بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح (الرّسالة المدنيّة) لابن تيمية
الدّرس الخامس
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ، الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلّم على عبدهِ ورسولهِ نبيّنا محمّد وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، اللهم أغفر لشيخنا والحاضرين والمستمعين، يقولُ شيخُ الإسلامِ أبو العباس ابن تيمية -رحمهُ الله تعالى- في رسالتهِ "الرسالةُ المدنية في الحقيقةِ والمجازِ في الصفات" قال رحمهُ الله:
وأمّا المعتزلة، فإنّهم يَنْفونَ الصفات مُطلقًا ويُثْبتونَ أحكامها، وهي تَرْجعُ عِندَ أكثرهم إلى أنّهُ عليمٌ قدير، وأمّا كونهُ مُريدًا مُتكلّمًا فَعندهم أنّها صِفاتٌ حادثة، أو إضافية أو عدمية.
– الشيخ: يا سلام سلّم، لا إله إلّا الله، حادثة يعني معناهُ مخلوقة، إرادةٌ مخلوقة وكلامٌ مخلوق، والإضافية الصفة الإضافية هي: ما لا يُعقل أو يُتعقل إلّا بِمقابلٍ له، ويوضّحُ هذا المعنى بالأبوّة والبنوّة والقبلية والبعدية، فالأبوّة والبنوّة صِفتانٍ إضافيتان اعتبارية، يعني هل الأبوّة للأب صِفةٌ ذاتية؟ يعني مِثل طوله وعرضه ولونه وحياته؟ لا، صفة بالنسبة لأبنه، نقول لهُ أب لكن بالنسبة لأبيه.
– القارئ: لأ، معتبر هي أصبح
– الشيخ: اعتبارية يعني ما هي ما هي ذاتية الإضافية اعتبارية، يعني الشخص هو أبٌ باعتبار ابنهِ، وهو ابنٌ باعتبارِ أبيه، وأخٌ باعتبارِ أخيهِ وهكذا، يعني ما هي صفةٌ قائمةٌ به، قائمةٌ بهِ بمعنى أنّها داخلة في حقيقتهِ، هذا هي الصفة الإضافية، فهؤلاءِ المعطّلة لا يُثْبتونَ إلّا صفات سلبية عدمية، سلبية عدمية، ليس بكذا وليس بكذا ليس، صفات عَدَميّة لا تَسْتلزم معاني ثُبوتية، لا تَسْتلزم معاني ثبوتية، يعني ممكن يقول أنّهُ ليسَ بعاجز ولا كذا، لكن ما يَلْزم مِن قولهم أنّهُ لا يَعْجز أو ليسَ بعاجز أو ليس، لا يجهل أو ليسَ بِجاهل، إثباتُ قيام صفةِ العلم أو إثباتُ صفة قدرة قائمة بذات الرب، فالصفاتُ السلبية عِنْدَهم لا تَسْتلزم صفاتا ثبوتية، ولهذا نقول أنّهم لا يَصِفون الله إلّا بالسّلب المحض، صفات سلبية مَحِضة، والسّلب المحض هو الذي لا يَسْتلزمُ ثُبوتاً.
– القارئ: فَعِنْدَهم أنّها صفاتٌ حادِثة، أو إضافية أو عدمية. وهم أقربُ الناسِ إلى الصابئينَ الفلاسفة مِن الروم، ومَن سلكَ سبيلهم مِنَ العربِ والفُرس، حيثُ زَعموا أنَّ الصفات كُلَّها تَرْجعُ إلى سلبٍ أو إضافة، أو مُركّب مِنْ سلبٍ وإضافة، فهؤلاءِ كُلّهم ضُلّالٌ مُكذّبونَ للرسل.
ومَنْ رزقهُ الله معرفةَ ما جاء..
– الشيخ: ضُلّالٌ مكذّبون للرسل، هذا ما يَدْخل فيهِ المعتزلة بهذا الشكل وهذا الإطلاق، يعني الصّابئة والفلاسفة، أمّا المعتزلة فلا يُعدُّونَ مِن مُكذّبي الرّسل، لكنّهم مؤّلون هم، ما يكذِّبون الرسول فيما اخبرَ بهِ مِن هذه الأمور، لكنّهم يؤّلونها.
– القارئ: أحسن الله إليكم، ما قد يكون قد شابهوهم في هذا الوجه يعني؟
– الشيخ: لا لا ما نستطيع أن نقول أنهم مكذبون للرسول
– القارئ: ومَن رزقهُ الله معرفةُ ما جاءتْ بهِ الرّسل وبصرًا وبصراً نافذًا وعرفَ حقيقةَ مأخذُ هؤلاءِ، عَلِمَ قطعًا أنّهم يُلْحدون في أسمائهِ وآياتهِ، وأنّهم كذّبوا بالرّسل وبالكتاب وبِما أرسلَ بهِ رسله؛ ولهذا كانوا يقولون: إنَّ البدعَ مُشْتقةٌ مِنَ الكفر وآيلة إليهِ، ويقولون: إنَّ المعتزلة مخانيثُ الفلاسفة، والأشعرية مخانيثُ المعتزلة.
– الشيخ: مخانيث يعني أنّهم فيهم ازدواجية، يعني بينَ الفلاسفة وأهل الإثبات، أو يعني مُشبّهون، مثل ما يقال أنَّ هذا في الرجل المتشبّه بالنساء المخنّث، فهم مخانيثُ الفلاسفةِ يعني المتشبّهونَ بالفلاسفة، وهؤلاء المتشبّهونَ بالمعتزلة.
– القارئ: ويقولونَ إنَّ المعتزلة مَخانيثُ الفلاسفةِ، والأشعرية مخانيثُ المعتزلة.
وكان يَحيى بن عمار يقول: المعتزلةُ الجّهمية الذكور، والأشعرية الجّهمية الإناث، ومُرادُهم الأشعرية الذين يَنْفونَ الصفات الخبرية، وأمّا مَن قال مِنهم بكتابِ الإبانة الذي صنّفه الأشعري في آخرِ عمره، ولم يُظهر مقالةً تُناقضُ ذلك، فهذا يُعدُّ مِن أهل السنّة..
– الشيخ: لا إله إلا الله
– القارئ: حتى يعني لو مع أنَّ فيه شبهات في كتابه الأخير
– الشيخ: وش هو؟
– القارئ: يعني لا يخلو من كلام في كتاب الإبانة بعد رجوعه يعني..
– الشيخ: ما يخلو، لكن يمكن أنْ يُثبتَ الوصف، قدْ يكون، ما أدري، يمكن قولهُ: مِنْ أهلِ السنّة أحتمل أنْ يريد السنّة بمفهومها الأعم، وقد يُريدُ السنّة الخاصة يعني مِن أهل السنّة والجماعة، وعلى هذا يكون يعني وجود مخالفة في بعضِ القضايا، ما يُخرج الإنسان مِنَ الدائرة، يعني مثلًا أهلُ السنّة قد يكونُ لبعضِهم يعني بعضَ الآراء التي يُشبه بها بعض الطوائف المبتدعة، لكن يُحْكمُ على الشخص بِما هو الأغلبُ عليهِ، والمنهج الذي هو يعتني بهِ ويُعظّمهُ ويُقرره، فنجدُ مِن أهلِ السنّة، تَجد مَن هو مُثبت للصفات وكذا، لكن نَجدُ لهُ في بعضِ القضايا تأويل.
– القارئ: أحسن الله إليكم، ما يراد في هذا المعنى يعني المصطلح الاصطلاحي، يعني أهل السنة والأشعرية بالمقابل، يعني في الاصطلاح..
– الشيخ: وش هو الاصطلاح؟
– القارئ: في باب العقائد، يعني بالأخص في باب الأسماء والصفات، فقد يراد في ذلك المعنى الاصطلاحي..
– الشيخ: وش هو المعنى الاصطلاحي؟
– القارئ: أن هذا أشعري وهذا من أهل السنة على مذهب أهل الحديث، فلأجل ذلك يقول فهذا يعد من أهل السنة.
– الشيخ: طيب أنا قلت لك، ثم إن لما قلت لك أنت قلت إن كتاب الإبانة فيه
– القارئ: نعم نعم
– الشيخ: أي خلص..
– القارئ: وأمّا مَن قال مِنهم بكتابِ الإبانة الذي صنّفهُ الأشعري في آخرِ عُمره، ولمْ يُظْهر مقالة تُناقضُ ذلك، فهذا يُعدُّ مِن أهلِ السنّة..
– الشيخ: يظهر أنّهُ، كأنَّ الاحتمال أنّهُ يُريدُ أهلَ السنّة والجماعة أشبه، نعم كما..
– القارئ: لكنْ مُجرّدُ الانتسابِ إلى الأشعري بِدعة، لا سيما وأنّهُ بذلكَ يُوهِم حسناً بكلِّ مَن انتسبَ هذه النسبة..
– الشيخ: أيش؟
– القارئ: لكنْ مُجرّدُ الانتسابِ إلى الأشعري بِدعةٌ..
– الشيخ: لا إله إلا الله، لا إله إلا الله، لكن مجرد الانتساب إلى الأشعرية كذا أو الأشعري؟
– القارئ: إلى الأشعري
– الشيخ: إلى الأشعري بدعة، نعم بعده
– القارئ: لا سيما وأنّهُ بذلك يُوهِم حُسناً بكلِّ مَن انتسبَ هذه النسبة، ويَنْفتحُ بذلك أبواب شر، والكلام معَ هؤلاءِ الذين يَنْفونَ ظاهرها بهذا التفسير.
قلتُ له: إذا وصفَ الله نَفْسهُ بصفةٍ، أو وَصفهُ بِها رسولهُ، أو وصفهُ بِها المؤمنون الذين اتفقَ المسلمونَ على هِدايتهم ودِرايتهم، فَصَرْفُها عَن ظاهرها اللائق بجلالِ الله سبحانهُ وحقيقتها المفهومة مِنْها إلى باطنٍ يخالفُ الظاهر، ومجازٍ يُنافي الحقيقة، لابدَّ فيهِ مِن أربعةِ أشياء:
أحدُها: أنَّ ذلكَ اللفظ مُسْتعملٌ بالمعنى المجازي؛ لأنَّ الكتابَ والسنّة وكلامَ السَّلف جاءَ باللسانِ العربي، ولا يجوزُ أن يُرادَ بشيءٍ مِنه خِلافُ لسانِ العربِ، أو خِلافُ الألسنة كُلّها، فلابدَّ أن يكونَ ذلكَ المعنى المجازي ما يُرادُ بهِ اللفظ وإلّا..
– الشيخ: مما لا
– القارئ: صحيح بس المثبت "ما"
– الشيخ: أيش؟
– القارئ: المثبت هنا "ما"
– الشيخ: أنا سمعتك لكن لا بد أن يكون
– القارئ: نعم، الأولى: "مما"
– الشيخ: وهو كذا اقرأ
– القارئ: فلابدَّ أنْ يكونَ ذلك المعنى المجازي مِمّا يُرادُ بهِ اللفظ وإلّا فَيُمكن كلُّ مُبطلٍ أنْ يُفسِّر أيَّ لفظٍ بأيِّ معنىً سنحَ لهُ.
– الشيخ: كما تَفْعلُ الباطنية، هم الذين انتهجوا هذا المنهج، يُفسّرون ألفاظَ القراّنِ وغيرهِ يُفسّرونهُ بتفسيراتٍ لا أصلَ لها، ولا تَمتُ إلى شرعٍ ولا لغة، ويُمثّلُ لهذا بقولهم: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ [الفرقان:53]، "البحرين": علي وفاطمة، هل دل عليه اللغة؟
– القارئ: لا
– الشيخ: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجَانُ [الرحمن:22]: الحسن والحسين، وهلمَّ جرَّا.
– القارئ: حتى الباطنية الجدد يعني سلكوا هذا المسلك يعني في هذا العصر، يعني سلكوا هذا المسلك من باب … وإلى أخره.
– الشيخ: يعني تَفْسيرُ القراّنِ بالهوى فقط، لا ما هو عَنْ تحرّي، لا، المهم جرُّ القرآنِ إلى ما يُريدونهُ.
– القارئ: وإلّا فَيُمكن كلُّ مبطلٍ أنْ يُفسّر أيَّ لفظٍ بأيّ معنىً سنحَ لهُ، وإنْ لمْ يكن لهُ أصلٌ في اللغة.
– الشيخ: يعني لو الشيخ بسط، قال كما تَفْعلُ الباطنية، أو كما فعلت الباطنية هذا هو، لكنْ الشيخ ما، أقول في المقامِ اختصار.
– القارئ: الثاني: أنْ يكونَ معهُ دليلٌ يُوجبُ صَرْف اللفظ عَن حقيقتهِ إلى مجازه.
– الشيخ: يعني هذا إذا، يعني تقرّر إنَّ هذا الفظ يُسْتعمل في معنى المجازي لغةً، هذا اللفظ مُسْتعمل في اللغة في حقيقتهِ وفي مجازهِ، فلا بدَّ أيضاً لحملهِ على المجاز وصرفه عَن الحقيقة مِن دليل، ولهذا يُقال أنّهُ التأويل: صرفُ اللفظِ عَنِ الاحتمالِ الراجح كالحقيقة إلى احتمالٍ مَرجوحٍ كالمجاز مثلاً لدليلٍ يُقترن بهِ، فأن كان الدليلُ لا يُوجبُ الصرف كان صرفُ اللفظ تحريفاً، وإن كانَ يَجبُ المصيرُ إليهِ كانَ تأويلاً صحيحاً.
– القارئ: أنْ يكونَ معهُ دليلٌ يُوجبُ صرفَ اللفظِ عَن حقيقتهِ إلى مجازهِ، وإلّا فإذا كانَ يُسْتعملُ في معنى بطريقِ الحقيقة، وفي معنى بطريقِ المجاز، لمْ يَجُز حَمْلهُ على المجازيّ بغيرِ دليلٍ يوجبُ الصرفَ بإجماعِ العقلاء.
– الشيخ: تمام لا بد من دليل، هذه خطوتين، نعم الثالث
– القارئ: ثمَّ إن ادّعى وجوبَ صرفهِ عَنِ الحقيقةِ فلابدَّ لهُ مِن دليلٍ قاطعٍ عقلي أو سمعي يُوجبُ الصرفَ وإن ادّعى ظهورَ صرفهِ عَنِ الحقيقة..
– الشيخ: وإن ادعى
– القارئ: إلّي قبلها ولا هذه؟
– الشيخ: لا هذه
– القارئ: وإن ادّعى ظهورَ صرفهِ عَنِ الحقيقةِ فلابدَّ مِن دليلٍ مرجّحٍ للحملِ على المجازِ..
– الشيخ: نعم لابد، يعني يكون الدليل إن ادّعى الوجوب وجبَ عليهِ أنْ يكونَ الدليلُ قطعي حتى يُوجبَ الصرف يجب، يعني الأصل حَملُ اللفظِ على حقيقتهِ، فَمَن قال يجبُ صرفهُ قلنا لابدَّ أن تأتي بدليلٍ قطعي يُوجبُ الصرف، وإن ادّعى أنَّ الظاهر حَملهُ فلا بدَّ مِن دليلٍ مُرجِّح، بس بدون دعوى الوجوب.
– القارئ: أحسن الله إليكم، هل يستطيع؟
– الشيخ: ها؟
– القارئ: هل يستطيع يأتي بـ..
– الشيخ: يأتي بماذا، في باب الصفات؟
– القارئ: لا لا، في وجوب الصرف
– الشيخ: ممكن في بعض الأشياء، يعني ممكن دليل عقلي يمكن
– القارئ: لا المعترض، يعني في هذا الباب
– الشيخ: هذا كلام هو تقرير عام، تقرير قواعد يعني
– القارئ: الثالث: أنّهُ لابدَّ مِن أن يَسْلم ذلكَ الدليل الصارفُ عَن معارضٍ، وإلّا فإذا قامَ دليلٌ قرآنيٌّ أو إيماني يُبيّن أنَّ الحقيقةَ مُرادة امتَنعَ تَرْكُها..
– الشيخ: أيش امتنع؟
– القارئ: وإلّا فإذا قامَ دليلٌ قرآنيٌّ أو إيماني يُبيّن أنَّ الحقيقةَ مُرادةٌ امتنعَ تَرْكُها..
– الشيخ: امتنع؟
– القارئ: تركها
– الشيخ: امتنع تركها؟ امتنع؟
– القارئ: نعم نعم
– الشيخ: أيش؟
– القارئ: امتنع تركها
– الشيخ: إي، ترك الحقيقة، نعم نعم، امتنعَ تركُ الحقيقةِ صح، إذا قامَ دليلٌ قرآني أو إيماني، يعني على أنَّ الحقيقةَ مُرادة امتنع تركها، نعم بعده..
– القارئ: وإلّا فإذا قامَ دليلٌ قرآنيٌّ أو إيماني يُبيّن أنَّ الحقيقةَ مُرادةٌ امتنعَ تَرْكُها..
– الشيخ: نعم واضح نعم
– القارئ: ثمَّ إنْ كانَ هذا الدليلُ نصّاً قاطعًا لمْ يُلْتَفت إلى نَقيضهِ، وإنْ كانَ ظاهرًا فلا بُدَّ مِنَ الترجيحِ.
– الشيخ: نعم بعده غيره
– طالب: …
– الشيخ: هذا قد يكون من الخطاب من محاورة المُخاطبِ بِلُغتهِ
– القارئ: بالتنزُّل يعني؟
– الشيخ: لا، بِلُغتهِ
– القارئ: أي نعم، يعني لو قُدِّر على خطابه
– الشيخ: أي هو على خطابه يخاطبه
– القارئ: أحسن الله إليكم.