الرئيسية/شروحات الكتب/القواعد الحسان لتفسير القرآن/(2) القاعدة الأولى: قوله “كيفية تلقي التفسير”

(2) القاعدة الأولى: قوله “كيفية تلقي التفسير”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس الثّاني

***     ***     ***     ***
 
– القارئ: الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين. اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين وللمستمعين، قال الإمامُ الشيخ عبد الرحمن بن سعدي -رحمه الله- تعالى في كتابه "القواعد الحسان المتعلقة بتفسير القرآن":
القاعدة الأولى: في كيفية تلقي التفسير
كلَّ مَنْ سَلكَ طريقاً وعَمِلَ عملاً، وأتاهُ مِنْ أبوابهِ وطُرقهِ الموصلةِ إليهِ، فلا بُدَّ أنْ يُفْلح، وينجح، كما قال تعالى..

– الشيخ: كل من سلك طريقًا وعمل، ولا أو عمل؟
 
– القارئ: وعمل عملاً، وأتاهُ مِنْ أبوابهِ وطرقهِ الموصلة إليه، فلا بدَّ أنْ يُفلح وينجح، كما قال تعالى: وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا[البقرة:189].
وكلَّما عَظُمَ المطلوب تأكّد هذا الأمر، وتَعيّن البحث التام عن أمثلِ وأحسنِ الطرق الموصِلة إليه، ولا ريبَ أنَّ ما نحنُ فيهِ هو أهمُّ الأمورِ وأجلُّها، وأصلها.
فاعلمْ أنَّ هذا القرآنَ العظيم أنزلهُ الله لهداية الخَلق وإرشادِهم، وأنّه في كلِّ وقتٍ وزمان يُرشد إلى أهدى الأمورِ وأقومها إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ[الإسراء:9]
فعلى الناسِ أنْ يتلقّوا معنى كلامِ الله كما تلقّاهُ الصحابة -رضي الله عنهم- فإنّهم كانوا إذا قرأوا عشرَ آياتٍ، أو أقل أو أكثر، لم يتجاوزوها حتى يَعرفوا ما دلّتْ عليهِ مِنَ الإيمانِ والعِلمِ والعَمل، فَينزِّلونها على الأحوالِ الواقعة، ويعتقدونَ بِما احتوت عليهِ مِنَ العقائدِ والأخبار، وينقادون لأوامرها ونواهيها، ويُدْخلون فيها جميع ما يشهدون من الحوادث والوقائع الموجودة بهم وبغيرهم، ويحاسبونَ أنفسهم: هل همْ قائمونَ بها أو مُخلّون؟ وكيفَ الطريقُ إلى الثباتِ على الأمور النافعة، وإيجادِ ما نقصَ منها؟ وكيفَ التخلّص مِنَ الأمورِ الضارة؟ فيهتدونَ بعلومهِ، ويتخلّقون بأخلاقهِ وآدابه، ويعلمونَ أنّهُ خِطابٌ مِنْ عالمِ الغيبِ والشهادة موجّهٌ إليهم، ومطالبون بمعرفة معانيه، والعمل بما يقتضيه.
فمن سَلَكَ هذا الطريق الذي سلكوهُ، وجَدّ واجتهدَ في تدبّرِ كلام الله، انفتح لهُ البابُ الأعظم في علمِ التفسير، وقَويتْ معرفتهُ وازدادت بصيرتهُ، واستغنى بهذه الطريقة عنْ كثرة التكلّفات، وعن البحوث الخارجية، وخصوصاً إذا كان قد أخذَ مِنْ علوم العربية جانباً قوياً، وكان لهُ إلمام واهتمام بسيرة النبي -صلى الله عليه وسلم- وأحوالهِ مع أوليائهِ وأعدائهِ، فإنَّ ذلك أكبرُ عونً على هذا المطلب.
ومتى علمَ العبدُ أنَّ القرآن فيهِ تبيانُ كلِّ شيءٍ، وأنّه ُكفيلٌ بجميعِ المصالح مُبيّن لها، حاثٌّ عليها، زاجرٌ عن المضار كلِّها، وجعلَ هذه القاعدة نَصْب عَينيهِ، ونزّلها على كلِ واقعٍ وحادث سابقٍ أو لاحق، ظهرَ لهُ عِظَم مواقعها وكَثرة فوائدها وثمرتها. انتهى
 

– الشيخ: يذكر الشيخ رحمه الله في هذه القاعدة، أن الحكمة تقتضي أنَّ مَنْ طلبَ شيئًا سَلك للوصول إليه الطرق المناسبة، الطرق المعروفة هذا أمرٌ مُسَلَّم، فالمطالب تؤتى مِنْ أبوابها واستشهد بالآية: وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا[البقرة:189]،كما تؤتى البيوت الحسية مِنَ الأبواب لا مِنْ ظهورِ البيوت، كذلك المطالب تُطلبُ مِنْ طُرقِها المعروفة، وطرقها الميسّرة، ومِنْ ذلكَ تفسير القرآن الذي هو مطلبٌ أعلى؛ لأن المقصود من تفسير القرآن معرفة معاني كلام رب العالمين الذي هو أفضل الكلام فالواجب على المسلم أن يهتم بطلب معاني كلام الله؛ لأنّه خِطاب مِنَ الله للعبد، أفيليق مِنه أنْ يكتفي بسماعِ لفظهِ، أو حِفظِ لفظهِ دون أنْ يتدبّره، ودون أنْ يتعلّم معانيه، ومعاني القرآن هي مراد الله، مُرادٌ مِنّا أنْ نعلمَ معاني القران.
والقرآن نوعان: خبر أخبار يعني، وأوامر ونواهي ونسميها طلب "خبر وطلب" فالواجبُ في أخبارِ القرآن الإيمان، واعتقاد ما تضمنتهُ هذه الأخبار؛ وهذا هو التصديق فنصدق ما أخبرَ الله بهِ في كتابهِ، والواجب في الطلب وهي الأوامر والنواهي كذلك الإيمان بها والعمل بها فِعلًا للمأمورات، وتركًا للـمنهيات.
يقول – الشيخ: ثمَّ على مَنْ فَهِمَ معاني القرآن وعرفها أنْ يعملَ بها في نفسهِ ويحكمَ بِها على الواقع، يحكم بها على الوقائع والقضايا، الله ما أنزلَ القرآنَ لمجردِ أنْ يُقرأ باللسانِ، بلْ أنزلَ القرآن للتدبّر والعمل لتدبّرهِ وتَعَقّل معانيهِ، والعمل بهِ والانقيادُ لأحكامهِ، والإيمان واعتقاد أخبارهِ، والناس كما أخبرَ سُبحانه نوعان، والقرآن فيهِ مُحكمٌ ومُتشابه، ولعلَّ الشيخ سيذكر شيء حول هذه المسألة، لكن الله أخبر بأنَّ آياتِ القرآن منها مُحكمٌ ومُتشابه، والناسُ صِنفان موقفهم مِنَ المُتشابه فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ[آل عمران:7]
وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ*رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ[آل عمران:7-8]
فالمقصود إنَّ على المسلمِ أنْ يهتمَّ بتفسير القرآنِ، وأنْ يتوصّل لهذه الغاية بالوسائل المناسبة، فيرجع إلى مصادرِ تفسير القرآن المصادر المعروفة الموثوقة، وإلّا فكتبُ التفسيرِ فيها غثٌّ كثير؛ لأنَّ مناهج المفسرين متباينة ومختلفة فعلى المسلم، ولاسيما طالبَ العلمِ عليه أنْ يجتهدَ في معرفة كلام الله مِنَ المصادر المأمونة، ولا شكَّ أنْ أنفعَ المصادر هي كتبُ التفسير التي تُعوّل على أصولِ التفسير، الأصولُ المعتمدة تفسير القرآن بالقرآن، وتفسيرهُ بالسُنّة.
وذكر الشيخ أن ممّا يُعينُ على تفسيرِ القرآن معرفةُ سيرة النّبي، وليسَ المرادُ بالسيرة السيرة المعروفة التي هي سيرة الغزوات فقط، بل هدي الرسول سيرتهُ في عبادته، سيرتهُ في معاملته، سيرتهُ في مُعاملتهِ لأهلهِ ولأصحابهِ ولأوليائهِ وأعدائهِ، كما ذكر الشيخ فإنَّ سيرة الرسول تفسيرٌ للقرآن فيها تفسير، وهكذا سيرة الصحابة، ممّا يُعينُ على فهمِ القرآن معرفةُ سيرة الصحابة رضوان الله عليهم لأنَّ سيرتهم هي أيضًا ترجمة لِما فهموهُ مِنْ كتابِ الله وسُنّة رسولهِ صلّى الله عليه وسلّم.
 

info

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :القرآن وعلومه