بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (الفُرقان بينَ الحقِّ والباطلِ) لابن تيميّة
الدّرس التّاسع والأربعون
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آلِه وصحبِه أجمعين، اللهمَّ متِّعْ شيخَنا على طاعتِكَ واغفرْ لنا وله وللمسلمين.
– الشيخ: جزاكَ اللهُ خيرًا، وأجابَ اللهُ دعاءَك.
– القارئ: قال شيخُ الإسلامِ رحمنَا اللهُ وإيَّاهُ ووالدِينا والمسلمين:
والتَّحْقِيقُ أَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَالْمَعْدُومُ لَيْسَ بِشَيْءِ فِي الْخَارِجِ وَلَكِنَّ..
– الشيخ: معدوم معدوم، ما هو مخلوقٌ، ما له وجودٌ، كلُّ مخلوقٍ موجودٌ، المعدومُ لا شيءَ.
– القارئ: وَلَكِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يَكُونُ قَبْلَ أَنْ يَكُونَ وَيَكْتُبُهُ وَقَدْ يَذْكُرُهُ وَيُخْبِرُ بِهِ؛ فَيَكُونُ سَبَبًا فِي الْعِلْمِ وَالذِّكْرِ وَالْكِتَابِ لَا فِي الْخَارِجِ.
– الشيخ: فَيَكُونُ شيئًا.. عندك أيش؟
– القارئ: سببًا
– الشيخ: لا، شيئًا، نعم
– القارئ: فَيَكُونُ شيئًا فِي الْعِلْمِ وَالذِّكْرِ وَالْكِتَابِ لَا فِي الْخَارِجِ، كَمَا قَالَ تعالى: إنَّمَا أَمْرُهُ إذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس:82]. وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ خَالِقُ الْإِنْسَانِ وَمُعَلِّمُهُ فَهُوَ الَّذِي خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ، وَهُوَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} [العلق]، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْإِلَهَ بِمَعْنَى الرَّبِّ، فَهُوَ الَّذِي جَعَلَ الْمَرْبُوبَ مَرْبُوبًا؛ فَيَكُونُ عَلَى هَذَا هُوَ الَّذِي جَعَلَ الْمَألُوهَ مَالُوهًا.
– الشيخ: ما تَصلُح، ما في تصويب؟ ما في تعليق؟
– القارئ: لا يا شيخُ، ما في شيء.. ما في تعليقٌ ولا أيّ شيءٍ.
– الشيخ: هو الذي جعلَ الآلِهَ آلهًا، ما في، المألوهُ مَن؟ مَنِ المألوهُ؟ المألوهُ هو اللهُ، والمَرْبُوبُ: صحيح مخلوقٌ. ما يمكنُ نقول: نجعلُ المألوهَ كالمَرْبُوبُ. من حيثُ الصيغةِ صحْ مألُوهٌ مربوبٌ، مفعولٌ كلّه، المَرْبُوبُ هو العبدُ، والمألوهُ هو الربُّ فلا يستقيمُ، هو الذي جعلَ المَرْبُوبُ مربوبًا نعم له وجهٌ، لكن هو الذي جَعَلَ الإلهَ يعني جعلَ المألُوهَ مألوهًا هذا غيرُ مستقيمٍ، جعلَ الآلهةَ آلهةً، هو الذي جعلَ العابدَ عابدًا، اللهُ هو الذي جعلَ العابدَ عابدًا، جعلَ الصالحَ صالحًا، هو الذي جعلَ المُسلِمَ مُسلمًا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ، اجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ.
– القارئ: جَعَلَ الآلهةَ يا شيخ إلهًا.
– الشيخ: الآلِه، العابد.
– القارئ: فَيَكُونُ عَلَى هَذَا هُوَ الَّذِي جَعَلَ الْآلِهَ
– الشيخ: جَعَلَ الْآلِهَ آلِهًا.
– القارئ: جَعَلَ الْآلِهَ آلِهًا، وَالْمَرْبُوبُ لَمْ يَجْعَلْهُ رَبًّا بَلْ رُبُوبِيَّتُهُ صِفَةٌ
– الشيخ: أيش هذا الكلام؟ أيش بعده؟
– القارئ: كأنَّه وضعَ يا شيخُ تعليقًا يقول: هذه مناقشةُ شيخِ الإسلامِ للمتكلّمين في معنى الألوهيّة.
– الشيخ: يعني المُتكلِّمينَ عندَهم أنَّ الإلهَ هو الربُّ هو القادرُ على الاختراعِ، شيخُ الإسلامِ يردُّ عليهم يقولُ: بل الإلهُ بمعنى المألُوهُ، فالإلهُ بمعنى المألوهِ أي: المعبودِ، ولا إله إلا الله: لا معبودَ، لا إلهَ أيْ: لا معبودَ بحقٍّ إلّا اللهُ.
– القارئ: وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ الْمَرْبُوبَ وَجَعَلَهُ مَرْبُوبًا وَهُوَ إذَا آمَنَ بِالرَّبِّ وَاعْتَقَدَ رُبُوبِيَّتَهُ وَأَخْبَرَ بِهَا كَانَ قَدْ اتَّخَذَ اللَّهَ رَبًّا وَلَمْ يَبْغِ رَبًّا سِوَى اللَّهِ وَلَمْ يَتَّخِذْ رَبًّا سِوَاهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبًّا وَهُوَ رَبُّ كُلِّ شَيْءٍ [الأنعام:164]، وَقَالَ تَعَالَى: قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَتَّخِذُ وَلِيًّا فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ [الأنعام:14]، وَقَالَ: وَلَا يَأمُرَكُمْ أَنْ تَتَّخِذُوا الْمَلَائِكَةَ وَالنَّبِيِّينَ أَرْبَابًا أَيَأمُرُكُمْ بِالْكُفْرِ بَعْدَ إذْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ [آل عمران:80]، وَهُوَ أَيْضًا فِي نَفْسِهِ هُوَ الْإِلَهُ الْحَقُّ لَا إلَهَ غَيْرُهُ، فَإِذَا عَبَدَهُ الْإِنْسَانُ فَقَدْ وَحَّدَهُ لَمْ يَجْعَلْ مَعَهُ إلَهًا آخَرَ، وَلَا اتَّخَذَ إلَهًا غَيْرَهُ، قَالَ تَعَالَى: فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ [الشعراء:213]، وَقَالَ تَعَالَى: لَا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُومًا مَخْذُولًا [الإسراء:22]، وَقَالَ إبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ: أَتَتَّخِذُ أَصْنَامًا آلِهَةً إنِّي أَرَاكَ وَقَوْمَكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ [الأنعام:74]. فَالْمَخْلُوقُ لَيْسَ بِإِلَهٍ فِي نَفْسِهِةلَكِنَّ عَابِدَهُ اتَّخَذَهُ إلَهًا..
– الشيخ: يعني، تقول أيش العبارة؟
يعني: المخلوقُ ممّا يعبدُه الناسُ كالأصنامِ وغيرِها، هذه الأصنامُ ليست آلهةً، بل هي مخلوقاتٌ مربوبةٌ، لكنَّ المُشركينَ هم الذين جعلوها، جعلوها آلهةً، جعلوها آلهةً بأيش؟ في اعتقادِهم وإلّا هي آلهةٌ؟!، يعني لما ألَّهَهَا المشركونَ صارتٍ آلهةً؟! لا ليستْ آلهةً، لكنْ همْ جعلوها باعتقادِهم وبأفعالِهم جعلوها آلهةً، ولّا فحقيقةً ليست آلهةً، بل هي مخلوقةٌ مربوبةٌ ناقصةٌ.
– القارئ: فَالْمَخْلُوقُ لَيْسَ بِإِلَهٍ فِي نَفْسِهِ وَجَعَلَهُ إلَهًا وَسَمَّاهُ إلَهًا، وَذَلِكَ كُلُّهُ بَاطِلٌ لَا يَنْفَعُ صَاحِبَهُ بَلْ يَضُرُّهُ، كَمَا أَنَّ الْجَاهِلَ إذَا اتَّخَذَ إمَامًا وَمُفْتِيًا وَقَاضِيًا كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا
– الشيخ: كَمَا أَنَّ الْجَاهِلَ.
– القارئ: إذَا اتَّخَذَ إمَامًا
– الشيخ: لا؛ "إذا اتُّخِذَ" يمكن، إذا اتُّخِذَ، الجاهل إذا اتُّخِذَ، نعم.
– القارئ: كَمَا أَنَّ الْجَاهِلَ إذَا اتُّخِذَ إمَامًا وَمُفْتِيًا وَقَاضِيًا كَانَ ذَلِكَ بَاطِلًا؛ فَإِنَّهُ لَا يَصْلُحُ أَنْ يَؤُمَّ وَلَا يُفْتِيَ وَلَا يَقْضِيَ. وَغَيْرُ اللَّهِ لَا يَصْلُحُ أَنْ يُتَّخَذَ إلَهًا يُعْبَدُ وَيُدْعَى؛ فَإِنَّهُ لَا يَخْلُقُ وَلَا يَرْزُقُ، وَهُوَ سُبْحَانَهُ لَا مَانِعَ لِمَا أَعْطَى، وَلَا مُعْطِيَ لِمَا مَنَعَ، وَلَا يَنْفَعُ ذَا الْجَدِّ مِنْهُ الْجَدُّ.
وَمَنْ دَعَا مَنْ لَا يَسْمَعُ دُعَاءَهُ، أَوْ يَسْمَعُ وَلَا يَسْتَجِيبُ لَهُ؛ فَدُعَاؤُهُ بَاطِلٌ وَضَلَالٌ. وَكُلُّ مَنْ سِوَى اللَّهِ إمَّا أَنَّهُ لَا يَسْمَعُ دُعَاءَ الدَّاعِي، أَوْ يَسْمَعُ وَلَكِنْ لَا يَسْتَجِيبُ لَهُ، فَإِنَّ غَيْرَ اللَّهِ لَا يَسْتَقِلُّ بِفِعْلِ الشَّيْءِ أَلْبَتَّةَ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ [سبأ:22-23]، فَغَيْرُ اللَّهِ لَا مَالِكٌ لِشَيْءِ، وَلَا شَرِيكٌ فِي شَيْءٍ، وَلَا هُوَ مُعَاوِنٌ لِلرَّبِّ فِي شَيْءٍ؛ بَلْ قَدْ يَكُونُ لَهُ شَفَاعَةٌ إنْ كَانَ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ وَالصَّالِحِينَ؛ وَلَكِنْ لَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ، فَلَا بُدَّ أَنْ يَأذَنَ لِلشَّافِعِ أَنْ يَشْفَعَ، وَأَنْ يَأذَنَ لِلْمَشْفُوعِ لَهُ أَنْ يَشْفَعَ لَهُ، وَمَنْ دُونَهُ لَا يَمْلِكُونَ الشَّفَاعَةَ أَلْبَتَّةَ؛ فَلَا يَصْلُحُ مَنْ سِوَاهُ لِأَنْ يَكُونَ إلَهًا مَعْبُودًا، كَمَا لَا يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ خَالِقًا رَازِقًا، لَا إلَهَ إلَّا الله وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ.
فَصْلٌ: وَهَؤُلَاءِ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ ضَلَالِهِمْ مُشَارَكَتُهُمْ لِلْفَلَاسِفَةِ وَتَلَقِّيهمْ عَنْهُمْ؛ فَإِنَّ أُولَئِكَ الْقَوْمَ
– الشيخ: إلى هنا يا أخي، جزاكَ اللهُ خيرًا.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم. شيخنا في صفحةٌ ونص وينتقلُ لأصولِ الفِرَقِ والابتداعِ في الإسلامِ، إنْ أردتمْ نقفُ عليه يا شيخ.
– الشيخ: طيّب ممكن، من اللي بعدَه؟
– طالب: ما في أحد.
– الشيخ: خلص كمّل
– القارئ: وَهَؤُلَاءِ كَانَ مِنْ أَعْظَمِ أَسْبَابِ ضَلَالِهِمْ مُشَارَكَتُهُمْ لِلْفَلَاسِفَةِ وَتَلَقِّيهمْ عَنْهُمْ؛ فَإِنَّ أُولَئِكَ الْقَوْمَ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ الِاسْتِدْلَالِ بِمَا جَاءَ بِهِ الرَّسُولُ، فَإِنَّ الرَّسُولَ بُعِثَ بِالْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى، يُبَيِّنُ الْأَدِلَّةَ الْعَقْلِيَّةَ، وَيُخْبِرُ النَّاسَ بِالْغَيْبِ الَّذِي لَا يُمْكِنُهُمْ مَعْرِفَتُهُ بِعُقُولِهِمْ، وَهَؤُلَاءِ الْمُتَفَلْسِفَةُ يَقُولُونَ: إنَّهُ لَمْ يُفِدِ النَّاسَ عِلْمًا بِخَبَرِهِ وَلَا بِدَلَالَتِهِ؛ ِوَإِنَّمَا خَاطَبَ خِطَابًا جُمْهُورِيًّا لِيُصْلِحَ بِهِ الْعَامَّةَ؛ فَيَعْتَقِدُوا فِي الرَّبِّ وَالْمَعَادِ اعْتِقَادًا يَنْفَعُهُمْ وَإِنْ كَانَ كَذِبًا وَبَاطِلًا، وَحَقِيقَةُ كَلَامِهِمْ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ تَكْذِبُ فِيمَا تُخْبِرُ بِهِ؛ لَكِنْ كَذِبًا لِلْمَصْلَحَةِ؛ فَامْتَنَعَ أَنْ يَطْلُبُوا مِنْ خَبَرِهِمْ عِلْمًا، وَإِذَا لَمْ تَكُنْ أَخْبَارُهُمْ مُطَابِقَةً لِلْمُخْبَرِ فَكَيْفَ يُثْبِتُونَ أَدِلَّةً عَقْلِيَّةً عَلَى ثُبُوتِ مَا أَخْبَرُوا بِهِ.
والمتكلمون الَّذِينَ يَقُولُونَ: إنَّهُمْ لَا يُخْبِرُونَ إلَّا بِصِدْقِ وَلَكِنْ يَسْلُكُونَ فِي الْعَقْلِيَّاتِ غَيْرَ طَرِيقِهِمْ: مُبْتَدِعُونَ، مَعَ إقْرَارِهِمْ بِأَنَّ الْقُرْآنَ اشْتَمَلَ عَلَى الْأَدِلَّةِ الْعَقْلِيَّةِ، فَكَيْفَ بِهَؤُلَاءِ الْمَلَاحِدَةِ الْمُفْتَرِينَ؟! وَلِهَذَا لَا يَعْتَنُونَ بِالْقُرْآنِ وَلَا بِتَفْسِيرِهِ وَلَا بِالْحَدِيثِ وَكَلَامِ السَّلَفِ، وَإِنْ تَعَلَّمُوا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا فَلِأَجْلِ تَعَلُّقِ الْجُمْهُورِ بِهِ لِيَعِيشُوا بَيْنَهُمْ بِذِكْرِهِ؛ لَا لِاعْتِقَادِهِمْ مُوجَبَهُ فِي الْبَاطِنِ، وَهَذَا بِخِلَافِ طَوَائِفِ الْمُتَكَلِّمِينَ؛ فَإِنَّهُمْ يُعَظِّمُونَ الْقُرْآنَ فِي الْجُمْلَةِ وَتَفْسِيرَهُ مَعَ مَا فِيهِمْ مِنْ الْبِدَعِ.
وَلِهَذَا لَمَّا اسْتَوْلَى التَّتَارُ عَلَى بَغْدَادَ وَكَانَ الطوسي مُنَجِّمًا لِهُولَاكُوَ، اسْتَوْلَى عَلَى كُتُبِ النَّاسِ الْوَقْفِ وَالْمِلْكِ، فَكَانَ كُتُبُ الْإِسْلَامِ مِثْلُ التَّفْسِيرِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَالرَّقَائِقِ يُعْدِمُهَا، وَأَخَذَ كُتُبَ الطِّبِّ وَالنُّجُومِ وَالْفَلْسَفَةِ وَالْعَرَبِيَّةِ؛ فَهَذِهِ عِنْدَهُ هِيَ الْكُتُبُ الْمُعَظَّمَةُ، وَكَانَ بَعْضُ مَنْ أَعْرِفُهُ قَارِئًا خَطِيبًا لَكِنْ كَانَ يُعَظِّمُ هَؤُلَاءِ وَيَرْتَاضُ رِيَاضَةً فَلْسَفِيَّةً سِحْرِيَّةً؛ حَتَّى يَسْتَخْدِمَ الْجِنَّ، وَكَانَ بَعْضُ الشَّيَاطِينِ أَلْقَى إلَيْهِ أَنَّ هَؤُلَاءِ يَسْتَوْلُونَ عَلَى دَارِ الْإِسْلَامِ؛ فَكَانَ يَقُولُ لِبَعْضِ أَصْحَابِنَا: يَا فُلَانُ عَنْ قَلِيلٍ يُرَى هَذَا الْجَامِعُ -جَامِعُ دِمَشْقَ- يُقْرَأُ فِيهِ الْمَنْطِقُ وَالطَّبِيعِيُّ وَالرِّيَاضِيُّ وَالْإِلَهِيُّ، ثُمَّ يُرْضِيهِ فَيَقُولُ: وَالْعَرَبِيَّةُ أَيْضًا. وَالْعَرَبِيَّةُ إنَّمَا احْتَاجَ الْمُسْلِمُونَ إلَيْهَا لِأَجْلِ خِطَابِ الرَّسُولِ بِهَا، فَإِذَا أَعْرَضَ عَنْ الْأَصْلِ كَانَ أَهْلُ الْعَرَبِيَّةِ بِمَنْزِلَةِ شُعَرَاءِ الْجَاهِلِيَّةِ أَصْحَابِ الْمُعَلَّقَاتِ السَّبْعِ وَنَحْوِهِمْ مِنْ حَطَبِ النَّارِ.
انتهى يا شيخنا.
– الشيخ: أحسنت.