلافِ بعدَهُ: أنّه مَسبوقٌ بالإجماع، وما اختلفوا فيه يُرَدُّ إلى كتابِ اللهِ وسُنَّةِ رسولِه، فَإِن تَنَازَعتُم فِي شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59]
– القارئ: أحسنَ الله إليكم، قال رحمهُ اللهُ:
فَصلٌ: ومِمَّا يَنبَغِي أَن يُعلَمَ أَنَّ القُرآنَ وَالحَدِيثَ إذَا عُرِفَ تَفسِيرُهُ مِن جِهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَم يُحتَج فِي ذَلِكَ إلَى أَقوَالِ أَهلِ اللُّغَةِ، فَإِنَّهُ قَد عُرِفَ تَفسِيرُهُ، وَمَا أُرِيدَ بِذَلِكَ مِن جِهَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ لَم يُحتَج فِي ذَلِكَ إلَى الِاستِدلَالِ بِأَقوَالِ أَهلِ اللُّغَةِ وَلَا غَيرِهِم؛ وَلِهَذَا قَالَ الفُقَهَاءُ: الأَسمَاءُ ثَلَاثَةُ أَنوَاعٍ: نَوعٌ يُعرَفُ حَدُّهُ بِالشَّرعِ؛ كَالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ، وَنَوعٌ يُعرَفُ حَدُّهُ بِاللُّغَةِ؛ كَالشَّمسِ وَالقَمَرِ، وَنَوعٌ يُعرَفُ حَدُّهُ بِالعُرفِ؛ كَلَفظِ القَبضِ وَلَفظِ المَعرُوفِ فِي قَولِهِ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالمَعرُوفِ [النساء:19] وَكَانَ مِن أَعظَمِ مَا أَنعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيهِم..
– الشيخ: الله، هذا شاهِدُه قولُ ابن عباس: التفسيرُ على أربعةِ أوجه؛ تفسيرٌ تعرفُهُ العربُ من كلامِهِا، تفسيرٌ لا يُعذرُ أحدٌ بجهلِهِ، وهي المعاني الشّرعيّة التي بيَّنها الرّسولُ بالقولِ والفعل، وتفسيرٌ تعلَمُه العلماءُ، وتفسيرٌ لا يعلمُهُ إلّا الله؛ من ادَّعى علمَه فهو كاذبٌ.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، قال رحمهُ الله:
وَكَانَ مِن أَعظَمِ مَا أَنعَمَ اللَّهُ بِهِ عَلَيهِم اعتِصَامُهُم بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، فَكَانَ مِن الأُصُولِ المُتَّفَقِ عَلَيهَا بَينَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ لَهُم بِإِحسَانِ أَنَّهُ لَا يُقبَلُ مِن أَحَدٍ قَطٌّ أَن يُعَارِضَ القُرآنَ لَا بِرَأيِهِ وَلَا ذَوقِهِ وَلَا مَعقُولِهِ وَلَا قِيَاسِهِ وَلَا وَجدِهِ، فَإِنَّهُم ثَبَتَ عَنهُم بِالبَرَاهِينِ القَطعِيَّاتِ وَالآيَاتِ البَيِّنَاتِ أَنَّ الرَّسُولَ جَاءَ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ، وَأَنَّ القُرآنَ يَهدِي لِلَّتِي هِيَ أَقوَمُ "فِيهِ نَبَأُ مَن قَبلَهُم وَخَبَرُ مَا بَعدَهُم وَحُكمُ مَا بَينَهُم، هُوَ الفَصلُ لَيسَ بِالهَزلِ، مَن تَرَكَهُ مِن جَبَّارٍ قَصَمَهُ اللَّهُ، وَمَن ابتَغَى الهُدَى فِي غَيرِهِ أَضَلَّهُ اللَّهُ، هُوَ حَبلُ اللَّهِ المَتِينُ، وَهُوَ الذِّكرُ الحَكِيمُ، وَهُوَ الصِّرَاطُ المُستَقِيمُ، وَهُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الأَهوَاءُ، وَلَا تَلتَبِسُ بِهِ الأَلسُنُ" فَلَا يَستَطِيعُ أَن يُزِيغَهُ إلَى هَوَاهُ، وَلَا يُحَرِّفُ بِهِ لِسَانَهُ، وَلَا يَخلَقَ عَن كَثرَةِ التَّردَادِ؛ فَإِذَا رُدِّدَ مَرَّةً بَعدَ مَرَّةٍ لَم يَخلَق وَلَم يُمَلَّ كَغَيرِهِ مِن الكَلَامِ، وَلَا تَنقَضِي عَجَائِبُهُ، وَلَا تَشبَعُ مِنهُ العُلَمَاءُ، مَن قَالَ بِهِ صَدَقَ، وَمَن عَملَ بِهِ أُجِرَ، وَمَن حَكَمَ بِهِ عَدَلَ، وَمَن دَعَا إلَيهِ هُدِيَ إلَى صِرَاطٍ مُستَقِيمٍ.
فَكَانَ القُرآنُ هُوَ الإِمَامُ الَّذِي يُقتَدَى بِهِ؛ وَلِهَذَا..
– الشيخ: هذهِ التَّوصيفاتُ، يعني مشهورٌ معروفٌ أنّها جاءت في حديثٍ رواهُ عليٌّ رضي الله عنه، ويُرجِّح بعضُ المحقّقينَ أنّه من قولِ عليٍّ، ولكنّها حقٌّ كلُّها، كلُّ هذه التَّوصيفاتِ صادقةٌ، هذا القرآنُ هو النُّور المُبين، وهو الصِّراطُ المُستقيمُ، وهو الذِّكرُ الحكيمُ، وَهُوَ الَّذِي لَا تَزِيغُ بِهِ الأَهوَاء، ُ وَلَا تَلتَبِسُ بِهِ الأَلسُنُ، مَن عَمَلَ بِهِ أُجِرَ، وَمَن حَكَمَ بِهِ عَدَلَ.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، فَكَانَ القُرآنُ هُوَ الإِمَامُ الَّذِي يُقتَدَى بِهِ؛ وَلِهَذَا لَا يُوجَدُ فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِن السَّلَفِ أَنَّهُ عَارَضَ القُرآنَ بِعَقلٍ وَرَأيٍ وَقِيَاسٍ، وَلَا بِذَوقٍ وَوَجدٍ وَمُكَاشَفَةٍ، وَلَا قَالَ قَطُّ: قَد تَعَارَضَ فِي هَذَا العَقلُ وَالنَّقلُ، فَضلًا عَن أَن يَقُولَ: فَيَجِبُ تَقدِيمُ العَقلِ، وَالنَّقلُ يَعنِي: القُرآنَ وَالحَدِيثَ وَأَقوَالَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، إمَّا أَن يُفَوِّضَ وَإِمَّا أَن يُؤَوِّلَ. وَلَا فِيهِم مَن يَقُولُ: إنَّ لَهُ ذَوقًا أَو وَجدًا أَو مُخَاطَبَةً أَو مُكَاشَفَةً تُخَالِفُ القُرآنَ وَالحَدِيثَ..
– الشيخ: هذا يعني، هذه عباراتُ الصُّوفيّةِ، هم يتكلّمون عن الذَّوقِ والوَجدِ، ويُفضِي ببعضِهِم الهوى والتعصُّبُ إلى أن يُخالفَ هذا الحُكمَ في القرآن، أو هذا الاعتقادَ، يُخالفُهُ للذَّوقِ، كما يقول المُتكلِّمون: أنَّ هذا فيه تعارُضٌ مع العقلِ، أو يُخالفُهُ العقلُ.
وهو بهذه الكلماتِ يُشيرُ إلى المُتكلِّمينَ أو إلى الصُّوفيّة، لأنَّ كلاً منهم لهم آراءٌ تخالفُ القرآنَ، فيقولون، المتكلمون يقولون: دلَّ عليه العقلُ، والعقلُ يعني، والنَّقل إذا عارضه العقل، فإذا تعارض العقلُ والنَّقل، وجبَ تقديمُ العقلِ على حدِّ قولِهِم، والصُّوفيّةُ عندَهم الذَّوقُ والوَجدُ.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، قال:
وَلَا فِيهِم مَن يَقُولُ: إنَّ لَهُ ذَوقًا أَو وَجدًا أَو مُخَاطَبَةً أَو مُكَاشَفَةً تُخَالِفُ القُرآنَ وَالحَدِيثَ؛ فَضلًا عَن أَن يَدَّعِيَ أَحَدُهُم أَنَّهُ يأخذُ مِن حَيثُ يأخذُ المَلَكُ الَّذِي يأتي الرَّسُولَ، وَأَنَّهُ يأخذُ مِن ذَلِكَ المَعدِنِ عِلمَ التَّوحِيدِ وَالأَنبِيَاءُ كُلُّهُم يأخذونَ عَن مِشكَاتِهِ. أَو يَقُولَ: الوَلِيُّ أَفضَلُ مِن النَّبِيِّ وَنَحوُ ذَلِكَ مِن مَقَالَاتِ أَهلِ الإِلحَادِ؛ فَإِنَّ هَذِهِ الأَقوَالَ لَم تَكُن حَدَثَت بَعدُ فِي المُسلِمِينَ، وَإِنَّمَا يُعرَفُ مِثلُ هَذِهِ إمَّا عَن مَلَاحِدَةِ اليَهُودِ أَو النَّصَارَى؛ فَإِنَّ فِيهِم مَن يُجَوِّزُ أَنَّ غَيرَ النَّبِيِّ أَفضَلُ مِن النَّبِيِّ؛ كَمَا قَد يَقُولُهُ فِي الحَوَارِيِّينَ؛ فَإِنَّهُم عِندَهُم رُسُلٌ، وَهُم يَقُولُونَ أنهم أَفضَلُ مِن داود وَسُلَيمَانَ؛ بَل وَمِن إبرَاهِيمَ وَمُوسَى وَإِن سَمَّوهُم أَنبِيَاءَ، إلَى أَمثَالِ هَذِهِ الأُمُورِ.
وَلَم يَكُن السَّلَفُ يَقبَلُونَ مُعَارَضَةَ الآيَةِ إلَّا بِآيَةِ أُخرَى تُفَسِّرُهَا وَتَنسَخُهَا، أَو بِسُنَّةِ الرَّسُولِ..
– الشيخ: تفسِّرُهَا؟
– القارئ: وتنسَخُها
– الشيخ: أو تنسَخُها
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، إلَّا بِآيَةِ أُخرَى تُفَسِّرها أو تَنسَخُهَا؛ أَو بِسُنَّةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تُفَسِّرُهَا؛ فَإِنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تُبَيِّنُ القُرآنَ وَتَدُلُّ عَلَيهِ وَتُعَبِّرُ عَنهُ. وَكَانُوا يُسَمُّونَ مَا عَارَضَ الآيَةَ نَاسِخًا لَهَا؛ فَالنَّسخُ عِندَهُم: اسمٌ عَامٌّ لِكُلِّ مَا يَرفَعُ دَلَالَةَ الآيَةِ عَلَى مَعنًى بَاطِلٍ؛ وَإِن كَانَ..
– الشيخ: أعِد
– القارئ: فَالنَّسخُ عِندَهُم اسمٌ عَامٌّ لِكُلِّ مَا يَرفَعُ دَلَالَةَ الآيَةِ عَلَى مَعنًى بَاطِلٍ..
– الشيخ: ما في تعليق؟! ها؟
– القارئ: لا يا شيخ، ما في تعليق
– الشيخ: يقول ايش؟ فإنَّ النَّسخَ عندَهم
– القارئ: اسمٌ عامّ
– الشيخ: اسمٌ عامّ
– القارئ: لِكُلِّ مَا يَرفَعُ دَلَالَةَ الآيَةِ عَلَى مَعنًى بَاطِلٍ
– الشيخ: اسمٌ عامٌّ، النَّسخُ عندَهُ اسمٌ عامٌّ، يرفعُ اسمٌ عامٌّ ايش؟ يرفعُ دلالة
– القارئ: لكلِّ ما يرفعُ
– الشيخ: لكلِّ ما يرفعُ دلالةَ الآية
– القارئ: على معنىً باطلٍ
– الشيخ: على معنىً باطلٍ؟
– القارئ: نعم، وإن كانَ ذَلِكَ المَعنَى لَم يُرَد بِهَا
– الشيخ: وإن كان ذَلِكَ المَعنَى؟
– القارئ: لَم يُرَد بِهَا، وَإِن كَانَ لَا يَدُلُّ عَلَيهِ ظَاهِرُ الآيَةِ. هذه التكملةُ يا شيخ
– الشيخ: طيِّب نتأمّلها بعد، إن شاءَ اللهُ
– القارئ: قال: فَالنَّسخُ عِندَهُم: اسمٌ عَامٌّ لِكُلِّ مَا يَرفَعُ دَلَالَةَ الآيَةِ عَلَى مَعنًى بَاطِلٍ؛ وإن كان ذَلِكَ المَعنَى لَم يُرَد بِهَا، وَإِن كَانَ لَا يَدُلُّ عَلَيهِ ظَاهِرُ الآيَةِ؛ بَل قَد لَا يُفهَمُ مِنهَا، وَقَد فَهِمَهُ مِنهَا قَومٌ فَيُسَمُّونَ مَا رَفَعَ ذَلِكَ الإِبهَامَ وَالإِفهَامَ "نَسخًا"، وهَذِهِ التَّسمِيَةُ لَا تُؤخَذُ عَن كُلِّ وَاحِدٍ مِنهُم. وَأَصلُ ذَلِكَ مِن إلقَاءِ الشَّيطَانِ، ثُمَّ يُحكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ، ومَا أَلقَاهُ الشَّيطَانُ فِي الأَذهَانِ مِن ظَنِّ دَلَالَةِ الآيَةِ عَلَى مَعنًى لَم يَدُلَّ عَلَيهِ؛ سَمَّى هَؤُلَاءِ مَا يَرفَعُ ذَلِكَ الظَّنَّ نَسخًا كَمَا سَمَّوا..
– الشيخ: صار ايش؟ يقول: النَّسخُ عندَهم، عندَ من صارَ هذا النَّسخ؟ اللي قبل عندهم؟ اللي قبل، فالنَّسخُ عندهم؟
– القارئ: هَذِهِ التَّسمِيَةُ لَا تُؤخَذُ عَن كُلِّ وَاحِدٍ مِنهُم. وَأَصلُ ذَلِكَ مِن إلقَاءِ الشَّيطَانِ..
– الشيخ: لا، قبل
– القارئ: "فالنّسخُ عندَهُم" ولّا قبل يا شيخ؟ فالنَّسخُ عندَهم: اسمٌ عامٌّ
– الشيخ: لا قبل
– القارئ: وَكَانُوا يُسَمُّونَ مَا عَارَضَ الآيَةَ نَاسِخًا لَهَا
– الشيخ: … واش بعد، واش قبل "وكانوا"؟
– القارئ: وَكَانُوا يُسَمُّونَ مَا عَارَضَ الآيَةَ نَاسِخًا
– الشيخ: واش قبلها؟
– القارئ: وَلَم يَكُن السَّلَفُ يَقبَلُونَ مُعَارَضَةَ الآيَةِ إلَّا بِآيَةٍ أُخرَى تُفَسِّرُهَا أو تَنسَخُهَا؛ أَو بِسُنَّةِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تُفَسِّرُهَا؛ فَإِنَّ سُنَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ تُبَيِّنُ القُرآنَ وَتَدُلُّ عَلَيهِ وَتُعَبِّرُ عَنهُ، وَكَانُوا يُسَمُّونَ مَا عَارَضَ الآيَةَ..
– الشيخ: وكانوا، هذه هي اللي فيها الِإشكَال، من هنا، "كانوا" من هم؟ الصّحابة، لأ، الظَّاهرُ أنَّهم كانوا هؤلاءِ المُتأخِّرونَ من المُتكلِّمينَ والصُّوفيّة، يظهرُ أنَّ هذا هو المَقصُودُ. قف على هذه الفقرة، نعودُ إليها إن شاءَ اللهُ.