بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح (الرّسالة المدنيّة) لابن تيمية
الدّرس الرّابع
*** *** *** ***
– القارئ: بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ، الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلّم على عبدهِ ورسولهِ نبيّنا محمّد وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين، يقولُ شيخُ الإسلامِ الإمام أبو العباس ابن تيمية -رحمهُ الله تعالى- في رسالتهِ المدنية في الحقيقةِ والمجاز في الصفات، قالَ رحمهُ الله:
والمعنى الثاني: أنَّ هذه الصفات إنّما هي صفاتُ الله -سبحانهُ وتعالى- كما يَليقُ بجلالهِ، نِسْبَتُها إلى ذاتهِ المقدّسة كَنسبةِ صِفاتِ كلِّ شيءٍ إلى ذاتهِ، فَيُعْلمُ أنَّ العلمَ صفةٌ ذاتيةٌ للموصوفِ ولها خَصائص، وكذلكَ الوجه.
ولا يقال: إنّهُ مُسْتَغنٍ عَنْ هذه الصفات؛ لأنَّ هذه الصفاتِ واجبةٌ لذاتهِ، والإلهُ المعبودُ سُبْحانه هو المستحقُّ لجميعِ هذه الصفات.
وليسَ غَرَضُنا الآنَ الكلامَ معَ نفاةِ الصفات مُطْلقًا، وإنّما الكلامُ معَ مَنْ يُثْبِتُ بعضَ الصفاتِ وكذلكَ فِعْلهُ، نعلمُ أنَّ الخلق هو إبداعُ الكائناتِ مِنَ العدمِ، وإنْ كُنّا لا نُكيّف ذلكَ الفعلَ ولا يُشبهُ أفعالنا، إذْ نحنُ لا نفعلُ إلّا لحاجة إلى الفعلِ، والله غنيٌ حميد.
وكذلكَ الذاتُ، تُعلمُ مِن ْحيثُ الجملة، وإنْ كانت لا تُماثلُ الذوات المخلوقة ولا يَعلم ما هو إلّا هو، ولا يُدرِكُ لها كيفيةً..
– الشيخ: ولا؟
– القارئ: ولا يُدرِك لها كيفية
– الشيخ: يُحتمل أنّهُ يُدرَك، نعم
– القارئ: فهذا هو الذي يَظْهر مِن إطلاقِ هذه الصفات، وهو الذي يَجبُ أنْ تُحملَ عليه..
– الشيخ: يعني ظاهر النصوص هو إثباتُ هذه المعاني لله على الوجهِ اللائقِ به، هذا هو ظاهِرُها، ليسَ ظاهرها هو التّشبيه كما يظنُّ، كما يَظنّه المُشبِّهة، ثمَّ إنّهم أثْبتوه، ولا ما يَظنه المُعطِّلة ثمَّ نَفَوه، فالمشبّهة والمعطّلة كُلهّم يَزْعمونَ أنَّ ظاهرَ النصوصِ هو التّشبيه، لكنْ المشبّهة يُثْبتون ما زَعموا أنّه ُظاهرُ النصوص، والمُعطّلة يَنْفونَ ما زعموا أنّه ُظاهرُ النصوص يَنْفون.
يقولُ ابن تيمية في "التدمرية" في القاعدة الرابعة أو الثالثة، يقول هؤلاءِ الذينَ يَزْعمون أن َّظاهر النصوص … تارةً يَجْعلونَ المعنى الفاسد هو ظاهرُ اللفظ، ولا يكونُ كذلك، يعني ليسَ المعنى الفاسد هو ظاهر، وتارةً يَنْفون المعنى الحق لاعتقادهم أنّهُ معنىً فاسد.
فالمُعطّلة نَفوا الصفاتَ لاعتقادِهم أنَّ إثباتَ الصفاتِ يَسْتلزم ُالتّشبيه، فاعتقدوا أنّهُ معنىً فاسد فَنفوه، فَغَلِطوا مَرتين: مِن جهةِ اعتقادهم أنّهُ معنىً فاسد، ثمَّ ما ترتّبَ عليهِ مِن نفي هذه الصفات، والمُشبّه كذلك اعتقدَ أنَّ إثباتَ الصفات، أنَّ ظاهرَ النصوصِ هو التّشبيه ثمَّ أثبت، فكانَ مُبطلاً في اعتقاده ِوفي حُكْمهِ، في اعتقادهِ أنَّ ظاهرَ النصوصِ هو التّشبيه، تشبيهُ الله بخلقهِ، ثمَّ إثباتهُ لِما ظَنّهُ ظاهرَ النصوص.
لكنْ نجد، يعني قدْ يكونُ مِنَ الناس مَن ْيتوهمّ التّشبيه في نصوصِ الصفات، فيظن أنَّ ظاهرها هو التّشبيهُ لصفاتِ المخلوقين، ثمَّ يقول إنَّ ظاهرها ليسَ بِمراد، يعني ذلك التّشبيه ليسَ بِمراد، وإنّما المرادُ هو إثباتُ صفاتٍ تختصُّ بالربِّ سبحانهُ وتعالى، فيكون هذا مُبطلاً مِن جهةِ اللفظ، حيثُ اعتقدَ أنَّ ظاهرَ النصوصِ هو التّشبيه، وأصابَ حيثُ نَفى ذلكَ المعنى وأثبتَ المعنى الحق. وهذا يَحْصل، يُمكن أنْ يَحْصل لبعضِ المنتسبينَ للسُّنَّة.
– القارئ: المفوِّضة أحسن الله إليكم
– الشيخ: لا، هو مو مفوِّض هو يُثْبت الصفات لله، المفوِّض مُعطِّل يا أخي!
– القارئ: نعم نعم
– الشيخ: أي، لا، هذا يُثْبتُ الصفات لله، يعني مثلاً يقول: ظاهر قوله تعالى: الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى [طه:5] ظاهر الآية أنُّه مثلُ استواءِ المخلوق، لكنْ هذا الظاهر ليسَ بِمراد، المراد أنّهُ تعالى مستوٍ على العرش على ما يَليقُ بهِ، فهذا الذي يقولُ شيخ الإسلام يَجْعلُ المعنى الفاسد هو ظاهرُ اللفظ، حتى يَكون، حتى يَزْعم أنّهُ مُحتاجٌ إلى تأويل، فَيفسّره يعني يَصرِفه عَن ظاهرهِ بزعمهِ إلى المعنى الصحيح.
والشيخ في "التدمرية" مثَّل لهذا النوع، يعني لجعلِ المعنى الفاسد ظاهر اللفظ، حتى يكون مثَّل لهُ أبرز شيء مثَّل لهُ بالحديث القدسي، أنَّ الله تعالى يقول يوم القيامة: (عبدي مَرِضتُ فلمْ تعدني، فيقول: كيف أعودك وأنتَ ربُّ العالمين)، يعني وفي ضمنِ ذلك كيف أنتَ تَمرض وأعودك، وأنتَ ربُّ العالمين، فيقولُ تعالى: (مَرِضَ عبدي فلان فلو عُدته لوجدتني عِندهُ، عبدي جُعت فلمْ تُطعمني، فيقول: كيفَ أطعمك وأنت، قال: جاعَ عبدي فلان فلو أطعمتهُ لوجدت ذلكَ عندي)، فيزعمُ الغالط أنَّ ظاهر الحديث أنَّ الله يجوع ويَمرض، وهل ظاهر الحديث أنَّ الله يجوع ويَمرض؟ لا.
الحديث كما يقول الشيخ جاء مُفسَّراً مشروحاً، وهل ظاهر قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ * الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ [الماعون:4-5] أن الله يتوعَّد المصلين؟
– القارئ: ابداً، لا
– الشيخ: لا مُفسَّر، الذين هم عن صلاتهم، نعم يا شيخ..
– القارئ: فالمؤمنُ يَعْلم أحكامَ هذه الصفات وآثارها وهو الذي أريد منه، فيعلم: أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [البقرة:259] وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا [الطلاق:12] وأنَّ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67] وأنَّ المؤمنين يَنْظرونَ إلى وجهِ خالقهم في الجنةِ، ويتلذَّذون بذلك لذةً يَنغْمرُ في جانبها جميعُ اللذات، ونحو ذلك.
كما يَعلم أنَّ لهُ ربًا وخالقًا ومعبودًا، ولا يَعلْم كُنه شيءٍ مِن ذلك، بلْ غايةُ علمِ الخلق هكذا، يعلمونَ الشيءَ مِن بعضِ الجهات ولا يُحيطونَ بِكنههِ، وعلمهم بنفوسهم مِن هذا الضرب.
– الشيخ: الضرب بنفوسِهم يعني بأرواحهم، بأرواحهم عِلمهم بأرواحهم مِن هذا الضرب، نحنُ نعلم أنَّ في الإنسانِ روح، وتَفيضُ على الجسدِ الحس والحركة، لكنْ لا نتصوّر كُنْهُ هذه الروح، ما ندري، سبحان الله.
– القارئ: لا يعلمون كُنهها
– الشيخ: أي ما يعلمون كنهها
– القارئ: قلتُ له: أفيجوزُ أنْ يقالَ: إنَّ الظاهرَ غيرُ مرادٍ بهذا التفسير؟ فقال: هذا لا يمكن.
فقلتُ له: مَنْ قال إنَّ الظاهرَ غيرُ مُراد، بمعنى: أنَّ صفات المخلوقين غيرُ مرادة، قلنا لهُ: أصبتَ في المعنى، لكنْ أخطأتَ في اللفظِ، وأوهمتَ البدعة، وجعلتَ للجهميّة طريقًا إلى غَرضهم..
– الشيخ: هذا الذي ذكرته، أنّهُ قدْ يقولهُ الجاهل مِن أهلِ السُّنُّة
– القارئ: وأوهمتَ البدعة، وجعلتَ للجهميّة طريقًا إلى غَرضهم، وكانَ يُمكنكَ أنْ تقول: تُمرُّ كما جاءتْ على ظاهِرها معِ العلمِ بأنَّ صفاتِ الله تعالى ليستْ كصفاتِ المخلوقين، وأنّهُ منزّهٌ مُقدّس عَنْ كلِّ ما يَلزم منهُ حدوثهُ أو نَقصه.
ومَن قال: الظاهر غيرُ مرادٍ بالتفسير الثاني وهو مُراد الجّهمية ومَن تَبِعهم مِنَ المعتزلةِ وبعضِ الأشعريةِ وغيرهم فقدْ أخطأ. ثمَّ أقرب هؤلاءِ الجّهمية الأشعرية يقولون: إنَّ لهُ صفات سبعًا..
– الشيخ: هذا تعبير عجيب، يعني سمّاهم جهميّة الشيخ
– القارئ: يقول أقرب إليهم
– الشيخ: أي، يعني لا يَجْعل الجهميّة على مراتب، فَفيهم جهميةٌ خالصة كما يقولُ في موضعٍ آخر، الجهميّة المحضة، جَهْميّة مَحِضة، وجَهْمية يعني عادية وأقرب الجهميّة.
– القارئ: ثمَّ أقربُ هؤلاءِ الجهميّة الأشعرية يقولون: إنَّ لهُ صفاتٌ سبعًا: الحياةُ، والعلم، والقدرةُ، والإرادةُ، والكلامُ، والسمعُ، والبصر. ويَنْفونَ ما عداها، وفيهم مَن يَضمُّ إلى ذلكَ اليدَ فقط..
– الشيخ: اليد؟
– القارئ: نعم
– الشيخ: سبحان الله، لا إله إلّا الله، حَيرة واضطراب، مَنْ حادَ عَنِ الصّراط المستقيم تخبّط، تَناقضَ وقعوا في الاضطرابِ والتناقض، كُلّهم، المعتزلة كُلّهم، يقولُ شيخُ الإسلامِ في "التدمرية": كل مَنْ نفى يقول بعد ما ذكرَ تناقضَ كلَّ الطوائف قال: وهذا لازمٌ لكلِّ مَنْ نفى شيئاً ممّا اخبرَ بهِ الرسول، فالتناقضُ لازمهُ لابدَّ أنْ يَتناقض.
– القارئ: وفيهم مَن يضمُ إلى ذلكَ اليد فقط، ومِنهم مَن يتوقّف في نفي ما سِواها، وغُلاتهُم يَقطعونَ بنفي ما سِواها..
– الشيخ: فغُلاتهم؟
– القارئ: يَقْطَعونَ بِنفي ما سِواها..
– الشيخ: نعم
– القارئ: ما سوى اليد
– الشيخ: غُلاة الأشاعرة
– القارئ: نعم، أحسن الله إليكم
وأمّا المعتزلةُ، فإنّهم يَنْفونَ الصفات مُطلقًا ويُثْبتونَ أحكامَها..
– الشيخ: شوف، سبحان الله العظيم، يقولون الله سبحانه يُثْبتونَ الاسم والحكم ولا يُثْبتونَ قيامَ الصفات، شيء عندهم تأصيل، الله يعلم؟ يعلم؟ نعم يعلم، اسمه عليم؟ عليم، لكنْ يَعْلم بِعلم؟ لأ لا.
– القارئ: لأ، ليست صفة قائمة
– الشيخ: ليست قائمةً بذاتهِ؛ لأنَّ هذا يَسْتلزم تَعدّد القُدماء، وتعدّد والتركيب في ذاتِ الربِّ، خروجٌ عَن موجبِ العقلِ والشرع.
– القارئ: وهي تَرْجِعُ عِندَ أكثرهم إلى أنّهُ عليمٌ قدير، وأمّا كونهُ مُريدًا مُتكلّمًا فَعندهم أنّها صفاتٌ حادثة، أو إضافية أو عدمية.
أحسن الله إليكم ما يقولون أزلية كذلك؟
– الشيخ: لا، ما دامت حادثة كيف تصير أزلية!؟
– القارئ: يعني لا تتعلق بمشيئته واختياره
– الشيخ: أي ما، لأ، إلا تتعلق بمشيئتهِ، بمشيئتهِ يعني دائماً الحادث، ما كانَ حادثاً لابدَّ أنْ تتعلّق بهِ المشيئة.
– القارئ: وأمّا كونهُ مُريدًا مُتكلِّمًا فَعِندَهم أنّها صِفاتٌ حادثة، أو إضافية أو عدمية. وهم أقربُ الناسِ إلى الصّابئينَ الفلاسفة مِنَ الرومِ، ومَنْ سلكَ سبيلهم مِنَ العربِ والفُرس، حيثُ زعموا أنَّ الصفاتَ كلَّها تَرْجِعُ إلى سلبٍ أو إضافة، أو مُركّب مِن سلبٍ وإضافة..
– الشيخ: ليتك تقف على: وأمّا المعتزلة
– القارئ: باقي موقف و..
– الشيخ: ها؟
– القارئ: تبقّى أربع كلمات وينتهي المقطع أي نعم..
– الشيخ: طيب كمِّل
– القارئ: فهؤلاءِ كُلّهم ضُلّالٌ مُكذِّبونَ للرّسل.
انتهى هنا.
– الشيخ: لا إله إلا الله، نعم … غيره من معنا؟
– القارئ: أحسن الله إليكم
– طالب: …
– الشيخ: ها؟ شُعب الإيمان، عبد الله عنده إجازة
– طالب: …
– الشيخ: ها؟
– طالب: …
– الشيخ: ارفع صوتك
– طالب: مسألة الصنعاني في اختلاف … المولد النبوي
– الشيخ: ها؟
– طالب: قاعدة … الصنعاني للصنعاني في اختلاف ألفاظ … النبوي، مخطوطة كتب طبعت لشيخ الإسلام نص كامل …
– الشيخ: ها؟
– طالب: رسالة موجودة في مجموع الفتاوى اسمها "تزكية النفس" لكن هذه مخطوطة زادت على مجموع الفتاوى بمائة وخمسين سطر، لامية ابن تيمية.
– الشيخ: لا، لامية، ما، لا هذه رسالة تقول لابن تيمية … اقرأ يا محمد … اسمها تزكية؟
– طالب: النفس
– الشيخ: بس ما هو اليوم
– طالب: …
– الشيخ: ها؟
– طالب: عليم بعلم … أشكلت علي
– الشيخ: يا أخي، عليمٌ بِعلم، هم يَقولون: "عليم بِلا علم" كِذا، عليمٌ بِلا عِلم، يقولون إذا قُلت "عليمٌ بِعلم": معناهُ أنّهُ ذاتُ الربِّ مُركَّبة، أعوذُ بالله مِنَ الخيالات.
– طالب: …
– الشيخ: لأ، مُركّبة علم وسمع وبصر وقدرة ووجه ويدين، يصير الرب ما هو واحد، اللهم لك الحمد، خبل
– طالب: لكن الصحيح: يَعْلمُ بِعلم
– الشيخ: إي والله، أعوذُ بالله، الصحيحُ أنّهُ عالمٌ بِعلمهِ نعم، حيٌّ بحياة، الحياة صِفةٌ قائمةٌ بهِ، عليم بعلم، قديرٌ بقدرة، قدرة قائمة بذاتهِ، سميعٌ بِسمعٍ قائمٍ بهِ، لا حول ولا.. أعوذُ بالله، ويقولون، يَقولون تَعدّد القدماء، يقولون إثباتُ الصفات يَسْتلزم تَعدّد القدماء والقديم، شوف اقرأ القاعدة السادسة في "التدمرية" الله يعافيك، التدمرية حافظة لِمعظمِ المسائلِ التي خاضَ فيها ابنُ تيمية.