الرئيسية/شروحات الكتب/كتاب حراسة الفضيلة/(5) الأصل الثالث “قوله يا أيها الذين امنوا لا تدخلوا بيوت النبي…”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(5) الأصل الثالث “قوله يا أيها الذين امنوا لا تدخلوا بيوت النبي…”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح رسالة (حراسة الفضيلة) للشيخ بكر بن عبدالله 
الدّرس الخامس

***    ***    ***    ***

– القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، قال الشيخ بكر بن عبد الله أبو زيد -رحمه الله تعالى- كتابه "حراسة الفضيلة":
الدليل الثاني: آية الحجاب، قال الله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَامٍ غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلَا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَاللَّهُ لَا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمًا *إِنْ تُبْدُوا شَيْئًا أَوْ تُخْفُوهُ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا *لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ وَلَا أَبْنَائِهِنَّ وَلَا إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ إِخْوَانِهِنَّ وَلَا أَبْنَاءِ أَخَوَاتِهِنَّ وَلَا نِسَائِهِنَّ وَلَا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ وَاتَّقِينَ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدًا [الأحزاب :53-54-55]
الآية الأولى عُرِفت باسم آية الحجاب؛ لأنها أول آية نزلت بشأن فرض الحجاب على أمهات المؤمنين
 ونساء المؤمنين، وكان نُزولها في شهر ذي القعدة سنة خمسٍ من الهجرة، وسببُ نزولها ما ثبت من حديث أنس رضي الله عنه قال: قال عمر رضي الله عنه قلت: يا رسول الله يدخل عليك البَرُّ والفاجر، فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب. رواه أحمد والبخاري في الصحيح. وهذه إحدى موافقات الوحي لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب _رضي الله عنه_ وهي من مناقبه العظيمة، ولما نزلت حَجب النبي صلى الله عليه وسلم نِساءه عن الرجال الأجانب عنهن.
– الشيخ: عمر رضي الله عنه مُلهم محدَّث فوقع له أنه وافق القرآن قبل نزول ببعض اجتهاداته، كما في مسألة الحِجاب فلو أمرتهنَّ بالحجاب، فأنزل الله آية الحجاب، وقال لو اتخذت من مقام إبراهيم مُصلَّى، فأنزل الله: وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى [البقرة:125]
وكذلك يعني مسألة الصلاة على عبد الله بن أبي لما أراد النبي أن يصلِّي عليه قال: أتصلي على رأس المنافقين؟ فأنزل الله: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا [التوبة: 84] هذه جملةٌ من موافقاته لربّه رضي الله عنه.
 
– القارئ: وحجب المسلمون نساءهم عن الرجال الأجانب عنهن بستر أبدانهن من الرأس إلى القدمين وستر ما عليها من الزينة المكتسبة، فالحجاب فرضٌ عام على كل مؤمنة مؤبدٍ إلى يوم القيامة، وقد تنوعت دلالة هذه الآيات على هذا الحكم من الوجوه الآتية:
الوجه الأول: لما نزلت هذه الآية حَجبَ النبي صلى الله عليه وسلم نساءه وحجب الصحابة نساءهم بستر وجوههنَّ وسائر البدن والزينة المكتسبة، واستمر ذلك في عمل نساء المؤمنين هذا إجماع عملي دالٌّ على عموم حكم الآية لجميع نساء المؤمنين ولهذا قال ابن جرير _رحمه الله تعالى_ في تفسير هذه الآية: وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ [الأحزاب:53]
يقول: وإذا سألتم أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ونساء المؤمنين اللواتي لسنَ لكم بأزواج متاعاً فاسألوهنَّ من وراء حجاب، يقول من وراء ستر بينكم وبينهن. انتهى.
الوجه الثاني: في قوله تعالى في آية الحجاب هذه: ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ [الأحزاب:53] عِلّةٌ لفرض الحجاب في قوله سبحانه: فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ بمسلكِ الإيمان والتنبيه وحُكم العِلّة عام لمعلولها هنا؛ لأن طهارة قلوب الرجال والنساء وسلامتها من الريبة مطلوبة جميع المسلمين.
فصار فرض الحجاب على نساء المؤمنين من باب أولى من فرضه على أمهات المؤمنين وهنَّ الطاهرات المبرّءات من كل عيبٍ ونقيصة رضي الله عنهن، فاتضح أن فرض الحجاب فيه حكمٌ عام على جميع النساء لا خاص بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم.
– الشيخ:
إذا كان هذا في شأن أمهات المؤمنين يعني أنه إنما أُمرن بالحجاب لتحصيل الطهارة، طهارة قلوب المخاطِبين لهنَّ وللمخاطبين لهن، فحاجة سائر النساء وسائر الرجال إلى ذلك يعني أولى وأعظم؛ لأن الريبة تتطرّق إليهم أكثر من الصحابة مع أمهات المؤمنين، ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ
وكل المؤمنين والمؤمنات يحتاجون إلى طهارة القلوب من التفكير بالشهوة والميل؛ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا [النساء:27] فجاءت الشريعة بقطع ذرائع الحرام، فرض الله الحجاب على أمهات المؤمنين وعلى سائر نساء المؤمنين، وكما قال – الشيخ: صار ذلك عملاً موروثاً في قرون المسلمين المتطاولة حتى غُزِيَت بلاد المسلمين واستولى عليها الكفار، فعمِلوا على إخراج المرأة من صيانتها ومن حجابها بشتَّى الوسائل والذرائع، وأهم وسيلة تذرّع بها الكفار لإخراج المرأة المسلمة عن آداب الإسلام هو التعليم، التعليم الغربي التعليم العصري التعليم المادي، فسرى هذا البلاء في المجتمعات الإسلامية، وآخر البلدان تقريباً تعرضَّاً لذلك هي هذه البلاد الآن؛ بسب التواصل مع الأمم مع الكفار ذهاباً إليهم ووفوداً منهم إلينا.
 
– القارئ: فاتضَّح أن فرض الحجاب حكمٌ عامٌ على جميع النساء لا خاص بأزواج النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن عموم عِلّة الحكم دليلٌ على عموم الحكم فيه، وهل يقول مسلم: إن هذه العلة ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ غيرُ مرادةٍ من أحدٍ من المؤمنين، فيالها من عِلّة ٍجامعةٍ لم تغادر صغيرةً ولا كبيرةً من مقاصد فرض الحجاب إلا شملتها.
الوجه الثالث.
– الشيخ:
فيالها من علة
– القارئ: فيالها من علة جامعة لم تغادر صغيرة ولا كبيرة..
– الشيخ:
من علة جامعةٍ؟
– القارئ: لم تغادر صغيرة ولا..
– الشيخ:
نعم لم تغادر نعم وضح
– القارئ: لم تغادر صغيرة ولا كبيرة من مقاصد فرض الحجاب إلا شملتها.
الوجه الثالث: العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب إلا إذا قام دليل على التخصيص وكثير من آيات القرآن ذواتُ أسبابٍ في نزولها، وقَصْرُ أحكامها في دائرة أسبابها بلا دليل تعطيل للتشريع، فما هو حظُّ المؤمنين منها؟ وهذا ظاهر بحمد الله ويزيده بيانا أن قاعدة توجيه الخطاب في الشريعة هي أن خطاب الواحد يعمُّ حكمه جميع الأمة، في الاستواء في أحكام التكليف ما لم يرد دليل يجب الرجوع إليه دالاً على التخصيص ولا مخصص هنا.
وقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في مبايعة النساء:
(إني لا أصافح النساء وما قوله لامرأة واحدة إلا كقوله لمئة امرأة)
الوجه الرابع: زوجات النبي -صلى الله عليه وسلم- أمهاتٌ لجميع المؤمنين، كما قال الله تعالى: وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ [الأحزاب:6] ونكاحهنَّ مُحرّمٌ على التأبيد كنكاح الأمهات، وَلَا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَدًا وإذا كانت زوجات النبي صلى الله عليه وسلم كذلك فلا معنى لقصر الحجاب عليهنَّ دون بقية نساء المؤمنين، ولهذا كان حكم فرض الحجاب عام لكل مؤمنة مؤبّداً إلى يوم القيامة وهو الذي فهمه الصحابة رضي الله عنهم كما تقدَّم من حجبهم نساءهم رضي الله عنهن.
الوجه الخامس: ومن القرائن الدالة على عموم حكم فرض الحجاب على نساء المؤمنين، أن الله سبحانه استفتح الآية بقوله: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ وهذا الاستئذان أدبٌ عامٌ لجميع بيوت المؤمنين ولا أحد يقول بقصر هذا الحكم على بيوت النبي صلى الله عليه وسلم دون بقية بيوت المؤمنين.
ولهذا قال ابن كثير _رحمه الله تعالى_ في تفسيره: حُظِرَ على المؤمنين أن يدخلوا منازل رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير إذن، كما كانوا قبل ذلك يصنعون في بيوتهم في الجاهلية وابتداء الإسلام حتى غارَ الله لهذه الأمة فأمرهم بذلك وذلك من إكرامه تعالى هذه الأمة، ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إياكم والدخول على النساء) الحديث انتهى.
ومن قال بتخصيص فرض الحجاب على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم لزمهُ أن يقول بقصر حكم الاستئذان كذلك ولا قائل به.
الوجه السادس: ومما يفيد العموم أن الآية بعدها: لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ [الأحزاب:55] فإن نفي الجناح استثناء من الأصل العام وهو فرض الحجاب، ودعوى تخصيص الأصل يستلزم تخصيص الفرع، وهو غير مُسلَّم إجماعاً لما عُلِم من عموم نفي لما عُلِم من عموم نفي.
– الشيخ: الوجه السادس
– القارئ: نعم، الوجه السادس ومما يفيد العموم أن الآية بعدها: لَا جُنَاحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبَائِهِنَّ فإن نفي الجُناح استثناءٌ من الأصل العام وهو فرض الحجاب، ودعوى تخصيص الأصل يستلزمُ تخصيص الفرع، وهو غير مُسلَّم إجماعاً، لما عُلم من عموم نفي الجناح بخروج المرأة أمام محارمها كالأب غير محجبة الوجه والكفين، أما غير المحارم فواجب على المرأة الاحتجاب عنهم.
قال ابن كثير _رحمه الله تعالى_ في تفسير هذه الآية، لما أمر الله النساء بالحجاب عن الأجانب، بيَّنَ أن هؤلاء الأقارب لا يجب الاحتجاب عنهم، كما استثناهم في سورة النور عند قوله تعالى: وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا لِبُعُولَتِهِنَّ [النور:31] الآية انتهى.
وتأتي الآية بتمامها في الدليل الرابع وقد سمَّاها ابن العربي _رحمه الله تعالى_ آية الضمائر؛ لأنها أكثر آية في كتاب الله فيها ضمائر.
الوجه السابع: ومما يُفيد العموم ويُبطل التخصيص قوله تعالى.
– الشيخ:
في وجوه؟
– القارئ: انتهى هذا آخر وجه
– الشيخ:
نعم
– القارئ: ومما يُفيد العموم ويُبطل التخصيص قوله تعالى ونساء المؤمنين في الآية من سورة الأحزاب في قوله تعالى: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ [الأحزاب:59] وبهذا ظهر عموم فرض الحجاب على نساء المؤمنين على التأبيد.
الدليل الثالث..
– الشيخ:
إلى هنا.
 
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :الفقه وأصوله