بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح (الرّسالة العرشيّة لابن تيميّة)
الدّرس الثّامن
*** *** *** ***
– القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في رسالته الموسومة "بالرسالة العرشية" قال رحمه الله:
والْفَلَكُ فِي اللُّغَةِ: هُوَ الْمُسْتَدِيرُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُمْ: تَفَلَّكَ ثَدْيُ الْجَارِيَةِ إذَا اسْتَدَارَ، وَكُلُّ مَنْ يَعْلَمُ أَنَّ الْأَفْلَاكَ مُسْتَدِيرَةٌ يَعْلَمُ أَنَّ الْمُحِيطَ هُوَ الْعَالِي عَلَى الْمَرْكَزِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ، وَمَنْ تَوَهَّمَ أَنَّ مَنْ يَكُونُ فِي الْفَلَكِ مِنْ نَاحِيَةٍ يَكُونُ تَحْتَهُ مَنْ فِي الْفَلَكِ مِنْ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى فِي نَفْسِ الْأَمْرِ، فَهُوَ مُتَوَهِّمٌ عِنْدَهُمْ.
وَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ، فَإِذَا قُدِّرَ أَنَّ الْعَرْشَ مُسْتَدِيرٌ مُحِيطٌ بِالْمَخْلُوقَاتِ كَانَ هُوَ أَعْلَاهَا، وَسَقْفَهَا وَهُوَ فَوْقَهَا مُطْلَقًا، فَلَا يَتَوَجَّهُ إلَيْهِ، وَإِلَى مَا فَوْقَهُ الْإِنْسَانُ إلَّا مِنْ الْعُلُوِّ، لَا مِنْ جِهَاتِهِ الْبَاقِيَةِ أَصْلًا.
– الشيخ: يعني الإنسان إذا أراد يدعو ربه يتوجّه إلى العلو، ولا يقول إن العرش محيط بالعالم فأنا أتوجه إليه من أي جهة، فليس من العقل ولا من الفطرة ولا من الشرع أن يطلب الإنسان مَنْ في العلو مِنْ جهة السفل، والجانب الثاني من الأرض هو فوق، وكل من على الأرض يتوجّه إلى السماء إلى فوق ولا يتوجه إلى جهة المركز.
وسيذكر الشيخ يضرب لهذا مثلاً يقول: يعني إن الذي يرى أن يُدعى من السُفل بحجة أن المحيط أنه ينتهي إلى الجانب الآخر، يقول: إنه كمن في المغرب إذا أراد يأتي إلى البيت يذهب إلى المشرق لا، الحكمة تقتضي أن تطلب المطلوب من أقرب طريق، نعم.
– القارئ: وَمَنْ تَوَجَّهَ إلَى الْفَلَكِ التَّاسِعِ أَوْ الثَّامِنِ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ الْأَفْلَاكِ مِنْ غَيْرِ جِهَةِ الْعُلُوِّ.
– الشيخ: من، لاحظ هذا هو، من غير جهة العلو.
– القارئ: كَانَ جَاهِلًا بِاتِّفَاقِ الْعُقَلَاءِ، فَكَيْفَ بِالتَّوَجُّهِ إلَى الْعَرْشِ أَوْ إلَى مَا فَوْقَهُ وَغَايَةُ مَا يُقَدَّرُ أن يكون كرى الشَّكْلِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى مُحِيطٌ بِالْمَخْلُوقَاتِ كُلِّهَا إحَاطَةً تَلِيقُ بِجَلَالِهِ، فَإِنَّ السَّمَوَاتِ السَّبْعَ وَالْأَرْضَ فِي يَدِهِ أَصْغَرُ مِنْ الْحِمَّصَةِ فِي يَدِ أَحَدِنَا.
وَأَمَّا قَوْلُ الْقَائِلِ: إذا كان كُريًا وَاَللَّهُ مِنْ وَرَائِهِ مُحِيطٌ بِهِ بَائِنٌ عَنْهُ، فَمَا فَائِدَةُ أَنَّ الْعَبْدَ يَتَوَجَّهُ إلَى اللَّهِ حِينَ دُعَائِهِ وَعِبَادَتِهِ؟ فَيَقْصِدُ الْعُلُوَّ دُونَ التَّحْتِ، فَلَا فَرْقَ حِينَئِذٍ وَقْتَ الدُّعَاءِ بَيْنَ قَصْدِ جِهَةِ الْعُلُوِّ وَغَيْرِهَا مِنْ الْجِهَاتِ الَّتِي تُحِيطُ بِالدَّاعِي، وَمَعَ هَذَا نَجِدُ فِي قُلُوبِنَا قَصْدًا يَطْلُبُ الْعُلُوَّ، لَا يلتفت يمنة ولايسرة، فَأَخْبِرُونَا عَنْ هَذِهِ الضَّرُورَةِ الَّتِي نَجِدُهَا فِي قُلُوبِنَا.
– الشيخ: الله أكبر، هذه هي الفطرة، نعم.
– القارئ: وَقَدْ فُطِرْنَا عَلَيْهَا. فَيُقَالُ لَهُ: هَذَا السُّؤَالُ إنَّمَا وَرَدَ لِتَوَهُّمِ الْمُتَوَهِّمِ أَنَّ نِصْفَ الْفَلَكِ يَكُونُ تَحْتَ الْأَرْضِ، وَتَحْتَ مَا عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مِنْ الْآدَمِيِّينَ وَالْبَهَائِمِ، وَهَذَا غَلَطٌ عَظِيمٌ، فَلَوْ كَانَ الْفَلَكُ تَحْتَ الْأَرْضِ مِنْ جِهَةٍ لَكَانَ تَحْتَهَا مِنْ كُلِّ جِهَةٍ فَكَانَ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ الْفَلَكُ تَحْتَ الْأَرْضِ مُطْلَقًا، وَهَذَا قَلْبٌ لِلْحَقَائِقِ، إذْ الْفَلَكُ هُوَ فَوْقَ الْأَرْضِ مُطْلَقًا.
– الشيخ: مطلقاً يعني من كل جانب، هو فوق الأرض من كل جانب.
– القارئ: وأَهْلُ الْهَيْئَةِ يَقُولُونَ: لَوْ أَنَّ الْأَرْضَ مَخْرُوقَةٌ إلَى نَاحِيَةِ أَرْجُلِنَا وَأُلْقِيَ فِي الْخَرْقِ شَيْءٌ ثَقِيلٌ كَالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ لَكَانَ يَنْتَهِي إلَى الْمَرْكَزِ، حَتَّى لَوْ أُلْقِيَ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ حَجَرٌ آخَرُ لَالْتَقَيَا جَمِيعًا فِي الْمَرْكَزِ، وَلَوْ قُدِّرَ أَنَّ إنْسَانَيْنِ الْتَقَيَا فِي الْمَرْكَزِ بَدَلَ الْحَجَرَيْنِ لَالْتَقَتْ رِجْلَاهُمَا وَلَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا تَحْتَ صَاحِبِهِ، بَلْ كِلَاهُمَا فَوْقَ الْمَرْكَزِ، وَكِلَاهُمَا تَحْتَ الْفَلَكِ، كَالْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، فَإِنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ رَجُلًا بِالْمَشْرِقِ فِي السَّمَاءِ أَوْ الْأَرْضِ وَرَجُلًا بِالْمَغْرِبِ فِي السَّمَاءِ أَوْ الْأَرْضِ، لَمْ يَكُنْ أَحَدُهُمَا تَحْتَ الْآخَرِ، وَسَوَاءٌ كَانَ رَأْسُهُ أَوْ رِجْلَاهُ أَوْ بَطْنُهُ أَوْ ظَهْرُهُ أَوْ جَانِبُهُ مِمَّا يَلِي السَّمَاءَ أَوْ مِمَّا يَلِي الْأَرْضَ.
وَإِذَا كَانَ مَطْلُوبَ أَحَدِهِمَا مَا فَوْقَ الْفَلَكِ لَمْ يَطْلُبْهُ إلَّا مِنْ الْجِهَةِ الْعُلْيَا، لَمْ يَطْلُبْهُ مِنْ جِهَةِ رِجْلَيْهِ أَوْ يَمِينِهِ أَوْ يَسَارِهِ لِوَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَطْلُوبَهُ مِنْ الْجِهَةِ الْعُلْيَا أَقْرَبُ إلَيْهِ مِنْ جَمِيعِ الْجِهَاتِ، فَلَوْ قُدِّرَ رَجُلٌ أَوْ مَلَكٌ يَصْعَدُ إلَى السَّمَاءِ، أَوْ إلَى مَا فَوْقَ، كَانَ صُعُودُهُ مِمَّا يَلِي رَأْسَهُ أَقْرَبَ إذَا أَمْكَنَهُ ذَلِكَ، وَلَا يَقُولُ عَاقِلٌ: إنَّهُ يَخْرِقُ الْأَرْضَ ثُمَّ يَصْعَدُ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ، وَلَا أَنَّهُ يَذْهَبُ يَمِينًا أَوْ شِمَالًا، أَوْ أَمَامًا أَوْ خَلْفًا، إلَى حَيْثُ أَمْكَنَ مِنْ الْأَرْضِ ثُمَّ يَصْعَدُ؛ لِأَنَّهُ أَيُّ مَكَانٍ ذَهَبٍ إلَيْهِ كَانَ بِمَنْزِلَةِ مَكَانِهِ أَوْ هُوَ دُونَهُ، وَكَانَ الْفَلَكُ فَوْقَهُ، فَيَكُونُ ذَهَابُهُ إلَى الْجِهَاتِ الْخَمْسِ تَطْوِيلًا وَتَعَبًا مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ.
وَلَوْ أَنَّ رَجُلًا أَرَادَ أَنْ يُخَاطِبَ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ فَإِنَّهُ لَا يُخَاطِبُهُ إلَّا مِنْ الْجِهَةِ الْعُلْيَا، مَعَ أَنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ قَدْ تُشْرِقُ وَقَدْ تَغْرُبُ، فَتَنْحَرِفُ عَنْ سَمْتِ الرَّأْسِ، فَكَيْفَ بِمَنْ هُوَ فَوْقَ كُلِّ شَيْءٍ دَائِمًا لَا يَأْفُلُ وَلَا يَغِيبُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؟
وَكَمَا أَنَّ الْحَرَكَةَ كَحَرَكَةِ الْحَجَرِ تَطْلُبُ مَرْكَزَهَا بِأَقْصَرِ طَرِيقٍ وَهُوَ الْخَطُّ الْمُسْتَقِيمُ فَالطَّلَبُ الْإِرَادِيُّ الَّذِي يَقُومُ بِقُلُوبِ الْعِبَادِ كَيْفَ يَعْدِلُ عَنْ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الْقَرِيبِ، إلَى طَرِيقٍ مُنْحَرِفٍ طَوِيلٍ، وَاَللَّهُ تَعَالَى فَطَرَ عِبَادَهُ عَلَى الصِّحَّةِ وَالِاسْتِقَامَةِ، إلَّا مَنْ اجْتَالَتْهُ الشَّيَاطِينُ فَأَخْرَجَتْهُ عَنْ فِطْرَتِهِ الَّتِي فُطِرَ عَلَيْهَا.
الْوَجْهُ الثَّانِي: أَنَّهُ إذَا قَصَدَ السُّفْلَ بِلَا عُلُوٍّ كَانَ يَنْتَهِي قَصْدُهُ إلَى الْمَرْكَزِ وَإِنْ كان قَصَدَهُ أَمَامَهُ أَوْ وَرَاءَهُ أَوْ يَمِينَهُ أَوْ يَسَارَهُ، مِنْ غَيْرِ قَصْدِ الْعُلُوِّ، كَانَ مُنْتَهَى قَصْدِهِ أَجْزَاءَ الْهَوَاءِ، فَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَصْدِ الْعُلُوِّ ضَرُورَةً، سَوَاءٌ قَصَدَ مَعَ ذَلِكَ هَذِهِ الْجِهَاتِ أَوْ لَمْ يَقْصِدْهَا.
وَلَوْ فُرِضَ أَنَّهُ قَالَ: أَقْصِدُهُ مِنْ الْيَمِينِ مَعَ الْعُلُوِّ، أَوْ مِنْ السُّفْلِ مَعَ الْعُلُوِّ، كَانَ هَذَا بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَقُولُ: أُرِيدُ أَنْ أَحُجَّ مِنْ الْمَغْرِبِ، فَأَذْهَبُ إلَى خُرَاسَانَ، ثُمَّ أَذْهَبُ إلَى مَكَّةَ، بَلْ بِمَنْزِلَةِ مَنْ يَقُولُ: أَصْعَدُ إلَى الْأَفْلَاكِ، فَأَنْزِلُ فِي الْأَرْضِ، ثُمَّ أَصْعَدُ إلَى الْفَلَكِ مِنْ النَّاحِيَةِ الْأُخْرَى، فَهَذَا وَإِنْ كَانَ مُمْكِنًا فِي الْمَقْدُورِ، لَكِنَّهُ مُسْتَحِيلٌ مِنْ جِهَةِ امْتِنَاعِ إرَادَةِ الْقَاصِدِ لَهُ، وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْفِطْرَةِ، فَإِنَّ الْقَاصِدَ يَطْلُبُ مَقْصُودَهُ بِأَقْرَبِ طَرِيقٍ، لَا سِيَّمَا إذَا كَانَ مَقْصُودُهُ مَعْبُودَهُ الَّذِي يَعْبُدُهُ وَيَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ، وَإِذَا تَوَجَّهَ إلَيْهِ عَلَى غَيْرِ الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ كَانَ سَيْرُهُ مَنْكُوسًا مَعْكُوسًا. وأَيْضًا، فَإِنَّ هَذَا يَجْمَعُ فِي سَيْرِهِ وَقَصْدِهِ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ، بَيْنَ أَنْ يَتَقَرَّبَ إلَى الْمَقْصُودِ وَيَتَبَاعَدَ عَنْهُ، وَيُرِيدَهُ وَيَنْفِرَ عَنْهُ، فَإِنَّهُ إذَا تَوَجَّهَ إلَيْهِ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي هُوَ عَنْهُ أَبْعَدُ وَأَقْصَى وَعَدَلَ عَنْ الْوَجْهِ الْأَقْرَبِ الْأَدْنَى، كَانَ جَامِعًا بَيْنَ قَصْدَيْنِ مُتَنَاقِضَيْنِ، فَلَا يَكُونُ قَصْدُهُ لَهُ تَامًّا، إذْ الْقَصْدُ التَّامُّ يَنْفِي نَقِيضَهُ وَضِدَّهُ، وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالْفِطْرَةِ.
فَإِنَّ الشَّخْصَ إذَا كَانَ يُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحَبَّةً تَامَّةً وَيَقْصِدُهُ أَوْ يُحِبُّ غَيْرَهُ مِمَّنْ يُحِبُّ سَوَاءٌ كَانَتْ مَحَبَّتُهُ مَحْمُودَةً أَوْ مَذْمُومَةً مَتَى كَانَتْ الْمَحَبَّةُ تَامَّةً، وَطَلَبَ الْمَحْبُوبُ طَلَبُهُ مِنْ أَقْرَبِ طَرِيقٍ يَصِلُ إلَيْهِ.
– الشيخ: أيش؟ وطلبه
– القارئ: وَطَلَبَ الْمَحْبُوبُ طَلَبُهُ
– الشيخ: لا, أعد أعد
– القارئ: فَإِنَّ الشَّخْصَ إذَا كَانَ يُحِبُّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَحَبَّةً تَامَّةً وَيَقْصِدُهُ أَوْ يُحِبُّ غَيْرُهُ مِمَّنْ يُحِبُّ.
– الشيخ: أو يحب غيرَهُ
– القارئ: أَوْ يُحِبُّ غَيْرُهُ مِمَّنْ يُحِبُّ.
– الشيخ: ممن يُحِب أو يُحَب
– القارئ: سَوَاءٌ كَانَتْ مَحَبَّتُهُ مَحْمُودَةً أَوْ مَذْمُومَةً مَتَى كَانَتْ الْمَحَبَّةُ تَامَّةً.
– الشيخ: تامة
– القارئ: وَطَلَبَ الْمَحْبُوبُ طَلَبَهُ من..
– الشيخ: أيش؟
– القارئ: وَطَلَبُ الْمَحْبُوبُ طَلَبَهُ
– الشيخ: وَطَلَبَ الْمَحْبُوبَ طَلَبَهُ
– القارئ: وَطَلَبَ الْمَحْبُوبَ طَلَبَهُ مِنْ أَقْرَبِ طَرِيقٍ يَصِلُ إلَيْهِ، بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَتْ الْمَحَبَّةُ مُتَرَدِّدَةً مِثْلُ: أَنْ يُحِبَّ مَا تَكْرَهُ مَحَبَّتَهُ فِي الدِّينِ، فَتَبْقَى شَهْوَتُهُ تَدْعُوهُ إلَى قَصْدِهِ، وَعَقْلُهُ يَنْهَاهُ عَنْ ذَلِكَ، فَنرَاهُ يَقْصِدُهُ مِنْ طَرِيقٍ بَعِيدٍ، كَمَا تَقُولُ الْعَامَّةُ: رَجُلٌ إلَى قُدَّامَ.
– الشيخ: رِجْلٌ
– القارئ: رِجْلٌ إلَى قُدَّامَ، وَرِجْلٌ إلَى خَلْفٍ
– الشيخ: يُقدّم رِجلاً ويؤخّر أخرى
– القارئ: وَكَذَلِكَ إذَا كَانَ فِي دِينِهِ نَقْصٌ، وَعَقْلُهُ يَأْمُرُهُ بِقَصْدِ الْمَسْجِدِ أَوْ الْجِهَادِ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ القصودات الَّتِي تُحَبُّ فِي الدِّينِ وَتَكْرَهُهَا النَّفْسُ، فَإِنَّهُ يَبْقَى قَاصِدًا لِذَلِكَ مِنْ طَرِيقٍ بَعِيدٍ مُتَبَاطِئًا فِي السَّيْرِ، وَهَذَا كُلُّهُ مَعْلُومٌ بِالْفِطْرَةِ.
وَكَذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ الْقَاصِدُ يُرِيدُ الذَّهَابَ بِنَفْسِهِ، بَلْ يُرِيدُ خِطَابَ الْمَقْصُودِ وَدُعَاءَهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ يُخَاطِبُهُ مِنْ أَقْرَبِ جِهَةٍ يَسْمَعُ دُعَاءَهُ مِنْهَا، وَيَنَالُ بِهِ مَقْصُودَهُ إذَا كَانَ الْقَصْدُ تَامًّا.
وَلَوْ كَانَ رَجُلٌ فِي مَكَانٍ عَالٍ، وَآخَرُ يُنَادِيهِ؛ لَتَوَجَّهَ إلَيْهِ وَنَادَاهُ، وَلَوْ حَطَّ رَأْسَهُ فِي بِئْرٍ وَنَادَاهُ بِحَيْثُ يَسْمَعُ صَوْتَهُ لَكَانَ هَذَا مُمْكِنًا، لَكِنْ لَيْسَ فِي الْفِطْرَةِ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ مَنْ يَكُونُ قَصْدُهُ إسْمَاعَهُ مِنْ غَيْرِ مَصْلَحَةٍ رَاجِحَةٍ، وَلَا يَفْعَلُ نَحْوَ ذَلِكَ إلَّا عِنْدَ ضَعْفِ الْقَصْدِ وَنَحْوِهِ.
– الشيخ: قف على هذا يا أخي.
– القارئ: أثابكم الله
– الشيخ: الإدْلاء بعده، نعم من معك؟
– القارئ: أحسن الله إليك.