الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب الفرقان بين الحق والباطل/(17) الجن مأمورون ومنهيون كالإنس “قوله وصرع الجن للإنس هو لأسباب ثلاثة”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(17) الجن مأمورون ومنهيون كالإنس “قوله وصرع الجن للإنس هو لأسباب ثلاثة”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الفُرقان بينَ الحقِّ والباطلِ) لابن تيميّة
الدّرس السّابع عشر

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى اللهُ وسلّمَ وباركَ على نبيِّنا محمّدٍ وعلى آلهِ وصحبِهِ أجمعين، اللهُمَّ اغفر لنا ولشيخِنا وللمسلمين يا ربَّ العالمين، قَالَ شيخُ الإسلامِ رحمنا اللهُ وإيّاه:
وَصَرَعُ الجِنِّ لِلإِنسِ هُوَ لِأَسبَابٍِ ثَلَاثَةٍ: تَارَةً يَكُونُ الجِنِّيُّ يُحِبُّ المَصرُوعَ فَيَصرَعُهُ لِيَتَمَتَّعَ بِهِ، وَهَذَا الصَّرَعُ يَكُونُ أَرفَقَ مِن غَيرِهِ وَأَسهَلَ، وَتَارَةً يَكُونُ الإِنسِيُّ آذَاهُم إذَا بَالَ عَلَيهِم..

– الشيخ: لأنّه عِشقٌ، اللهُ المستعانُ، ولهذا؛ المعروفُ أنَّ الرَّجلَ تصرعُهُ أنثى من الجنِّ، والأنثى يصرَعُها رجلٌ، فالمسألةُ مسألةُ استمتاعٍ، نعم، أعوذُ بالله.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، وَتَارَةً يَكُونُ الإِنسِيُّ آذَاهُم إذَا بَالَ عَلَيهِم أَو صَبَّ عَلَيهِم مَاءً حَارًّا أَو يَكُونُ قَتَلَ بَعضَهُم أَو غَيرَ ذَلِكَ مِن أَنوَاعِ الأَذَى؛ وَهَذَا أَشَدُّ الصَّرَعِ، وَكَثِيرًا مَا يَقتُلُونَ المَصرُوعَ..
– الشيخ: مشهورٌ عندَ العامَّةِ وهو صحيحٌ، يَحترِزونَ من البولِ في الأماكنِ ال، يعني في مثلِ الجُحور، وفي مثلِ الأماكنِ الّتي يُحتمَلُ أن يكونَ فيها، وكذلكَ إذا صبَّ الماءَ الحارَّ، ينبغي أن يُصبَّ بشيءٍ من الرِّفقِ. مشهورٌ عندَ النَّاسِ أنَّهم يتحاشَونَهُ، وإذا أرادَ الإنسانُ صبَّ الماءِ يقول: بسمِ اللهِ. اللهُ المستعان.
 
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، أَو غَيرِ ذَلِكَ مِن أَنوَاعِ الأَذَى، وَهَذَا أَشَدُّ الصَّرَعِ، وَكَثِيرًا مَا يَقتُلُونَ المَصرُوعَ..
– الشيخ:
لأنَّه صَرَعُ انتقام، صرعُ انتقام
– القارئ: وَتَارَةً يَكُونُ بِطَرِيقِ العَبَثِ بِهِ؛ كَمَا يَعبَثُ سُفَهَاءُ الإِنسِ بِأَبنَاءِ السَّبِيلِ. وَمِن استِمتَاعِ الإِنسِ بِالجِنِّ: استِخدَامُهُم فِي الإِخبَارِ بِالأُمُورِ الغَائِبَةِ كما يُخبَرُ الكُهَّانُ..
– الشيخ: كما يُخبِر
– القارئ: فَإِنَّ فِي الإِنسِ مَن لَهُ غَرَضٌ فِي هَذَا؛ لِمَا يَحصُلُ بِهِ مِن الرِّيَاسَةِ وَالمَالِ وَغَيرِ ذَلِكَ، فَإِن كَانَ القَومُ كُفَّارًا كَمَا كَانَت العَرَبُ لَم يُبَالِ بِأَن يُقَالَ إنَّهُ كَاهِنٌ كَمَا كَانَ بَعضُ العَرَبِ كُهَّانًا، وَقَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ المَدِينَةَ وَفِيهَا كُهَّانٌ، وَكَانَ المُنَافِقُونَ يَطلُبُونَ التَّحَاكُمَ إلَى الكُهَّانِ، وَكَانَ أَبُو بُردةَ الأسلمي أَحَدَ الكُهَّانِ قَبلَ أَن يُسلِمَ. وَإِن كَانَ القَومُ مُسلِمِينَ لَم يُظهِر أَنَّهُ كَاهِنٌ؛ بَل يَجعَلُ ذَلِكَ مِن بَابِ الكَرَامَاتِ، وَهُوَ مِن جِنسِ الكُهَّانِ، فَإِنَّهُ لَا يَخدِمُ الإِنسِيَّ بِهَذِهِ الأَخبَارِ إلَّا لِمَا يَستَمتِعُ بِهِ مِن الإِنسِيِّ؛ بِأَن يُطِيعَهُ الإِنسِيُّ فِي بَعضِ مَا يُرِيدُهُ إمَّا فِي شِركٍ وَإِمَّا فِي فَاحِشَةٍ وَإِمَّا فِي أَكلِ حَرَامٍ وَإِمَّا فِي قَتلِ نَفسٍ بِغَيرِ حَقٍّ.
فَالشَّيَاطِينُ لَهُم غَرَضٌ فِيمَا نَهَى اللَّهُ عَنهُ مِن الكُفرِ وَالفُسُوقِ وَالعِصيَانِ، وَلَهُم لَذَّةٌ فِي الشَّرِّ وَالفِتَنِ، يُحِبُّونَ ذَلِكَ وَإِن لَم يَكُن فِيهِ مَنفَعَةٌ لَهُم، وَهُم يأمرونَ السَّارِقَ أَن يَسرِقَ وَيَذهَبُونَ إلَى أَهلِ المَالِ فَيَقُولُونَ: فُلَانٌ سَرَقَ مَتَاعَكُم؛ وَلِهَذَا يُقَالُ: القُوَّةُ المَلكِيَّةُ وَالبَهِيمِيَّةُ والسبعية والشيطانية..

– الشيخ: لا لا، المَلَكِيَّة، وَلِهَذَا يُقَالُ: القُوَّةُ
– القارئ: وَلِهَذَا يُقَالُ: القُوَّةُ المَلَكِيَّةُ وَالبَهِيمِيَّةُ والسَّبعيَّةُ..
– الشيخ: السَّبُعِيَّةُ، سَبُع
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، سكَّنَ..
والسَّبُعِيَّةُ والشَّيطَانيَّة، فَإِنَّ المَلَكِيَّةَ فِيهَا العِلمُ النَّافِعُ وَالعَمَلُ الصَّالِحُ، وَالبَهِيمِيَّةَ فِيهَا الشَّهَوَاتُ كَالأَكلِ وَالشُّربِ، والسَّبُعِيَّة فِيهَا الغَضَبُ وَهُوَ دَفعُ المُؤذِي، وَأَمَّا الشَّيطَانِيَّةُ فَشَرٌّ مَحضٌ..

– الشيخ: والعدوان على، سَبُعٍ
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، وَأَمَّا الشَّيطَانِيَّةُ فَشَرٌّ مَحضٌ لَيسَ فِيهَا جَلبُ مَنفَعَةٍ وَلَا دَفعُ مَضَرَّةٍ. وَالفَلَاسِفَةُ وَنَحوُهُم مِمَّن لَا يَعرِفُ الجِنَّ وَالشَّيَاطِينَ؛ لَا يَعرِفُونَ هَذِهِ وَإِنَّمَا يَعرِفُونَ الشَّهوَةَ وَالغَضَبَ. وَالشَّهوَةُ وَالغَضَبُ خُلِقَا لِمَصلَحَةِ وَمَنفَعَةٍ؛ لَكِنَّ المَذمُومَ هُوَ العُدوَانُ فِيهِمَا، وَأَمَّا الشَّيطَانُ فيأمرُ بِالشَّرِّ الَّذِي لَا مَنفَعَةَ فِيهِ، وَيُحِبُّ ذَلِكَ كَمَا فَعَلَ إبلِيسُ بِآدَمَ لَمَّا وَسوَسَ لَهُ، وكَمَا امتَنَعَ مِن السُّجُودِ لَهُ، فَالحَسَدُ يأمرُ بِهِ الشَّيطَانُ. وَالحَاسِدُ لَا يَنتَفِعُ بِزَوَالِ النِّعمَةِ عَن المَحسُودِ لَكِن يُبغِضُ ذَلِكَ، وَقَد يَكُونُ بُغضُهُ لِفَوَاتِ غَرَضِهِ، وَقَد لَا يَكُونُ. وَمِن استِمتَاعِ الإِنسِ بِالجِنِّ استِخدَامُهُم..
– الشيخ:
تُعيد، تُعيد شوي، ما هو بواضح …
– القارئ: قال: وَأَمَّا الشَّيطَانُ فيأمرُ بِالشَّرِّ الَّذِي لَا مَنفَعَةَ فِيهِ وَيُحِبُّ ذَلِكَ؛ كَمَا فَعَلَ إبلِيسُ بِآدَمَ لَمَّا وَسوَسَ لَهُ، وَكَمَا امتَنَعَ مِن السُّجُودِ لَهُ، فَالحَسَدُ يأمرُ بِهِ الشَّيطَانُ..
– الشيخ: الحسدُ يأمرُ بهِ الشَّيطانُ، أعوذُ بالله
– القارئ: وَالحَاسِدُ لَا يَنتَفِعُ بِزَوَالِ النِّعمَةِ عَن المَحسُودِ لَكِن يُبغِضُ ذَلِكَ، وَقَد يَكُونُ بُغضُهُ لِفَوَاتِ غَرَضِهِ وَقَد لَا يَكُونُ. وَمِن..
– الشيخ: الحسدُ مرضٌ، مرضٌ خبيثٌ، هو من سبيلِ الشّيطانِ، وقد وصفَ اللهُ بهِ اليهودَ وَدَّ كَثِيرٌ مِّن أَهلِ الكِتَابِ لَو يَرُدُّونَكُم مِّن بَعدِ إِيمَانِكُم كُفَّاراً حَسَدًا مِّن عِندِ أَنفُسِهِم [البقرة:109] أَم يَحسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِن فَضلِهِ [النساء:54] فينبغي على المسلمِ أن يحذرَ من هذهِ الأمراضِ الخفيّةِ لأنَّهُ نفسيٌّ بحتٌ ما يتبيّن، ولكن قد يظهرُ أثرُهُ، لكن يقولُ أهلُ العلمِ أنَّه إذا كانَ يقعُ في النَّفس، ولكنَّ المسلمَ يَكرهُه من نفسِهِ ويُقاومُهُ ولا يعملُ بموجَبِه، فإنَّه يُرجَى أنَّه لا يضرُّه.
 
– القارئ: أحسنَ الله إليكم، وَمِن استِمتَاعِ الإِنسِ بِالجِنِّ استِخدَامُهُم فِي إحضَارِ بَعضِ مَا يَطلُبُونَهُ مِن مَالٍ وَطَعَامٍ وَثِيَابٍ وَنَفَقَةٍ، وقَد يأتونَ بِبَعضِ ذَلِكَ وَقَد يَدُلُّونَهُ عَلَى كَنزٍ وَغَيرِهِ.
وَاستِمتَاعُ الجِنِّ بِالإِنسِ استِعمَالُهُم فِيمَا يُرِيدُهُ الشَّيطَانُ مِن كُفرٍ وَفُسُوقٍ وَمَعصِيَةٍ، وَمِن استِمتَاعِ الإِنسِ بِالجِنِّ استِخدَامُهُم فِيمَا يَطلُبُهُ الإِنسُ مِن شِركٍ وَقَتلٍ وَفَوَاحِشَ، فَتَارَةً يَتَمَثَّلُ الجِنِّيُّ فِي صُورَةِ الإِنسِيِّ فَإِذَا استَغَاثَ بِهِ بَعضُ أَتبَاعِهِ أَتَاهُ فَظَنَّ أَنَّهُ الشَّيخُ نَفسُهُ، وَتَارَةً يَكُونُ التَّابِعُ قَد نَادَى شَيخَهُ وَهَتَفَ بِهِ: يَا سَيِّدِي فُلَان، فَيَنقُلُ الجِنِّيُّ ذَلِكَ الكَلَامَ إلَى الشَّيخِ بِمِثلِ صَوتِ الإِنسِيِّ حَتَّى يَظُنَّ الشَّيخُ أَنَّهُ صَوتُ الإِنسِيِّ بِعَينِهِ، ثُمَّ إنَّ الشَّيخَ يَقُولُ: نَعَم، وَيُشِيرُ إشَارَةً يَدفَعُ بِهَا ذَلِكَ المَكرُوهَ، فيأتي الجِنِّيُّ بِمِثلِ ذَلِكَ الصَّوتِ وَالفِعلِ فَيَظُنُّ ذَلِكَ – الشيخصُ أَنَّهُ شَيخُهُ نَفسُهُ وَهُوَ الَّذِي أَجَابَهُ وَهُوَ الَّذِي فَعَلَ ذَلِكَ، حَتَّى أَنَّ تَابِعَ الشَّيخِ قَد يَكُونُ في يَدُهُ إنَاءٌ يأكلُ فَيَضَعُ الجِنِّيُّ يَدَهُ فِي صُورَةِ يَدِ الشَّيخِ ويأخذُ مِن الطَّعَامِ؛ فَيَظُنُّ ذَلِكَ التَّابِعُ أَنَّهُ شَيخُهُ حَاضِرٌ مَعَهُ وَالجِنِّيُّ يُمَثِّلُ لِلشَّيخِ نَفسِهِ مِثلَ ذَلِكَ الإِنَاءِ؛ فَيَضَعُ يَدَهُ فِيهِ حَتَّى يَظُنَّ الشَّيخُ أَنَّ يَدَهُ فِي ذَلِكَ الإِنَاءِ، فَإِذَا حَضَرَ المُرِيدُ ذَكَرَ لَهُ الشَّيخُ أَنَّ يَدِي كَانَت فِي الإِنَاءِ فَيُصَدِّقُهُ، وَيَكُونُ بَينَهُمَا مَسَافَةُ شَهرٍ، وَالشَّيخُ مَوضِعهُ وَيَدُهُ لَم تَطُل، وَلَكِنَّ الجِنِّيَّ مَثَّلَ لِلشَّيخِ وَمَثَّلَ لِلمُرِيدِ حَتَّى ظَنَّ كُلٌّ مِنهُمَا أَنَّ أَحَدَهُمَا عِندَ الآخَرِ، وَإِنَّمَا كَانَ عِندَهُ مَا مَثَّلَهُ الجِنِّيُّ وَخَيَّلَهُ.
وَإِذَا سُئِلَ الشَّيخُ المَخدُومُ عَن أَمرٍ غَائِبٍ إمَّا سَرِقَةٍ وَإِمَّا شَخصٍ مَاتَ وَطُلِبَ مِنهُ أَن يُخبِرَ بِحَالِهِ، أَو عِلَّةٍ فِي النِّسَاءِ أَو غَيرِ ذَلِكَ؛ فَإِنَّ الجِنِّيَّ قَد يُمَثِّلُ ذَلِكَ فَيُرِيهِ صُورَةَ المَسرُوقِ، فَيَقُولُ – الشيخ: ذَهَبَ لَكُم كَذَا وَكَذَا، ثُمَّ إن كَانَ صَاحِبُ المَالِ مُعَظَّمًا وَأَرَادَ أَن يَدُلَّهُ عَلَى سَرِقَتِهِ مَثَّلَ لَهُ الشَّيخُ الَّذِي أَخَذَهُ أَو المَكَانَ الَّذِي فِيهِ المَالُ، فَيَذهَبُونَ إلَيهِ فَيَجِدُونَهُ كَمَا قَالَ. وَالأَكثَرُ مِنهُم أَنَّهُم يُظهِرُونَ صُورَةَ المَالِ وَلَا يَكُونُ عَلَيهِ؛ لِأَنَّ الَّذِي سَرَقَ المَالَ مَعَهُ أَيضًا جِنِّيٌّ يَخدِمُهُ، وَالجِنُّ يَخَافُ بَعضُهُم مِن بَعضٍ كَمَا أَنَّ الإِنسَ يَخَافُ بَعضُهُم بَعضًا، فَإِذَا دَلَّ الجِنِّيُّ عَلَيهِ جَاءَ إلَيهِ أَولِيَاءُ السَّارِقِ فَآذَوهُ.

– الشيخ: هذا المهم شياطين كما قال الله: يُوحِي بعضُهم إِلى بعض زُخرُفَ القولِ غُرُورا [الأنعام:112] وكذلك يتعاونونَ على الشّرِّ وعلى الفسادِ وعلى التّمويهِ والمكرِ بالإنسِ، يمكرون، الشَّياطينُ يمكرونَ بالإنسان أعوذُ بالله، ولهذا اللهُ أمدَّ المؤمنينَ يعني بالأورادِ والأذكارِ الطيِّبةِ والاستعاذةِ باللهِ والتوكُّلِ عليه سبحانَه وتعالى، والآياتِ العظيمةِ كآيةِ الكرسيِّ وكذلك المعوِّذتين، وكلّها مما يعصمُ اللهُ بها من استعمَلَها وصَدَقَ وتوكَّلَ.
– طالب: أحسنَ اللهُ إليكم، كأنَّ الأحوالَ التي يذكُرُها الشيخُ في معناها الظَّاهرِ: الطُرُقُ الصُّوفيةُ …
– الشيخ: اش هي؟
– طالب: وكأنّها ليست مع أهلِ السنّة، الذين يُحافظون على الأورادِ والأذكار.
– الشيخ:
واللهِ، الظَّاهرُ أنَّه يعني الشَّيخ، الشيوخُ يُعبِّرون عن الرموزِ أو يعني أعيان من الصّوفيّةِ.
 
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، قال رحمهُ الله:
وَالجِنُّ يَخَافُ بَعضُهُم مِن بَعضٍ كَمَا أَنَّ الإِنسَ يَخَافُ بَعضُهُم بَعضًا، فَإِذَا دَلَّ الجِنِّيُّ عَلَيهِ جَاءَ إلَيهِ أَولِيَاءُ السَّارِقِ فَآذَوهُ. وَأَحيَانًا لَا يَدُلُّ لِكَونِ السَّارِقِ وَأَعوَانِهِ يَخدِمُونَهُ وَيَرشُونَه كَمَا يُصِيبُ مَن يَعرِفُ اللُّصُوصَ مِن الإِنسِ، تَارَةً يَعرِفُ السَّارِقَ وَلَا يُعَرِّفُ بِهِ؛ إمَّا لِرَغبَةِ يَنَالُهَا مِنهُ وَإِمَّا لِرَهبَةِ وَخَوفٍ مِنهُ، وَإِذَا كَانَ المَالُ المَسرُوقُ لِكَبِيرٍ يَخَافُهُ وَيَرجُوهُ عَرَّفَ سَارِقَهُ، فَهَذَا وَأَمثَالُهُ مِن استِمتَاعِ بَعضِهِم بِبَعضٍ.
وَالجِنُّ مُكَلَّفُونَ كَتَكلِيفِ الإِنسِ، وَمُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مُرسَلٌ إلَى الثَّقَلَينِ الجِنِّ وَالإِنسِ. وَكُفَّارُ الجِنِّ يَدخُلُونَ النَّارَ بِالنُّصُوصِ وَإِجمَاعِ المُسلِمِينَ، وَأَمَّا مُؤمِنُوهُم: فَفِيهِم قَولَانِ، وَأَكثَرُ العُلَمَاءِ عَلَى أَنَّهُم يُثَابُونَ أَيضًا وَيَدخُلُونَ الجَنَّةَ، وَقَد رُوِيَ أَنَّهُم يَكُونُونَ فِي رَبضِهَا يَرَاهُم الإِنسُ مِن حَيثُ لَا يَرَونَ الإِنسَ عَكسُ الحَالِ فِي الدُّنيَا؛ وَهُوَ حَدِيثٌ رَوَاهُ الطبراني فِي مُعجَمِهِ الصَّغِيرِ يَحتَاجُ إلَى النَّظَرِ فِي إسنَادِهِ. وَقَد احتَجَّ ابنُ أَبِي لَيلَى وَأَبُو يُوسُفَ عَلَى ذَلِكَ بِقَولِهِ تَعَالَى: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا [الأنعام:132] وَقَد ذُكِرَ الجِنُّ وَالإِنسُ الأَبرَارُ وَالفُجَّارُ فِي الأَحقَافِ وَالأَنعَامِ، وَاحتَجَّ الأوزاعي وَغَيرُهُ..
– الشيخ:
الظاهرُ، في سورةِ الرّحمنِ، سورة الرّحمن، ذكرَ اللهُ خطابًا للإنس والجِن في آياتٍ كثيرةٍ، ذكرَ ما يُشعرُ أنَّهم كذلك في الثوابِ والعقابِ.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، وَاحتَجَّ الأوزاعيُّ وَغَيرُهُ بِقَولِهِ تَعَالَى: لم يَطمِثهُنَّ إنسٌ قَبلَهُم وَلَا جَانٌّ [الرحمن:56] وَقَد قَالَ تَعَالَى فِي الأَحقَافِ: أُولَئِكَ الَّذِينَ حَقَّ عَلَيهِمُ القَولُ فِي أُمَمٍ قَد خَلَت مِن قَبلِهِم مِنَ الجِنِّ وَالإِنسِ إنَّهُم كَانُوا خَاسِرِينَ * وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا [الأحقاف:18-19] وَقَد تَقَدَّمَ قَبلَ هَذَا ذِكرُ أَهلِ الجَنَّةِ وَقَولُهُ: أُولَئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنهُم أَحسَنَ مَا عَمِلُوا وَنَتَجاوَزُ عَن سَيِّئَاتِهِم فِي أَصحَابِ الجَنَّةِ [الأحقاف:16] ثُمَّ قَالَ: وَلِكُلٍّ دَرَجَاتٌ مِمَّا عَمِلُوا وَلِيُوَفِّيَهُم أَعمَالَهُم وَهُم لَا يُظلَمُونَ [الأحقاف:19]
قَالَ عَبدُ الرَّحمَنِ بنُ زَيدِ بنِ أَسلَمَ: دَرَجَاتُ أَهلِ الجَنَّةِ تَذهَبُ عُلُوًّا، وَدَرَجَاتُ أَهلِ النَّارِ تَذهَبُ سُفلًا. وَقَد قَالَ تَعَالَى عَن قَولِ الجِنِّ: وَأنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا [الجن:11]
وَقَالُوا: وَأَنَّا مِنَّا المُسلِمُونَ وَمِنَّا القَاسِطُونَ فَمَن أَسلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوا رَشَدًا*وَأَمَّا القَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا [الجن:14-15]
فَفِيهِم الكُفَّارُ وَالفُسَّاقُ وَالعُصَاةُ، وَفِيهِم مَن فِيهِ عِبَادَةٌ وَدِينٌ بِنَوعٍ مِن قِلَّةِ العِلمِ كَمَا فِي الإِنسِ، وَكُلُّ نَوعٍ مِن الجِنِّ يَمِيلُ إلَى نَظِيرِهِ مِن الإِنسِ؛ فَاليَهُودُ مَعَ اليَهُودِ وَالنَّصَارَى مَعَ النَّصَارَى وَالمُسلِمُونَ مَعَ المُسلِمِينَ وَالفُسَّاقُ مَعَ الفُسَّاقِ وَأَهلُ الجَهلِ وَالبِدَعِ مَعَ أَهلِ الجَهلِ وَالبِدَعِ. وَاستِخدَامُ الإِنسِ لَهُم مِثلُ استِخدَامِ الإِنسِ لِلإِنسِ بِشَيءٍ، مِنهُم مَن يَستَخدِمُهُم فِي المُحَرَّمَاتِ مِن الفَوَاحِشِ وَالظُّلمِ وَالشِّركِ وَالقَولِ عَلَى اللَّهِ بِلَا عِلمٍ، وَقَد يَظُنُّونَ ذَلِكَ مِن كَرَامَاتِ الصَّالِحِينَ وَإِنَّمَا هُوَ مِن أَفعَالِ الشَّيَاطِينِ. وَمِنهُم مَن يَستَخدِمُهُم فِي أُمُورٍ مُبَاحَةٍ: إمَّا إحضَارُ مَالِهِ، أَو دَلَالَةٍ عَلَى مَكَانٍ فِيهِ مَالٌ لَيسَ لَهُ مَالِكٌ مَعصُومٌ، أَو دَفعِ مَن يُؤذِيهِ وَنَحوِ ذَلِكَ؛ فَهَذَا كَاستِعَانَةِ الإِنسِ بَعضِهِم بِبَعضِ فِي ذَلِكَ.
والنَّوعُ الثَّالِثُ أَن يَستَعمِلَهُم فِي طَاعَةِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ كَمَا يُستَعمَلُ الإِنسُ فِي مِثلِ ذَلِكَ؛ فيأمرهم بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، وَيَنهَاهُم عَمَّا نَهَاهُم اللَّهُ عَنهُ وَرَسُولُهُ كَمَا يأمرُ الإِنسُ وَيَنهَاهُم، وَهَذِهِ حَالُ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ وَحَالُ مَن اتَّبَعَهُ وَاقتَدَى بِهِ مِن أُمَّتِهِ وَهُم أَفضَلُ الخَلقِ، فَإِنَّهُم يأمرونَ الإِنسَ وَالجِنَّ بِمَا أَمَرَهُم اللَّهُ بِهِ وَرَسُولُهُ، وَيَنهَونَ الإِنسَ وَالجِنَّ عَمَّا نَهَاهُم اللَّهُ عَنهُ وَرَسُولُهُ؛ إذ كَانَ نَبِيُّنَا مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ مَبعُوثًا بِذَلِكَ إلَى الثَّقَلَينِ الإِنسِ وَالجِنِّ، وَقَد قَالَ اللَّهُ لَهُ: قُل هَذِهِ سَبِيلِي أَدعُو إلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشرِكِينَ [يوسف:108]
وَقَالَ: قُل إن كُنتُم تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحبِبكُمُ اللَّهُ وَيَغفِر لَكُم ذُنُوبَكُم وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ [آل عمران:31]
وَعُمَرُ لَمَّا نَادَى يَا..

– الشيخ: كفى إلى هنا يا أخي، كلامٌ متَّصلٌ، ما في … نعم من بعده؟
– طالب: أقول شيخنا، بعضُ القُرَّاءِ يستعينُ بالجِنِّ أو غيرِهِ أو القرين
– الشيخ:
لا لا، هذا من خرافاتِهم، ومن دَعواهُم
– طالب: شيخ أحسنَ اللهُ إليكم، يقول: إذا استعانَ الإنسُ بالجنِّ في المباحِ كالكنوزِ التي ليست لأحدٍ، والإخبارِ عنها؟
– الشيخ: أي، هذي أحسن.
– طالب: هل هذا جائزٌ أحسن الله إليكم؟ هل هو كاستعانة الإنس بالإنس؟
– الشيخ: المقصودُ أنَّه اش معنى يستعينُ بهم؟ إذا قُدِّر أنهم دلُّوه
– طالب: … أحسن الله إليكم
– الشيخ: ما أدري عنهُ، قد يقعُ وقد يحصلُ، قد يحصلُ، لكنَّ الشيءَ الذي أنا أمنعُه دعوى أنَّ له أصحابًا من الجِنِّ، وأنّهم يسوّون لَهُ وكذا، ويُخبرونَهُ، يُصبح كيفَ نميِّزُ بين هذا وبين الكاهنِ؟ لا ندري؟ أمّا ما يحصلُ اتفاقاً يعني في مواقفٍ عارضةٍ هذا ما نقولُ فيه شيءٌ، أنت لو أخبرتَنَا وقلتَ: واللهِ عَرَضَ لي البارحةُ، رأيتُ شيء كذا وكذا، واحد صوَّتَ و، ممكن يكونُ جنيًا و، إمّا إنّه لإزعاجٍ، أو يمكن بعضَ ال، يعني الجنّ فيهم الصّالحُ والطّالحُ، يمكن لو قلتَ واللهِ كأنَّه شيءٌ نبَّهني من النَّومِ ولَّا الوقت واصل، ممكن يكونُ جِنّي أعانَكَ على الطَّاعة.
– طالب: ممكن أستعذ؟
– الشيخ: ها؟
– طالب: أقول: يعني هؤلاءِ هم يذهبونَ بالاستعاذةِ؟ يعني نحافظُ على الأذكار؟
– الشيخ: من هم الّلي يذهبون، الأشرارُ هم الذين يذهبون؟
– طالب: … أهل الخيرِ منهم؟
– الشيخ:
لأ، الأشرارُ هم اللي يذهبوا، المفسدون هم الّلي، وأمّا المحسنُ ما، أنت تريدُ بأذكارِكَ طردَ الصالحين؟
– طالب: تقرأ: من الجِنَّة بمعنى الصَّالح والطَّالِح؟
– الشيخ: لأ، لا لا، طردِ الأشرارِ، الجِنِّيُّ الصَّالحُ ما يُؤذيكَ ولا تخافَ منه …
– طالب: أحسنَ اللهُ إليك شيخ، حديث "نحنُ قتلنا سعدَ بنَ عُبادة"
– الشيخ:
ما أدري يعني يُنكرُهُ كثيرٌ من المُؤرِّخين، نعم
– طالب: شيخ وقوله: وهذه حال نبيِّنا وحال من اتَّبعَه واقتدى به من أمَّته
– الشيخ: أيه يعني حالهم أنَّهم يأمروَن بالمعروفِ وينهونَ عن المنكرِ، يأمرونَ ويدعون الجنَّ والإنسَ، حَسَبَ حالِهم.
– طالب: لكن لا يقصدونَ الجنَّ بدعوةٍ؟
– الشيخ:
واش بيها؟ إن لاقاهم يدعوهم، يمكن، يعني نفس عندما ترقي الشّيطانَ الخبيثَ الصارعَ؛ تقولُ له اتقِّ اللهَ، اتقِّ اللهَ، ممكن تقولُ له آمن، آمن باللهِ ورسولِهِ، ما أنت مسلم، أنت ما أنت مسلم، اتَّقِّ اللهَ.
– طالب: أحسنَ اللهُ إليكم، الشيخ ذكرَ في بعضِ المواضعِ يقول: تكثرُ الجنُّ في الأودية.
– الشيخ:
هذا محسوسٌ
– طالب: هذا جرت به العادةُ أم فيه نصٌّ؟ أحسنَ اللهُ إليك
– الشيخ: ايش في ايش؟
– طالب: في نصوص يعني تُثبِت هذا؟
– الشيخ:
لا، تُثبته (يُثبِتُهُ) الواقعُ، أنت إذا دخلتَ ممكن أودية ال، هم يأوُون، الأشرارُ منهم يأوُونَ إلى الأمكنةِ السّيّئةِ، حتى الحُشُوش، الحُشُوشُ تأوي إليها الخُبثاءُ الشياطينُ "أعوذُ بالله من الخُبُث والخَبَائِث".
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة