الرئيسية/شروحات الكتب/روضة الناظر وجنة المناظر/(69) الأصل الثالث الإجماع – “الاستحسان”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(69) الأصل الثالث الإجماع – “الاستحسان”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب "روضة النّاظر وجنّة المناظر" لابن قدامة
الدّرس: التَّاسع والسّتون

***    ***    ***    ***

 

– القارئ : بسمِ اللهِ الرَّحمنِ الرَّحيمِ، الحمدُ للهِ ربِّ العالمِينَ، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ على نبيِّنا محمَّدٍ وعلى آلِهِ وصحبِهِ أجمعِينَ. قالَ شيخُ الإسلامِ موفَّقُ الدِّينِ ابنُ قدامةَ -رحمَهُ اللهُ تعالى- في "روضةِ النَّاظرِ":

الثَّالثُ: الاستحسانُ، ولا بدَّ أوَّلًا مِن فهمِهِ، ولهُ ثلاثةُ معانٍ: أحدُها

– الشيخ : يعني الثَّالث من الأصولِ المختلَفِ فيها

– القارئ : ولا بدَّ أوَّلًا مِن فهمِهِ، ولهُ ثلاثةُ معانٍ: أحدُها:

أنَّ المرادَ بهِ: العدولُ بحكمِ المسألةِ عن نظائرِها لدليلٍ خاصٍّ مِن كتابٍ أو سنَّةٍ.

قالَ القاضي يعقوبُ: القولُ بالاستحسانِ مذهبُ أحمدَ -رحمَهُ اللهُ- وهوَ: أنْ تتركَ حكمًا إلى حكمٍ هوَ أولى منهُ.

وهذا ممَّا لا يُنكَرُ، وإنْ اختلفَ في تسميتِهِ، فلا فائدةَ في الاختلافِ في الاصطلاحاتِ معَ الاتِّفاقِ في المعنى.

– الشيخ : هذا نوعُ تخصيصِ العامِّ لدليلٍ، تسميتُه استحسان اصطلاح، وإنْ كانَ من يتبادرُ من لفظِ الاستحسانِ أنَّه استحسانٌ نظريٌّ عقليٌّ، ولكن لا شكَّ أنَّ العدولَ عن الشَّيءِ لنظائرِه بدليلِ أنَّه نظرٌ حسنٌ وصحيحٌ، فإذا أُخرِجَ بعضُ أفرادِ العامِّ لدليلٍ كانَ هذا الدَّليلُ هو المُخصِّصُ، هو الَّذي نسمِّيه مُخصِّصٌ، والعامُّ مخصوصٌ، فتخصيصُ العامِّ بدليلٍ بإخراجِ بعضِ أفرادِه لدليلٍ سمِّه استحسانًا أو سمِّه تخصيصيًّا، كما يتَّفقُ.

 

– القارئ : الثَّاني: أنَّهُ ما يستحسنُهُ المجتهدُ بعقلِهِ.

– الشيخ : هذا هو المتبادرُ من اللَّفظ "ما يستحسنُه المجتهدُ بعقله"

– القارئ : الثَّاني: أنَّهُ ما يستحسنُهُ المجتهدُ بعقلِهِ.

حُكِيَ عن أبي حنيفةَ أنَّهُ قالَ: هوَ حجَّةٌ؛ تمسُّكًا بقولِهِ تعالى: الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ [الزمر:18]، وقولِهِ: اتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ [الزمر:55]

وبقولِ النَّبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: (ما رآهُ المسلمونَ حسنًا فهوَ عندَ اللهِ حسنٌ).

ولأنَّ المسلمينَ استحسنُوا دخولَ الحمَّامِ مِن غيرِ تقديرِ أجرةٍ، وكذلكَ نظائرُهُ؛ إذْ التَّقديرُ في مثلِهِ قبيحٌ، فاستحسنُوا تركَهُ.

ولنا على إفسادِهِ مسلكانِ:

الأوَّلُ: أنَّ هذا لا يُعرَفُ مِن ضرورةِ العقلِ ونظرِهِ، ولم يردْ مِن سمعٍ متواترٍ، ولا نقلِ آحادٍ، ومهما انتفى الدَّليلُ وجبَ النَّفيُ.

الثَّاني أنَّا نعلمُ -بإجماعِ الأمَّةِ قبلَهم- على أنَّ العالِمَ ليسَ لهُ الحكمُ بمجرَّدِ هواهُ وشهوتُهُ مِن غيرِ نظرٍ في الأدلَّةِ.

والاستحسانُ مِن غيرِ نظرٍ حكمٌ بالهوى المجرَّدِ، فهوَ كاستحسانِ العامِّيِّ، وأيُّ فرقٍ بينَ العامِّيِّ والعالِمِ غيرُ معرفةِ الأدلَّةِ الشَّرعيَّةِ، وتمييز صحيحها عن فاسدها؟

ولعلَّ مستندَ استحسانِهِ وهمٌ وخيالٌ، إذا عُرِضَ على الأدلَّةِ لم يحصلْ منهُ طائلٌ.

ورُوِيَ عن الشَّافعيِّ -رحمَهُ اللهُ- أنَّهُ قالَ: "مَن استحسنَ فقد شَرَّعَ".

ولَمَّا بُعِثَ معاذُ إلى "اليمنِ" لم يقلْ: إنِّي أستحسنُ، بل ذكرَ الكتابَ والسُّنَّةَ والاجتهادَ فقط.

وأمَّا اتِّباعُ أحسنِ ما أُنزِلَ إلينا مِن ربِّنا: فواجبٌ، فليبيِّنوا أنَّ هذا أُنزِلَ إلينا، فضلًا عن أنْ يكونَ مِن أحسنِهِ.

والخبرُ دليلٌ على أنَّ الإجماعَ حجَّةٌ، ولا خُلفَ فيهِ.

ثمَّ يلزمُهم استحسانُ العوامِّ والصِّبيانِ، فإنْ فرَّقُوا بأنَّهم ليسُوا أهلًا للنَّظرِ، قلْنا: إذا كانَ لا ينظرُ في الأدلَّةِ، فأيُّ فائدةٍ في أهليَّةِ النَّاظرِ؟

وما استشهدُوا بهِ مِن المسائلِ: لعلَّ مستندَ ذلكَ: جريانُهُ في عصرِ النَّبيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وتقريرُهُ عليهِ، مِن معرفتِهِ بهِ؛ لأجلِ المشقَّةِ في تقديرِ الماءِ المصبوبِ في الحمَّامِ، ومدَّةِ المقامِ، والمشقَّةُ سببُ الرُّخصةِ.

ويُحتمَلُ أنْ يُقالَ: دخولُ الحمَّامِ مُستباحٌ بالقرينةِ، والماءُ مُتلَفٌ بشرطِ العوضِ، بقرينةِ حالِ الحمَّاميِّ

– الشيخ : يعني أمرٌ عرفيٌّ عاديٌّ، يعني عدمُ تقديرِ الأجرةِ مراعاةً للعادةِ أنَّها تكونُ مقدَّرةً كما في ركوبِ السَّفينةِ بالأجرةِ المعتادةِ وغيرها.

 

– القارئ : ثمَّ ما يبذلُهُ لهُ إنْ ارتضى الحمَّاميُّ، واكتفى بهِ عوضًا، وإلَّا طالبَهُ بالمزيدِ إنْ شاءَ، فهذا أمرٌ يُقاسُ، والقياسُ حجَّةٌ.

الثَّالثُ: قولُهم: "المُرادُ بهِ دليلٌ ينقدحُ في نفسِ المجتهدِ لا يقدرُ على التَّعبيرِ عنهُ" وهذا هَوَسٌ؛ فإنَّ ما لا يُعبَّرُ عنهُ لا يدري أهو وهمٌ أو تحقيقٌ، فلا بدَّ مِن إظهارِهِ ليعتبرَ بأدلَّةِ الشَّريعةِ، فلتصحِّحْهُ أو تزيِّفْهُ.

الاستصلاحُ، أو المصلحةُ المُرسَلةٌ

– الشيخ : إلى آخرِه، آخرِه

– القارئ : الرَّاجحُ -أحسنَ اللهُ إليكم- التَّعريفُ الأوَّل، العدولُ بحكمِ المسألةِ؟

– الشيخ : الأوَّلُ هو المسلَّمُ من تخصيصِ العمومِ، أمَّا الثَّاني والثَّالث، والثَّالث الأخير شبيه من الأوَّل، شيءٌ ينقدحُ في نفسِ المجتهدِ هو نفسُ معنى التَّفسير الثَّاني، ما يستحسنُه المجتهدُ بعقله هو معنى ما ينقدحُ في نفس المجتهد، عندكَ مذكِّرة الشَّيخ الشَّنقيطيِّ؟

– القارئ : عندي

– الشيخ : تكلَّم عنه ولَّا..؟

– القارئ : قالَ: هذا التَّعريفُ -للاستحسانِ علَّقَ على التَّعريفِ الأوَّلِ- قالَ: وهذا التَّعريفُ للاستحسانِ هوَ الصَّحيحُ عندَ المؤلِّفِ.

– الشيخ : نعم؟

– القارئ : قالَ: وهذا التَّعريفُ للاستحسانِ، -أنَّ المرادَ بهِ العدولُ بحكمِ المسألةِ عن نظائرِها لدليلٍ خاصٍّ مِن كتابٍ أو سنَّةٍ- قالَ: وهذا التَّعريفُ للاستحسانِ هوَ الصَّحيحُ عندَ المؤلِّفِ ولذا ردَّ التَّعريفَينِ الآخرَينِ.

الثَّاني: أنَّ المرادَ بهِ ما يستحسنُهُ المجتهدُ بعقلِهِ.

الثَّالثُ: أنَّهُ دليلٌ ينقدحُ في نفسِ المجتهِدِ لا يقدرُ على التَّعبيرِ عنهُ.

وبطلانُ هذهِ التَّعريفَينِ ظاهرٌ؛ لأنَّ المجتهدَ ليسَ لهُ الاستنادُ إلى مجرَّدِ عقلِهِ في تحسينِ شيءٍ, وما لم يُعبَّرْ عنهُ لا يمكنُ الحكمُ لهُ بالقبولِ حتَّى يظهرَ ويُعرَضَ على الشَّرعِ.

ومثالُ الاستحسانِ على معناهُ الَّذي ارتضاهُ المؤلِّفُ: ما لو باعَ رجلٌ سلعةً بثمنٍ لأجلٍ ثمَّ اشتراها بائعُها بعينِها قبلَ قبضِ ثمنِها بأكثرَ مِن الثَّمنِ الأوَّلِ لأبعدَ مِن الأجلِ الأوَّلِ. فالقياسُ يقتضي جوازَ البيعتَينِ فيهما؛ لأنَّ كلًّا منهما بيعُ سلعةٍ بثمنٍ إلى أجلٍ معلومٍ لكنْ عُدِلَ بهذهِ المسألةِ عن نظائرِها مِن أفرادِ بيعِ سلعةٍ بثمنٍ إلى أجلٍ بدليلٍ خاصٍّ وهوَ هنا أنَّ السِّلعةَ الخارجةَ مِن اليدِ العائدةَ إليها ملغاةٌ فيؤولُ الأمرُ إلى أخذِهِ عندَ الأجلِ الأوَّلِ نقداً ودفعُهُ أكثرُ منهُ مِن حينِهِ عندَ الأجلِ الثَّاني وهذا عينُ الرِّبا.

– الشيخ : المهمُّ أنَّ الشَّيخَ مشى على خطَّةِ الموفَّقِ.

 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله