الرئيسية/شروحات الكتب/روضة الناظر وجنة المناظر/(67) الأصل الثالث الإجماع – فصل هل النافي للحكم يلزمه الدليل
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(67) الأصل الثالث الإجماع – فصل هل النافي للحكم يلزمه الدليل

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب "روضة النّاظر وجنّة المناظر" لابن قدامة
الدّرس: السَّابع والسّتون

***    ***    ***    ***

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، قالَ شيخُ الإسلامِ موفَّقُ الدِّينِ ابنُ قدامةَ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في "روضةِ النَّاظرِ":

 هذا بيانُ أصولٍ مختلَفٍ فيها، وهيَ أربعةٌ:

الأوَّلُ: شرعُ مَن قبلَنا: إذا لم يصرِّحْ شرعُنا بنسخِهِ، هل هو شرعٌ لنا؟

وهل كانَ النَّبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- متعبِّدًا بعدَ البعثةِ باتِّباعِ شريعةِ مَن قبلَهُ؟

فيهِ روايتانِ:

إحداهما: أنَّهُ شرعٌ لنا، اختارَها التَّميميُّ، وهوَ قولُ الحنفيَّةِ.

والثَّانيةُ: ليسَ بشرعٍ لنا.

وعن الشَّافعيَّةِ كالمذهبَينِ.

وجهٌ أنَّهُ ليسَ بشرعٍ لنا سبعةُ أدلَّةٍ:

– الشيخ : اللهُ أكبرُ، المقصودُ أنَّ الأصولَ، أصولُ الأدلَّةِ -على ما ذكرَ المؤلِّفُ- قسمان: قسمٌ متَّفقٌ عليها، وأصولٌ مختلَفٌ فيها، الكتابُ والسُّنَّةُ والإجماعُ هذه الأصولُ المتَّفقُ عليها كما تقدَّمَ، وهنا المؤلِّفُ يقصدُ الآن إلى ذكرِ أصولِ الاستدلالِ المختلَفِ فيها ومنها شرعُ من قبلنا، شرعُ من قبلنا هل هو شرعٌ لنا؟

فيه القولان، ولكنَّ محلَّ الخلافِ ومحلَّ الكلامِ: شرعُ من قبلنا إذا ثبتَ بشرعِنا أنَّه شرعٌ لمن قبلنا، إذا ثبتَ بشرعنا أنَّه كانَ شرعًا لمن قبلنا، فهذا هو الَّذي فيه: هل يكونُ شرعًا لنا؟ إذا لم يأتِ شرعُنا بخلافِه فشرعُ من قبلنا إذا ثبتَ بشرعنا أنَّه شرعٌ لمن قبلنا فإنْ أتى شرعُنا بخلافه فلا يكونُ شرعًا لنا، وإن كانَ شرعُنا بما يوافقُه كان الأصلُ المعتمَدُ ما جاءَ به شرعُنا فيكونُ من توافُقِ الشَّرائعِ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالْأَنْفَ بِالْأَنْفِ [المائدة:45] هذا ممَّا كتبَهُ اللهُ على بني إسرائيلَ في التَّوراة فهذا ثبتَ بشرعِنا أنَّه شرعٌ لمن قبلَنا، وقد جاءَ شرعُنا بما يوافقُه، قالَ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: (النَّفسُ بالنَّفسِ)، (الثيِّبُ الزَّاني والنَّفسُ بالنَّفسِ والتَّاركُ لدينِهِ المفارِقُ للجماعةِ).

 

– القارئ : وجهٌ أنَّهُ ليسَ بشرعٍ لنا سبعةُ أدلَّةٍ:

الأوَّلُ: قولُهُ تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [المائدة:48] فدلَّ على أنَّ كلَّ نبيٍّ اختصَّ بشريعةٍ لم يشاركْهُ فيها غيرُهُ.

الثَّاني: قولُهُ عليهِ السَّلامُ: (بُعِثْتُ إلى الأحمرِ والأسودِ، وكلُّ نبيٍّ بُعِثَ إلى قومِهِ).

 فدلَّ على أنَّ كلَّ نبيٍّ يختصُ شرعُهُ قومَهُ

– الشيخ : هذا دليلٌ ثانٍ؟

– القارئ : نعم

– الشيخ : حديث؟

– القارئ : حديثٌ، قالَ: قولُهُ عليهِ السَّلامُ

– الشيخ : نعم

– القارئ : فدلَّ على أنَّ كلَّ نبيٍّ يختصُّ شرعُهُ قومَهُ، ومشاركتُنا لهم تمنعُ الاختصاصَ.

الثَّالثُ: أنَّ النَّبيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- رأى يومًا بيدِ "عمرَ" قطعةً مِن التَّوراةِ فغضبَ فقالَ: (ما هذا؟ ألم آتِ بها بيضاءَ نقيَّةً؟ لو أدركَني موسى حيًّا ما وسعَهُ إلَّا اتِّباعي)

الرابع: أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لمَّا بعثَ معاذًا إلى اليمنِ قالَ: (بِمَ تحكمُ؟) فذكرَ الكتابَ، والسُّنَّةَ، والاجتهادَ ولم يذكرْ شرعَ مَن قبلَنا، وصوَّبَهُ النَّبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ولو كانَتْ مِن مداركِ الأحكامِ لم يجزِ العدولُ إلى الاجتهادِ، إلَّا بعدَ العجزِ عنها.

فإنْ قيلَ: اندرجَتِ التَّوارةُ والإنجيلُ تحتَ الكتابِ، فإنَّهُ اسمُ جنسٍ، يعمُّ كلَّ كتابٍ.

قلْنا:

إطلاقُ اسمِ الكتابِ لا يفهمُ منهُ المسلمونَ غيرَ القرآنِ، كيفَ ولم يُعهَدْ مِن "معاذٍ" تعلُّمُ شيءٍ مِن هذهِ الكتبِ، ولا الرُّجوعُ إليها؟

الخامسُ: لو كانَ النَّبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مُتعبَّدًا بها للزمَهُ مراجعتُها والبحثُ عنها، ولكانَ لا ينتظرُ الوحيَ، ولا يتوقَّفُ في الظِّهارِ والمواريثِ ونحوِها.

ولم يُعهَدْ منهُ ذلكَ إلَا في آيةِ الرَّجمِ، ليُبيِّنَ أنَّهُ ليسَ بمخالفٍ لدينِهم.

السَّادسُ: أنَّهُ لو كانَ مَدْرَكًا لكانَ تعلُّمُها وحفظُها ونقلُها فرضَ كفايةٍ، ولوجبَ على الصَّحابةِ مراجعتُها في تعرُّفِ الأحكامِ ولم يفعلُوا.

السَّابعُ: إطباقُ الأمَّةِ على أنَّ هذهِ الشَّريعةَ: شريعةُ رسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بجملتِها، ولو تَعبَّدَ بشرعٍ غيرَهُ، كانَ مُخبِرًا لا شارعًا.

ووجهُ الرِّوايةِ الأخرى: خمسُ آياتٍ، وثلاثةُ أحاديثَ:

أمَّا الآياتُ:

فقولُهُ تعالى: أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِه [الأنعام:90]

وقولُهُ تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا [المائدة:44]

وقولُهُ: ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ [النحل:123]

وقولُهُ: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا [الشورى:13]

وقولُهُ: وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [المائدة:44]

فإنْ قيلَ: أمَّا الآياتُ الثَّلاثُ: فالمُرادُ بها التَّوحيدُ، بدليلِ: أنَّهُ أمرَهُ باتِّباعِ هدى جميعِهم، وما وصَّى بهِ جملتَهم، وشرائعُهم مختلفةٌ، وناسخةٌ ومنسوخةٌ، فيدلُّ على أنَّهُ أرادَ الهدى المشترَكَ.

والـمِلَّةُ: عبارةٌ عن أصلِ الدِّينِ، بدليلِ: أنَّهُ قالَ: وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ [البقرة:130]

ولا يجوزُ تسفيهُ الأنبياءِ الَّذين خالفُوا شريعةَ إبراهيمَ -عليهِ السَّلامُ-.

– الشيخ : لقوله: وَمَنْ يَرْغَبُ

– القارئ : عَنْ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ

الشيخ : نعم

– القارئ : ولا يجوزُ تسفيهُ الأنبياءِ الَّذينَ خالفُوا شريعةَ إبراهيمَ -عليهِ السَّلامُ-.

والهدى والنُّورُ: أصلُ الدِّينِ والتَّوحيدِ.

قلْنا: الشَّريعةُ مِن جملةِ الهدى، فتدخلُ في عمومِ قولِهِ تعالى: فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ [الأنعام:90] وهيَ مِن جملةِ ما أوصى اللهُ بهِ الأنبياءَ -عليهم السَّلامُ-.

وقولُهم: "في شرائعِهم النَّاسخُ والمنسوخُ".

قلْنا: إنَّما يقعُ النَّاسخُ دونَ المنسوخِ، كما في الشَّريعةِ الواحدةِ.

وأمَّا الأحاديثُ:

فمنها: أنَّهُ قضى في السِّنِ بالقصاصِ، وقالَ: (كتابُ اللهِ القصاصُ) وليسَ في القرآنِ قصاصٌ في السِّنِّ إلَّا في قولِهِ تعالى: السِّنَّ بِالسِّنِّ [المائدة:45]

الثَّاني: مراجعتُهُ التَّوراةَ في رجمِ الزَّانيينَ.

الثالثُ: قولُهُ: (مَن نامَ عن الصَّلاةِ أو نسيَها فلِيصلِّها إذا ذكرَها)، وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي [طه:14] وهذا خطابٌ لموسى -عليهِ السَّلامُ-.

وقد أُجيبَ عن الأوَّلِ: بأنَّهُ دخلَ في عمومِ قولِهِ تعالى: فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ [البقرة:194]

وعن الثَّاني: بأنَّهُ راجَعَ التَّوراةَ؛ ليبيِّنَ كذبَهم، وأنَّهُ ليسَ بمخالفٍ لشريعتِهم.

ومِن المعنى:

أنْ شرعَ اللهُ تعالى الحكمَ في حقِّ أمَّةٍ يدلُّ على تعلُّقِ المصلحةِ بهِ؛ فإنَّهُ حكيمٌ لا تخلو حكمُهُ عن مصلحةٍ، ويدلُّ على اعتبارِ الشَّرعِ لهُ، فلا يجوزُ العدولُ عنهُ حتَّى يدلَّ على نسخِهِ دليلٌ، كما في الشَّريعةِ الواحدةِ.

وأمَّا قولُهُ تعالى: لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا [المائدة:48] فإنَّ المشاركةَ في بعضِ الشَّريعةِ لا تمنعُ نسبتَها بكمالِها إلى المبعوثِ بها؛ نظرًا إلى الأكثرِ.

وبقيَّةُ الأدلَّةِ تندفعُ بكونِ الشَّريعةِ الأولى لم تثبتْ بطريقٍ موثوقٍ بهِ، بل قد أخبرَ اللهُ تعالى بتحريفِ أهلِها وتبديلِهم، فلذلكَ أنكرَ النَّبيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- على "عمرَ" كتابَ التَّوراةِ، وصوَّبَ معاذًا في إعراضِهِ عن كتبِهم، ولم يُلزمْهُ ولا الصَّحابةَ الرَّجوعَ إليها، ولا البحثَ عنها.

– الشيخ : فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [النساء:59] فُسِّرَ الآية بأنَّ الرَّدَّ إلى القرآنِ وإلى سنَّةِ الرَّسولِ -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ-، وبأنَّ الكتبَ الماضيةَ المتقدِّمةَ فليستْ مرجعًا للأمَّة الإسلاميَّة المحمَّديَّة، فإنَّهم لم يُؤمَروا بالرُّجوع إليها، وهي أيضًا قد اعتراها ما اعتراها من الدَّخيلِ ومن التَّحريف ولو كانَتْ نقيَّةً لم يجزِ الرُّجوعُ إليها؛ لأنَّنا غيرُ متعبَّدين، وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ [الأعراف:170]

والكتابُ إذا أُطلِقَ فإنَّه يَحتملُ، في بعضِ المواضعِ يكونُ المقصودُ بالكتاب القرآنَ خاصَّةً، وتارةً يكون للجنسِ بحسب السِّياق ذَلِكَ الْكِتَابُ لَا رَيْبَ فِيهِ [البقرة:2] القرآنُ قطعًا، و أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ [آل عمران:7] القرآنَ، وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ [النساء:113]، إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ [فاطر:29] فالكتابُ في القرآن منه ما يتعيَّنُ أنَّ المرادَ به القرآنُ به خاصَّة، ومنه ما يَتعيَّنُ أنَّه التَّوراةُ، ومنها ما يكون مُجمَلًا وعامًّا يتناول القرآنَ وغيره وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ [البقرة:4].

 

– القارئ : وإنَّما الواجبُ: الرُّجوعُ إلى ما ثبتَ منها بشرعِنا، كآيةِ القصاصِ، والرَّجمِ، ونحوِهما، وهوَ ما تضمَّنَهُ الكتابُ والسُّنَّةُ، فيكونُ منهما، فلا يجوزُ العدولُ إلى الاجتهادِ معَ وجودِهِ.

الأصلُ الثَّاني مِن المختلَفِ فيهِ: قولُ الصَّحابيِّ إذا لم يظهرْ

– الشيخ : إلى آخره

– القارئ : الشَّنقيطيُّ فصَّلَ في المسألة في المذكَّرةِ وأطالَ الكلامَ فيها

– الشيخ : أنا أقولُ: أذكره من شرحه -رحمَه الله-، يقول: إنَّه حرَّرَ محلَّ النِّزاع، محلُّ النِّزاعِ في هذه المسألة فيما ثبتَ بشرعنا أنَّه شرعٌ لمن قبله ولم يأتِ شرعُنا بخلافِه، فهذا هو محلُّ النِّزاعِ، أمَّا ما لم يثبتْ بشرعنا أنَّه شرعٌ لنا فليس شرعًا إجماعًا، وما ثبتَ شرعُنا بخلافه فكذلك لا يكونُ شرعًا لنا، إنَّما محلُّ الخلافِ فيما ثبتَ بشرعنا أنَّه شرعٌ لمن قبلنا ولم يأتِ شرعُنا بخلافِه فهذا هو الَّذي فيه القولان اللَّذان ذكرَهما المؤلِّفُ

– طالب: أو بموافقته

– الشيخ : أيش هو؟

– طالب: يعني ولم يأتِ شرعُنا بمخالفته أو موافقته

– الشيخ : أو بموافقته إذا وافقَه فالمعوَّلُ على ما جاءَ به شرعُنا، كان هذا من التَّوافُق، توافُقُ الشَّرائعِ، مثل الرَّجم، جاءَت شريعتُنا برجمِ الزَّاني الـمُحصَنِ كما في التَّوراة.

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله