بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس الأوّل
*** *** *** ***
– الشيخ: الحمدُ لله، والصّلاة والسّلام على نبيّنا محمّد، وعلى آله وصحبهِ أجمعين، أمّا بعد:
هذا كتاب نبدأ به اليوم من مؤلفات الشيخ عبد الرّحمن السّعدي -رحمه الله- وهو كتاب جليلُ القدرِ؛ لأنّه يتعلّق بتفسير القرآن، ومؤلفات الشيخ -رحمه الله- بديعة ومفيدة في موضوعاتِها، وفي طريقة الشيخ في التأليف، وفي أسلوبه وعباراته، فيها الوضوح كما في تفسيره، ونحنُ ننصح بقراءة تفسير الشيخ عبد الرحمن فهو تفسير حقاً إنّه تفسيرٌ مُيسّر، فيه مِنَ التفصيل والبيان، مع خُلوِّه عن التعقيد، وعن كثرة الخوض في العلومِ الجانبية، فعلى كلِّ حال هذا كتاب اسمه "القواعد الحسان في تفسير القرآن" فنسأل الله أن ينفعنا وإيّاكم بهِ وبغيرهِ مِن تُراثِ علمائِنا الأوّلين والآخرين، فجزاهم الله عنّا وعن الإسلام والمسلمين أحسنَ الجزاء، نعم يا شيخ مناحي.
– القارئ: أحسنَ الله إليكَ، الحمدُ لله رب العالمين، وصلى الله وسلّم على نبيّنا محمّد وعلى آله وصحبه أجمعين.
اللهم اغفر لشيخنا، وللحاضرين والمستمعين قال: المؤلف فضيلة الشيخ العلّامة عبد الرحمن بن ناصر السِعدي -رحمه الله تعالى- في مقدّمة كتابهِ "القواعد الحسان المتعلقة بتفسير القرآن": الحمد لله.
– الشيخ: ما اسمه؟
– القارئ: القواعدُ الحِسان المتعلّقة بتفسيرِ القرآن
– الشيخ: يعني المتعلقة هذه من تعبيرك ولا مكتوبة؟
– القارئ: لا، مكتوبة طبعًا عَلّقوا عليها؛ قال: طِبقًا للطبعة المعتمدة مِن أبناءِ المؤلف الصّادرة بعناية الشيخ خالد بن عثمان السبت.
طالب آخر: وعندي في طبعة المجموع التي بعد هذه الأخيرة: "القواعد الحسان لتفسير القرآن".
– الشيخ: بس، هذا هو التعبير، لكن اللي يُريد يتكلّم عن الكتاب يمكن يقول المتعلّقة، أو هذا الكتاب متعلّق؛ أما عنوان للكتاب لا، القواعد الحِسان في تفسير القرآن، أو لتفسير القرآن.
– القارئ: طبعاً بخط الشيخ مُصوّر؛ أما بعد: فهذه أصولٌ وقواعدُ في تفسير القرآن.
– الشيخ: تمام
– القارئ: هذا خط الشيخ
– الشيخ: سهل
– القارئ: الحمدُ لله، نحمدهُ ونستعينهُ ونستهديه ونستغفرهُ، ونتوبُ إليهِ، ونعوذُ بالله مِن شرورِ أنفُسِنا وسيئاتِ أعمالنا، مَن يَهده الله فلا مُضل له، ومَن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلّا الله وحدهُ لا شريكَ له، وأنَّ محمّداً عبدهُ ورسوله، صلّى الله عليه وعلى آله وصحبهِ وسلّم تسليما ًكثيراً؛ أما بعد..
– الشيخ: هذه خطبة الحاجة، هذه خطبةٌ ليست مِن إنشاءِ الشيخ ولا غيرهِ، كثيرًا ما يفتتحُ بها شيخ الإسلام بعضَ كتبهِ ورسائلهِ، وتُسمّى "خُطبة الحاجة" وهي مأثورةٌ عن النّبي صلّى الله عليه وسلّم، كان يُعلّمها أصحابهُ كما روى ذلك ابن مسعود رضي الله عنه، وهي خطبةٌ مُشتمِلة على اختصارها على أصول الدين مِنَ التوحيد، والإيمان بالقدر، والتوحيد بأنواعهِ الإلهية والربوبية، وأسماء الله وصفاتهِ، والشهادة لهُ بالوحدانية ولرسولهِ بالرسالة صلوات الله وسلامهُ عليه.
– القارئ: فهذه أصولٌ وقواعد في تفسير القرآن الكريم، جليلةُ المِقدارِ، عظيمةُ النفعِ، تُعينُ قارئها ومتأمِّلها على فهمِ كلامِ الله، والاهتداء بهِ، ومَخبرُها أجلُّ مِن وصفِها؛ فإنِّها تفتحُ للعبدِ مِن طرقِ التفسير، ومِنهاجُ الفهمِ عن الله: ما يُعينُ على كثيرٍ من التفاسير الحالية مِن هذه البُحوث النافعة.
– الشيخ: هذا الثناءُ مِنَ الشيخ على هذه القواعد، كما نبَّه الشيخ محمد بن عثيمين أنّه ليسَ هذا مدحًا لتأليفهِ بل هو مدحٌ لتلكَ القواعد، وهذه القواعد لم يأتِ بِها مِن عِندهِ بل هي قواعدٌ مُقررة في التفسير وعلومه، لكن الشيخ جمعها، ورتّبها، واختارها، فجزاهُ الله خيرًا، فهي قواعد نافعة كما ذكرت، ومُعينة على فَهمِ التفاسير التي يرجعُ إليها الناس ويقرأها الناس، وإذا تأمّل الإنسان يجدُ هذه القواعد في كلامِ العلماء في علومِ القرآن، وفي غيره.
– القارئ: أرجو الله وأسألهُ أن يُتمَّ ما قصدنا إيرادهُ، ويفتحَ لنا مِن خزائن جودهِ وكرمهِ ما يكون سبباً للوصولِ إلى العلمِ النافع، والهدى الكامل.
واعلم أنَّ عِلمَ التفسير أجلُّ العلومِ على الإطلاق، وأفضلِها وأوجبِها وأحبِها إلى الله.
– الشيخ: علمُ التفسيرِ، التفسير إذا أُطلقَ ينصرفُ إلى فَهمِ وبيان معاني كلامِ الله، فإذا كان القرآن كلام الله، وهو أجلُّ الكلامِ فلا ريبَ أنَّ حاجةَ العبدِ ماسّة إلى فهمِ خِطابِ الله، فإنَّ القرآن خِطابٌ مِنَ الله لعبادهِ، إذا سمعت: يا أيها الناس أنتَ واحدٌ مِنَ الناس، إذا سمعت: يا أيها الذين آمنوا أنت واحدٌ مِنَ المؤمنين، فالخطابُ مُوجّهٌ لك، لو يعني استحضرَ واستشعرَ المسلمُ ذلك، يعني حَضَرَ عقله وحَضَرَ ذِهنُه عندَ ما يسمع أو يتلوا هذا الِخطاب: يا أيها الناس، يا أيها الذين آمنوا، كما قالَ ابنُ مسعود: "إذا سمعتَ الله يقول: يا أيها الذين آمنوا فارعَها سمعك؛ فإنّه إمَّا خيرٌ تؤمرُ بهِ أو شرٌّ تُنهى عنهُ".
فتفسيرُ القرآنِ يعني هو أجلُّ العلومِ، ولا نقولُ لأنّه جامع، تفسيرُ القرآنِ جامعٌ لكلِّ العلوم الشرعية العقدية، التوحيد بأنواعهِ، الفقه الأحكام: أحكام العبادات، أحكام المعاملات، فهو مُشتملٌ على جميعِ العلوم الشرعية ترجعُ إلى تفسير القرآن، والسُنّة؛ سُنّة الرسول القولية والفعلية: هي تفسيرٌ للقرآن أيضًا، كما سيأتي إنَّ التفسير يعني يرجع إلى تفسير القرآن بالقرآن، تفسيرهُ بالسُنّة، تفسيرهُ بأقوالِ الصحابة، تفسيرهُ بأصولِ وقواعد اللغة العربية؛ لأن القرآنَ نزلَ بلسانٍ عربي مبين.
– القارئ: لأنَّ الله أمرَ بتدبُّرِ كتابهِ، والتفكُّرِ في مَعانيهِ، والاهتداءَ بآياتهِ، وأثنى على القائمين بذلك، وجعلهم في أعلى المراتب.
– الشيخ: وذمَّ المعرضينَ عن تدبّر القرآن: أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ أَم عَلَى قُلُوبٍ أَقفَالُهَا[محمد:24]، أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ وَلَو كَانَ مِن عِندِ غَيرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اختِلَافًا كَثِيرًا[النساء:82]، أنكرَ على الكفّار والمنافقين المعرضينَ عن تدبّرِ القرآن: أَفَلَم يَدَّبَّرُوا القَولَ أَم جَاءَهُم مَا لَم يَأتِ آبَاءَهُمُ الأَوَّلِينَ[المؤمنون:68]، كِتَابٌ أَنزَلنَاهُ إِلَيكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الأَلبَابِ[ص:29]
فتضمّنت هذه الآيات: الأمرَ بتدبّر القرآن كلّه، وهذا يدلُّ على أنَّ القرآن كُلَّهُ يمكنُ فَهمَهُ، ليسَ فيهِ شيءٌ لا يُفهم، لكن الناس تتفاوت مداركِهم، وأفهامُهم، ومَقدِراتِهم، فيأتي النقصُ مِن هذه الجهة، أمّا القرآنُ فكلُّه يُمكنُ فَهمهَ، وهذا المعنى يدخل في قوله تعالى: وَلَقَد يَسَّرنَا القُرآنَ لِلذِّكرِ فَهَل مِن مُدَّكِرٍ[القمر:17-22-32-40] في أربعِ آياتٍ، بل قال تعالى: فَإِنَّمَا يَسَّرنَاهُ بِلِسَانِكَ لَعَلَّهُم يَتَذَكَّرُونَ[الدخان:58]، فَإِنَّمَا يَسَّرنَاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ المُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِ قَومًا لُدًّا[مريم:97].
– القارئ: وأثنى على القائمينَ بذلك، وجعلهم في أعلى المراتبِ، ووعَدهم أسنى المواهب، فلو أنفقَ العبدُ جواهرَ عُمرهِ في هذا الفن، لم يكن ذلكَ كثيراً في جَنبِ ما هو أفضلُ المطالبِ، وأعظمَ المقاصدِ، وأصلُ الأصول كُلِّها، وقاعدةُ أساساتِ الدين، وصلاحُ أمورِ الدينِ والدنيا والآخرة، وكانت حياةُ العبدِ زاهرةً بالهدى والخير والرحمة، وطيبِ الحياةِ، والباقيات الصالحات.
فَلنشرع الآن بذكرِ القواعد والضوابط على وجهِ الإيجازِ الذي يَحصلُ بهِ المقصود، لأنَّه إذا انفتحَ للعبدِ الباب، وتمهّدت عِندهُ القاعدة، وتدرّب مِنها بعدةِ أمثلة ٍتوضِّحها، وتبيّن طريقها ومنهجها، لم يحتج إلى زيادةِ البَسط وكَثرةِ التفاصيل، ونسألهُ تعالى أن يُمدّنا بعونهِ ولطفهِ وتوفيقهِ، وأن يجعلنا هادينَ مُهتدين بِمنِّه وكَرَمِه وإحسانهِ.
– الشيخ: إلى هنا
– القارئ: نعم أحسنَ الله إليك
– الشيخ: القاعدة الأولى؟
– القارئ: نعم، القاعدة الأولى.