الرئيسية/شروحات الكتب/القواعد الحسان لتفسير القرآن/(12) القاعدة الحادية عشرة: قوله “كما أن المفسر للقرآن يراعي ما دلت عليه ألفاظه مطابقة”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(12) القاعدة الحادية عشرة: قوله “كما أن المفسر للقرآن يراعي ما دلت عليه ألفاظه مطابقة”

بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس الثّاني عشر

***     ***     ***     ***
 
– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلى الله وسلَّمَ على نبيِّنا محمدٍ، وعلى آله وصحبه أجمعين، اللهم اغفر لشيخنا وللحاضرين والمستمعين، قال الشيخ عبد الرحمن السّعدي -رحمه الله تعالى- " أصول وقواعد في التفسير":
القاعدة الحادية عشرة: كما أن المُفسِّرَ للقرآن يُراعي ما دلّت عليهِ ألفاظهُ مُطابِقة..
– الشيخ:
مُطابَقةً
– القارئ: مُطابَقةً، وما دخلَ في ضِمْنها، فعليهِ أنْ يُراعيَ لوازمَ تلكَ المعاني
– الشيخ: فعليه أن يُراعِيَ
– القارئ: نعم، فعليه أنْ يُراعِيَ لوازمَ تلكَ المعاني، وما تَسْتدعيهِ مِنَ المعاني التي لم يُصَرِّح اللفظُ بذكرِها.
– الشيخ:
أهلُ العلمِ يقولون: إنَّ اللفظَ يدلُّ على معناهُ التّام بالمطابقة، ويدلُّ على، يعني بعض معناه بالتضمُّنِ، ويدلُّ على معنىً خارج عنه بطريق اللُّزُومِ، فهذه أنواعُ الدّلالات، فالشيخ يقول إنَّ على المُفسِّرِ أنْ يُراعي في التّفسير ما يدلُّ عليهِ اللفظُ بالمطابقة، يُفسِّرُهُ بما يدلُّ عليهِ، يعني يُفسِّرُهُ بمعناهُ التّام الكامل، وما يدلُّ عليهِ بالتضمُّن، وكذلكَ ما يدلُّ عليهِ بطريقِ اللزوم، وهذا كُلّه تابعٌ لدلالةِ اللفظ.

– القارئ: أحسن الله إليك، وهذه القاعدة: من أجلِّ قواعدِ التّفسير وأنفعِها، وتَسْتدعي قوةَ فكرٍ، وحُسنَ تدبّر، وصِحَّةَ قصْدٍ. فإنَّ الذي أنزلهُ هو العالمُ بكلِّ شيءٍ، الذي أحاطَ عِلمهُ بِما تحتوي عليهِ القلوب، وما تضمنه المعاني، وما يتبعُهَا ويتقدّمها، وتتوقّف هي عليهِ.
ولهذا أجمعَ العلماءُ على الاستدلالِ باللازمِ في كلامِ الله لهذا السبب.

– الشيخ: الاستدلال
– القارئ: نعم أحسن الله إليك، ولهذا أجمعَ العلماءُ على الاستدلالِ باللّازمِ في كلامِ الله لهذا السبب، والطريقُ إلى سلوكِ هذا الأصلِ النافع: أنْ تَفْهمَ ما دلَّ عليهِ اللفظُ مِنَ المعاني، فإذا فهمْتَهَا فهماً جيداً، ففكِّر في الأمورِ التي تتوقّفُ عليها، ولا تَحْصل بِدونِها، وما يُشْتَرطُ لها.
وكذلك فكِّرْ فيما يترتّبُ عليها، وما يتفرّعُ عنها، ويَنْبني عليها، ولا تزالُ تُفكِّرُ في هذه الأمور، حتى يصيرَ لكَ مَلكةً جيدة في الغوصِ على المعاني الدقيقة، فإنّ القرآنَ حقْ، ولازمُ الحقِّ حقْ، وما يتوقّفُ على الحقِ حقْ، وما يتفرّعُ عن الحقِّ حقْ.

– الشيخ: وما يتوقّف..
– القارئ: أحسن الله إليك، فإنَّ القرآن حقٌّ، ولازمُ الحق حقٌّ، وما يتوقَف على الحقِّ حقْ، وما يتفرّعُ عن الحق حقْ.
فمن وُفِّقَ لهذه الطريقة وأعطاهُ الله توفيقاً ونوراً، انفتحتْ لهُ العلومُ النافعة، والمعارفُ الجليلة.
ولنُمثِّلْ لهذا الأصل أمثلةً تُوضِّحُهُ: منها..

– الشيخ:
هذا يُراعى في الكتاب، في فَهْمِ القرآنِ وفي فهْمِ السُّنَّةِ، فاللازمُ مِنْ كلامِ الله يجبُ اعتبارهُ، ويُعلَمُ بأنَّ الله أرادهُ، أمّا ما يقولهُ النّاس فيقولون أنَّ في مقولة: "أنَّ لازمَ المذهب ليسَ مذهبا"؛ لأنَّ صاحبَ الرأي قدْ لا يخطرُ ببالهِ هذا اللازم، فلا يُحكَمُ عليهِ بهِ إلّا إذا عَلِمَ لُزومهُ، أو ذُكِرَ له والتزمَ بهِ؛ لأنَّ الإنسانَ قاصرٌ عنِ العلم بلوازمِ كلامهِ، لكنْ إذا كان اللازم باطلاً كان الملزومُ باطلاً، وكلامُ الله حقٌّ فلازمهُ حقٌّ كما قال الشيخ، وهو سبحانه وتعالى أنزلهُ عالماً بمعانيهِ وعالماً بدلالاتهِ، ما تدلُّ عليهِ ألفاظهُ وما تستلزمهُ معانيه، نعم هات مثال من ذلك.

– القارئ: أحسن الله إليك، منها: في أسماء الله الحسنى [الرّحمن الرّحيم] فإنّها تدلُّ بلفظِها على وصفهِ بالرحمة، وسِعة رحمتهِ.
فإذا فَهمتَ أنَّ الرحمة التي لا يُشبهها رحمةُ أحد: هي وصفهُ الثابت، وأنّهُ أوصلَ رحمتهُ إلى كلِّ مخلوق، ولمْ يخلُ أحدٌ مِنْ رحمتهِ طرفةَ عين: عرفتَ أنَّ هذا الوصف يدلُّ على كمالِ حياتهِ، وكمالَ قدرتهِ، وإحاطةَ علمهِ، ونفوذِ مشيئتهِ، وكمال حكمتهِ، لِتَوقُّفِ الرحمةِ على ذلكَ كلّه، ثمَّ استدللتُ بِسعةِ رحمتهِ على أنَّ شَرْعه نورٌ ورحمة. ولهذا يُعللُّ الله تعالى كثيراً مِنْ الأحكامِ الشّرعية برحمتهِ وإحسانهِ؛ لأنّها مِنْ مُقْتضاهُ وأثره.
ومنها قوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [النساء: 58] فإذا فهمتَ أنَّ الله أمرَ بأداءِ الأماناتِ كُلّها إلى أهلها: استدللتَ بذلكَ على وجوبِ حِفْظِ الأمانات، وعدمِ إضاعتِها والتّفريطِ والتّعدي فيها.
– الشيخ:
لأنّهُ يتوقّفُ، أداءُ الأمانات يتوقّف على حِفْظِها، عدمُ المحافظة عليها يؤدي إلى ضياعها، فيتعذّرُ أداؤها، فإذا عَلمَ العبدُ أنّهُ يجبُ عليهِ أداءُ الأمانة، فأداء الأمانة، ولهذا يُقالُ في القاعدة "ما لا يتمُّ الواجبُ إلّا بهِ فهو واجب" فهلْ يتحقَّقُ أداءُ الأمانةِ مع التفريطِ بها؟ لا، لا بدَّ مِنْ حِفْظِها حتى يتحقَّقَ ما أمرَ الله بهِ مِنْ أداءِ الأمانة، نعم، عدمُ إضاعتِها.

– القارئ: أحسن الله إليك،فإذا فهمتَ أنَّ الله أمرَ بأداءِ الأماناتِ كُلّها إلى أهلها: استدللتَ بذلكَ على وجوبِ حِفظِ الأمانات، وعدمِ إضاعتها والتّفريطِ والتعدّي فيها، وأنّهُ لا يتمُّ الأداءُ لأهلها إلّا بذلك.
وإذا فَهمتَ أنَّ أمرَ الله بالحكمِ بينَ النّاسِ بالعدل، استدللتَ بذلكَ على أنَّ كلَّ حاكمٍ بينَ النّاس في الأمورِ الكبارِ والصغار، لابدَّ أنْ يكونَ عالماً بِما يحكم بهِ: فإنْ كانَ حاكماً..

– الشيخ: فالأمرُ بالعدلِ يستلزمُ الأمرَ بالعلمِ؛ لأنّهُ لا يتحقَّقُ قيامُ الحاكمِ بالعدل إلّا أنْ يكونَ عندهُ علم، عِلمٌ بالحق، فالجّاهلُ لا يقدرُ على الحكم، ولذلكَ كان القاضي الجاهل الذي يَحْكم يعني بخلافِ العدل، بخلافِ الحق، كان يعني مُتوعَّداً بالنار (قاضيانِ في النّارِ، وقاضٍ في الجنّة)، وأحدُ القاضيين هو الذي يَحْكمُ بجهل.

– القارئ: أحسن الله إليك، فإنْ كانَ حاكمًا عاماً، فلابدَّ أنْ يُحصّلَ مِنَ العلمِ ما يؤهلهُ إلى ذلك، وإنْ كانَ حاكماً ببعضِ الأمورِ الجزئية كالشِّقاقِ بينَ الزوجين، حيثُ أمرَ الله أنْ نبعثَ حكماً مِنْ أهلهِ وحكماً مِنْ أهلها، فلا بدَّ أنْ يكونَ عارفاً بهذه الأمور التي يُريدُ أنْ يحكمَ بها، ويعرف الطريقَ التي توصله إليها، وبهذا بعينهِ نستدلُّ على وجوبِ طلبِ العلم، وأنّهُ فرضُ عينٍ في كلِّ أمرٍ يحتاجهُ العبد، فإنَّ الله أمرنا بأوامرَ كثيرة ونهانا عن أمورٍ كثيرة، ومِنَ المعلومِ أنَّ امتثالَ أمرهِ واجتنابَ نهيهِ يتوقّفُ على معرفتهِ وعلمهِ، فكيفَ يَتصوَّرُ أنْ يتمثَّلَ الجاهلُ الأمرَ الذي لا يعرفهُ، أو يدعَ الأمرَ الذي يَعْرفهُ؟
– الشيخ: يعني يجبُ على المُكلَّفِ أنْ يعرفَ ما أمرَ الله بهِ ليفعلهُ، ويعرفَ ما نهى الله عنهُ ليتجنبهُ، أمّا أنْ يعني يتيهَ في هذه الحياة، لا يسألُ عن حلالٍ ولا حرام، مثلاً الذي يريدُ أنْ يتعاطى التجارة يجبُ عليهِ أنْ يعرفَ ما يحِلُّ وما يحرُمُ مِنَ العقود، فلا يذهب يتصرّف على هواهُ وبحكمِ العادات، لا، يجبُ عليهِ أنْ يسأل، وإن لمْ تكن بطريق دراسة أنّهُ يروح يدرس ويقرأ، بس يسأل ويتفقّه في دينهِ، يمكنْ يسأل ماذا عليهِ أنْ يتجنّبه، يسأل مَنْ تيسّر لهُ مِنْ أهلِ العلم ليُعطيهِ يعني قواعدَ عامة في ما يجبُ عليهِ، وما يحرُمُ عليه.

– القارئ: أحسن الله إليك، وكذلكَ أمره لعبادهِ أنْ يأمروا بالمعروفِ وينهوا عن المنكر، يتوقفُ ذلكَ على العلمِ بالمعروفِ والمنكر، ليأمروا بهذا وينهَوْا عن هذا، "فما لا يَتِمُّ الواجبَ إلّا بهِ فهو واجب"، "وما لا يحصلُ تركُ المنهيِّ عنهُ إلّا بهِ فهو واجب".
فالعلمُ بالإيمانِ والعملِ الصالح مُقدّمٌ على القيامِ بهِ، والعلمُ بضدِّ ذلكَ مُقدّمٌ على تركهِ.
– الشيخ:
مثل ما قال الشيخ في المؤلف البسيط هذا أربع مسائل: الأولى العلم، العلم قبلَ القولِ والعمل، العلم قبل القول والعمل، هذا يعني معنى، ً يعني في الحقيقة رسَمهُ الشيخ في صدرِ كتابهِ ثلاثة الأصول: الأولى العلم، لا بد منه، العلم مقدمة، مقدمةٌ للعمل، مقدمةٌ للدعوة، فالعلم قبلَ القولِ وقبلَ العمل.

– القارئ: أحسن الله إليك، فالعلمُ بالإيمانِ والعمل الصالح مُتقدِّمٌ على القيامِ بهِ، والعلمُ بضِدِّ ذلك مُتقدِّمٌ على تركهِ؛ لاستحالة تركِ ما لا يعرفهُ العبدُ قصْداً وتقرّباً وتعبُّداً. ومِنْ ذلكَ الأمرُ بالجهاد..
– الشيخ: إلى هنا يا أخي
– القارئ: أحسن الله إليك.
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :القرآن وعلومه