الرئيسية/شروحات الكتب/الرسالة المدنية لابن تيمية/(7) قوله “فسلم لي ذلك الرجل هذه المقامات”

(7) قوله “فسلم لي ذلك الرجل هذه المقامات”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح (الرّسالة المدنيّة) لابن تيمية
الدّرس السّابع

***    ***    ***    ***
 
– القارئ: بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ، الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلّمَ على عبدهِ ورسولهِ نبيّنا محمّد وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين، يقول شيخُ الإسلام الإمام أبو العباس ابن تيمية -رحمهُ الله تعالى- في رسالتهِ: "الرسالةُ المدنية في الحقيقةِ والمجازِ في الصفات"، قال رحمهُ الله:
فسَلّمَ لي ذلكَ الرجلُ هذه المقامات.
قلت: ونَحنُ نَتكلَّمُ على صفةٍ مِنَ الصفاتِ، ونَجعلُ الكلامَ فيها أُنموذجًا يُحتذى عليه..
– الشيخ:
يعني مثال لتطبيقِ المقامات الأربعة
– القارئ: ونُعبّرُ بصفةِ اليدِ، وقد قال تعالى: وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء [المائدة:64] وقال تعالى لإبليس: مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتَ بِيَدَيَّ [ص:75] وقال تعالى..
– الشيخ:
أعد الآية
– القارئ: وقال تعالى لإبليس: مَا مَنَعَكَ أَن تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ [ص:75] وقال تعالى: وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ [الزمر:67] وقال تعالى: تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ [الملك:1] وقال: بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىَ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ [آل عمران:62] وقال تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ [يس:71]
وقد تواترَ في السنّة مجيءُ اليدِ في حديثِ النَّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم-؛ فالمفهومُ مِن هذا الكلام: أنَّ لله تعالى يدين مُختصتانِ بهِ، ذاتيتان..
– الشيخ: لا لا؛ مختصتينِ
– القارئ: مختصتين، بس هنا هكذا!
– الشيخ:
ما هو بظاهر
– القارئ: أنَّ لله تعالى يدينِ مُخْتَصتين بهِ، ذاتيتينِ له، كما يليقُ بجلالهِ، وأنّهُ سبحانه خلقَ آدمَ بيدهِ دونَ الملائكةِ وإبليس، وأنّهُ سبحانه يَقْبضُ الأرضَ ويطوي السموات بيدهِ اليمنى، وأنَّ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ..
– الشيخ:
بيدهِ اليمنى يعودُ إلى السماواتِ، نعم، على يعني عبّر عَن ما يوافقُ لفظَ الآية نعم، نعم بعده..
– القارئ: أحسن الله إليكم، وأنَّ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ..
– الشيخ:
وأنَّ..
– القارئ: وأنَّ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ..
– الشيخ:
وأنَّ يَديهِ..
– القارئ: نعم سبحان الله، وأنَّ يَديهِ مَبْسُوطَتَينِ..
– الشيخ:
مبسوطتان
– القارئ: سبحان الله، العكس مضبوط هنا!
– الشيخ:
شلون معكوسة عندك؟
– القارئ: أي نعم، حتى اللي قبلها مختصتان به ذاتيتان، هكذا..
وأنَّ يديهِ مَبْسُوطَتَانِ، ومعنى بَسْطَهُما: بَذْلُ الجودِ وسعة العطاء؛ لأنَّ الإعطاءَ والجودَ في الغالبِ يكونُ ببسطِ اليدِ ومَدِّها، وتركهُ يكونُ ضمًا لليدِ إلى العنق، صارَ مِنَ الحقائقِ العُرفية إذا قيل: هو مَبْسُوطُ اليدِ فُهمَ مِنْهُ يدٌ حقيقة، وكانَ ظاهرهُ الجودُ والبخل، كما قال تعالى: وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ [الإسراء:29] ويقولون: فلان جَعْدُ البنان وسَبْط البنان.
قلتُ لهُ: فالقائلُ إنْ زعمَ أنّهُ ليسَ لهُ يدٌ مِنْ جنسِ أيدي المخلوقين، وأنَّ يَدهُ ليستْ جارحةً، فهذا حقٌّ، وإنْ زَعم..
– الشيخ:
اصبر، إن زعم..
– القارئ: فالقائلُ إنْ زعمَ أنّهُ ليسَ لهُ يدٌ مِنْ جنسِ أيدي المخلوقين..
– الشيخ:
مِن جنسِ أيدي المخلوقين؛ فهذا حق، صحيح، مِنْ جنسِ أيدي المخلوقين في كَيفيتها وخَصائصها فهذا حق، نعم وأنّها..
– القارئ: وأنَّ يدهُ ليستْ جارحة..
– الشيخ:
هذا في الحقيقةِ مُشكل أنّها ليستْ جارحة، الذي يَظْهر مِنْ كلمة، جارحة لفظ مُجمل، هم يقولون أنَّ لله يدين وليستْ جارحتين، لكنْ لعلَّ قوله وليستْ جارحة في كلامِ الشيخ مردودٌ إلى الجملةِ التي قَبْلها، يعني وأنّها ليستْ جارحةً مثلَ أيدي المخلوقين، أمّا أنْ نقول أنَّ "لله يدين وليستا جارحتين" فهذا ما هو مُسْتقيم، يُطْلقونهُ كثير، من يعني، مِنَ الأشاعرة كثير يُطْلقونَ هذا، يُثبتون يدين، ويَقولون ليست جارحتين.
– طالب: العبارة فيها نظر يا شيخ ما ننفي إلا بدليل!
– الشيخ:
أيش تقول أيش؟
– طالب: أقول عفا الله عنك، العبارة فيها نظر؛ لأن نحن ما ننفي إلا بدليل؟
– الشيخ:
لفظ ليس، كلمة جارحة
– طالب: ما ننفي إلا بدليل يعني
– الشيخ:
لأ، يعني مِنَ الألفاظِ التي تَحْتاجُ إلى تفسير، وش معنى جارحة؟
 
– القارئ: إنْ زعمَ أنّهُ ليسَ لهُ يد مِنْ جنس أيدي المخلوقين، وأنَّ يدهُ ليستْ جارحة، فهذا حق، وإنْ زعمَ أنّهُ ليسَ له يدٌ زائدة على الصفاتِ السبع، فهو مبطلٌ، فيحتاجُ إلى تلكَ المقاماتِ الأربعة.
أمّا الأول، فيقول: إنّ اليدَ تكونُ بمعنى النعمة والعطية، تَسْميةً للشيء باسمِ سببهِ، كما يُسمّى المطرُ والنبات: سماء، ومنهُ قولهم لفلانٍ عِنْدهُ أَيادٍ، وقولُ أبي طالب لمّا فقدَ النَّبي -صلّى الله عليه وسلّم-:
يا ربِّ ردَّ راكبي محُمدًا *** رُدّهُ عليَّ واصطَنِع عِندي يَدا
– الشيخ:
أيش يقول؟ أعد
– القارئ: وقولُ أبي طالب لمّا فقدَ النبي -صلّى الله عليه وسلّم-:
يا ربِّ رُدَّ راكبي محمدًا *** رُدهُ عليَّ واصطَنِع عِندي يَدا
– الشيخ:
واصطنع ولا واصنع؟
– القارئ: واصطنع
– الشيخ:
أي، واصطنِع، يعني يريد ربه يقول: اصطنع عندي يداً لك، له يد..
– القارئ: طب هل معناه هنا بمعنى النعمة ولا؟
 – الشيخ:
أي، النعمة أي
– القارئ: وقولُ عُروة بن مسعود لأبي بَكر يومَ الحُديبية: لولا يدٌ لكَ عِندي لمْ أَجْزِكَ بِها لأجبتكَ، لولا يَدٌ لكَ عِندي لمْ..
– الشيخ:
أجْزِكَ
– القارئ: لمْ أجْزِكَ بِها لأجبتك، وقد تكونُ اليدُ بمعنى القدرة؛ تسميةً للشيءِ باسم مُسَبّبه؛ لأنَّ القدرةَ هي تُحرّك اليد، يقولون: فلانٌ لهُ يد في كذا وكذا..
– الشيخ: له يد؟
– القارئ: نعم في كذا وكذا، ومنهُ قولُ زياد لمعاوية..
– الشيخ:
يقول له يد، تقول هذا لا يدَ لي فيه، ما لي يعني ما لي فيه
– القارئ: مشترك مسبب يعني
– الشيخ:
ما لي فيه يعني فعل، أي منه قول منه قول كمل
– القارئ: ومِنْهُ قولُ زياد لمعاوية: إنّي قدْ أمسكتُ العراقَ بإحدى يدي، ويدي الأُخرى فارغةٌ، يُريدُ نِصفَ قدرتي ضبطَ أمرَ العراق.
ومنهُ قولهُ: بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ [البقرة:237] والنّكاح كلامٌ يُقال، وإنّما مَعْناهُ أَنّهُ مُقْتدرٌ عليه..

– الشيخ: ومُقتدر عليه وأمره إليه
 
– القارئ: وقدْ يَجْعلونَ إضافةَ الفعلِ إليها إضافةَ الفعلِ إلى الشخصِ نَفْسه؛ لأنَّ غالبَ الأفعالِ لمّا كانت باليد جُعلَ ذِكرُ اليدِ إشارةً إلى أنّهُ فعلَ بنفسهِ، قال الله تعالى: لَّقَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَاء إلى قوله: ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ [آل عمران:181،182] أي: بما قدّمتم..
– الشيخ:
كثير هذا، ما أصابكم … فبما كسبت أيديكم
– القارئ: فإنَّ بعضَ ما قَدْموهُ كلامٌ تكلّموا بهِ. وكذلكَ قولهُ تعالى: وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُواْ الْمَلآئِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ إلى قوله: ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ [الأنفال:50-51] والعربُ تقول: يَدَاك أوْكَتَا، وفُوكَ نَفَخ؛ توبيخًا لكلِّ مَنْ جرَّ على نَفْسهِ جريرة؛ لأنَّ أوَّل ما قيل هذا لمنْ فعلَ بيديهِ وفَمِه.
قلتُ لهُ: ونحنُ لا نُنْكرُ لغةَ العربِ التي نزلَ بِها القرآن في هذا كُلّه..

– الشيخ: إلى هنا يا أخي، كلام الشيخ متصل.
 
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :العقيدة