بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس الرّابع
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، صلى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهمَّ اغفر لشيخنا والحاضرين والمستمعين، قال الإمام، قال الشيخ عبد الرحمن السعدي -رحمه الله تعالى- في كتابه "القواعد الحسان":
القاعدة الثالثة: الألفُ واللام الداخلة على الأوصاف، وأسماءِ الأجناس تُفيدُ الاستغراق بحسبِ ما دخلت عليهِ.
– الشيخ: هذه هي القاعدة؛ وما بعدها شرح سيشرَحُها الشيخ، الألف واللام يعني "ال" الألف واللام التي تأتي في الأغلب للتعريف: الرجل، الكتاب.
الألف واللام يُعبَّرُ عنها بالألف واللام، أو التي دخلت عليها "أل"، تقول إذا دخلَ على النكرة "ال" صارت معرفة، الداخلة على الأوصاف أو على الوصف، وأسماءُ الأجناسِ تُفيدُ الاستغراقَ، يقول إذا دخلت على الوصف فإنّها تُفيدُ استغراقَ هذا الموصوف، وتُفيدُ أيضاً في بعضِ المواضع استغراقَ هذا الوصف، يعني وتدلُّ على كمالِ هذا الوصف، وإذا دخلت على اسم الجنس، اسم جنس أفادت الاستغراقَ لأفرادهِ ويتّضحُ هذا بالأمثلة الآتية، فهذه قاعدة.
وفي القرآن مِن هذا شيءٌ كثير، وهذا هو المقصود؛ نستفيدُ مِن هذه القاعدة فَهمَ ما وردَ في القرآن مِمّا دخلت عليه "ال" وصفاً، أو اسم جنس، نعم يا شيخ.
– القارئ: أحسن الله إليك، وقد نَصَّ على ذلكَ أهلُ الأصولِ وأهلُ العربية.
– الشيخ: أهلُ الأصولِ: يعني أصول الفقه أو أصولُ التفسير، وأهلُ العربية يعني أهلُ اللغة كالنّحويين مثلاً، النُّحَاةُ.
– القارئ: واتفقَ على اعتبارِ ذلكَ أهلُ العلمِ والإيمان. فمثلُ قوله تعالى: إِنَّ المُسلِمِينَ وَالمُسلِمَاتِ وَالمُؤمِنِينَ وَالمُؤمِنَاتِ إلى قوله تعالى: أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَغفِرَةً وَأَجراً عَظِيماً[الأحزاب:35]
– الشيخ: هذه "أل" داخلة على وصف، المسلمين، المؤمنين، القانتين، الصائمين، كذا، داخلة على وصف، فذكرَ عشرة أوصاف، ثم قال أعدَّ الله لهم للمذكورين الموصوفينَ بهذه الصفات: أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَغفِرَةً وَأَجراً عَظِيماً، فمثلُ هذه قلت أنّها تَستغرق، يعني تدلُّ على الاستغراق مِن وجهين: مِن جِهة استغراق الأفراد، ومِن جهة استغراقِ الوصف.
إِنَّ المُسلِمِينَ: هذا يَعُمُّ كلَّ مسلمٍ، المُؤمِنِينَ: عام في كلِّ مؤمنٍ، ثمَّ استغراقٌ مِن جهةِ الوصف، وهو ما يدلُّ عليه الإسلام، يشمل يعني شرائعَ الإسلامِ الظَّاهِرةُ والباطنة، يعني المسلمينَ الذين اتَّصفوا بالإسلام ظاهراً وباطناً، بالإيمانِ ،بالصدق بالصبر، بالصدقة، فهذه الأوصاف على مراتب كما سيذكرها الشيخ.
– القارئ: أدخلَ في هذه الأوصاف كل ما تَناولهُ مِن معاني الإسلام، والإيمانِ، والقنوتِ، والصدقِ، إلى آخرها.
– الشيخ: هذا الاستغراق استغراق الوصف.
– القارئ: وأن بكمالِ هذه الأوصاف يَكمُلُ لصاحِبِها ما رُتِّبَ عليهِ مِنَ المغفرةِ والأجرِ العظيم، وبِنُقصَانِها يَنقُصُ، وبِعَدَمِهَا يَفقِد.
– الشيخ: يُفقَد
– القارئ: يُفقَدُ، وهذا كلُّ وصفٍ رُتِّب عليهِ خيرٌ وأجرٌ وثواب، وكذلك ما يُقابلُ ذلكَ.
– الشيخ: إيش؟
– القارئ: وكذلك ما يقابل ذلك.
– الشيخ: نعم
– القارئ: كلُّ وصفٍ نَهى الله عنهُ، ورتَّبَ عليهِ وعلى المُتَّصِفِ بهِ عقوبةً، وشراً، ونقصاً، يكونُ لهُ مِن ذلكَ بِحسبِ ما قامَ بهِ مِنَ الوصفِ المذكور، وكذلكَ مِثلُ قولهِ تعالى: إِنَّ الأِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعاً[المعارج:19]
– الشيخ: هذا لأنَّ الوصفَ هو عِلّة، وهو سبب لذلكَ الجّزاء المُرتَّب، فكلّما كمُلَتِ العِلّة كَمُلَ ما رُتِّبَ عليها وإذا نَقصت نقصَ، فالإسلامُ والإيمانُ والأعمالُ الصّالحة هي سببُ الأجورِ والمغفرة، مغفرة الذنوب، فكلّما كانَ الإسلامُ والإيمان وسائرُ الطاعاتِ أكمل ؛كانَ الأجرُ عليهِ أعظم، وكلّما نقصت نقصت، فالمسلمونَ ليسوا على مرتبةٍ واحدةٍ بل هم مُتفاوِتونَ في إسلامهم، وإيمانهم، وصدقهم، وطاعاتهم أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَغفِرَةً وَأَجراً عَظِيماً[الأحزاب:35]، وكذلكَ أعداءُ الله الكفّار، فما رُتِّبَّ على الكفر والمعاصي مِنَ العذابِ والوعيد يختلفُ باختلافِ درجاتِ الكفر.
الكفر درجات، والمعاصي ليست على مرتبةٍ واحدة، فيها صَغائِر وكبائِر، والكبائرُ فيها كبيرٌ وأكبر، يعني الكبائر مُتفاوِتةٌ، نعم.
– القارئ: وكذلك مَثَلُ قوله تعالى
– الشيخ: مِثلُ..
– القارئ: مِثلُ قوله تعالى: إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا*إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا*وَإِذَا مَسَّهُ الخَيرُ مَنُوعًا[المعارج:19-21]، عام بجنسِ الإنسان.
– الشيخ: هذا "أل" الدّاخلة على اسم الجنس، هو قال لك إذا "ال" الألف واللام إذا دخلت على الوصف كما في المثال السابق، وداخلة على الجنس كما في هذا المثال، فهو عام في كلِّ إنسان إلّا مَن استثنى الله.
– القارئ: فكلُّ إنسانٍ هذا وصفهُ إلّا مَن استثنى الله بقوله: إِلَّا المُصَلِّينَ[المعارج:22] إلى آخرها، كما أن قوله: وَالعَصرِ* إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسرٍ أي كلُّ إنسانٍ متَّصِفٌ بالخَسارِ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ[العصر:1-3] وأمثالُ ذلكَ كثير.
– الشيخ: فـ "أل" إذا دخلت على اسم الجنس دلَّت على الاستغراق، إلّا أن تكونَ "للعهد الذهني أو الذِّكريِّ"؛ تكون خاصة لا تكون عامة، إذا قلت لك رأيتَ الرجل، الرجل يعني الذي أنتَ تذكرهُ قد لقيناهُ أمسِ؛ هذا العهد الذهني، والعهد الذكري إذا حصل التحدُّثُ عن، مثاله: إِنَّا أَرسَلنَا إِلَيكُم رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيكُم كَمَا أَرسَلنَا إِلَى فِرعَونَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرعَونُ الرَّسُولَ[المزمل:15-16]، الرسول المُرادُ به المذكور، فأرسلنا، أَرسَلنَا إِلَى فِرعَونَ رَسُولًا * فَعَصَى فِرعَونُ الرَّسُولَ يعني المذكور، فهذه لا تُفيدُ الاستغراق لأنها ليست يعني، وإن دخلت على اسم جنس لكنّه ليسَ المرادُ بالاستغراقِ، وعلامة التي للاستغراق علامتها أنك مُمكِن تَجعل مكانها "كل" إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسرٍ[العصر:2]، تقول: إنَّ كلَّ إنسانٍ في خُسر، يصح الكلام، ويَصح "إنَّ كلَّ إنسانٍ في خُسر إلّا الذينَ".
– القارئ: وأعظمُ ما تعتبرُ بهِ هذه القاعدة: في الأسماءِ الحسنى، فإنَّ في القرآنِ منها شيئاً كثيراً، وهي أجَلُّ علومِ القرآن، فمثلاً يُخبرُ الله عَن نفسهِ: أنّه الله، وأنَّهُ الملك.
– الشيخ: الشيخ يريد يُطبّق "أل" الداخلة على الوصف، يريد يُطبّقها في أسماءِ الله مثل: الرحمن، الرحيم، الملك، القدوس، السلام، إلى آخره.
فـ "أل" في أسماءِ الله داخلة على وصف؛ فتفيدُ استغراقَ ما يدخل في هذا الوصف مِنَ المعنى، فهو سبحانهُ وتعالى الرّحيم، الرحمة التّامة الكاملة الواسعة، وهكذا كلُّ وصفٍ فَلِلَّهِ مِنهُ أكملهُ، فهو الموصوفُ بكلِّ كمالٍ على وجهِ الكمال، موصوفٌ بكلِّ صفةِ كمالٍ على أكملِ ما يكون، فهو أرحمُ الراحمين، وهو أكرمُ الأكرمين، وهو الموصوف بالغنى التام، والمُلك التّام سبحانه وتعالى، كما سيُفصِّلُ الشيخ ويُطبِّقُ على بعض أسماءِ الله.
– القارئ: فمثلاً يُخبرُ الله عن نفسهِ: أنّه الله، وأنّه الملك، والعليمُ والحكيم، والعزيزُ والرحيم، والقدوسُ السلام، والحميدُ المجيد. فالله هو الذي لهُ جميعُ معاني الألوهية التي يستحقُ أن يُؤَلَّهَ لأجلِها.
– الشيخ: يُؤلَهَ..
– القارئ: يُؤلَهَ لأجلِها، وهي صفاتُ الكمالِ كلّها، والمحامدِ كلِّها، والفضلُ كلُّه، والإحسانُ كلُّه، وأنّه لا يُشارِك اللهَ أحدٌ في معنى مِن معاني الألوهيّة، لا بشرٌ ولا مَلَكٌ، بل هم جميعاً مُتألِّهونَ مُتعبِّدُونَ لربّهم، خاضعونَ لجلالهِ وعظمته، وأنّه الملكُ الذي لهُ جميعُ معاني المُلك، وهو المُلكُ الكامل والتصرُّفُ النافذ، وأنَّ الخلقَ كلُّهم مماليك لله، عبيدٌ تحتَ أحكامِ مُلكِهِ القدرية والشرعية والجزائية، وأنّه العليمُ بكلِّ شيءٍ.
– الشيخ: قال لنا بحسب ما دخلت عليه فيما تقدَّمَ، فمثلاً "الملِك" اسم لله إذا قلنا الملك القُدوس دلَّ على الملك الشامل لكلِّ شيء، فهو المَلِكُ على كلِّ شيءٍ، لهُ المُلكُ كلّه، لهُ المُلكُ، لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرضِ، الملائكة، والإنس، والجن، وجميعُ الموجودات كلّها داخلةٌ في مُلكهِ، فهو المُتَصرِّفُ فيها، لكن إذا قلتَ فلانٌ المَلِك دلَّ على المُلكِ المناسب للمخلوق، ملكٌ محدود قاصر، ناقص محدود، وممكن حادث موهوب، موهوبٌ له، يقول تعالى: تُؤتِي المُلكَ مَن تَشَاءُ وَتَنزِعُ المُلكَ مِمَّن تَشَاءُ[آل عمران:26]، ففرقٌ بينَ الملك اسم لله؛ فإنّه يدلُّ على الشُمول، الملك التام، والملك اسم للمخلوق، وقُل مثل ذلك في سائرِ الأسماء، فالحي اسم الله، يدلُّ على الحياة التّامة التي لا تقبلُ زوالاً، لا يطرأُ عليها موتٌ ولا نقص لَا تَأخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَومٌ[البقرة:255]، أمّا "الحي" اسم المخلوق فهي حياةٌ حادثةٌ، موهوبة، ناقصة، قابلة للزوال.
– القارئ: وأنّه العليمُ بكلِّ شيء، الذي لا يخفى عليهِ شيءٌ في الأرضِ ولا في السماء، الذي أحاطَ عِلمُهُ بالبواطِن والظواهر والخفيات والجليَّاتِ والواجبات والمُستحيلاتِ، والجائزات. والأمور السابقة واللاحقة والعالمُ العلوي والسفلي والكُلِّياتِ والجزئيات.
وما يعلمُ الخلق وما لا يعلمون، وأنّه الحكيمُ الذي لهُ الحِكمة التّامة الشاملة لجميعِ ما قضاهُ وقدرهُ وخلقه، وجميعُ ما شرعهُ لا يخرجُ عن حِكمتهِ، مخلوقٌ ولا مشروع.
– الشيخ: يعني لهُ الحكمةُ في كلِّ شيءٍ، حكيمٌ في خلقِهِ وفي أمره، وفي شرعهِ وفي قدَرَهِ، فهو تعالى لا يَخلقُ شيئاً عبثاً، لا يَخلقُ شيئاً عبثاً، وَمَا خَلَقنَا السَّمَاءَ وَالأَرضَ وَمَا بَينَهُمَا لَاعِبِينَ[الأنبياء:16]، أَفَحَسِبتُم أَنَّمَا خَلَقنَاكُم عَبَثًا[المؤمنون:115]، فهو خلقَ السموات والأرض بالحق وللحق، وهو الحكيمُ في شرعهِ، فهو حكيمٌ في شرعهِ أمراً ونهياً، لهُ الحكمة، خلاف، خِلافاً لمن قال أنَّ مَرَدَّ ذلكَ إلى المشيئة فقط، إلى المشيئة، فلا تُعلَّل يعني أفعالهُ وأحكامهُ، يعني يفعل لا لشيءٍ، يفعل لا لشيء، وهذا هو العبث، الذي يفعل ليسَ لشيءٍ لا لغاية، هذا عابث، ولاعب، والله نزَّهَ نفسهُ عن العبث واللعب.
– القارئ: وأنّه العزيز..
– الشيخ: إلى هنا يا أخي
– القارئ: أحسنَ الله إليك.