بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح (الرّسالة العرشيّة لابن تيمية)
الدّرس الثّاني عشر
*** *** *** ***
– القارئ: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على عبده ورسوله نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، أما بعد: يقول شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى- في رسالته الموسومة "بالرسالة العرشية"، قال رحمه الله:
ثُمَّ إنَّهُ مِنْ الْمَعْلُومِ أَنَّ مَنْ جَعَلَهُ اللَّهُ هَادِيًا مُبَلِّغًا بِلِسَانِ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ، إذَا كَانَ لَا يَتَكَلَّمُ قَطُّ إلَّا بِمَا يُخَالِفُ الْحَقَّ الْبَاطِنَ الْحَقِيقِيَّ، فَهُوَ إلَى الضَّلَالِ وَالتَّدْلِيسِ أَقْرَبُ مِنْهُ إلَى الْهُدَى وَالْبَيَانِ، وَبَسْطُ الرَّدِّ عَلَيْهِمْ لَهُ مَوْضِعٌ غَيْرُ هَذَا.
– الشيخ: بسطَ هذا في "مقدمة الحموية"، يعني هذا المعنى رسّخه ووضحه، وأنه على قول هؤلاء المعطلة، وأن الحق هو نفي الصفات نفي العلو ونفي العلو، مقتضى هذا أن ما دام الرسول لا يتكلم إلا بما يخالف ذلك فلم، وهو خلاف الحق بزعمهم عند أولئك المُعطّلة من الفلاسفة والجهمية إن ظواهر النصوص كلها مخالفة للحق في نفس الأمر، إذاً فهل تكون نصوص الوحي ونصوص السنّة يعني هل تكون هل يكون فيها هدى؟ لا بل فيها تضليل الناس إضلالهم، والتلبيس عليهم.
ولهذا قال في "الحَموية" إنه مقتضى هذا أن ترك الناس بلا رسالة أهدى لهم، ما دام مصدر الهدى هو العقل فترك الناس بلا رسالة أهدى.
– القارئ: والمقصود أن ما جاء عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي هَذَا الْبَابِ وَغَيْرِهِ كُلُّهُ حَقٌّ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا.
– الشيخ: أي والله، آمنا بالله
– القارئ: وَهُوَ مُوَافِقٌ لِفِطْرَةِ الْخَلَائِقِ، وَمَا جُعِلَ فِيهِمْ مِنْ الْعُقُولِ الصَّرِيحَةِ، والقصود الصَّحِيحَة، لَا يُخَالِفُ الْعَقْلَ الصَّرِيحَ، وَلَا الْقَصْدَ الصَّحِيحَ، وَلَا الْفِطْرَةَ الْمُسْتَقِيمَةَ، وَلَا النَّقْلَ الصَّحِيحَ الثَّابِتَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَإِنَّمَا يَظُنُّ تَعَارُضُهَا: مَنْ صَدَّقَ..
– الشيخ: تَعَارُضَهَا
– القارئ: وَإِنَّمَا يَظُنُّ تَعَارُضَهَا مَنْ صَدَّقَ بِبَاطِلِ مِنْ النُّقُولِ، أَوْ فَهِمَ مِنْهُ مَا لَمْ يَدُلَّ عَلَيْهِ، أَوْ اعْتَقَدَ شَيْئًا ظَنَّهُ مِنْ الْعَقْلِيَّاتِ وَهُوَ مِنْ الجهليات، أَوْ مِنْ الْكُشُوفَاتِ وَهُوَ مِنْ الكسوفات، إنْ كَانَ ذَلِكَ مُعَارِضًا لِمَنْقُولِ صَحِيحٍ وَإِلَّا عَارَضَ بِالْعَقْلِ الصَّرِيحِ، أَوْ الْكَشْفِ الصَّحِيحِ، مَا يَظُنُّهُ مَنْقُولًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَيَكُونُ كَذِبًا عَلَيْهِ، أَوْ مَا يَظُنُّهُ لَفْظًا دَالًّا عَلَى شَيْءٍ وَلَا يَكُونُ دَالًّا عَلَيْهِ، كَمَا ذَكَرُوهُ فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، فَمَنْ صَافَحَهُ وَقَبَّلَهُ فَكَأَنَّمَا صافح اللَّهَ وَقَبَّلَ يَمِينِهِ) حَيْثُ ظَنُّوا أَنَّ هَذَا وَأَمْثَالَهُ يَحْتَاجُ إلَى التَّأْوِيلِ وَهَذَا غَلَطٌ مِنْهُمْ – لَوْ كَانَ هَذَا اللَّفْظُ ثَابِتًا عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ – فَإِنَّ هَذَا اللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي أَنَّ الْحَجَرَ لَيْسَ هُوَ مِنْ صِفَاتِ اللَّهِ إذْ قَالَ: "هُوَ يَمِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ" فَتَقْيِيدُهُ بِالْأَرْضِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ هُوَ يَدُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ فَلَا يَكُونُ الْيَدَ الْحَقِيقِيَّةَ وَقَوْلُهُ "فَمَنْ صَافَحَهُ وَقَبَّلَهُ فَكَأَنَّمَا صَافَحَ اللَّهَ وَقَبَّلَ يَمِينَهُ" صَرِيحٌ فِي أَنَّ مُصَافَحَتِهِ.
– الشيخ: نعم مصافحتُهُ
– القارئ: صريح في أن مصافِحهِ ومقبله
– الشيخ: في أن مصافِحَهُ
– القارئ: فِي أَنَّ مُصَافِحَهُ وَمُقَبِّلَهُ لَيْسَ مُصَافِحًا لِلَّهِ وَلَا مُقَبِّلًا لِيَمِينِهِ؛ لِأَنَّ الْمُشَبِّهَ ليس هو.
– الشيخ: المُشَبَّه
– القارئ: لِأَنَّ الْمُشَبَّهَ لَيْسَ هُوَ الْمُشَبَّهُ بِهِ، وَقَدْ أَتَى بِقَوْلِهِ: " فَكَأَنَّمَا "، وَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي التَّشْبِيهِ، وَإِذَا كَانَ اللَّفْظُ صَرِيحًا فِي أَنَّهُ جُعِلَ بِمَنْزِلَةِ الْيَمِينِ، لَا أَنَّهُ نَفْسُ الْيَمِينِ كَانَ مَنْ اعْتَقَدَ أَنَّ ظَاهِرَهُ أَنَّهُ حَقِيقَةُ الْيَمِينِ قَائِلًا لِلْكَذِبِ الْمُبِينِ.
فَهَذَا كُلُّهُ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْعَرْشُ كُرِّيَّ الشَّكْلِ، سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْفَلَكُ التَّاسِعُ أَوْ غَيْرُ الْفَلَكِ التَّاسِعِ.
– الشيخ: لا إله إلا الله، كل ما مضى فيما يبدو أنه استطراد ما له، يعني له… لاستقام الكلام لو، لكن الشيخ دخل فيه لمناسبة الكلام، في العلو ذكر يعني منحى الفلاسفة والجّهمية وكلهم في هذا الباب، ومن ضلالهم نفيهم لعلو الله ونفيهم لاستوائه تعالى على عرشه وما يُلقون به من الشبهات، نعم يقول هذا كله على تقدير.
– القارئ: فَهَذَا كُلُّهُ بِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ الْعَرْشُ كُرِّيَّ الشَّكْلِ، سَوَاءٌ كَانَ هُوَ الْفَلَكُ التَّاسِعُ أَوْ غَيْرُ الْفَلَكِ التَّاسِعِ، فقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّ سَطْحَهُ هُوَ سَقْفُ الْمَخْلُوقَاتِ، وَهُوَ الْعَالِي عَلَيْهَا مِنْ جَمِيعِ الْجَوَانِبِ، وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَيْءٌ مِمَّا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ فَوْقَهُ، وَأَنَّ الْقَاصِدَ إلَى مَا فَوْقَ الْعَرْشِ بِهَذَا التَّقْدِيرِ إنَّمَا يَقْصِدُ إلَى الْعُلُوِّ، لَا يَجُوزُ فِي الْفِطْرَةِ وَلَا فِي الشِّرْعَةِ مَعَ تَمَامِ قَصْدِهِ أَنْ يَقْصِدَ جِهَةٌ أُخْرَى مِنْ جِهَاتِهِ السِّتِّ، بَلْ هُوَ أَيْضًا يَسْتَقْبِلُهُ بِوَجْهِهِ مَعَ كَوْنِهِ أَعْلَى مِنْهُ، كَمَا ضَرَبَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَثَلًا مِنْ الْمَثَلِ بِالْقَمَرِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى، وَبَيَّنَ أَنَّ مِثْلَ هَذَا إذَا جَازَ فِي الْقَمَرِ وَهُوَ آيَةٌ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ تَعَالَى فَالْخَالِقُ أَعْلَى وَأَعْظَمُ.
وَأَمَّا إذَا قُدِّرَ أَنَّ الْعَرْشَ لَيْسَ كُرِّيَّ الشَّكْلِ، بَلْ هُوَ فَوْقَ الْعَالَمِ مِنْ الْجِهَةِ الَّتِي هِيَ وَجْهُ الْأَرْضِ، وَأَنَّهُ فَوْقَ الْأَفْلَاكِ الْكُرِّيَّةِ، كَمَا أَنَّهُ وَجْهَ الْأَرْضِ.
– الشيخ: أيش أيش؟
– القارئ: وَأَنَّهُ فَوْقَ الْأَفْلَاكِ الْكُرِّيَّةِ
– الشيخ: فوق الأفلاك الكرية، أي
– القارئ: كَمَا أَنَّ وَجْهَ الْأَرْضِ الْمَوْضُوعَ لِلْأَنَامِ فَوْقَ نِصْفِ الْأَرْضِ.
– الشيخ: هذا تقدّم شيء منه، وأن الشيخ يتكلّم بهذا قبل كشف الجُزر الأخرى الأمريكتان، وعنده وهو كذلك في وقته لم يكن هناك يعني لا يُعرف أن في الجانب الآخر من الأرض عالم، ففي حدود يعني علم الناس، لكنه افترض فيما تقدّم لو كان لو كان على وجه الأرض الأخرى يعني أحياء وأشياء لم يكونوا تحتنا بل هم فوق الأرض، وكل من كان على وجه الأرض من جميع … هم فوقها، وليس أحد فوق أحد، بل كلهم فوق الأرض.
لكن يعني كلاماته هذه مبنية على أنه ما عَلِم ولا بلغه ولا صار في ذلك الوقت لم تُكتشف هذه الجزر الهائلة، سبحان الله، نعم ولكنه إذاً كما نقل عن ابن حزم وغيره أنهم نقلوا الإجماع من أهل العلم على أن الأرض كُرية الشكل، ليست كما يتصورها بعض الناس قديماً وحديثاً أنها مسطحة وأنها بمعنى أنها مثل يعني مثل الصحن كذا، وفيها آثار أنها أن الأرض هذه تحتها كذا وتحت، آخر شيء في حوت يحمل هذه، أشياء يعني من خرافات بني إسرائيل.
وفي ذكر ابن كثير وغيره بعض ما قيل عن قاف، وأن قاف هذا جبل محيط بالأرض كلها مطوقها، يعني خلاص هذا الجبل ما أحد يستطيع ينفذه، يعني كالسّور على يعني البقعة، قاف قال أنه هذا جبل، جبل محيط بالدنيا، على تصوّر أن الدنيا كذا أنها بهذا الشكل، أنها ممتدة يمين وشمال ثم بعدين هذا الجبل مطوِّق لها. خليك عند هذا يا أخينا الكريم.
– القارئ: أحسن الله إليكم، تبقى يعني سطر ينتهي الكلام
– الشيخ: طيب سطر
– القارئ: أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْمَقَادِيرِ الَّتِي يُقَدَّرُ فِيهَا أَنَّ الْعَرْشَ فَوْقَ مَا سِوَاهُ وَلَيْسَ كُرِّيَّ الشَّكْلِ، فَعَلَى كُلِّ تَقْدِيرٍ لَا نَتَوَجَّهُ إلَى اللَّهِ إلَّا إلَى الْعُلُوِّ لَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْجِهَاتِ.
– الشيخ: انتهى
– القارئ: نعم
– الشيخ: بارك الله فيك، وش بعده؟ فصل ولا شيء؟
– القارئ: بعده صفحتين وتنتهي الرسالة
– الشيخ: لا، خله، جلسة أخرى.