بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الفُرقان بينَ الحقِّ والباطلِ) لابن تيميّة
الدّرس الأربعون
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمّدٍ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، اللهمَّ متِّعْ شيخَنا على طاعتِك واغفر لنا وله وللمسلمين. قال شيخُ الإسلامِ رحمنا اللهُ وإيّاهُ ووالدِينا والمسلمين:
وَاَللَّهُ ثَنَّى قِصَّةَ فِرْعَوْنَ فِي الْقُرْآنِ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ؛ لِاحْتِيَاجِ النَّاسِ إلَى الِاعْتِبَارِ بِهَا؛ فَإِنَّهُ حَصَلَ لَهُ مِنْ الْمُلْكِ وَدَعْوَى الرُّبُوبِيَّةِ وَالْإِلَهِيَّةِ وَالْعُلُوِّ مَا لَمْ يَحْصُلْ مِثْلُهُ لِأَحَدِ مِنْ الْمُعَطِّلِين، وَكَانَتْ عَاقِبَتُهُ إلَى مَا ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى، وَلَيْسَ لِلَّهِ صِفَةٌ يُمَاثِلُهُ فِيهَا غَيْرُهُ؛ فَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ أَنْ يُسْتَعْمَلَ فِي حَقِّهِ قِيَاسُ التَّمْثِيلِ، وَلَا قِيَاسُ الشُّمُولِ الَّذِي تَسْتَوِي أَفْرَادُهُ؛ فَإِنَّ ذَلِكَ شِرْكٌ؛ إذْ سُوِّيَ فِيهِ بِالْمَخْلُوقِ؛ بَلْ قِيَاسُ الْأَوْلَى. فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ ولَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلَى فَهُوَ أَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ بِصِفَاتِ الْكَمَالِ، وَأَحَقُّ مِنْ غَيْرِهِ بِالتَّنْزِيهِ عَنْ صِفَاتِ النَّقْصِ. وَقَدْ بُسِطَتْ هَذِهِ الْأُمُورُ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَبُيِّنَ أَنَّ مَنْ جَعَلَهُ الْوُجُودَ الْمُطْلَقَ وَالْمُقَيَّدَ.
– الشيخ: الله أكبر، يُذكر المثلُ الأعلى يعني، للهِ المثلُ الأعلى: يعني الوصفُ الكاملُ الوصفُ الأعظمُ والأكمَلُ، فله تعالى من كلِّ صفةٍ غايتُها وكمالُها، فهو سبحانَه وتعالى أعلمُ العالِمين وأكرمُ الأكرَمين وأرحمُ الراحمين، وهو العزيزُ الذي منه العِزَّة، مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا [فاطر:10]، وهو على كلِّ شيءٍ قديرٍ، على كلِّ شيءٍ قديرٍ، لا شيء يُعجزُه، وعلمُه مُحِيطٌ بكلِّ شيءٍ، لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12]
ويُفسِّرُ شيخُ الإسلامِ قياسَ الأولى بأن يُقال: كلُّ كمالٍ ثَبتَ للمخلوقِ لا نقصَ فيه فالخالِقُ أولى به. كُلُّ كمالٍ ثَبَتَ للمخلوقِ لا نقصَ فيه فالخالِقُ أولى به. فهذا دليلٌ عقليٌّ على إثباتِ الصّفاتِ، فلا يجوزُ أن يكونَ المَخلوقُ مِثلَ الخالقِ فضلًا أن يكون أكمل.
– القارئ: وَبُيِّنَ أَنَّ مَنْ جَعَلَهُ الْوُجُودَ الْمُطْلَقَ وَالْمُقَيَّدَ بِالسَّلْبِ أَوْ ذَاتًا مُجَرَّدَةً؛ فَهَؤُلَاءِ مَثَّلُوهُ بِأَنْقَصِ الْمَعْقُولَاتِ الذِّهْنِيَّةِ، وَجَعَلُوهُ دُونَ الْمَوْجُودَاتِ الْخَارِجِيَّةِ. والنفاةُ الَّذِينَ قَصَدُوا إثْبَاتَ حُدُوثِ الْعَالَمِ بِإِثْبَاتِ حُدُوثِ الْجِسْمِ لَمْ يُثْبِتُوا بِذَلِكَ حُدُوثَ شَيْءٍ، كَمَا قَدْ بُيِّنَ فِي مَوْضِعِهِ. ثُمَّ إنَّهُمْ جَعَلُوا عُمْدَتَهُمْ فِي تَنْزِيهِ الرَّبِّ عَنْ النَّقَائِصِ عَلَى نَفْيِ الْجِسْمِ، وَمَنْ سَلَكَ هَذَا الْمَسْلَكَ لَمْ يُنَزِّهْ اللَّهَ عَنْ شَيْءٍ مِنْ النَّقَائِصِ أَلْبَتَّةَ؛ فَإِنَّهُ مَا مِنْ صِفَةٍ يَنْفِيهَا لِأَنَّهَا تَسْتَلْزِمُ التَّجْسِيمَ وَتَكُونُ مِنْ صِفَاتِ الْأَجْسَامِ إلَّا يُقَالُ لَهُ فِيمَا أَثْبَتَهُ نَظِيرُ مَا يَقُولُهُ هُوَ فِي نَفْسِ تِلْكَ الصِّفَةِ.
– الشيخ: فِي نَفْي، نعم، عندك "في نفي"؟
– طالب: لا، أحسنَ اللهُ إليك.. ما عندي نسخة، لكن كأنَّ هذا مُوجِبُ السِّياقِ.
– الشيخ: كأنَّ هذا مُوجِب السِّياق.
– القارئ: إلَّا يُقَالُ لَهُ، يا شيخ في نفي؟
– الشيخ: إي
– القارئ: يعني فِيمَا أَثْبَتَهُ تُحذَف؟
– الشيخ: لا لا، يُقال له في..
– القارئ: فِيمَا أَثْبَتَهُ نَظِيرُ
– الشيخ: لا، فيما نفاهُ نظيرُ ما يقولُه فيما أثبَتَه، نعم، هذا معنى الكلام، نعم.
– القارئ: إلَّا يُقَالُ لَهُ فِيمَا أَثْبَتَهُ نَظِيرُ مَا يَقُولُهُ
– الشيخ: في نفيِ، في نفيِ تلك الصِّفة، نعم.
– القارئ: إلَّا يُقَالُ لَهُ فِيمَا أَثْبَتَهُ نَظِيرُ مَا يَقُولُهُ في نفي تلك الصفة؛ فَإِنْ كَانَ مُثْبِتًا لِبَعْضِ الصِّفَاتِ، قِيلَ لَهُ: الْقَوْلُ فِي هَذِهِ الصِّفَةِ الَّتِي تَنْفِيهَا كَالْقَوْلِ فِيمَا أَثْبَتّه؛ فَإِنْ كَانَ هَذَا تَجْسِيمًا وَقَوْلًا بَاطِلًا فَهَذَا كَذَلِكَ، وَإِنْ قُلْتَ: أَنَا أُثْبِتُ هَذَا عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي يَلِيقُ بِالرَّبِّ، قِيلَ لَهُ: وَكَذَلِكَ هَذَا. وَإِنْ قُلْت: أَنَا أُثْبِتُهُ وَأَنْفِي التَّجْسِيمَ، قِيلَ: وَهَذَا كَذَلِكَ فَلَيْسَ لَك أَنْ تُفَرِّقَ بِهِ بَيْنَ الْمُتَمَاثِلَيْنِ. وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يُثْبِتُ الْأَسْمَاءَ وَيَنْفِي الصِّفَاتِ كَالْمُعْتَزِلَةِ، قِيلَ لَهُ فِي الصِّفَاتِ مَا يَقُولُهُ هُوَ فِي الْأَسْمَاءِ. فَإِذَا كَانَ يُثْبِتُ حَيًّا عَالِمًا قَادِرًا وَهُوَ لَا يَعْرِفُ مَنْ هُوَ مُتَّصِفٌ بِذَلِكَ إلَّا جِسْمًا؛ كَانَ إثْبَاتُ أَنَّ لَهُ عِلْمًا وَقُدْرَةً كَمَا نَطَقَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ كَذَلِكَ. وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يُثْبِتُ لَا الْأَسْمَاءَ وَلَا الصِّفَاتِ كالجهمية الْمَحْضَةِ وَالْمَلَاحِدَةِ، قِيلَ لَهُ: فَلَا بُدَّ أَنْ تُثْبِتَ مَوْجُودًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ، وَأَنْتَ لَا تَعْرِفُ ذَلِكَ إلَّا جِسْمًا. وَإِنْ قَالَ: لَا أُسَمِّيهِ بِاسْمٍ لَا إثْبَاتَ وَلَا نَفْيَ، قِيلَ لَهُ: سُكُوتُك لَا يَنْفِي الْحَقَائِقَ، وَلَا وَاسِطَةَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ؛ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ حَقًّا ثَابِتًا مَوْجُودًا، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ بَاطِلًا مَعْدُومًا.
وَأَيْضًا فَإِنْ كُنْت لَمْ تَعْرِفْهُ فَأَنْتَ جَاهِلٌ فَلَا تَتَكَلَّمْ، وَإِنْ عَرَفْته فَلَا بُدَّ أَنْ تُمَيِّزَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ غَيْرِهِ بِمَا يَخْتَصُّ بِهِ؛ مِثْلَ أَنْ تَقُولَ: رَبُّ الْعَالَمِينَ، أَوْ الْقَدِيمُ الْأَزَلِيُّ، أَوْ الْمَوْجُودُ بِنَفْسِهِ، وَنَحْوُ ذَلِكَ؛ وَحِينَئِذٍ فَقَدْ أَثْبَتّ حَيًّا مَوْجُودًا قَائِمًا بِنَفْسِهِ وَأَثْبَتّه فَاعِلًا وَأَنْتَ لَا تَعْرِفُ مَا هُوَ كَذَلِكَ إلَّا الْجِسْمَ. وَإِنْ قُدِّرَ أَنَّهُ جَاحِدٌ لَهُ، قِيلَ لَهُ: فَهَذَا الْوُجُودُ مَشْهُودٌ؛ فَإِنْ كَانَ قَدِيمًا أَزَلِيًّا مَوْجُودًا بِنَفْسِهِ فَقَدْ يُثْبِتُ جِسْمَ قَدِيمٍ أَزَلِيٍّ مَوْجُودٍ بِنَفْسِهِ؛ وَهُوَ مَا فَرَرْت مِنْهُ. وَإِنْ كَانَ مَخْلُوقًا مَصْنُوعًا فَلَهُ خَالِقٌ خَلَقَهُ وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ قَدِيمًا أَزَلِيًّا؛ فَقَدْ ثَبَتَ الْمَوْجُودُ الْقَائِمُ بِنَفْسِهِ الْقَدِيمُ الْأَزَلِيُّ عَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ، وَهَذَا مَبْسُوطٌ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ. وَهُنَا قَدْ نَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ هُوَ أَنَّهُ كُلُّ مَنْ بَنَى تَنْزِيهَهُ…
– الشيخ: وَهُنَا قَدْ نَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ، وهو أنَّه، يمكن وهو أنَّهُ، قَدْ نَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ، وهُوَ أَنَّهُ، ليرتبطَ الكلامُ.
– القارئ: وهُنا قَدْ نَبَّهْنَا عَلَى ذَلِكَ؛ وهُوَ أَنَّهُ كُلُّ مَنْ بَنَى تَنْزِيهَهُ لِلرَّبِّ عَنْ النَّقَائِصِ وَالْعُيُوبِ عَلَى نَفْيِ الْجِسْمِ فَإِنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُنَزِّهَهُ عَنْ عَيْبٍ أَصْلًا بِهَذِهِ الْحُجَّةِ، وَكَذَلِكَ مَنْ جَعَلَ عُمْدَتَهُ نَفْيَ التَّرْكِيبِ. وَمَنْ تَدَبَّرَ مَا ذَكَرُوهُ فِي كُتُبِهِمْ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُمْ لَمْ يُقِيمُوا حُجَّةً عَلَى وُجُودِهِ؛ فَلَا هُمْ أَثْبَتُوهُ وَأَثْبَتُوا لَهُ مَا يَسْتَحِقُّهُ، وَلَا نَزَّهُوهُ وَنَفَوْا عَنْهُ مَا لَا يَجُوزُ عَلَيْهِ؛ إذْ كَانَ إثْبَاتُهُ هُوَ إثْبَاتَ حُدُوثِ الْجِسْمِ وَلَمْ يُقِيمُوا عَلَى ذَلِكَ دَلِيلًا. وَالنَّفْيُ اعْتَمَدُوا فِيهِ عَلَى ذَلِكَ؛ وَهُمْ مُتَنَاقِضُونَ فِيهِ لَوْ كَانُوا أَقَامُوا دَلِيلًا عَلَى نَفْيِ كَوْنِهِ جِسْمًا فَكَيْفَ إذَا لَمْ يُقِيمُوا عَلَى ذَلِكَ دَلِيلًا وَتَنَاقَضُوا.
وَهَذَا مِمَّا يَتَبَيَّنُ لَك أَنَّ مَنْ خَرَجَ عَنْ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَلَيْسَ مَعَهُ عِلْمٌ لَا عَقْلِيٌّ وَلَا سَمْعِيٌّ.
– الشيخ: هذا الكلامُ مُرتبطٌ، وهذا يُبيِّنُ لك، نعم، بدايةَ تقرير، قِفْ على "وهذا"، أيش يقول؟
– القارئ: وَهَذَا مِمَّا يَتَبَيَّنُ لَك.
– الشيخ: نقف عليه يا شيخ؟
– القارئ: أي.
– الشيخ: جزاكَ اللهُ خيرًا.