الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب الفرقان بين الحق والباطل/(9) فصل القران والحديث إذا فسر من جهة النبي “قوله وأما جهم فكان يقول…”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(9) فصل القران والحديث إذا فسر من جهة النبي “قوله وأما جهم فكان يقول…”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الفُرقان بينَ الحقِّ والباطلِ) لابن تيميّة
الدّرس التّاسع

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلّى اللهُ وسلّمَ وباركَ على نبيِّنا محمّد، وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، اللهُمَّ اغفر لنا ولشيخنا وللمسلمين، قَالَ رحمهُ اللهُ تعالى:
وَأَمَّا جَهمٌ فَكَانَ يَقُولُ: إنَّ الإِيمَانَ مُجَرَّدُ تَصدِيقِ القَلبِ وَإِن لَم يَتَكَلَّم بِهِ..
– الشيخ:
أعوذُ بالله
– القارئ: وَهَذَا القَولُ لَا يُعرَفُ عَن أَحَدٍ مِن عُلَمَاءِ الأُمَّةِ وَأَئِمَّتِهَا؛ بَل أَحمَدُ وَوَكِيعٌ وَغَيرُهُمَا كَفَّرُوا مَن قَالَ بِهَذَا القَولِ، وَلَكِن هُوَ الَّذِي نَصَرَهُ الأَشعَرِيُّ وَأَكثَرُ أَصحَابِهِ؛ وَلَكِن قَالُوا مَعَ ذَلِكَ: إنَّ كُلَّ مَن حَكَمَ الشَّرعُ بِكُفرِهِ حَكَمنَا بِكُفرِهِ، وَاستَدلَلنَا بِتَكفِيرِ الشَّارِعِ لَهُ عَلَى خُلُوِّ قَلبِهِ مِن المَعرِفَةِ. وَقَد بُسِطَ الكَلَامُ عَلَى أَقوَالِهِم وَأَقوَالِ غَيرِهِم فِي "الإِيمَانِ". وَالأَصلُ الَّذِي مِنهُ نَشَأَ النِّزَاعُ اعتِقَادُ..
– الشيخ: لا إلهَ إلّا الله، لا إلهَ إلّا الله، تصديقُ القلبِ هذا هو الأصلُ، أصلُ الإيمانِ، ولكنَّهُ لا يكونُ هذا التَّصديقُ يعني حقيقياً بمعنى الكلمةِ، إلّا إذا حصلَ مُقتضاهُ، ومقتضاه، هو يقتضي الانقيادَ والاستجابةَ والنُّطقَ، فَمَن أُمِرَ (أُمرتُ أن أُقاتلَ الناسَ حتى يقولوا لا إله إلا الله)، "حتى يَشهدُوا"، فمن صدَّقَ بقلبِهِ ولم يُّقرَّ بلسانِهِ ما أقرَّ، فما الّذي يُعلِمُنا بتصديقِه، ما أقرّ، فهي أشبهُ أن تكونَ بافتراضيَّة، مُؤمنٌ لا يتكلَّمُ ولا يشهدُ، نأمرهُ بأن يشهدَ ألّا إلهَ إلّا اللهَ ثمَّ لا يتكلَّمُ! هذا لا يكون، فهذا الإيمانُ هو إيمان، يعني هذا الإيمانُ المذكور هو إيمانُ فرعونَ وقومِه وَجَحَدُوا بِهَا وَاستَيقَنَتهَا أَنفُسُهُم [النمل:14]
فالّذي يظهرُ أنَّ عندَهُم أنَّ الجاحدَ الذي يُصدِّقُ بقلبِهِ هو مؤمنٌ، لكن قالوا: نُكفِّرُهُ لتكفيرِ اللهِ له، أو، وأغربُ من هذا أنَّ تكفيرَ اللهِ لهُ يقولون: أنَّ هذا دليلٌ على خُلوِّ قلبِهِ من الإيمانِ، هذا ما هو بصحيح، فكما أنَّ المُنافقَ يُبطنُ الكُفرَ ويُظهرُ الإيمانَ وهو كافرٌ بما استبطنَه، هذا يسيرُ في النِّفاقِ، أمّا الإيمانُ فلابُدَّ أن يكونَ ظاهراً وباطناً، فكما أنَّ إيمانَ المُنافقِ لا يُغني عنه من اللهِ شيئًا، ولا ينجو به من النَّار، كذلك إيمانُ الجاحدِ وَجَحَدُوا بِهَا وَاستَيقَنَتهَا أَنفُسُهُم، فَإِنَّهُم لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجحَدُونَ [الأنعام:33]
– طالب: الله يديمكم، – الشيخ نسبَ الأشعريَّ إلى الجهميَّةِ في مسألةِ الإيمان
– الشيخ: لأنَّه يقول: أنَّ الإيمانَ هو التَّصديقُ
– طالب: هكذا الأشاعرةُ الآن؟
– الشيخ: ما أدري؟
– طالب: سفرُ الحوالي في رسالتِهِ "ظاهرةُ الإرجاءِ" يُقرِّر هذا؛ أنَّ الأشعريَّةَ جهميَّةٌ في مسألةِ الإيمان، ويستدلّ بأقوالِ شيخِ الإسلامِ مثل هذا، وفي مواضعَ يذكرُها – الشيخ.
– الشيخ: أقول إنَّما عرفنا مذهبَهم من النَّقل عنهُم.
 
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، قال رحمهُ الله:
وَقَد بُسِطَ الكَلَامُ عَلَى أَقوَالِهِم وَأَقوَالِ غَيرِهِم فِي "الإِيمَانِ". وَالأَصلُ الَّذِي مِنهُ نَشَأَ النِّزَاعُ اعتِقَادُ مَن اعتَقَدَ أَنَّ مَن كَانَ مُؤمِنًا لَم يَكُن مَعَهُ شَيءٌ مِن الكُفرِ وَالنِّفَاقِ، وَظَنُّ بَعضِهِم أَنَّ هَذَا إجمَاعٌ كَمَا ذَكَرَ الأَشعَرِيُّ أَنَّ هَذَا إجمَاعٌ، فَهَذَا كَانَ أَصلُ الإِرجَاءِ كَمَا كَانَ "أَصلُ القَدَرِ" عَجزُهُم عَن الإِيمَانِ بِالشَّرعِ وَالقَدَرِ جَمِيعًا..

– الشيخ: أعِد الجملةَ الأولى "وأصلُ هذا النِّزاع"
– القارئ: وَالأَصلُ الَّذِي مِنهُ نَشَأَ النِّزَاعُ اعتِقَادُ مَن اعتَقَدَ أَنَّ مَن كَانَ مُؤمِنًا لَم يَكُن مَعَهُ شَيءٌ مِن الكُفرِ وَالنِّفَاقِ، وَظَنُّ بَعضِهِم أَنَّ هَذَا إجمَاعٌ كَمَا ذَكَرَ الأَشعَرِيُّ أَنَّ هَذَا إجمَاعٌ، فَهَذَا كَانَ أَصلُ الإِرجَاءِ..
– الشيخ:
كما ذكر الأشعريُّ؟
– القارئ: أَنَّ هَذَا إجمَاعٌ..
– الشيخ:
كذا؟
– القارئ: نعم
فَهَذَا كَانَ أَصلُ الإِرجَاءِ كَمَا كَانَ "أَصلُ القَدَرِ" عَجزُهُم عَن الإِيمَانِ بِالشَّرعِ وَالقَدَرِ جَمِيعًا. فلمَّا كَانَ هَذَا أَصلهُم صَارُوا حِزبَينِ. قَالَت الخَوَارِجُ وَالمُعتَزِلَةُ: قَد عَلِمنَا يَقِينًا أَنَّ الأَعمَالَ مِن الإِيمَانِ؛ فَمَن تَرَكَهَا فَقَد تَرَكَ بَعضَ الإِيمَانِ وَإِذَا زَالَ بَعضُهُ زَالَ جَمِيعُهُ؛ لِأَنَّ الإِيمَانَ لَا يَتَبَعَّضُ، وَلَا يَكُونُ فِي العَبدِ إيمَانٌ وَنِفَاقٌ، فَيَكُونُ أَصحَابُ الذُّنُوبِ مُخَلَّدِينَ فِي النَّارِ إذ كَانَ لَيسَ مَعَهُم مِن الإِيمَانِ شَيءٌ.
وَقَالَت "المُرجِئَةُ" -مُقتَصِدَتُهُم وَغُلَاتُهُم كالجهمية-: قَد عَلِمنَا أَنَّ أَهلَ الذُّنُوبِ مِن أَهلِ القِبلَةِ لَا يُخَلَّدُونَ فِي النَّارِ؛ بَل يَخرُجُونَ مِنهَا كَمَا تَوَاتَرَت بِذَلِكَ الأَحَادِيثُ، وَعَلِمنَا بِالكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجمَاعِ الأَئِمَّةِ أَنَّهُم لَيسُوا..

– الشيخ: وإجماع؟
– القارئ: الأَئمَّة
– الشيخ:
ولّا الأمَّة؟ ما في نسخة؟
– القارئ: اللي عندي شيخ: الأئِمَّة
– الشيخ: ما في نسخة
– طالب: الأُمَّة
– الشيخ: الأُمَّةُ عندكَ، نعم، المُناسبُ كأنَّهُ: إجماعُ الأُمَّة، نعم
 
– القارئ: وَإِجمَاعِ الأُمَّةِ أَنَّهُم لَيسُوا كُفَّارًا مُرتَدِّينَ؛ فَإِنَّ الكِتَابَ قَد أَمَرَ بِقَطعِ السَّارِقِ لَا بِقَتلِهِ، وَجَاءَت السُّنَّةُ بِجَلدِ الشَّارِبِ لَا بِقَتلِهِ، فَلَو كَانَ هَؤُلَاءِ كُفَّارًا مُرتَدِّينَ لَوَجَبَ قَتلُهُم؛ وَبِهَذَا ظَهَرَ لِلمُعتَزِلَةِ ضِعفُ قَولِ الخَوَارِجِ فَخَالَفُوهُم فِي أَحكَامِهِم فِي الدُّنيَا، والخَوَارِجُ لَا يَتَمَسَّكُونَ..
– الشيخ:
وأحدثُوا أصلَهم، وهو القولُ بالمنزِلةِ بين المَنزِلتين، فتذبذَبوا، صاروا بينَ بَين، بين الخوارجِ والمُرجِئةِ، وقالوا: مُرتكبُ الكبيرةِ في منزلة.
– القارئ: والخوَارِجُ لَا يَتَمَسَّكُونَ مِن السُّنَّةِ إلَّا بِمَا فَسَّرَ مُجمَلَهَا دُونَ مَا خَالَفَ ظَاهِرَ القُرآنِ عِندَهُم، فَلَا يَرجُمُونَ الزَّانِيَ، وَلَا يَرَونَ لِلسَّرِقَةِ نِصَابًا، وَحِينَئِذٍ فَقَد يَقُولُونَ: لَيسَ فِي القُرآنِ قَتلُ المُرتَدِّ، فَقَد يَكُونُ المُرتَدُّ عِندَهُم نَوعَينِ. وأَقوَالُ الخَوَارِجِ إنَّمَا عَرَفنَاهَا مِن نَقلِ النَّاسِ عَنهُم، لَم نَقِف لَهُم عَلَى كِتَابٍ مُصَنَّفٍ كَمَا وَقَفنَا عَلَى كُتُبِ المُعتَزِلَةِ وَالرَّافِضَةِ وَالزَّيدِيَّةِ وَالكَرَّامِيَّةِ وَالأَشعَرِيَّةِ والسَّالمية وَأَهلِ المَذَاهِبِ الأَربَعَةِ وَالظَّاهِرِيَّةِ وَمَذَاهِبِ أَهلِ الحَدِيثِ وَالفَلَاسِفَةِ وَالصُّوفِيَّةِ وَنَحوِ هَؤُلَاءِ. وَقَد بُسِطَ الكَلَامُ عَلَى تَفصِيلِ القَولِ فِي أَقوَالِ هَؤُلَاءِ فِي غَيرِ هَذَا المَوضِعِ. وَإِنَّ النَّاسَ فِي تَرتِيبِ أَهلِ الأَهوَاءِ عَلَى أَقسَامٍ..
– طالب: أحسنَ اللهُ إليكم، شيخنا، الآن الإباضيَّة الخليلي مُفتيهم، الآن كُتُبه كثيرةٌ في مَعرضِ الكتاب.
– الشيخ:
جاؤوا بعد، يظهرُ أنَّه ما في كتب قديمة
– طالب: الإباضيَّة قديمة
– الشيخ: وش هي القضية؟
– طالب:
أقول الإباضيَّة قديمة
– الشيخ: هل عرفتَ أنَّ لهم مؤلفات قديمة؟ يعني قبلَ شيخِ الإسلامِ يكون ما عرفها، ولَّا تعني مؤلفاته الآن "الحديثية" التي يعني قريبة من عصرِنا حاليًا وقبل يمكن.
– طالب: لهم كتبٌ قديمةٌ، كتبٌ في الاعتقاد، ولهم..
– الشيخ:
كتبٌ قديمةٌ؟
– طالب: نعم أحسنَ اللهُ إليكم، أنا رأيتُ بعضَها في معرضِ الكتابِ، بعضها في القرنِ الثّالث..
– الشيخ: يُصبح معناه أنَّ – الشيخ ما اطَّلع عليها
– طالب: أغلبها كتب أحاديث مُسنَدة
– الشيخ: لا هو يقول، أنَّه ليس، إنَّما عرفنا مذاهبَهم وأقوالَهم بالنَّقلِ عنهم، بنقلِ من نَقَلَ عنهم، لأنَّه ليس لهم كتبٌ مُصنَّفَاتٌ، يعني المُصنَّفاتُ يُمكن في تقريرِ وبيانِ وشرحِ يعني لاعتقادِهم يمكن، كما يقولُ بعضُ النَّاسِ أنَّ – الشيخ ربَّما لم يطَّلع على كتابِ الكافي للكُليني من الرَّافضة، لأنّه ما، كأنَّه ما عرضَ له.

– القارئ: قال رحمهُ الله: وَإِنَّ النَّاسَ فِي تَرتِيبِ أَهلِ الأَهوَاءِ عَلَى أَقسَامٍ: مِنهُم مَن يُرَتِّبُهُم عَلَى زَمَانِ حُدُوثِهِم فَيَبدَأُ بِالخَوَارِجِ، وَمِنهُم مَن يُرَتِّبُهُم بِحَسَبِ خِفَّةِ أَمرِهِم وَغِلَظِهِ فَيَبدَأُ بِالمُرجِئَةِ وَيَختِمُ بالجهمية كَمَا فَعَلَهُ كَثِيرٌ مِن أَصحَابِ أَحمَد رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ؛ كَعَبدِ اللَّهِ ابنِهِ وَنَحوِهِ، وَكَالخَلَّالِ وَأَبِي عَبدِ اللَّهِ بنِ بَطَّةَ وَأَمثَالِهِمَا، وَكَأَبِي الفَرَجِ المقدسي، وَكِلَا الطَّائِفَتَينِ تَختِمُ بالجهمية؛ لِأَنَّهُم أَغلَظُ البِدَعِ، وَكَالبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ فَإِنَّهُ بَدَأَ بـ "كِتَابِ الإِيمَانِ وَالرَّدِّ عَلَى المُرجِئَةِ"، وَخَتَمَهُ "بِكِتَابِ التَّوحِيدِ وَالرَّدِّ عَلَى الزَّنَادِقَةِ والجهميَّة"، وَلَمَّا صَنَّفَ الكُتَّابُ فِي الكَلَامِ صَارُوا يُقَدِّمُونَ التَّوحِيدَ وَالصِّفَاتِ فَيَكُونُ..
– الشيخ: ولمّا صنَّف ايش؟
– القارئ: الكُتَّابُ فِي الكَلَامِ صَارُوا يُقَدِّمُونَ التَّوحِيدَ وَالصِّفَاتِ..
– الشيخ:
"الكُتَّاب" ما هي مألوفة!
– طالب: ولما صُنِّفَ الكِتَابُ في الكلام
– الشيخ: صُنِّفَ الكِتَابُ، ولما صُنِّفَ في الكلام وش بعدها؟
– القارئ: فِي الكَلَامِ صَارُوا يُقَدِّمُونَ التَّوحِيدَ وَالصِّفَاتِ فَيَكُونُ الكَلَامُ أَوَّلًا مَعَ الجهمية..
– الشيخ: طيِّب
– القارئ: وَكَذَلِكَ رَتَّبَ أَبُو القَاسِمِ الطَّبريُّ كِتَابَهُ فِي أُصُولِ السُّنَّةِ، والبيهقيُّ أَفرَدَ لِكُلِّ صِنفٍ مُصَنَّفًا؛ فَلَهُ مُصَنَّفٌ فِي الصِّفَاتِ وَمُصَنَّفٌ فِي القَدَرِ وَمُصَنَّفٌ فِي شُعَبِ الإِيمَانِ وَمُصَنَّفٌ فِي دَلَائِلِ النُّبُوَّةِ وَمُصَنَّفٌ فِي البَعثِ وَالنُّشُورِ، وَبَسطُ هَذِهِ الأُمُورِ لَهُ مَوضِعٌ آخَرُ.
وَالمَقصُودُ هُنَا أَنَّ مَنشَأَ النِّزَاعِ فِي الأَسمَاءِ وَالأَحكَام، فِي الإِيمَانِ وَالإِسلَامِ أَنَّهُم لَمَّا ظَنُّوا أَنَّهُ لَا يَتَبَعَّضُ قَالَ أُولَئِكَ: فَإِذَا فَعَلَ ذَنبًا زَالَ بَعضُهُ فَيَزُولُ كُلُّهُ فَيُخَلَّدُ فِي النَّارِ، فَقَالَت الجهمية وَالمُرجِئَةُ: قَد عَلِمنَا أَنَّهُ لَيسَ يَخلُدُ فِي النَّارِ وَأَنَّهُ لَيسَ كَافِرًا مُرتَدًّا بَل هُوَ مِن المُسلِمِينَ، وَإِذَا كَانَ مِن المُسلِمِينَ وَجَبَ أَن يَكُونَ مُؤمِنًا تَامَّ الإِيمَانِ؛ لَيسَ مَعَهُ بَعضُ الإِيمَانِ؛ لِأَنَّ الإِيمَانَ عِندَهُم لَا يَتَبَعَّضُ، فَاحتَاجُوا أَن يَجعَلُوا الإِيمَانَ شَيئًا وَاحِدًا يَشتَرِكُ فِيهِ جَمِيعُ أَهلِ القِبلَةِ، فَقَالَ فُقَهَاءُ المُرجِئَةِ: هُوَ التَّصدِيقُ بِالقَلبِ وَالقَولُ بِاللِّسَانِ، فَقَالَت الجهميَّةُ بَعدَ تَصدِيقِ اللِّسَانِ قَد لَا يَجِبُ إذَا كَانَ الرَّجُلُ أَخرَسَ أَو كَانَ مُكرَهًا، فَاَلَّذِي لَابُدَّ مِنهُ تَصدِيقُ القَلبِ. وَقَالَت المُرجِئَةُ: الرَّجُلُ إذَا أَسلَمَ كَانَ مُؤمِنًا قَبلَ أَن يَجِبَ عَلَيهِ شَيءٌ مِن الأَفعَالِ وَأَنكَرَ كُلُّ هَذِهِ الطَّوَائِفِ أَنَّهُ يَنقُصُ، وَالصَّحَابَةُ قَد ثَبَتَ عَنهُم أَنَّ الإِيمَانَ يَزِيدُ وَيَنقُصُ، وَهُوَ قَولُ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ، وَكَانَ ابنُ المُبَارَكِ يَقُولُ: هُوَ يَتَفَاضَلُ وَيَتَزَايَدُ، وَيُمسِكُ عَن لَفظِ يَنقُصُ، وَعَن مَالِكٍ فِي كَونِهِ لَا يَنقُصُ رِوَايَتَانِ، وَالقُرآنُ قَد نَطَقَ بِالزِّيَادَةِ فِي غَيرِ مَوضِعٍ، وَدَلَّت النُّصُوصُ عَلَى نَقصِهِ كَقَولِهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَزنِي الزَّانِي حِينَ يَزنِي وَهُوَ مُؤمِنٌ" وَنَحوِ ذَلِكَ، لَكِن لَم يُعرَف هَذَا اللَّفظُ إلَّا فِي قَولِهِ صلى الله عليه وسلم فِي النِّسَاءِ "نَاقِصَاتُ عَقلٍ وَدِينٍ"، وَجَعَلَ مِن نُقصَانِ دِينِهَا أَنَّهَا إذَا حَاضَت لَا تَصُومُ وَلَا تُصَلِّي، وَبِهَذَا استَدَلَّ غَيرُ وَاحِدٍ عَلَى أَنَّهُ يَنقُصُ. وَذَلِكَ أَنَّ أَصلَ أَهلِ السُّنَّةِ أَن الإِيمَانَ يَتَفَاضَلُ مِن وَجهَينِ: مِن جِهَةِ أَمرِ الرَّبِّ وَمِن جِهَةِ فِعلِ العَبدِ. أَمَّا الأَوَّلُ..
– الشيخ:
تقف على الآية.
اللهُ المستعانُ، لا إلهَ إلّا الله، الحمدُ لله، الحمدُ لله، شُبُهات، كلُّ أصحابِ الاعتقادِ يعني الباطلةِ، أو الخطأ، فلهُم شُبُهاتٌ واستدلالاتٌ، فَإِن تَنَازَعتُم فِي شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] وإذا ردَدنا هذهِ المسألةَ إلى دَلالةِ الكتابِ والسُّنَّة علمنا أنَّ الإيمانَ شاملٌ للاعتقادِ القلبيِّ، والعملِ القلبيِّ، وإقرارِ اللسانِ، وعملِ الجوارحِ، كلُّ هذهِ من الإيمانِ، ودلائِلُها معروفةٌ، "الإيمانُ بضعٌ وسُتُّونَ شُعبةً"، أتدرونَ ما الإيمان؟ يقولُ لوفدِ عبدِ القيس: "أتدرون ما الإيمان؟" شهادة، أتدرونَ ما الإيمانُ باللهِ وحدَه؟ شهادةُ أن لّا إله إّلا الله، وأنَّ محمّداً رسولُ الله، وإقامُ الصَّلاةِ، وصومُ رمضانَ، وأن تُعطوا الخُمُسَ من المَغنم". ففسَّرَ الإيمانَ في هذا الحديثِ بالأعمال، ولما ذكرَهُما جميعاً في حديثِ جبريلَ فرَّقَ بينهما، ولهذا قِيلَ: إنَّ الإيمانَ والإسلامَ إذا ذُكِرا واقتَرَنَا فلابدَّ من الفرقِ بينَهما، مثل: إِنَّ المُسلِمِينَ وَالمُسلِمَاتِ وَالمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ [الأحزاب:35] لابُدَّ أن يكون بينَهما فَرقٌ، وإلَّا يُصبحُ ليسَ لهذا التَّنويعِ فائدةٌ.
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة