بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح (رسالة ابن القيّم إلى أحد إخوانه)
الدّرس الثّالث عشر
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيم، الحمدُ للهِ ربِّ العالمين، والصّلاةُ والسّلامُ على المبعوثِ رحمةً للعالمين. قالَ ابنُ القيّمِ رحمهُ الله تعالى:
المشهدُ الرَّابِعُ؛ مشهدُ الْإِحسَانِ وَهُوَ مشهدُ المراقبةِ، وَهُوَ أَنْ يَعبدَ اللهَ كَأَنَّهُ يَرَاهُ، وَهَذَا المشهدُ إِنَّمَا ينشأُ من كَمَالِ الْإِيمَانِ بِاللَّهِ وأسمائِه وَصِفَاتِه، حَتَّى كَأَنَّهُ يرى اللهَ سُبْحَانَهُ فَوقَ سمواتِه، مُستوياً على عَرْشِهِ يتَكَلَّمُ بأَمرِهِ وَنَهْيه، وَيُدبِّرُ أَمرَ الخَليقَةِ فَينزلُ الْأَمرُ من عِندِهِ ويصعدُ إِلَيْهِ، وَتُعرَضُ أَعمالُ العبادِ وأرواحُهُم عِندَ الوفاةِ عَلَيْهِ، فَيشْهدُ ذَلِك كُلَّهُ بِقَلْبِه، وَيشْهدُ أسمائَه وَصِفَاتِه، وَيشْهدُ قَيُّوماً حَيًّا سميعاً بَصيرًا عَزِيزًا حكيماً آمراً ناهياً، يُحبُّ وَيُبغِضُ ويَرضَى ويَغضَبُ وَيَفْعلُ مَا يَشَاءُ وَيحكمُ مَا يُرِيد، وَهُوَ فَوقَ عَرْشِه لَا يخفى عَلَيْهِ شَيءٌ من أَعمالِ العبادِ وَلَا أَقْوَالِهم وَلَا بواطِنِهِم، بل يعلمُ خَائِنَةَ الْأَعينِ وَمَا تُخفِي الصُّدُورُ.
ومشهدُ الإِحسَانِ أصلُ أَعمالِ الْقُلُوبِ كلِّهَا، فَإِنَّهُ يُوجِبُ الْحيَاءَ والإجلالَ والتعظيمَ والخشيةَ والمحبّةَ والإنِابَةَ والتّوكّلَ والخضوعَ للهِ سُبْحَانَهُ.
– الشيخ: اللهُ المستعان لا حول ولا قوّة إلّا بالله، اللهُ المستعان، نسألُ اللهَ من فضله.
– القارئ: أحسنَ اللهُ إليكم، والخضوعَ للهِ سُبْحَانَهُ والذُّلَّ لَهُ، وَيقطعُ الوَساوسَ وَحَدِيثَ النَّفسِ، وَيجمعُ القلبَ والهمَّ على الله. فحظُّ العَبْدِ من القُربِ من الله على قَدْرِ حَظِّهِ من مَقَامِ الإِحْسَانِ، وبِحَسَبِهِ تَتَفَاوَتُ الصَّلَاةُ حَتَّى يكون بَين صَلَاةِ الرجلَيْنِ من الفضلِ كَمَا بَين السَّمَاءِ وَالْأَرضِ، وقيامُهُما ورُكُوعُهُما وسُجُودُهُما وَاحِدٌ.
فصلٌ؛ المشهدُ الخامس
– الشيخ: إلى هنا بس. لا إله إلّا الله، الأول؟ اقرأ المشاهدَ العناوين بس الرؤوس.
– القارئ: الأوّلُ: الإخلاص.
– الشيخ: الثاني؟
– القارئ: الثاني: الصّدقُ والنّصح.
– الشيخ: الثالث؟
– القارئ: الثالث: مشهدُ المتابعة والاقتداء.
– الشيخ: نعم، الرابع هذا
– القارئ: إي نعم.
– الشيخ: مقامُ الإحسانِ، يعني هذهِ مقوّماتُ العملِ الصّالحِ، مقوماتُ حصولِهِ وكمالِهِ، فالعملُ الصّالحُ هو ما توفّرَ فيه الإخلاصُ والمتابعةُ كما هو معروفٌ ومقررٌ ومشهورٌ، ولكن فيه معاني أخرى يتوقّفُ عليها كمالُهُ، ولا سيَّما مشهدُ الإحسانِ، فهذا المشهدُ الرّابعُ في الحقيقةِ يشتملُ على الثّلاثةِ، على المشاهدِ الثّلاثةِ، لكنّ اشتمَالَه على الأوّلِ والثّاني أقوى وأظهرُ، لكنّه في الحقيقةِ مقامُ الإحسانِ لا يتحقّقُ إلا بالأمورِ المتقدِّمة، فهو يعني شاملٌ لها وعامٌّ لها، يتضمَّنُ الإخلاصَ ويتضمّنُ الصِّدقَ ويتضمّنُ المتابعةَ.
مقامُ الإحسانِ فسَّرهُ الرَّسولُ -عليه الصّلاةُ السّلامُ-: (تعبدُ اللهَ كأنّكَ تراهُ فإن لم تكنْ تراهُ فإنَّه يَرَاكَ)، وابنُ القيّمِ يُعبّرُ بهذا الكلام يعني يعبُّر عن معنى قولِه: (كأنّكَ تراه)، واللهُ تعالى، لو رأى الإنسانُ ربَّهُ لرآهُ فوقَ العرشِ، ورآهُ مُدبّراً مُتكلّماً حاكماً سبحانَه وتعالى.
لكنَّ المؤمنَ يرى هذا بقلبِه إيماناً فيؤمنُ بأنّ اللهَ فوقَ العرش، وأنَه تعالى يدبّرُ الأمرَ من السّماءِ إلى الأرضِ وما يَعرُجُ إليه، وأنّه يتكلّمُ بما شاءَ إذا شاءَ كيفَ شاءَ، وأنّه يَخفِضُ ويرفعُ ويُعِزُّ ويُذِلُّ ويهدي ويُضِلُّ ويُحيي ويُميتُ وهو على كلِّ شيءٍ قدير.