الرئيسية/شروحات الكتب/القواعد الحسان لتفسير القرآن/(14) تتمة القاعدة الحادية عشرة: قوله “ومِن ذلك الأمرُ بتبليغ الأحكام الشّرعيّة والتّذكير بها”
file_downloadsharefile-pdf-ofile-word-o

(14) تتمة القاعدة الحادية عشرة: قوله “ومِن ذلك الأمرُ بتبليغ الأحكام الشّرعيّة والتّذكير بها”

 بسمِ اللهِ الرّحمنِ الرّحيمِ
شرح كتاب (القواعد الحِسان في تفسير القرآن)
الدّرس الرّابع عشر

***     ***     ***     ***

– القارئ: الحمدُ لله ربِّ العالمين، وصلّى الله وسلّم وبارك على نبيّنا محمدٍ وعلى آلهِ وصحبهِ أجمعين، أمّا بعد؛ فقال الإمام المصنّف عبدالرحمن بن ناصر السّعدي -رحمهُ الله تعالى- في كتابهِ "القواعد الحسان لتفسير القرآن":
ومِنْ ذلكَ الأمرُ بتبليغِ الأحكام الشرعية، والتذكيرُ بها، وتعليمُها..
– الشيخ:
ومن ذلك
– القارئ: الأمرُ بتبليغِ الأحكامِ الشرعية والتذكيرُ بها وتعليمُها فإنَّ كلَّ أمرٍ يحصلُ بهِ التبليغُ وإيصالُ الأحكامِ إلى المكلفين يدخلُ في ذلك، حتى إنُّه يدخلُ فيهِ إذا ثبتت الأحكامُ الشرعية، وَوُجدت أسبابها، وكانتْ تخفى عادةً على أكثرِ الناس، كثبوتِ الصّيام والفِطر والحج بالأهلّة وغيرهِ إبلاغها بالأصوات والرمي، وإبلاغها بِما هو أبلغُ مِنْ ذلكَ، كالبرقيات ونحوها.
وكذلك َيدخلُ فيهِ كلُّ ما أعانَ على إيصالِ الصوتِ إلى السامعين، مِنَ الآلاتِ الحادثة.
– الشيخ:
إيش، وكذلك؟
– القارئ: وكذلك َيدخلُ فيهِ كلُّ ما أعانَ على إيصالِ الصوتِ إلى السامعين، مِنَ الآلاتِ الحادثة.
– الشيخ:
الله المستعان، هذا كُلّه في موضوع أنَّ وظيفة الرسل هو البلاغ، إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ [الشورى:48]، فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلَّا الْبَلَاغُ [النحل:35]، والرسول عليه الصّلاة والسّلام لمّا خطبَ قال: (فليبلّغ الشاهدُ الغائِب) وقال: (بلِّغوا عَنّي ولو آية).
والتّبليغُ: إيصالُ المعلومات، إيصالُ الكلام ونقلُ الأفعالِ، فالصّحابةُ رضوانُ الله عليهم بلَّغوا هدْيَ نبيّهم، أقواله وأفعاله، بلَّغوا، والذين مِنْ بعدهم بلَّغوا ولمْ يزل ْكلُّ جيلٍ مِنَ العلماء، كلُّ جيلٍ مِنَ العلماء يُبلّغ مَنْ بَعْدهُ، هذا القرآن ولله الحمد محفوظٌ في أيدي المسلمين، في صدورهم وفي مصاحفهم، وهكذا سُنّةُ الرسول عليه الصّلاة والسّلام محفوظةٌ في دواوينِ الإسلام، في المُصنَّفاتِ العظيمة المحفوظة.
والتبليغ يُنبِّه الشيخُ على أنَّ التّبليغ يَحْصُل بكلِّ طريقة، بالتّعليم بسائرِ طُرقهِ، تبليغُ العلمِ، تبليغُ الأحكام، الواجبات، والسُّنَنُ، حتى يقول الشيخ تبليغُ النّاسِ مثلاً عَنْ ثبوتِ رؤية الأهِلَّةِ كهلالِ رمضان، هذا من تبليغُ الدين، مِنْ تبليغِ الدين، يعني هذا يتعلَّقُ بهِ الدين، "ما لا يتمُّ الواجبُ إلّا بهِ فهو واجب".

– القارئ: أحسن الله إليكم، قال: وكذلكَ يدخلُ فيهِ كلُّ ما أعانَ على إيصالِ الأصواتِ إلى السّامعين، مِنَ الآلات الحادثة، فحُدُوثها لا يقتضي مَنْعَها، فكلُّ أمرٍ ينفعُ الناس.
– الشيخ: يُشير يعني إلى مسالة "البرقية ومسألة الراديو"، هذا الذي أدْركهُ الشيخ ولا حول ولا قوّة إلّا بالله، وهكذا الآلات الأخرى كالاتصالات الهاتفية، هذه وسائل عظيمة الأثر في الخيرِ والشر، عظيمة الأثر في الخيرِ والشرِّ، فهي بحسبِ استعمالها.
 
– القارئ: فحدوثها لا يقتضي مَنْعَها، فكلُّ أمرٍ ينفعُ النّاس فإنَّ القرآنَ لا يَمْنَعهُ، بلْ يدلُّ عليهِ لِمَنْ أحسنَ الاستدلالَ والانتفاعَ بهِ، وهذا مِنْ آياتِ القرآن.
– الشيخ:
لمن ايش لمن؟
– القارئ: لِمَنْ أحسنَ الاستدلالَ بهِ.
– الشيخ: هذا هو التّنبيهُ الحسن، لِمَنْ أحسنَ الاستفادة والاستعمال، فهذه الآلات بِحسبِ استعمالها، نعم، وهذا..
– القارئ: وهذا مِنْ آياتِ القرآن وأكبرِ براهينهِ، أنّهُ لا يمكن أنْ يحدثَ علمٌ صحيح يَنْقُضُ شيئاً منهُ، فإنّهُ يَردُ بِما تشهدُ بهِ العقول جملةً وتفصيلاً، أو يَرِدُ بِما لا تهتدي إليهِ العقول.
وأمّا ورودهُ بِما تُحيلهُ العقولُ الصحيحة وتمنعهُ فهذا مُحال، والحِسُّ والتّجربة شاهدانِ بذلك، فإنّهُ مهما توسّعت الاختراعاتُ وعَظُمتْ الصناعات، وتبحَّرتْ المعارفُ الطبيعية، وظهرَ للناسِ في هذه الأوقات ما كانوا يجهلونهُ قبلَ ذلك، فإنَّ القرآنَ ـ ولله الحمدُ ـ لا يُخبرُ بإحالتهِ، بلْ نجدُ بعضَ الآياتِ فيها إجمالٌ أو إشارةٌ تدلُّ عليه. وقدْ ذكرنا شيئاً مِنْ ذلك في غيرِ هذا الموضع. والله أعلمُ وأحكم وبالله التوفيق.

– الشيخ:
رحمهُ الله، وجزاهُ الله خيراً ورحمهُ، لا إله إلا الله، بعده، ومنها.
– القارئ: القاعدة الثانية، القاعدة الثانية عشرة..
– الشيخ: لا إله إلا الله، اقرأ شيئاً منها
– القارئ: القاعدة الثانية عشرة: الآياتُ القرآنية التي يَفهمُ منها قِصارُ النظر التعارض.
– الشيخ: قاصر، إيش قِصار؟
– القارئ: نعم
– الشيخ: قِصار، قاصروا النظر، نعم، يَفهم منها قاصروا،
– القارئ: الآياتُ القرآنية التي يَفهم منها قاصروا النظر التعارض: يجبُ حملُ كلُّ نوعٍ منها على ما يليقُ ويناسبُ المقام كلٌّ بحسبه. وهذا في مواضع مُتعدِّدة من القرآن: منها: الإخبار.
– الشيخ: المقصودُ إنَّ القرآن مُنزَّهٌ عن الاختلاف والتناقض، أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا [النساء:82]
وسمّاه ووصفهُ الله بالإحكام وهو الإتقان، فالقرآنُ كُلّه مُحكَم مُتقنٌ، بريءٌ مِنَ التناقض والاختلاف، ووصفهُ بالتّشابه فهو مُتشابِه في ذلك، مُتشابِه في الإحكام، يُصدِّق بعضُه بعضاً، يدلُّ بعضهُ على بعض، فلا تناقضَ فيهِ البتَّة، لكنْ هناكَ نصوص يَتوهّمُ مِنْها بعضُ النّاسِ التعارض، ولهذا يُقيِّدُ العلماء يقولون: هذه الآيات بينها تعارضٌ في الظاهر، يعني يَظهرُ لبعضِ الناس أنّها متعارضة وهي ليستْ كذلك، ويَحصلُ الخروجُ مِنْ هذا بالجمع، بالجمعِ بينَ الأدلّة، وهذا شأنُ العلماء.
 
– القارئ: أحسن الله إليكم، منها: الإخبارُ في بعضِ الآياتِ أنَّ الكفّار لا ينطقونَ، ولا يتكلمونَ يومَ القيامة، وفي بعضها: أنّهم يَنْطِقونَ ويُحاجُّون ويعتذرونَ ويعترفون: فمَحْمَلُ كلامِهم ونُطْقِهم: أنّهم في أوّلِ الأمرِ يتكلّمونَ ويعتذرون.
– الشيخ: فمحملُ؟
– القارئ: كلامهم
– الشيخ: ايه
– القارئ: ونطقهم
– الشيخ: نعم
– القارئ: أنّهم في أوّلِ الأمرِ يتكلّمونَ ويعتذرون، وقدْ يُنكِرون ما هُمْ عليهِ مِنَ الكفر، ويُقسِمُونَ على ذلك، ثمَّ إذا ختمَ على ألسِنَتِهم وأفواهِهم، وشَهِدَتْ عليهم جوارحُهم بِما كانوا يكسِبون، ورأوا أنَّ الكذبَ غيرُ مفيدٍ لهم أُخْرِسوا فلمْ ينطقوا.
وكذلكَ الإخبارُ بأنَّ الله تعالى لا يُكلّمهم، ولا ينظرُ إليهم يومَ القيامة، معَ أنّهُ أثبتَ الكلامَ لهمْ معهُ، فالنفيُ واقعٌ على الكلامِ الذي يسرُّهمْ، ويجعلُ لهم نوعَ اعتبار.
وكذلكَ النظرُ والإثباتُ واقعٌ على الكلامِ الواقعِ بينَ الله وبينهم على وجهَ التّوبيخِ لهم والتّقريع، فالنفيُ يدلُّ على أنَّ الله ساخطٌ عليهم، غيرُ راضٍ عنهم، والإثباتُ يوضّحُ أحوالهم، ويُبيِّن للعبادِ كمالَ عدلِ الله بهم، إذ هو يضعُ العقوبة مَوْضِعَها.

– الشيخ: الله المستعان
– القارئ: ونظيرُ ذلك أنَّ في بعضِ الآياتِ أخبرَ أنّهُ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلَا جَاْنٌ [الرحمن:39]، وفي بعضها أنه يسألهم: أين مَا كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ [الشعراء:92] و: مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ [القصص:65]، ويسألهم عَنْ أعمالِهم كُلِّها.
فالسؤال المنفي: هو سؤالُ الاستعلام والاستفهام عن الأمورِ المجهولة، فإنّهُ لا حاجة إلى سؤالهم، معَ كمالِ عِلمِ الله، واطِّلاعهِ على ظاهرهم وباطنهم وجليلِ أمورِهم ودقيقِها.
والسؤال المُثْبَت: واقعٌ على تقريرهم بأعمالهم وتوبيخهم وإظهارِ أنَّ الله حَكَمَ فيهم بعدلهِ وحِكْمتهِ.
– الشيخ:
إلى هنا، بارك الله فيك
– القارئ: أحسن الله إليكم
– الشيخ: الإمام أحمد رحمهُ الله ذكرَ أشياءً مِنْ هذه في كتابهِ "الردُّ على الجّهمية والزنادقة" فيما شكَّت فيهِ مِنْ مُتشابهِ القرآن، وكذلكَ شيخنا الشيخ محمد الأمين الشنقيطي ألّفَ كتاباً بهذا، "دفعُ إيهامِ الاضطرابِ عنْ آياتِ الكتاب".
 
 

معلومات عن السلسلة


  • حالة السلسلة :مكتملة
  • تاريخ إنشاء السلسلة :
  • تصنيف السلسلة :القرآن وعلومه