بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس التّاسع
*** *** *** ***
– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمدٍ، وآله وصحبه أجمعين، أما بعد: فقالَ المصنّف العلّامة الشيخُ عبد الرحمن بن ناصر السِعدي رحمهُ الله في كتابهِ "القواعدُ الحِسان لتفسيرِ القرآن":
القاعدة الثامنة: طريقةُ القرآنِ في تقرير المَعاد.
– الشيخ: الله أكبر الله أكبر
– القارئ: وهذا الأصلُ الثالثُ منَ الأصولِ التي اتفقتْ عليها الرّسلُ والشّرائعُ كُلّها وهي: التوحيد.
– الشيخ: التوحيد والنبوّة والمَعاد، اتفقتْ الشرائعُ على الإخبار بها، والدّعوة إلى الإيمانِ بها.
– القارئ: وهي: التوحيدُ، والرسالة، وأمرُ المعاد وحشر العباد. وهذا قدْ أكثرَ الله مِنْ ذِكْرهِ في كتابهِ، وقرّرهُ بطرقٍ متنوعة؛ منها: إخبارهُ وهو أصدقُ القائلينَ عنهُ، ومع إكثارِ الله مِنْ ذِكرهِ، فقدْ أقسمَ عليهِ في ثلاثة مواضعَ مِنْ كتابهِ، كقوله تعالى: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ[القيامة:1]
– الشيخ: مُدّها قليلاً، نعم لا أقسمُ
– القارئ: كقولهِ تعالى: لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ[القيامة:1] ومنها الإخبارُ بكمالِ قدرة الله تعالى، ونفوذِ مشيئتهِ، وأنّهُ لا يُعْجزهُ شيء، فإعادةُ العباد بعدَ موتهم فردٌ مِنْ أفرادِ آثارِ قدرتهِ.
ومنها تذكيرهُ العبادَ بالنشأة الأولى، وأنَّ الذي أوجدهم ولمْ يكونوا شيئاً مذكوراً، لابدَّ أنْ يعيدهم كما بدأهم، وأنَّ الإعادة أهونُ عليهِ، وأعادَ هذا المعنى في مواضعَ كثيرةٍ بأساليبَ متنوعة.
– الشيخ: الإعادة أهونُ عليهِ، هذا جاءَ في القرآن، وهو أهونُ عليهِ، لكنْ ليسَ المعنى أنّهُ على الإعادة والبعث أقدر، لا، ليسَ في قدرة الأشياء يعني ما، ليسَ في قدرة الله قادر وأقدر، فلا يُقالُ الله أقدرُ على هذا مِنْ هذا، بلْ كُلُّها مُنقادةٌ لإرادتهِ، وقدرتهُ تامّةٌ في كلِّ ما يُوجِدهُ، قدرة تامة، لكن قوله تعالى: يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ[الروم:27]، قال المفسرون: هذا يعني ذُكِرَ؛ لأنَّ هذا هو الذي يُدركهُ الناس؛ لأنَّ في العقولِ أنَّ الإعادة أهونُ مِنَ البداية، إعادةُ إيجادِ الشيء أهونُ مِنْ ابتدائهِ، هذا في القياس العقلي، وهذا شأنُ المخلوق، أمّا الله تعالى فالإعادةُ كالبداية، فهو قادرٌ قدرةً تامّة على بدءِ الخلقِ وإعادتهِ، قُدْرة تامّة على بدءِ الخلقِ وإعادتهِ.
لكنْ في خِطابِ المُنكِرين الذين يُنكِرونَ، يستبعِدونَ المَعاد ذَلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ[ق:3] يحتجُّ الله عليهم في كتابهِ بمبدأ خَلْقهِ، فإذا كانَ أمرُ بدءِ الخلقِ أمرًا معلوماً، ومعَ ذلكَ يقرّون ببدئهِ تعالى للخلق، يُقرّون بأنَّ الله تعالى خلقهم، فالإعادةُ أهونُ في نظرِ العقول، في نظرِ العقول الإعادةُ أهون، أمّا في الواقع، في حقِّ الله فكلُّها هيِّنةٌ.
– القارئ: أحسن الله إليكم، ومنها: إحياؤهُ الأرضَ الهامدة الميّتة بعدَ موتها، وأنَّ الذي أحياها سيحي الموتى، وقرّر ذلكَ بقدرتهِ على ما هو أكبرُ مِنْ ذلك، وهو خلقُ السماواتِ والأرض، والمخلوقاتِ العظيمة، فمتى أثبتَ المفكّرون ذلك، ولنْ يقدروا على إنْكارهِ، فلأيّ شيءٍ يستبعدونَ إحياءَ الموتى؟ وقرّرَ ذلكَ بِسَعةِ علمهِ، وكمالِ حِكْمتهِ، وأنّهُ لا يليقُ بهِ، ولا يَحسُن أنْ يتركَ خلقهُ سدىً مُهْملين، لا يُؤمرون ولا ينهون، ولا يثابون ولا يعاقبون. وهذا طريقٌ قرّرَ بهِ النبوّة وأمرَ المَعاد.
وممّا قرّر بهِ البعث ومجازاةَ المحسنينَ بإحسانهم، والمسيئينَ بإسائتهم: ما أخبرَ بهِ مِنْ أيامهِ وسننهِ سبحانه في الأممِ الماضية والقرون الغابرة.
وكيف نجى الأنبياءَ وأتباعهم، وأهلكَ المكذّبين لهم المنكرينَ للبعث، ونوَّعَ عليهم العقوبات، وأحلَّ بهم المَثُلات، فهذا جزاءٌ مُعجّل ونموذج مِنْ جزاءِ الآخرة أراهُ الله عباده، ليهلكَ مَنْ هلكَ عن بيّنة، ويحي مَنْ حيَّ عن بيّنة.
ومِنْ ذلكَ: ما أرى الله عبادهُ من إحيائهِ الأموات في الدنيا كما ذكرهُ الله عن صاحب البقرة والألوف مِنْ بني إسرائيل، والذي مرَّ على قريةٍ وهي خاويةٌ على عُروشِها، وقصّة إبراهيم الخليل والطيور، وإحياءِ عيسى بن مريم عليه السلام للأموات وغيرها ممّا أراهُ الله عبادهُ في هذه الدار، ليعلموا أنّهُ قويٌ ذو اقتدار، وأنَّ العبادَ لابدَّ أنْ يَرِدوا دارَ القرار، إمّا الجنة أو النار. وهذه المعاني أبداها الله وأعادها في محالَّ كثيرة. والله أعلم.
– الشيخ: إلى هنا انتهت القاعدة.
– القارئ: نعم أحسن الله إليك.
– الشيخ: لا إله إلا الله، هذا أمرٌ ظاهر في القرآن، الكلامُ في البعث والنّشور واليوم الآخر واسعٌ وكثير، والحديثُ عن القيامة، عنْ أحداثِ القيامة كما في سورة القارعة وسورة القيامة وسور كثيرة كالانفطار والانشقاق والتكوير، وسور كثيرة تكونُ خالصة للحديث عن اليومِ الآخر، والحديثُ عن القرآن، عن المَعاد مبثوث في الكتاب كثيراً بطرق بأساليب كثيرة، ومن ذلك ردّهُ على المكذبين، وأمرَهُ نبيه أن يُقسِمَ على وقوع المعاد في ثلاث مواضع كما ذكر – الشيخ: زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ[التغابن:7]، وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَا تَأْتِينَا السَّاعَةُ قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتَأْتِيَنَّكُمْ[سبأ:3]، وَيَسْتَنْبِئُونَكَ أَحَقٌّ هُوَ قُلْ إِي وَرَبِّي إِنَّهُ لَحَقٌّ وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ[يونس:53]
وأشارَ الشيخ إلى طُرق إثبات إمكانْ المَعاد ووقوعهِ، يعني في القرآن منها الاستدلال بالنشأة الأولى، وهذا كثير، ومنها الاستدلالُ بإحياءِ الأرض؛ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى[فصلت:39]، ومنها الاستدلالُ بخلقِ المخلوقاتِ العظيمة، السموات والأرض؛ لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ[غافر:57]
ومنها الاستدلالُ بِما وقعَ مِنْ إحيائهِ تعالى للأموات، كما أشارَ الشيخ في عدة قِصص في سورة البقرة ثُمَّ بَعَثْنَاكُم مِّن بَعْدِ مَوْتِكُمْ[البقرة:56]، أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُواْ ثُمَّ أَحْيَاهُمْ[البقرة:243]، إلى ما يعني، حوادثَ أخرى، ووقائعَ أخرى، فأمرُ المَعادِ الحديثُ بهِ كثير، ومِنْ ذلكَ ما أخبرَ الله بهِ عن الجنة والنار، وما أعدَّ لأهلِهما كل هذا ممّا يتعلّق.
فمنْ أصولِ الإيمان باليوم الآخر، ويدخلُ في الإيمانِ باليومِ الآخر كلُّ ما يكون بعد الموت، وأعظمُ ما يدخل في الإيمان باليومِ الآخر الإيمانُ بالجنة والنار، ولهذا خصَّهم النبي -صلّى الله عليه وسلّم- بقوله: (مَنْ شَهِدَ أَنْ لا إِلَهَ إِلا اللَّه، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، وَأَنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ، والْجَنَّةَ حَقٌّ، وَالنَّارَ حَقٌّ، أَدْخَلَهُ اللَّهُ الْجَنَّةَ عَلَى مَا كَانَ مِنْ عَمَلٍ)
فذِكْرُ الجنة والنار في القرآن كثير، إذن القرآن فيهِ دلائل، يعني أدلة البعث في القرآن نوعان: خبرية وعقلية، فالخبرية مثل: قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ[التغابن:7]، ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تُبْعَثُونَ[المؤمنون:16] هذا دليل خبري نعم، والأدلة العقليَّةُ المُتقدِّمةُ الاستدلالُ بالنشأة والاستدلال بإحياء الأرض، وبخلقِ السمواتِ والأرض.