الرئيسية/شروحات الكتب/روضة الناظر وجنة المناظر/(65) الأصل الثالث الإجماع – فصل الأخذ بأقل ما قيل ليس إجماعًا ليس للاستقصاء غاية محدودة

(65) الأصل الثالث الإجماع – فصل الأخذ بأقل ما قيل ليس إجماعًا ليس للاستقصاء غاية محدودة

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب "روضة النّاظر وجنّة المناظر" لابن قدامة
الدّرس: الخامس والسّتون

***    ***    ***    ***

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ، وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعينَ؛ قالَ شيخُ الإسلامِ موفَّقُ الدِّينِ ابنُ قدامةَ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في "روضةِ النَّاظرِ":

الأصلُ الرَّابعُ

استصحابُ الحالِ ودليلُ العقلِ

– الشيخ : استصحابُ الحالِ ودليلُ العقلِ، استصحابُ الحالِ هو من دلالةِ العقلِ ويدلُّ عليه الشَّرعُ، فالشَّيءُ إذا ثبتَ لا يرتفعُ إلَّا بناقلٍ، ولهذا مثلًا إذا دلَّ دليلٌ على وجوبٍ فإنَّه لا يرتفعُ هذا الوجوبُ إلَّا بدليلٍ، أو دليل تحريم، إذا قامَ الدَّليلُ على تحريمِ شيءٍ وجبَ استصحابُ هذا الحكمِ فلا ينقلُه عنه، وفيه كذلك البراءةُ الأصليَّةُ استصحاب البراءةِ الأصليَّةِ، وهو حكمُ الشَّيءِ، حكمُ الأشياء قبلَ ورودِ الشَّرعِ، فالأصلُ في الأشياء الإباحةُ، يعني الأصلُ في الأعيانِ -أعيان الأشياء- أنَّها مباحةٌ إلَّا أنْ يدلَّ دليلٌ حتَّى يأتي دليلٌ يدلُّ على نقلها عن حكم الإباحة إلى شيءٍ آخرَ، إلى التَّحريم إلى الوجوب، ويُستدَلُّ بالاستصحاب هذا، دليلُ الاستصحابِ هو أحدُ الأدلَّةِ العامَّةِ فهو من أصولِ الأدلَّة، الاستصحابُ، استصحابُ ما كانَ عليه الأمرُ حتَّى يردَ النَّاقلُ.

 

– القارئ : الأصلُ الرَّابعُ: استصحابُ الحالِ ودليلُ العقلِ:

اعلمْ أنَّ الأحكامَ السَّمعيَّةَ لا تُدرَكُ بالعقلِ

– الشيخ : لا تُدرَكُ بالعقل بمعنى أنَّها لا تثبتُ يعني ما يثبتُ تحريم ووجوب وكذا بالعقل، يعني أحكامٌ شرعيَّةٌ، لكن العقل يدركُ، ولهذا تشهدُ العقولُ، العقولُ السَّليمةُ تشهدُ لما دلَّ عليه الشَّرعُ من فضائلَ ومستحبَّاتٍ أو محرَّماتٍ، فالعقولُ تشهدُ وتقتضي ما جاءَ به الشَّرعُ من تحريم الشُّرور والمعاصي وخبائث كما تشهدُ العقولُ والفِطرُ بحسنِ ما جاءَت به الشَّريعةُ من واجباتٍ أو فضائلَ أو مستحبَّاتٍ، لكن لا تثبتُ الأحكامُ الشَّرعيَّةُ وإلَّا هذا يجري على مذهب المعتزلةِ، هم الَّذين يقولون بالتَّحسينِ والتَّقبيح العقليَّين ويرتِّبون على ذلك أحكامًا من تحريمٍ ووجوبٍ ونحو ذلك، وأهلُ السُّنَّةِ يثبتون التَّحسين والتَّقبيح العقليَّين لكن لا يثبتون به أحكامًا شرعيَّةً.

 

– القارئ : اعلمْ أنَّ الأحكامَ السَّمعيَّةَ لا تُدرَكُ بالعقلِ، لكنْ دلَّ العقلُ على براءةِ الذِّمَّةِ مِن الواجباتِ، وسقوطِ الحرجِ عن الحركاتِ والسَّكناتِ قبلَ

– الشيخ : هذا دلَّ عليه العقلُ والشَّرعُ

– القارئ : وسقوطِ الحرجِ عن الحركاتِ والسَّكناتِ قبلَ بعثةِ الرُّسلِ.

فالنَّظرُ في الأحكامِ: إمَّا في إثباتِها، وإمَّا في نفيِها.

فأمَّا الإثباتُ

– الشيخ : هذا افتراضٌ وإلَّا الشَّرائعُ منذ أنْ أهبطَ اللهُ آدمَ والشَّرائعُ موجودةٌ، آدمُ على شريعةٍ ثمَّ جاءت الرُّسلُ تباعًا ففرض…، لكن هذا يتصوَّرُ باعتبارِ البلوغِ، باعتبارِ من لم تبلغْهم مثلًا الرِّسالة يتصوَّر فيه.

 

– القارئ : فالنَّظرُ في الأحكامِ: إمَّا في إثباتِها، وإمَّا في نفيِها.

فأمَّا الإثباتُ: فالعقلُ قاصرٌ عنهُ.

وأمَّا النَّفيُ: فالعقلُ قد دلَّ عليهِ إلى أنْ يردَ دليلُ السَّمعِ النَّاقلِ عنهُ، فينتهضُ دليلًا على أحدِ الشَّطرَينِ.

ومثالُهُ: لمَّا دلَّ السَّمعُ على خمسِ صلواتٍ، بقيَتْ السَّادسةُ غيرَ واجبةٍ، لا لتصريحِ السَّمعِ بنفيِها

– الشيخ : وقد يقالُ: إنَّه

– القارئ : حديثُ الأعرابيِّ

– الشيخ : "هل عليَّ غيرها؟" قال: (لا)

– القارئ : لا لتصريحِ السَّمعِ بنفيِها؛ فإنَّ لفظَهُ قاصرٌ على إيجابِ الخمسةِ

– الشيخ : … لفظه، يمكن أنَّ (خمسُ صلواتٍ كتبَهنَّ اللهُ على عبادِهِ) هذا دلَّ على وجوبِ خمسٍ فقط، والسُّكوتُ عن السَّادسة

– القارئ : فإنَّ لفظَهُ قاصرٌ على إيجابِ الخمسةِ، لكنْ كانَ وجوبُها منتفيًا، ولا مثبتَ للوجوبِ، فيبقى على النَّفيِ الأصليِّ.

– الشيخ : الأصلُ براءةُ المكلَّفِ عن وجوب الواجباتِ حتَّى يردَ الشَّرعُ

– القارئ : وإذا أوجبَ عبادةً على قادرٍ، بقيَ العاجزُ على ما كانَ عليهِ، ولو أوجبَها في وقتٍ، بقيَتْ في غيرِهِ على البراءةِ الأصليَّةِ.

فإنْ قيلَ:

إذا كانَ العقلُ إنَّما كانَ دليلًا بشرطِ ألَّا يردَ سمعٌ، فبعدَ وضعِ الشَّرعِ لا يعلمُ نفيَ السَّمعِ، ومنتهاكم: عدمُ العلمِ بورودِهِ، وعدمُ العلمِ ليسَ بحجَّةٍ.

ولو جازَ ذلكَ، لجازَ للعاميِّ النَّفيَ مستندًا إلى أنَّهُ لم يبلغْهُ دليلٌ.

قلْنا:

انتفاءُ الدَّليل قد يُعلَمُ، وقد يُظَنُّ؛ فإنَّا نعلمُ أنَّهُ لا دليلَ على وجوبِ صومِ شوَّالٍ، ولا صلاةَ سادسةً؛ إذْ لو كانَ لنُقِلَ وانتشرَ، ولم يخفَ على جميعِ الأمَّةِ، وهذا علمٌ بعدمِ الدَّليلِ

– الشيخ : يعني في مسائلَ يُقطَعُ بعدم الدَّليل يعني معلومٌ بالضَّرورة أنَّه لا يجبُ صيامُ شوَّال، هذا معلومٌ، يعني على…، لكن فيه مسائل لا يُقطَعُ بأنَّه لم يأتِ فيها دليلٌ، لأنَّ العلمَ فيها يتفاوتُ، فكم من مسألةٍ لا نعلمُ مثلًا، لا نعلمُ فيها العالم ولكنَّ الدَّليلَ موجودٌ لكن لم يبلغْه.

 

– القارئ : وهذا علمٌ بعدمِ الدَّليلِ، لا عدمُ علمٍ بالدَّليلِ

– الشيخ : يقولون: إنَّ المقولةَ المعروفةَ: عدمُ العلمِ بالشَّيءِ، ليسَ علمًا بالعدمِ، عدمُ العلمِ بالشَّيء، ليس علمًا بالعدم، عدمُ العلم بالدَّليل في هذه المسألة، ليسَ علمًا بالعدم، فتقولُ: يصحُّ لك أن تقولَ: لا أعلمُ فيه دليلًا، لك الحقُّ، لكن ليس لك الحقُّ أن تقولَ: "لا دليلَ على هذهِ المسألةِ"، يعني هذا حكمٌ بالعدمِ.

 

– القارئ : فإنَّ عدمَ العلمِ بالدَّليلِ ليسَ حجَّةً، والعلمُ بعدمِ الدَّليلِ حجَّةٌ.

وأمَّا الظَّنُّ: فإنَّ المجتهِدَ إذا بحثَ عن مداركِ الأدلَّةِ، ولم يظهرْ لهُ معَ أهليَّتِهِ. واطِّلاعِهِ على مداركِ الأدلَّةِ، وقدرتِهِ على الاستقصاءِ، وشدَّةِ بحثِهِ، وعنايتِهِ، غلبَ على ظنِّهِ انتفاءُ الدَّليلِ، فنزلَ ذلكَ منزلةَ العلمِ في وجوبِ العملِ؛ لأنَّهُ ظنٌّ استندَ إلى بحثٍ واجتهادٍ، وهذا غايةُ الواجبِ على المجتهِدِ.

وأمَّا العامِّيُّ: فلا قدرةَ لهُ؛ فإنَّ الَّذي يقدرُ على التَّردُّدِ في بيتِهِ لطلبِ متاعٍ، إذا فتَّشَ وبالغَ، أمكنَهُ القطعُ بنفيِ المتاعِ، والأعمى الَّذي لا يعرفُ البيتَ، ولا يدري ما فيهِ، لا يمكنُهُ ادِّعاءُ نفيِ المتاعِ.

فإنْ قيلَ: ليسَ للاستقصاءِ غايةٌ محدودةٌ، بل للمجتهِدِ بدايةٌ ووسطٌ ونهايةٌ، فمتى يحِلُّ لهُ أنْ ينفيَ الدَّليلَ السَّمعيَّ، والبيتُ محصورٌ، وطلبُ اليقينِ فيهِ ممكنٌ، ومداركُ الشَّرعِ غيرُ محصورةٍ، فإنَّ الأخبارَ كثيرةٌ، وربَّما غابَ راوي الحديثِ.

قلْنا: مهما

– الشيخ : لعلَّك تقفُ على هذه.

 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله