بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ
التَّعليق على كتاب (الجوابُ الكافي لِمَن سألَ عن الدّواءِ الشَّافي) لابن القيّم
الدّرس: السَّادس والعشرون
*** *** *** ***
– القارئ : الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلِّ اللَّهمَّ وسلِّمْ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ. أمَّا بعدُ:
قالَ العلَّامةُ ابنُ القيِّمِ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في كتابِهِ "الجوابُ الكافي لـِمَن سألَ عن الدَّواءِ الشَّافي":
فصلٌ
وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَعْصِيَةَ سَبَبٌ لِهَوَانِ الْعَبْدِ عَلَى رَبِّهِ
– الشيخ : أعوذُ بالله، "وَمِنْهَا" أي: من عقوبات الذُّنوب، المؤلِّفُ في صدد ذكر عقوباتِ الذُّنوب وهي أنواعٌ حسِّيَّةٌ ومعنويَّةٌ ودنيويَّةٌ وأخرويَّةٌ، فهو يذكر في هذه الفصول أنواعَ عقوباتِ الذُّنوب، "وَمِنْهَا" أي: من عقوبات الذُّنوب.
– القارئ : وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَعْصِيَةَ سَبَبٌ لِهَوَانِ الْعَبْدِ عَلَى رَبِّهِ وَسُقُوطِهِ مِنْ عَيْنِهِ.
– الشيخ : أعوذ بالله، يا الله، وهذا يحصلُ لمن استخفَّ بالذُّنوبِ واجترأَ عليها وأسرفَ على نفسه وأصرَّ على ما هو عليه.
– القارئ : قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: هَانُوا عَلَيْهِ فَعَصَوْهُ، وَلَوْ عَزُّوا عَلَيْهِ لَعَصَمَهُمْ، وَإِذَا هَانَ الْعَبْدُ عَلَى اللَّهِ لَمْ يُكْرِمْهُ أَحَدٌ
– الشيخ : أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله، أستغفر الله
– القارئ : وَإِذَا هَانَ الْعَبْدُ عَلَى اللَّهِ لَمْ يُكْرِمْهُ أَحَدٌ، كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ [الْحَجِّ:18] وَإِنْ عَظَّمَهُمُ النَّاسُ فِي الظَّاهِرِ لِحَاجَتِهِمْ إِلَيْهِمْ أَوْ خَوْفًا مِنْ شَرِّهِمْ، فَهُمْ فِي قُلُوبِهِمْ أَحْقَرُ شَيْءٍ وَأَهْوَنُهُ.
وَمِنْهَا: أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَزَالُ يَرْتَكِبُ
– الشيخ : نسأل اللهَ العافيةَ، نسأل اللهَ العافيةَ، نسألُ اللهَ العافيةَ، يعني تعظيمُ النَّاسِ للإنسان لا يدلُّ على خيريَّته، ولا يدلُّ على رضا اللهِ عنه؛ لأنَّ النَّاس يعظِّمونه لأسبابٍ: إمَّا لحاجةٍ إليه أو خوفًا من شرِّه.
– القارئ : وَمِنْهَا: أَنَّ الْعَبْدَ لَا يَزَالُ يَرْتَكِبُ الذَّنْبَ حَتَّى يَهُونَ عَلَيْهِ وَيَصْغُرَ فِي قَلْبِهِ، وَذَلِكَ عَلَامَةُ الْهَلَاكِ، فَإِنَّ الذَّنَبَ كُلَّمَا صَغُرَ فِي عَيْنِ الْعَبْدِ عَظُمَ عِنْدَ اللَّهِ.
وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: "إِنَّ الْمُؤْمِنَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَأَنَّهُ فِي أَصْلِ جَبَلٍ يَخَافُ أَنْ يَقَعَ، وَإِنَّ الْفَاجِرَ يَرَى ذُنُوبَهُ كَذُبَابٍ وَقَعَ عَلَى أَنْفِهِ، فَقَالَ بِهِ هَكَذَا فَطَارَ".
– الشيخ : يقول: " ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ" أيش؟
– القارئ : وَقَدْ ذَكَرَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ، في كتابِ الدَّعواتِ بابِ التَّوبةِ.
فَصْلٌ: أَنَّ غَيْرَهُ مِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ يَعُودُ عَلَيْهِ شُؤْمُ ذَنُوبِهِ، فَيَحْتَرِقُ هُوَ وَغَيْرُهُ بِشُؤْمِ الذُّنُوبِ وَالظُّلْمِ.
قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: إِنَّ الْحُبَارَى لَتَمُوتَ فِي وَكْرِهَا مِنْ ظُلْمِ الظَّالِمِ.
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: إِنَّ الْبَهَائِمَ تَلْعَنُ عُصَاةَ بَنِي آدَمَ إِذَا اشْتَدَّتِ السَّنَةُ، وَأُمْسِكَ الْمَطَرُ، وَتَقُولُ: هَذَا بِشُؤْمِ مَعْصِيَةِ ابْنِ آدَمَ.
وَقَالَ عِكْرِمَةُ: دَوَابُّ الْأَرْضِ وَهَوَامُّهَا حَتَّى الْخَنَافِسُ وَالْعَقَارِبُ، يَقُولُونَ: مُنِعْنَا الْقَطْرَ بِذُنُوبِ بَنِي آدَمَ.
فَلَا يَكْفِيهِ عِقَابُ ذَنْبِهِ، حَتَّى يَبوءَ بلعنةِ مَنْ لَا ذَنْبَ لَهُ.
فَصْلٌ: وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَعْصِيَةَ تُورِثُ الذُّلَّ وَلَا بُدَّ؛ فَإِنَّ الْعِزَّ كُلَّ الْعِزِّ فِي طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى، قَالَ تَعَالَى: مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا [فَاطِرٍ:10] أَيْ فَلْيَطْلُبْهَا بِطَاعَةِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا يَجِدُهَا إِلَّا فِي طَاعَةِ اللَّهِ.
وَكَانَ مِنْ دُعَاءِ بَعْضِ السَّلَفِ: اللَّهُمَّ أَعِزَّنِي بِطَاعَتِكَ، وَلَا تُذِلَّنِي بِمَعْصِيَتِكَ.
قَالَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ: إِنَّهُمْ وَإِنْ طَقْطَقَتْ بِهِمُ الْبِغَالُ، وَهَمْلَجَتْ بِهِمُ الْبَرَاذِينُ، إِنَّ ذُلَّ الْمَعْصِيَةِ لَا يُفَارِقُ قُلُوبَهُمْ، أَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُذِلَّ مَنْ عَصَاهُ.
– الشيخ : هذا هو العزُّ الحقُّ، العزُّ الحقُّ هو العزُّ الحاصلُ بالطَّاعة، بطاعة الله، أمَّا العزُّ الحاصلُ بأسبابٍ أخرى فهو عزٌّ مصحوبٌ بالذُّلِّ، عزٌّ في الظَّاهرِ، وعزٌّ زائلٌ، وعزٌّ لا يكافيه الذُّلُّ الَّذي في قلوب أصحاب الذُّنوب، "فإن ذُلَّ الْمَعْصِيَةِ لَا يُفَارِقُهم، أَبَى اللَّهُ إِلَّا أَنْ يُذِلَّ مَنْ عَصَاهُ".
وهذا ينصرف إلى المجترئين والمصرِّين أمَّا الذُّنوب الَّتي تعرض للإنسان ويندم عليها هذا لا يكاد يسلمُ منه أحدٌ (يَا عِبَادِي إِنَّكُمْ تُخْطِئُونَ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ، وَأَنَا أَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا، فَاسْتَغْفِرُونِي)، فالتَّوبة والنَّدم والاستغفار تمسح آثارَ الذُّنوب.
– القارئ : وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ:
رَأَيْتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ الْقُلُوبَ … وَقَدْ يُورِثُ الذُّلَّ إِدْمَانُهَا
وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَيَاةُ الْقُلُوبِ … وَخَيْرٌ لِنَفْسِكَ عِصْيَانُهَا
وَهَلْ أَفْسَدَ الدِّينَ إِلَّا الْمُلُوكُ … وَأَحْبَارُ سُوءٍ وَرُهْبَانُهَا
فَصْلٌ: وَمِنْهَا: أَنَّ الْمَعَاصِيَ تُفْسِدُ الْعَقْلَ، فَإِنَّ لِلْعَقْلِ نُورًا، وَالْمَعْصِيَةُ تُطْفِئُ نُورَ الْعَقْلِ وَلَا بُدَّ، وَإِذَا
– الشيخ : اللهُ المستعانُ، قفْ على هذا بس [يكفي].