الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب الفرقان بين الحق والباطل/(27) فصل الظن الراجح في نفس المستدل المجتهد “قوله التي يسميها بعض المتكلمين أمارات”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(27) فصل الظن الراجح في نفس المستدل المجتهد “قوله التي يسميها بعض المتكلمين أمارات”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الفُرقان بينَ الحقِّ والباطلِ) لابن تيميّة
الدّرس السّابع والعشرون

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِه أجمعين

– الشيخ: في أفكار، في أفكار ومذاهب إلحاديَّةٌ خَبيثةٌ، حتى العباداتُ عند الفلاسفة يقولون: هذه الشَّرائعُ شُرعتْ للتَّهذيبِ فإذا حصلَ تهذيبُ النَّفْسِ لا يُطالبُ بها، عند ملاحدةِ الصوفيةِ إذا حصلَ التهذيبُ وجمعُ القلبِ كما يُعبِّرونَ؛ فإنَّ هذا يُغني عن الصلاةِ، هذه الشَّرائعُ شُرعتْ لتهذيبِ النفسِ لجمعِ القلبِ على اللهِ، فهناك مذاهبُ خبيثةٌ تتضمَّنُ التوصّلَ إلى تغييرِ شَرائعِ الإسلامِ.
 
– القارئ: قال شيخُ الإسلامِ رحمنا اللهُ وإيّاهُ ووالِدِينا وشيخِنا والمسلمين:
فَصْلٌ: فَهَاهُنَا ثَلَاثَةُ أَشْيَاءَ؛ أَحَدُهَا: الظَّنُّ الرَّاجِحُ فِي نَفْسِ الْمُسْتَدِلِّ الْمُجْتَهِدِ. والثَّانِي: الْأَدِلَّةُ -الَّتِي يُسَمِّيهَا بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ أَمَارَاتٍ- الَّتِي تَعَارَضَتْ…

– الشيخ: يُسَمِّيهَا بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ أَمَارَاتٍ: كأنَّ هذا القولَ يرجعُ إلى قولِ من ينفي تأثيرَ الأسبابِ، حتى يُدرِج في ذلك الأدلَّةَ، يعني أنها ليست سَببًا لحُصولِ العلومِ في النفوسِ، أو العلمِ في النُّفوس، لكنّها أَمَارَاتٌ، يظهرُ أنَّ هذه الجملةَ راجعةٌ إلى هذا المذهبِ، أعني مذهبَ القائلينَ بعدمِ تأثيرِ الأسبابِ في مُسبَّبَاتها وإنَّما هي أَمَاراتٌ، لذلك يُسمُّون الأدلّةَ التي هي سببٌ في حصولِ العلمِ أو الظَّنِّ بحسبِ المراتبِ؛ لأنَّ هي سَبَب، لا ريبَ أنَّها أسبابٌ شَرعيَّةٌ وكونيَّةٌ فيُسمِّيها هؤلاءِ أَمَاراتٌ.

– القارئ: والثَّانِي: الْأَدِلَّةُ -الَّتِي يُسَمِّيهَا بَعْضُ الْمُتَكَلِّمِينَ أَمَارَاتٍ- الَّتِي تَعَارَضَتْ وَعَلِمَ الْمُسْتَدِلُّ بِأَنَّ الَّتِي أَوْجَبَتْ ذَلِكَ الظَّنَّ أَقْوَى مِنْ غَيْرِهَا.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ دَلِيلٌ آخَرُ عَلَى الْقَوْلِ الْآخَرِ لَمْ يَعْلَمْ بِهِ الْمُسْتَدِلُّ، وَهَذَا هُوَ الْوَاقِعُ فِي عَامَّةِ مَوَارِدِ الِاجْتِهَادِ؛ فَإِنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَسْمَعُ نَصًّا عَامًّا؛ كَمَا سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- نَهَى عَنْ قَطْعِ الْخُفَّيْنِ، وَأَنَّهُ أَمَرَ أَنْ لَا يَخْرُجَ أَحَدٌ حَتَّى يُوَدِّعَ الْبَيْتَ، أَوْ أَنَّ النَّبِيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-…
– الشيخ
: لا، قبل
– القارئ: قال: أَنَّ النَّبِيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- نَهَى عَنْ قَطْعِ الْخُفَّيْنِ.
– الشيخ: يعني المُحرِمْ، أيش؟ أيش يقول بحديثِ ابنِ عمرَ؟ .. أعدِ الموضوع
– القارئ: قال: فَإِنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَسْمَعُ نَصًّا عَامًّا؛ كَمَا سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- نَهَى عَنْ قَطْعِ الْخُفَّيْنِ وَأَنَّهُ أَمَرَ أَنْ لَا يَخْرُجَ أَحَدٌ حَتَّى يُوَدِّعَ الْبَيْتَ.
– الشيخ: وش هاي [ما هذه] قطع الخفين؟
– القارئ: قال يا شيخ في الحاشيةِ، قال: وأظنُّه عنه تصحيفًا.
– الشيخ: حديثُ ابن عمر (ومنْ لم يجدِ النَّعْلين فليلبسْ الخُفَّين وليقْطعْهما) الأمر
– طالب: كان آخرُ الأمرَين من حديثِ ابنِ عباسٍ
– الشيخ: اترُكْ اترُكْ، ما بعد جينا
– طالب: المُحقِّق علَّق في الحاشية
– الشيخ: إي اقرأ التعليقَ يا أخي، إذا مرّيتم بتعليقٍ نبِّهونا عليه
– القارئ: قال: وأظنُّه تَصْحيفًا؛ لأنّني بحثتُ كثيرًا عن نصٍّ عامٍّ يَنْهى فيه النبيُّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- عن قطْعِ الخُفين فلم أعثُرْ.
– الشيخ: ما في، ما في، قطعًا ما في حديث يَنهى عن قطعِ الخُفَّينِ، لا، هو خَلَلٌ في تركيبِ الكلامِ، سَقْطٌ ولَّا شي، ولَّا أصل حديث ابن عمر معروفٌ في الصحيحين: (وأنْ يقطعْهما أسفلَ من الكعبينِ)، طيِّب، كمّل كلامَ المُحقِّق.
 
– القارئ: بل الأحاديثُ ظاهرةٌ بوجوبِ قطعِ الخُفين للمُحرِمِ، وإنّما الذي يظهُر لي واللهُ أعلمُ من ذكرِ شيخِ الإسلامِ لأثرِ ابنِ عمرَ
– الشيخ: لا، لكنَّ ابنَ عمرَ يقولُ أيش؟
– القارئ: نَهَى عَنْ قَطْعِ الْخُفَّيْنِ.
– الشيخ: لا، الحين نَسَبَ هذا لابنِ عمرَ، فما أثرُ ابن عمرَ، قُلْ من الأولِ
– القارئ: قال: فَإِنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَسْمَعُ نَصًّا عَامًّا كَمَا سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- نَهَى عَنْ قَطْعِ الْخُفَّيْنِ.
– الشيخ: هذا كلامٌ لا أصلَ لهُ، ما سمعَ ابنُ عمرَ ولا غيرُه.
– القارئ: أكمِّل يا شيخ الحاشيةَ ولَّا؟
– الشيخ: أي، كمِّلْ الحاشيةَ إن كان فيها فائدةٌ.
 
– القارئ: قال: بل الأحاديثُ ظاهرةٌ بوجوبِ قطعِ الخُفَّينِ للمحرمِ، وإنَّما الذي يظهُر لي واللهُ أعلمُ من ذِكرِ شيخِ الإسلامِ لأثرِ ابنِ عمرَ أنَّه أرادَ الرُّخصةَ للنساءِ دونَ الرِّجالِ بدليلِ قولِه كما سيأتي قريبًا في النصِّ المُحقَّقِ: فكانوا يُفتونَ بأنَّ الحائضَ عليها الوداعُ، وعليها قطعُ الخفينِ، وهو ممَّا كان يخفى على ابنِ عمرَ، وكان يأمرُ بقطعِ الخفينِ للرجالِ والنساءِ حتى أُخبِرَ برخصةِ النبيّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- للنساءِ كما جاءَ في صحيحِ ابنِ خزيمةَ أنَّ ابنَ عمرَ قد كان صنعَ ذلك -يعني قطع الخُفينِ للنساءِ- حتى حدَّثته صُفيَّةُ بنتُ أبي عُبيدٍ عن عائشةَ أنَّ رسولَ اللهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- قد رخَّصَ للنساءِ في الخُفَّين. قال الشيخُ الأعظميُّ: إسنادُه حسنٌ. وهذا الأثرُ أظنُّه أشكلَ كذلك على الشيخِ أبي الأشبالِ الزُّهيري حيثُ أعرضَ عن تخريجِه مع أنَّه خرَّجَ الحديثَ الذي قبلَه والذي بعدَه، واللهُ أعلمُ.
– الشيخ
: طيِّبْ اقرأ.
 
– القارئ: فَإِنَّ الرَّجُلَ قَدْ يَسْمَعُ نَصًّا عَامًّا كَمَا سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ وَغَيْرُهُ أَنَّ النَّبِيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- نَهَى عَنْ قَطْعِ الْخُفَّيْنِ وَأَنَّهُ أَمَرَ أَنْ لَا يَخْرُجَ أَحَدٌ حَتَّى يُوَدِّعَ الْبَيْتَ، أَوْ أَنَّ النَّبِيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- نَهَى عَنْ لُبْسِ الْحَرِير، وَظَاهِرُهُ الْعُمُومُ، وَهَذَا رَاجِحٌ عَلَى الِاسْتِصْحَابِ النَّافِي لِلتَّحْرِيمِ فَعَمِلُوا بِهَذَا الرَّاجِحِ، وَهُمْ يَعْلَمُونَ قَطْعًا أَنَّ النَّهْيَ أَوْلَى مِنْ الِاسْتِصْحَابِ؛ لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَعَ الِاسْتِصْحَابِ دَلِيلٌ خَاصٌّ؛ وَلَكِنْ لَمَّا لَمْ يَعْلَمُوهُ لَمْ يَجُزْ لَهُمْ أَنْ يَعْدِلُوا عَمَّا عَلِمُوهُ إلَى مَا لَمْ يَعْلَمُوهُ؛ فَكَانُوا يُفْتُونَ بِأَنَّ الْحَائِضَ عَلَيْهَا الْوَدَاعُ، وَعَلَيْهَا قَطْعُ الْخُفَّيْنِ، وَأَنَّ قَلِيلَ الْحَرِيرِ وَكَثِيرَهُ حَرَامٌ، وَابْنُ الزُّبَيْرِ كَانَ يُحَرِّمُهُ عَلَى الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؛ لِعُمُومِ قَوْلِهِ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: (مَنْ لَبِسَ الْحَرِيرَ فِي الدُّنْيَا لَمْ يَلْبَسْهُ فِي الْآخِرَةِ).
وَكَذلك فِي نَفْسِ الْأَمْرِ نُصُوصٌ خَاصَّةٌ بِأَنَّ النَّبِيَّ -صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- رَخَّصَ لِلْحَائِضِ أَنْ تَنْفِرَ بِلَا وَدَاعٍ وَأَنَّهَا تَلْبَسُ الْخُفَّيْنِ وَغَيْرَهُمَا مِمَّا نَهَى عَنْهُ الْمُحْرِمَ وَلَكِنْ تَجْتَنِبُ النِّقَابَ وَالْقُفَّازَيْنِ، وَأَنَّهُ رَخَّصَ فِي مَوْضِعٍ أُصْبُعَيْنِ أَوْ ثَلَاثٍ أَوْ أَرْبَعَةٍ مِنْ الْحَرِيرِ كَمَا بَيَّنَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ فِي رِوَايَةِ عُمَرَ، وَلَمْ يَعْرِفْ بِهِ ابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ، وَكَانَ لَهُ جُبَّةٌ مَكْفُوفَةٌ بِالْحَرِيرِ، فَلَمَّا سَمِعَ ابْنُ عُمَرَ وَنَحْوُهُ هَذِهِ النُّصُوصَ الْخَاصَّةَ رَجَعُوا وَعَلِمُوا حِينَئِذٍ أَنَّهُ كَانَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ دَلِيلٌ أَقْوَى مِنْ الدَّلِيلِ الَّذِي يَسْتَصْحِبُوهُ وَلَمْ يَعْلَمُوا بِهِ، وَهُمْ فِي الْحَالَيْنِ إنَّمَا حَكَمُوا بِعِلْمٍ لَمْ يَكُونُوا مِمَّنْ لَمْ يَتَّبِعْ إلَّا الظَّنَّ، فَإِنَّهُمْ أَوَّلًا رَجَّحُوا الْعُمُومَ عَلَى اسْتِصْحَابِ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَهَذَا تَرْجِيحٌ بِعِلْمٍ؛ فَإِنَّ هَذَا رَاجِحٌ بِلَا رَيْبٍ، وَالشَّرْعُ طَافِحٌ بِهَذَا. فَمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ أَوْ حَرَّمَهُ فِي كِتَابِهِ كَالْوُضُوءِ وَالصَّلَاةِ وَالْحَجِّ وَغَيْرِهِمَا هِيَ نُصُوصٌ عَامَّةٌ، وَمِمَّا حَرَّمَهُ كَالْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ حَرَّمَهُ بِنُصُوصِ عَامَّةٍ، وَهِيَ رَاجِحَةٌ وَمُقَدَّمَةٌ عَلَى الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ النَّافِيَةِ لِلْوُجُوبِ وَالتَّحْرِيمِ، فَمَنْ رَجَّحَ ذَلِكَ فَقَدْ حَكَمَ بِعِلْمِ، وَحَكَمَ بِأَرْجَحِ الدَّلِيلَيْنِ الْمَعْلُومِ الرُّجْحَانِ، وَلَمْ يَكُنْ مِمَّنْ لَمْ يَتَّبِعْ إلَّا الظَّنَّ، لَكِنْ لِتَجْوِيزِهِ أَنْ يَكُونَ النَّصُّ مَخْصُوصًا صَارَ عِنْدَهُ ظَنٌّ رَاجِحٌ، وَلَوْ عَلِمَ أَنَّهُ لَا تَخْصِيصَ هُنَاكَ قَطَعَ بِالْعُمُومِ، وَكَذَلِكَ لَوْ عَلِمَ إرَادَةَ نَوْعٍ قَطَعَ بِانْتِفَاءِ الْخُصُوصِ، وَهَذَا الْقَوْلُ فِي سَائِرِ الْأَدِلَّةِ؛ مِثْلَ أَنْ يَتَمَسَّكَ بِنُصُوصِ وَتَكُونُ مَنْسُوخَةً وَلَمْ يَبْلُغْهُ النَّاسِخُ؛ كَاَلَّذِينَ نُهوْا عَنْ الِانْتِبَاذِ فِي الْأَوْعِيَةِ وَعَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ وَلَمْ يَبْلُغْهُمْ النَّصُّ النَّاسِخُ، وَكَذَلِكَ الَّذِينَ صَلَّوْا إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَهُمْ النَّسْخُ مِثْلَ مَنْ كَانَ مِنْ الْمُسْلِمِينَ بِالْبَوَادِي وَبِمَكَّةَ وَالْحَبَشَةِ وَغَيْرِ ذَلِكَ، وَهَؤُلَاءِ غَيْرُ الَّذِينَ كَانُوا بِالْمَدِينَةِ وَصَلَّى بَعْضُهُمْ صَلَاةً إلَى الْقِبْلَتَيْنِ: بَعْضُهَا إلَى هَذِهِ الْقِبْلَةِ وَبَعْضُهَا إلَى هَذِهِ الْقِبْلَةِ.

– الشيخ: لكن اللي في النواحي مَكَثوا أيامًا لعلَّهم، مكثوا أيامًا وهو يُصلُّونَ على القِبلةِ الأولى.
 
– القارئ: لَمَّا بَلَغَهُمْ النَّسْخُ وَهُمْ فِي أَثْنَاءِ الصَّلَاةِ، فَاسْتَدَارُوا فِي صَلَاتِهِمْ مِنْ جِهَةِ بَيْتِ الْمَقْدِسِ إلَى جِهَةِ الْكَعْبَةِ مِنْ جِهَةِ الشَّامِ إلَى جِهَةِ الْيَمَنِ. فَالْقَاضِي أَبُو بَكْرٍ وَنَحْوُهُ مِنْ الَّذِينَ يَنْفُونَ أَنْ يَكُونَ فِي الْبَاطِنِ حُكْمٌ مَطْلُوبٌ بِالِاجْتِهَادِ أَوْ دَلِيلٍ عَلَيْه، وَيَقُولُونَ: مَا ثَمَّ إلَّا الظَّنُّ الَّذِي فِي نَفْسِ الْمُجْتَهِدِ، وَالْأَمَارَاتُ لَا ضَابِطَ لَهَا وَلَيْسَتْ أَمَارَةٌ أَقْوَى مِنْ أَمَارَة.
– الشيخ: وَلَيْسَتْ أَمَارَةٌ أَقْوَى مِنْ أَمَارَة
– القارئ: فَإِنَّهُمْ إذَا قَالُوا ذَلِكَ لَزِمَهُمْ أَنْ يَكُونَ الَّذِي عَمِلَ بِالْمَرْجُوحِ دُونَ الرَّاجِحِ مُخْطِئًا، وَعِنْدَهُمْ لَيْسَ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ خَطَأٌ. وَأَمَّا السَّلَفُ وَالْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَالْجُمْهُورُ فَيَقُولُونَ: بَلْ الْأَمَارَاتُ بَعْضُهَا أَقْوَى مِنْ بَعْضٍ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، وَعَلَى الْإِنْسَانِ أَنْ يَجْتَهِدَ وَيَطْلُبَ الْأَقْوَى، فَإِذَا رَأَى دَلِيلًا أَقْوَى مِنْ غَيْرِهِ وَلَمْ يَرَ مَا يُعَارِضُهُ عَمِلَ بِهِ وَلَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا، وَإِذَا كَانَ فِي الْبَاطِنِ مَا هُوَ أَرْجَحُ مِنْهُ كَانَ مُخْطِئًا مَعْذُورًا وَلَهُ أَجْرٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ وَعَمَلِهِ بِمَا يُبُيِّنَ لَهُ رُجْحَانهُ
– الشيخ: اجْتِهَادِهِ وَعَمَلِهِ ماشي، بما بُيِّن له أو بما بَانَ له، بما بَانَ له رُجحانه، نعم، بما بُيِّن كأنه؟
– القارئ: أي نعم، بضمِّ الباءِ وتشديدِ الياءِ.
– الشيخ: بما بانَ لهُ رُجْحَانُه.
– القارئ:  وَلَهُ أَجْرٌ عَلَى اجْتِهَادِهِ وَعَمَلِهِ بِمَا بَانَ لَهُ رُجْحَانُهُ، وَخَطَؤُهُ مَغْفُورٌ لَهُ، وَذَلِكَ الْبَاطِنُ هُوَ الْحُكْمُ؛ لَكِنْ بِشَرْطِ الْقُدْرَةِ عَلَى مَعْرِفَتِهِ، فَمَنْ عَجَزَ عَنْ مَعْرِفَتِهِ لَمْ يُؤَاخَذْ بِتَرْكِهِ.
فَإِذَا أُرِيدَ بِالْخَطَأِ الْإِثْمُ فَلَيْسَ الْمُجْتَهِدُ بِمُخْطِئِ؛ بَلْ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ مُطِيعٌ لِلَّهِ فَاعِلٌ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، وَإِذَا أُرِيدَ بِهِ عَدَمُ الْعِلْمِ بِالْحَقِّ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ؛ فَالْمُصِيبُ وَاحِدٌ وَلَهُ أَجْرَانِ؛ كَمَا فِي الْمُجْتَهِدِينَ فِي جِهَةِ الْكَعْبَةِ إذَا صَلَّوْا إلَى أَرْبَعِ جِهَاتٍ؛ فَاَلَّذِي أَصَابَ الْكَعْبَةَ وَاحِدٌ، وَلَهُ أَجْرَانِ لِاجْتِهَادِهِ وَعَمَلِهِ، كَانَ أَكْمَلَ مِنْ غَيْرِهِ، وَالْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ أَحَبُّ إلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ، وَمَنْ زَادَهُ اللَّهُ عِلْمًا وَعَمَلًا زَادَهُ أَجْرًا بِمَا زَادَهُ مِنْ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ، قَالَ اللهُ تَعَالَى: وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ 
[الأنعام:83]، قَالَ مَالِكٌ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ: بِالْعِلْمِ، وَكَذَلِكَ قَالَ فِي قِصَّةِ يُوسُفَ: مَا كَانَ لِيَأخُذَ أَخَاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ إلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ [يوسف:76]. وَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ جَمِيعَ الْمُجْتَهِدِينَ إنَّمَا قَالُوا بِعِلْمِ وَاتَّبَعُوا الْعِلْمَ، وَأَنَّ الْفِقْهَ مِنْ أَجَلِّ الْعُلُومِ، وَأَنَّهُمْ لَيْسُوا مِنْ الَّذِينَ لَا يَتَّبِعُونَ إلَّا الظَّنَّ، لَكِنَّ بَعْضَهُمْ قَدْ يَكُونُ عِنْدَهُ عِلْمٌ لَيْسَ عِنْدَ الْآخَرِ؛ إمَّا بِأَنْ سَمِعَ مَا لَمْ يَسْمَعْ الْآخَرُ، وَإِمَّا بِأَنْ فَهِمَ مَا لَمْ يَفْهَمْ الْآخَرُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ*فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا [الأنعام:78-79].
وَهَذِهِ حَالُ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالنَّظَرِ وَالِاسْتِدْلَالِ فِي الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ وَالْأَئِمَّةِ بَيْنَ أُصُولٍ وَفُرُوعٍ، بَلْ جَعْلُ الدِّينِ قِسْمَيْنِ أُصُولًا وَفُرُوعًا لَمْ يَكُنْ مَعْرُوفًا فِي الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ، وَلَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ السَّلَفِ وَالصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ إنَّ الْمُجْتَهِدَ الَّذِي اسْتَفْرَغَ وُسْعَهُ فِي طَلَبِ الْحَقِّ يَاثَمُ لَا فِي الْأُصُولِ وَلَا فِي الْفُرُوعِ، وَلَكِنَّ هَذَا التَّفْرِيقَ ظَهَرَ مِنْ جِهَةِ الْمُعْتَزِلَةِ.

– الشيخ: إنَّ الْمُجْتَهِدَ الَّذِي اسْتَفْرَغَ، نعم، استفْرَغَ..
– القارئ: وُسْعَهُ فِي طَلَبِ الْحَقِّ.
– الشيخ: وُسْعَهُ فِي طَلَبِ الْحَقِّ، لم يقُلْ أحدٌ من السلف أنَّه يأثمُ مُطلقًا، لم يقولوا أنَّه يأثمُ سواءً في الأصول أو الفروع، يعني سواءً في المسائل الاعتقاديَّة أو المسائل العمليَّة؛ لأن مُصطلحَ المُتأخرين الذي يقولُ الشيخُ عن المُعتزلةِ: يجعلونَ مسائلَ الاعتقادِ كلَّها أصولًا، ومسائلَ الأعمالِ فروعًا، الشيخُ بيَّنَ أنَّ هذا تقسيمٌ غيرُ صحيحٍ من جهةٍ أنَّ التقسيمَ جَعَلَ المسائلَ العقديَّةَ كلَّها أصولًا، والمسائلَ العمليةَ فروعًا، هذا غلطٌ ظاهرٌ، بل الاعتقاداتُ والأعمالُ كلٌّ منهما فيه أصولٌ وفيه فروعٌ، فالمسائلُ العقديةُ لها أصولٌ وفروعٌ، والمسائلُ العمليةُ، الصلاةُ، الصلواتُ الخمسُ أصلٌ، ركنٌ من أركانِ الإسلامِ، دَعَامة، لكنْ مسائلُ جزئية؛ مثلًا: وش حكمُ الاستفتاح؟ حكمُ الاستفتاحٍ مستحبٌّ، ها من الأصولِ ولّا الفروعِ؟ من الفُروعِ، حكمُ التسبيحِ في الركوعِ والسجودِ سواء واجبٌ أو مستحبٌّ، ليست أصولًا، فهل يُقالُ أنَّ هذه من أصولِ الدينِ. وفي المسائلِ العقديةِ أيضًا فيها مسائلُ تشتبه وتخفى، أصولُ الدِّينِ الاعتقاديَّة: الإيمانُ باللهِ وملائكتِه وكتبِه ورسلِه، ثمَّ ما نُسمِّيه فروعًا، منهُ ما هو يظهرُ ذلك في الجهلِ والعلمِ، كثيرٌ من المسلمين الذين يؤمنونَ باللهِ واليومِ الآخرِ والنبيِّين إلى آخرِه يجهلونَ كثيرًا من تفاصيلِ هذه الأصولِ.
 
– القارئ: وَلَكِنَّ هَذَا التَّفْرِيقَ ظَهَرَ مِنْ جِهَةِ الْمُعْتَزِلَةِ، وَأَدْخَلَهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ مَنْ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْهُمْ، وَحَكَوْا عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ الْعَنْبَرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبٌ وَمُرَادُهُ أَنَّهُ لَا يَاثَمُ. وَهَذَا قَوْلُ عَامَّةِ الْأَئِمَّةِ كَأَبِي حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِمَا، وَلِهَذَا يَقْبَلُونَ شَهَادَةَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ وَيُصَلُّونَ خَلْفَهُمْ، وَمَنْ رَدَّهَا – كَمَالِك وَأَحْمَد – فَلَيْسَ ذَلِكَ مُسْتَلْزِمًا لِإِثْمِهِمَا؛ لَكِنَّ الْمَقْصُودَ إنْكَارُ الْمُنْكَرِ وَهَجْرُ مَنْ أَظْهَرَ الْبِدْعَةَ، فَإِذَا هُجِرَ وَلَمْ يُصَلَّ خَلْفَهُ وَلَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ؛ كَانَ ذَلِكَ مَنْعًا لَهُ مِنْ إظْهَارِ الْبِدْعَةِ؛ وَلِهَذَا فَرَّقَ أَحْمَد وَغَيْرُهُ…
– الشيخ: من أغراض الهَجر الزَّجر والإنكَار، نعم
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، وَلِهَذَا فَرَّقَ أَحْمَد وَغَيْرُهُ بَيْنَ الدَّاعِيَةِ لِلْبِدْعَةِ الْمُظْهِرِ لَهَا وَغَيْرِهِ، وَكَذَلِكَ قَالَ الخِرَقي: وَمَنْ صَلَّى خَلْفَ مَنْ يَجْهَرُ بِبِدْعَةِ أَوْ مُنْكَرٍ أَعَادَ، وَبَسْطُ هَذَا لَهُ مَوْضِعٌ آخَرُ. وَاَلَّذِينَ فَرَّقُوا بَيْنَ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ لَمْ يَذْكُرُوا ضَابِطًا يُمَيِّزُ بَيْنَ النَّوْعَيْنِ بَلْ تَارَةً.
– الشيخ: قف على هذا.. نعم، محمد؟
– طالب: أحسنَ اللهُ إليكم، كان آخِرُ الأمرين النهي عن….
– الشيخ: على خلاف، هذا اختيارُ شيخِ الاسلامِ، يقول كذا لحديثِ ابنِ عباس.
 
– طالب: شيخ، أحسنَ اللهُ إليكم، التوجيهُ في الصَّلاةِ خلفَ المبتدع.
– الشيخ: لا تُصلِّ خلفَ المبتدعِ إلَّا إذا لم تجدْ غيرَه، إن كان ما في أحد، أكثرُ ما يذكرُ المسألةَ أهلُ العلمِ في الجُمَعِ والأعيادِ التي في الغالبِ أنَّه ما تتيسَّرُ إلَّا، فإذا كان لا يتيسَّرُ إقامةُ الجمعةِ وصلاةِ الجُمعة إلَّا معه تُصلِّي معه كما كان السلفُ يُصلُّونَ خلفَ الأُمراءِ وخلفَ الأئمةِ مع ما ابتُلوا به من البِدَعِ، أمَّا إذا كان ممكنْ تُصلِّي خلفَ غيرِه، فلا تصلِّ خلفَه.
– طالب: أحسنَ اللهُ إليكم، الآن كالخليلي مُفتي عُمان، ينظرُ لخلْقِ القُرآن ونفي الرؤيةِ، ويتكلَّم حتى عن الشيخِ ابنِ باز، أمثالُ هؤلاءِ الجَهْميةِ، يُصلَّى خلفَهم؟
– الشيخ: لا تُصلِّ خلفَهم، إذا كان لك مندوحةٌ، لكن لو كنت مبتلىً وأنت مُقيمٌ في تلك البلدِ، نتكلَّمُ عن أهلِ تلك البلدِ، لا نعني أنَّك أنت مسافرٌ رايح لهناك، لأ، ناسٌ هذا بلدُهم وهذا ما عندَهم غيرَه، أليس لهم أسوةٌ بالصحابةِ، الإمامُ أحمدُ في أيامِ الفِتنةِ ما نهى الناسَ أن يُصلُّوا خلفَ أئِمَّتِهم.
 
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة